تطرح الاستحقاقات الانتخابية المقرر تنظيمها هذه السنة ببلادنا كثير تطلعات ورهانات، وهي لا ترتبط فقط بالجوانب القانونية والتنظيمية وقواعد احتساب الأصوات، ولعل أبرز تلك الرهانات تنبثق من السياق الزمني والمجتمعي والسياسي لهذه الانتخابات التي ستشمل كل مستويات الاقتراع مرة واحدة، وفِي إطار مقتضيات قانونية جديدة، وهي تنظم في إطار تداعيات زمن كورونا، كما أنها تقام بعد ولايتين حكوميتين متتاليتين كانتا تحت رئاسة مرجعية سياسية واحدة، وشهدت هذه الفترة الزمنية حراكات اجتماعية في عدد من البلدان العربية، وضمنها المغرب، كما أنها ابتدأت وطنيا ضمن سياق دستور جديد تمت المصادقة عليه سنة 2011…
وبقدر ما يستدعي كامل هذا الامتداد الزمني والسياسي تقييما موضوعيا ورصدا لحصيلته في مختلف المجالات، بما في ذلك على صعيد أداء الحكومة وأغلبيتها ورئاستها، فإن الواضح أن المغرب نجح، في كل الأحوال، في صيانة استقراره العام ومواصلة ترسيخ بنائه المؤسساتي والديمقراطي والتنموي، وتحقيق نجاحات دبلوماسية مهمة، ولكن ذلك كله لم يمنع، في نفس الوقت، استمرار معضلات أخرى، خصوصا الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية، وحاجة البلاد إلى ضخ نفس ديمقراطي جديد، من شأنه التخفيف من القلق والحيرة وسط المجتمع.
يقودنا ما سبق، إلى التأكيد على أن»الثقة»هي التطلع الأبرز اليوم صلة بالاستعداد لتنظيم انتخابات هذا العام، أي أنها يجب أن تجسد، من خلال الاهتمام الشعبي بها والإقبال على المشاركة فيها، ثقة الشعب في مؤسسات بلاده وفِي أهمية الانتخابات وما سينبثق عنها من هيئات تمثيلية.
في نفس الإطار، تعتبر»المصداقية»تحديا ثانيا لهذه الانتخابات، سواء بالنسبة للاقتراع نفسه ولكل مراحل العملية الانتخابية، أو للنتائج التي ستنجم عنها وتركيبة المؤسسات بناء على ذلك، أو أيضا لأداء الأحزاب وما ستقدمه للناخبين كعرض برنامجي وترشيحات وخطاب وتحالفات.
تبعا لذلك، إن مصداقية العملية الانتخابية يجب أن تستحضر كذلك أهمية العمل على تقوية الأحزاب وتمتين استقرارها الداخلي وإشعاعها المجتمعي وحضورها العام، وأيضا احترام استقلاليتها.
«الثقة»و»المصداقية»المشار إليهما، يجب إذن أن يكتسبا الامتداد الضروري، وأن يحضرا في السلوك المهني والتثقيفي لوسائل الإعلام الوطنية، وخصوصا في السمعي البصري، وأن يؤطرا خلفية المتابعة الإعلامية لمختلف أطوار ومراحل الاستحقاقات المنتظرة، وذلك بلا تبخيس أو تمييز أو سطحية.
انتخابات 2021 ينتظر منها تشكيل مؤسسات مغرب ما بعد كورونا، وإفراز هياكل ومسؤولي وتصورات تدبير العديد من الرهانات الوطنية، على غرار: النموذج التنموي الجديد، انتعاش الاقتصاد، تطورات قضية الوحدة الترابية، المعادلات المستجدة دوليا وإقليميًا، تعزيز الإصلاحات الوطنية المختلفة، تحسين الأوضاع المعيشية وتحقيق العدالة الاجتماعية…، ومن ثم يبقى التطلع الجوهري هو أن تنبثق عنها خريطة سياسية ومؤسساتية أكثر وضوحا وانسجاما، وتقدم تركيبات بشرية داخل المؤسسات المنتخبة تمتلك الكفاءة المعرفية والمصداقية الأخلاقية والسياسية، وتستطيع تعزيز جودة أداء المؤسسات وتنمية فاعليتها.
لن يتحقق هذا من دون الحرص على تقديم بروفيلات ممتلكة لهذه المؤهلات، ومن دون تفادي الترضيات الأنانية، ومن دون حسابات عقيمة ومفتقرة للأفق، ولن يتحقق هذا أيضا من دون أن يحضر المضمون السياسي الواضح والقوي داخل المؤسسات المنتخبة، أي من دون الحرص على تثمين السياسة وعمل الأحزاب الجادة.
وكل هذا لن تنجح فيه بلادنا من دون مشاركة شعبية قوية ومواطنة للناخبات والناخبين في الاقتراع، وذلك بالتسجيل والإقبال على التصويت والترشيح، وكذلك مراقبة نزاهة وسلامة العملية الانتخابية، ومحاربة شراء الأصوات…
هكذا يمكن لبلادنا أن تربح رهان انتخابات 2021، وتجعل منها بداية مرحلة سياسية جديدة في مسارها العام، وتخرج بذلك من منغلقات المساطر ومعادلات الاحتساب.
<محتات الرقاص