نتابع باهتمام بالغ كل ما يتعلق بتداعيات عملية “تهريب” رئيس المرتزقة إبراهيم غالي إلى إسبانيا للعلاج بهوية مزورة، كما نتابع ردة الفعل الإيجابية لمغاربة العالم بصفة عامة ولمغاربة إسبانيا بصفة خاصة وخروجهم للمطالبة بمحاكمة “السفاح” إبراهيم غالي على كل جرائمه سواء بصفته وزيرا للدفاع أو سفيرا لدى الجزائر أو حتى بصفته زعيما لتنظيم المرتزقة…
كما نسجل إصرار الضحايا على المتابعة فوق الأراضي الإسبانية حيث هو مطلوب لدى مؤسسات العدالة الإسبانية.. وتنظيم بعض مكونات المجتمع المدني بإسبانيا لوقفات احتجاجية للضغط على المسؤولين أمام الرأي العالم المحلي والوطني الإسباني والدولي… لمحاكمة إبراهيم غالي على كل جرائمه ضد الإنسانية…
وعملية نقل إبراهيم غالي للاستشفاء بإسبانيا بجواز ديبلوماسي مزور، بعد رفض السلطات الألمانية، ليست بالأمر الهين، إذ أن تزوير جواز السفر هو أولًا، إنكار للهوية الحقيقية لحامله، وهو جرم خطير يدخل في عداد جرائم الإرهاب الدولي.. ويعاقب عليه القانون الإسباني وكذا قوانين الاتحاد الأوروبي..
وثانيا، محاولة للإفلات من العقاب لأن “إبراهيم غالي” مطلوب للعدالة الإسبانية وصدرت في حقه قرارات قضائية…
وثالثًا، هو اعتراف ضمني باقتراف إبراهيم غالي لجرائم ضد الإنسانية من تعذيب واغتصاب وإبادة جماعية واختفاء تعسفي وغيرها…
رابعا، هو دليل قوي على أن البوليساريو وكل بيادقها هم فقط دُمى و”عَرائِس” تحركهم السلطات الجزائرية وتلبسهم جلباب الحكومة أو الجيش أو الحقوقيين… وقت ما تشاء وحيث ما تشاء..
الأكيد هو أن هذه العملية عرت عن تنسيق على أعلى مستوى بين إسبانيا في شخص رئيس حكومتها سانشيز والجزائر في شخص رئيسها عبد المجيد تبون، وتم تقديم ضمانات بعدم المتابعة القضائية لإبراهيم غالي… لكن ما هو المقابل الذي جعل رئيس الحكومة الإسباني يغامر بالعلاقات المغربية الإسبانية..؟ وهل يمكن التسليم أن أجهزة الاستخبارات بالبلدين لم تستشعر تداعيات فرضية وصول المعلومة إلى المغرب..؟ وهل هي الثقة المفرطة والزائدة في عمل تلك الأجهزة …؟ أم هي فقط قوة يقظة الأجهزة المغربية…؟
لذلك طرحنا سابقا سؤالا، يتضمن فرضية تضحية النظام الجزائري بإبراهيم غالي وهو الرجل الطاعن في السن (73سنة )، والذي فشل في إخماد التيارات الوحدوية داخل المخيمات ولم ينجح في إحداث “أًلشُوshow ” السياسي والحقوقي والإعلامي المناسب في العديد من المحطات، بدءا بمحاكمة مخيمات “اكديم ازيك”، إلى عودة المغرب للمنظمة الإفريقية والاشتغال بقوة داخل لجانها ومؤسساتها، كما لم ينجح في وقف نزيف سحب الاعتراف بالكيان الوهمي، ومشاركة ممثلي الأقاليم الصحراوية المغربية في محادثات جنيف والبرتغال واستقالة المبعوث الشخصي للأمين العام في ملف الصحراء المغربية، بالإضافة إلى ملف جائحة الكوفيد19 والخصاص الهائل في المجال الصحي وانهيار المساعدات المالية والعينية…
بالمقابل نسجل التدبير الحكيم للمغرب في موضوع الكركرات والإجماع العربي والإفريقي والدولي حول أحقية التدخل السلمي للمغرب من أجل التدفق السلمي للسلع للبضائع والشاحنات إلى العمق الإفريقي.. وتوالي عمليات افتتاح القنصليات في مدينتي العيون والداخلة ثم الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء….
وقد ظلت البوليساريو أثناء كل هذه المحطات ضد قرارات مجلس الأمن الدولي وضد الشرعية الدولية وشكلت مصدر تهديد للسلم العالمي بإعلانها من جانب واحد عن نهاية اتفاق وقف إطلاق النار لسنة 1991.. بالتوازي مع نشرها للإعلانات الحربية المثيرة للشفقة من البوليساريو… وغير ذلك مما قد يدفع بجنرالات الجزائر لتقديم إبراهيم غالي “كبش فداء” لهذا الصراع الجبان حول قضية وهمية، وتقديمه للعدالة الإسبانية عسى أن يستفيد من بعض ظروف التخفيف لحالته الإنسانية والصحية المتدهورة، وبهذا قد تَطوي الجزائر صفحة إبراهيم غالي، كإجراء استعجالي لتقليص الخسائر السياسية والكلفة المالية لتبعات كيان البوليساريو…
لكن يقظة الأجهزة المغربية وضعت الحكومة الإسبانية وأجهزتها الأمنية في ورطة سياسية حقيقية.. سواء أمام الجار المغرب أو الشركاء في الاتحاد الأوروبي أو أمام الإعلام الإسباني والعالمي.. كما جعلت، من جهة أخرى، استقلالية القضاء الإسباني في المحك خاصة بعد إعلان الحكومة الإسبانية عن ضمانات عدم المتابعة تحت مبررات “الظروف الإنسانية”..!
ولوحظ في نفس الآن خروج أبواق البوليساريو مرة لإنكار تواجد زعيمهم باسبانيا، ومرة لتأكيد خبر وجوده في مستشفى إسباني من أجل تداعيات كوفيد 19، مع صمت إعلامي تام للحاضنة الجزائر… وهو ما يدفعنا للتشكيك في صحة أغلب روايات البوليساريو والحكومة الإسبانية، وإن الاختفاء وراء “الظروف الإنسانية” هو فقط لتبرير اتخاذ القرار المضر بالعلاقات التاريخية بين المغرب وإسبانيا..
إن الرغبة في التوصل إلى القراءة الأقرب إلى العقل والمنطق بعيدا عن أي انفعال عاطفي أو وطني، هو ما يدفعنا دائما إلى عدم إهمال كل التفاصيل مهما بلغت درجة حجمها أو توقيت حدوثها..
لذلك فاننا نعتقد أولا، أن فرضية إصابة إبراهيم غالي أو محمد بن بطوش بمرض السرطان أقوى من إصابته بالكوفيد 19كما تدعي البوليساريو، وهو ما تطلب نقله إلى مؤسسة طبية متخصصة في الأنكولوجيا بـ “لاريوخا” الإسبانية..
ثانيا، إن اختيار مدينة “لوغرونيو” Logrono عاصمة منطقة “لاريوخا” La Rioja لم يكن صدفة، إذا علمنا أن منطقة “لاريوخا” الحدودية مع منطقة “الباسك” تتمتع بنظام الحكم الذاتي، وأن مدينة “لوغرونيو” لها توأمة مع إحدى خيام تيندوف منذ سنة 1991، وهو ما يعني تبادل الزيارات وتخصيص دعم مالي سنوي ودعم سياسي وإعلامي لأطروحة الانفصاليين.. فهل تواجد غالي / بن بطوش بمدينة “لوغرونيو” هو إحدى قنوات الإفلات من العقاب وضمانة بعدم تسليمه للقضاء الإسباني؟
لكن ما نشره الدكتور Emanuele Ottolenghi (وهو دكتور في العلوم السياسية وأستاذ تاريخ إسرائيل بجامعة أوكسفورو مدير “تينك تانك” TransatlanticInstitute منذ سنة 2006..) (ما نشره) في موقع “منظمة الدفاع عن الديمقراطيات” FDD والتي يوجد مقرها بواشنطن العاصمة، في فاتح أبريل 2021.. لا يجب أن يمر مرور الكرام، لأنه سلط الضوء على موضوع مهم جدا يتعلق بالعلاقات المغربية الإيرانية وحزب الله والملف الديني بأوروبا والبوليساريو والجزائر وفينزويلا…
فقد ذكًر الكاتب بقطع المغرب لعلاقاته الديبلوماسية مع إيران سنة 2009 تضامنا مع مملكة البحرين ورفض المساس بسيادته ووحدته الترابية… ثم سنة 2018 عندما تبث ضلوع تعاون حزب الله مع عصابة البوليساريو وتسليح وتدريب عناصرها، وزيارة “النانة لبات الرشيد” لبيروت سنة2017 مع وفد من البوليساريو ولقائهم بقياديي حزب الله…
كما كشف الكاتب عن تاريخ إيران وحزب الله في تزوير جوازات السفر لتحقيق غايات مشبوهة وأنشطة إرهابية.. مذكرا بتوقيفات أفراد “حزب الله” بكل من البيرو (Mohammad Amadar بجواز سفر دولة سيراليون سنة 2014 )، وإيقاف إيرانييْن بجوازات سفر إسرائلية مزورة بالأرجنتين سنة2019 .. كما أن الأجهزة الأمنية الأرجنتينية ستذهب إلى أن تلك الجوازات تم تزويرها باسبانيا…
وبعدها بشهور قليلة سيتم توقيف إيرانييْن آخريْن بجوازات سفر مزورة بدولة الإكوادور… وفي 6 يناير 2021 سيتم بالمغرب إيقاف مواطن لبناني ينتمي إلى حزب الله وبحوزته جوازات سفر متعددة وبطاقات هوية… بالإضافة إلى تسليم السلطات المغربية المواطن اللبناني “قاسم تاج الدين” وهو المسؤول المالي لحزب الله سنة 2017 للسلطات الأمريكية التي ستطلق سراحه في يوليوز 2020.. ويحتمل في إطار عملية تبادل الأسرى…
الكاتب سيكشف عن ملف شائك تُصارع فيها ايران (الشيعة) المغرب (السنة)، أي الشأن الديني وإصرار إيران على نشر التشيع وسط أفراد الجالية المغربية بأوروبا.. مع تسخير كل إمكانياتها المالية وإغراءتها البترولية لتمكين “مؤسسة آل البيت” من نشر التشيع بأوروبا.. وللتذكير فقد افتتحت إيران مقرا كبيرا “لمؤسسة آل البيت” بمدريد الإسبانية.. حيث تعتمد على خدمات اللاجئين العراقيين الشيعيين المتواجدين بإسبانيا.. في عمليات نشر التشييع…
كما لم يخفِ الكاتب مرارة إيران عند توقيع المغرب لإعادة العلاقات مع إسرائيل في دجنبر 2020.. وهو ما يطرح عدة أسئلة عند توقيف عضو بحزب الله بالمغرب ومعه جوازات مزورة وبطائق هوية متعددة، بعد شهر فقط من توقيع إعادة العلاقات المغربية / الإسرائيلية…!
إن كل هذه العوامل مجتمعة تقربنا من قوة فرضية تواطئ كل من إيران وحزب الله في عملية “وادي إيبرو” إلى جانب الجزائر في تهريب المجرم “إبراهيم غالي” إلى إسبانيا بجواز سفر مزور، تَجنبا للمساءلة القضائية وبعيدا عن الإعلام العالمي والمؤسسات الحقوقية…
فإبراهيم غالي / بن بطوش، مطالب بالمثول أمام القضاء الإسباني للإجابة عن جرائم الاغتصاب والقتل والإبادة الجماعية والاختفاء القسري… في وقت تتصدر فيه ثقافة حقوق الإنسان ومحاربة العنف ضد النساء فيما يطلق عليه الآن “ثقافة الاغتصاب” أو CultureRape.. كل العناوين الكبرى تحت القيادة الأمريكية الجديدة.. أي في عهد الديمقراطي جو بايدن..
إن واقعة تزوير جواز سفر لزعيم المرتزقة غالي / بن بطوش، من طرف الأجهزة الأمنية الجزائرية والدخول لإسبانيا منتحلا لهوية مزورة.. فبالإضافة إلى أنه جرم يعاقب عليه القانون… فإنه يدفعنا لاستحضار تاريخ وذكرى “أدولفو خامينسكي Adolfo kaminsky” والذي يعد أحد أكبر أيقونات تزوير الجوازات والوثائق الشخصية في العالم…
“أدولفو” هذا، استثمر موهبته في التزوير طيلة ثلاثين عاما من أجل إنقاذ المئات من اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية.. كما ساعد الجنود الفرنسيين الفارين من التجنيد في حرب لاندوشين وغيرهم من رجال المقاومة ومعارضي الأنظمة الديكتاتورية بكل من إسبانيا والبرتغال واليونان ودول أمريكا اللاتينية والوقوف إلى جانب مانديلا ضد الأبارتايد… كما قدم خدماته “لجبهة التحرير الوطني” أثناء الحرب الجزائرية في أواخر الخمسينات وبداية الستينيات.. ولكل معارضي الحرب الجزائرية سواء داخل شبكة جينسون RéseauJeanson، أو شبكة كوريال RéseauCuriel…
وفي سنة 1971 سينتقل “أدولفو” للعمل والعيش في الجزائر، وهناك سيقدم دورات تكوين وتدريب العديد من الجزائريين وناشطين من أنغولا وجنوب إفريقيا… وغيرهم على تزوير جوازات السفر والوثائق الشخصية…
لكن المفارقة الصارخة هي أنه إذا قام “أدولفو كامينسكي” بتزوير جوازات السفر من أجل الحرية وإنقاذ حياة الناس ومنع العنف والاغتصاب والإبادة الجماعية… واستحق بذلك لقب “البطل” وأوسمة رفيعة… فإن جنرالات الجزائر وبعض تلامذته (مَجَازًا)، وظفوا عمليات تزوير الجوازات في التستر على المجرمين وإخفاء الإرهابيين والسفاحين ومغتصبي النساء… وجعلوا من أعمال التزوير عقيدة راسخة في أعمالهم القذرة…
ولعل أقوى دليل على تجدر عقيدة التزوير في عقلية جنرالات الجزائر هي واقعة “وادي إيبرو” بتزويرهم جواز سفر “غالي” زعيم الانفصاليين وإدخاله تحت جنح الظلام لمستشفى بإسبانيا.. خوفا من القضاء الإسباني.. لكن هيهات فقد انقلب السحر على الساحر.. وأصبحوا عراة أمام الرأي العام العالمي والإعلام والهيئات الحقوقية الدولية…
فمتى تنظف المنظمة الإفريقية بيتها وتطرد عصابة البوليساريو بعد دخولها عن طريق أظرفة ورشاوي النظام الجزائري..؟ هل سيحاسب “جهاز المؤتمر” بمنظمة الاتحاد الإفريقي، جنرالات الجزائر على فضيحة تزوير جواز سفر وتهريب المجرم “إبراهيم غالي” المطلوب لدى العدالة الإسبانية، ضدا في ميثاق ومبادئ منظمة الاتحاد الإفريقي خاصة المادة الرابعة في فقرات م و س …؟ وهل تتوفر صفات دولة في كيان لا يقدر حتى على إصدار جواز سفر لرئيسه، مادام أن جواز السفر هو أحد عناوين السيادة الوطنية…؟
< بقلم: عبد الله بوصوف