بذلت الدولة بالفعل جهودا كبيرة عبر توزيع الدعم المادي على الأسر الفقيرة والمعوزة، ووفرت لذلك موارد مالية ضخمة، وذلك في سياق إجراءات مواجهة تفشي “كوفيد – 19” والسعي لإنجاح الالتزام بمقتضيات حالة الحجر الصحي، وكل هذا لا يمكن إغفاله أو إنكاره، وإنما يستحق هذا الجهد الإشادة، كما أن التجربة تمنحنا فرصة التفكير في أشكال استدامة ذلك، والبناء عليه لتطوير منظومة الحماية الاجتماعية وتأمين حد أدنى من مستوى العيش للفقراء من شعبنا.
لكن قبل هذا، لا بد من الإقرار بوجود اختلالات وتجليات قصور في منظومة توزيع هذا الدعم الآن وفِي جوانبه الإجرائية والتدبيرية في الميدان، وهو ما يجب تسريع التدخلات للمعالجة وإيجاد الحلول الناجعة.
البلاد تتجه نحو رفع الحجر الصحي، ولكن لا زال مواطنات ومواطنون في جهات مختلفة من البلاد يحتجون على عدم استفادتهم من الدعم المالي أو أي شكل من أشكال المساعدة التي وفرتها السلطات العمومية.
ما تناقلته الأخبار في الأسابيع الأخيرة، وما يرويه الناس فيما بينهم في مناطق عديدة، ليس كله خطأ أو فبركة أو مبالغة أو تهويلا، ولكن هناك فعلا أسرا معدمة لم يصلها الدعم لهذا السبب أو ذاك، وفِي المقابل هناك غير مستحقين استفادوا، وهذه النقائص خلفت معاناة اجتماعية ومادية ونفسية لدى كثيرين، أسر بكاملها وأرامل ومن يعيشون فرادى لوحدهم، ومياومين انقطع رزقهم بمنعهم من الخروج إلى الشارع، ومن هؤلاء المحرومين من خرج يحتج على ذلك، ولكن أيضا هناك أعدادا من هؤلاء تحملوا المعاناة حياء وتعففا.
لا بد إذن من تعبئة خاصة من طرف السلطات الإدارية المحلية بهذا الخصوص، واستثمار كل الآليات الممكنة للوصول إلى هذه الفئات الفقيرة والمعوزة في أقرب وقت، وبالتالي منح المساعدة الضرورية لكل مستحقيها دون أي إقصاء أو نسيان، ومساندتهم لمواجهة أعباء الحياة وما تسببت لهم فيه الجائحة، ومواكبتهم للعودة إلى الحياة بشكل طبيعي.
من المؤكد أن القصور المتحدث عنه هنا نجم عن ارتباكات ميدانية مختلفة، كما أن ذلك، في كل الأحوال، لا يلغي نجاح العملية بشكل كبير، وتميزها ضمن هذه الظرفية المجتمعية الصعبة، ولكن لتتويج هذا النجاح الواضح لا بد بالفعل من إتمام تمكين الذين لم يحصلوا على الدعم من ذلك في أقرب وقت.
وانطلاقا من هذا، لا بد أن نتمعن أيضا في الحجم المهول للهشاشة الاجتماعية الذي فضحته أيام الحجر الصحي، وفِي الأعداد الكبيرة من مواطناتنا ومواطنينا الذين يعانون من الفقر والخصاص والحاجة، ومن ثم لا يمكن لأي تخطيط للمستقبل أن يقفز على هذا الواقع، وإنما يجب إدراجه ضمن مرتكزات البناء التنموي المطلوب في المرحلة القادمة، والذي يجب أن يقوم على الإنسان أولا، وأن ينتبه إلى أهمية توطيد استقرار المجتمع، وتمتين ثقة المغربيات والمغاربة في وطنهم.
< محتات الرقاص