أقدمت الناشطة الانفصالية أميناتو حيدر مؤخرا على خلق هيئة جديدة تتبنى صراحة الانفصال، وذلك بعد أن كانت قد حلت تنظيمها السابق، الذي كان يتخفى وراء اليافطة الحقوقية.
ورغم الاستنكار الواسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي لهذا الاستفزاز الجديد الذي اقترفته المعنية بالأمر، فإن السلطات المغربية لم يصدر عنها أي رد فعل إجرائي أو إداري في حق من يسمون”انفصاليي الداخل”، والذين يبدو أنهم انتقلوا إلى سرعة أكبر في الاستفزاز.
من المؤكد أن هذه الخطوة الصادرة عن مريدي الجبهة الانفصالية تأتي نتيجة السياق العام المحيط بتطورات النزاع المفتعل حول الوحدة الترابية للمملكة، ومن ثم هي دليل آخر على مختلف الاختناقات التي تلف خصوم المغرب منذ فترة.
لا بد، في هذا الإطار، أن نستحضر كون إكراهات زمن الجائحة الوبائية، جعلت كل الدول تهتم بظروفها الداخلية والمعاناة الصحية والمجتمعية لشعوبها، ومن ثم تعرت الجماعة الانفصالية من أي رعاية خارجية، وتعالت، عكس ذلك، نداءات التعاطف مع سكان المخيمات جراء المخاطر الصحية التي تهددهم، عقب تفشي كورونا.
وهذه المعاناة أضيفت للتوترات الداخلية التي كانت تشهدها المخيمات منذ مدة، وأيضا الاحتجاجات التي تصاعدت هناك ضد القيادة المتحكمة.
وعندما نستحضر كل هذا، ونضيف إليه إقدام عدد من الدول على سحب اعترافها بالجمهورية الوهمية، وتنامي الحراك الجزائري الشعبي الداخلي، وترقب حدوث تغيرات جوهرية في أولويات السياسة الدولية بعد الجائحة، كل هذا يفسر سبب لجوء الجبهة الانفصالية اليوم إلى خطوات استفزازية جديدة تجاه المملكة، والسعي إلى افتعال توترات جانبية تلفت إليها الانتباه، خصوصا في ظل انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة، واستمرار عدم تعيين مبعوث أممي جديد مكلف بالملف، واقتراب موعد تجديد ولاية مينورسو …
هنا، يعتبر الاستفزاز الأرعن بمعبر الكركرات، ومحاولات تغيير موازين القوى على الأرض، والتهديدات الكلامية بالحرب والعودة إلى حمل السلام، والرسائل المتكررة إلى الأمين العام للأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي، وأيضا تصريحات الرئيس الجزائري، وما يصدر عن جنرالات العسكر هناك من تصريحات معادية للوحدة الترابية للمغرب، والحملات الإعلامية التهجمية لماكينة البروباغندا الجزائرية…، من عناوين السياق المذكور، وكل هذا تضاف إليه خطوة استفزازية أخرى تمثلت في خلق هيئة تنادي بالانفصال وتكون صدى مباشرا للجبهة الانفصالية، علاوة على ما يجري اقترافه حاليا بمعبر الكركرات من عراقيل واستفزازات.
وكامل هذا السياق، بقدر ما يفسر ما يجري من لدن الانفصاليين، فهو أيضا يعبر عن اختناق كبير تعاني منه الجبهة المعلومة، ويجعلها تمشي بلا أي أفق، أو أنها تبحث لنفسها عن متنفس لتصريف مشاعر اليأس و… الهزيمة والخيبة.
وحتى على المستوى الدولي، لم تبرز أي تغيرات جوهرية في المواقف لحد الآن برغم كل هذه الضغوط والاستفزازات ، عدا استمرار العزف الاستفزازي العقيم للدبلوماسية الجزائرية، مع المرافقة اللحنية لدول صديقة لها لا يصل عددها لعدد أصابع اليد الواحدة.
وتبعا لكل هذا، لا يبدو أن القفزة البهلوانية الجديدة لأميناتو حيدر ستكون مختلفة عن سقطاتها السابقة، أو أنها ستحقق، من خلالها، أكثر مما حققته جراء استفزازاتها السابقة والمتكررة للحقوق الوطنية المشروعة للمغرب.
وعلى كل حال، المغرب مستمر في تطوير منجزه التنموي والديمقراطي على الأرض داخل الأقاليم الجنوبية، وهذا هو الرد الحقيقي والمطلوب على أمثال حيدر وسواها، خصوصا أن أسيادها في تيندوف أنفسهم باتوا اليوم في مواجهة رفض الساكنة لهم وتوالي الاحتجاجات ضد تحكمهم واستبدادهم.
كما أن المنتظم الدولي ازداد اقتناعه اليوم بطبيعة هذا الكيان الانفصالي المصطنع، ولم يعد يقبل استمرار ممارساته المافيوزية في المنطقة، وتهديداته الواضحة للسلام والأمن بالمنطقة، والأمم المتحدة، لم تتردد في دعوة الجبهة المعلومة إلى عدم عرقلة السير والتجارة بمعبر الكركرات، علاوة على أن العالم برمته لاحظ أن هؤلاء لا يعرضون أي مقترح لحل النزاع المفتعل، على غرار المملكة التي ما فتئت كل مرة تشدد على التزامها بالسعي إلى حل سياسي عادل ونهائي ومتفق عليه لملف الصحراء.
وكل هذا، يفسر اليوم تعاطي السلطات المغربية بهدوء وتعقل مع الاستفزاز الأخير، وعدم الانجرار إلى الفخ، ولكن هي تلتزم، في نفس الوقت، بالكثير من اليقظة لحماية الأمن، وتفادي تهديد الاستقرار المجتمعي العام، والدفاع عن كل مصالح المواطنين بالأقاليم الجنوبية، وأيضا عدم المس بمقومات السيادة الوطنية، وكل الحقوق المشروعة للبلاد.
<محتات الرقاص