استضاف فضاء الوساطة يوم الأربعاء 21 أبريل 2021 ضمن صالونه الأكاديمي، على تطبيق زوم، ثلة من الباحثين والأكاديميين وجمهور المتابعين والذي خُصص لتقديم كتاب “أنثروبولوجيا الحج الإسلامي: من التجربة الدينية إلى النقد المنفتح” للأستاذ عبد الرحيم العطري والصادر عن منشورات باب الحكمة. وهو كتاب من القطع المتوسط. وهو كتاب يتناول فيه الباحث عبد الرحيم العطري تجربته الحية انطلاقا مما راكمه من ملاحظات وتجارب ومعطيات في مراحل مختلفة خلال عمراته وحجه بدءا من الاستعداد ومرورا بأداء المناسك وحتى عودته كمعتمر أو كحاج.
وقد عرفت هذه الجلسة الافتراضية الأولى ضمن فعاليات الصالون الأكاديمي التي أطلقها فضاء الوساطة كأحد مكونات برنامجه العام والسنوي لسنة 2021، مشاركة لكل من الأستاذة الباحثة كنزة القاسمي رئيسة شعبة السوسيولوجيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية (جامعة بن زهر بأكَادير)، إلى جانب الأستاذ الباحث عمر بنعياش من شعبة السوسيولوجيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية (جامعة محمد الخامس بالرباط). كما قام بتنشيط هذه الجلسة الأستاذ الباحث عبد الفتاح الزين من المعهد الجامعي للبحث العلمي ورئيس فضاء الوساطة؛ حيث عرفت الجلسة نقاشا عميقا وغنيا لمضامين هذا الكتاب بأبعاده النظرية والمنهجية والتأويلية سواء من طرف الأساتذة الباحثين أو من طرف الجمهور المتابع أساتذة وطلبة من بين الباحثين الشباب..
وافتُتح النشاط بكلمة ترحيبية للأستاذ عبد الفتاح الزين رئيس فضاء الوساطة بالأساتذة الضيوف وعموم الحاضرين، الذي أكد على أهمية هذا المؤلف ضمن الحقل الأنثروبولوجي، باعتباره يحكي تجربة حجية تنقلنا من كتابات الرحلات الحجازية أو الحجية كما تناولها المؤرخون والتي وصلتنا متونها على شكل وثائق ومخطوطات، إلى تجربة جديدة يجمع فيها الكاتب بين الحاج والباحث الممارس لطقوس العمرة والحج. وهي كتابات بدأت تشكل موضوعا ضمن الحقل السوسيولوجي والأنثربولوجي على كتابات مغاربة من قبيل الأستاذ عبد الله حمودي وغيرهم. وأشار إلى أن هذه البرمجة للكتاب تأتي من حيث مساءلته لنا على مستوى منهجية البحث المعتمدة وكيفية تدبيرها من جهة، وانتقاء تقنيات جمع المعطيات والمعلومات وكيفية التعامل معها من جهة أخرى، ناهيك عن المقاربات المعتمدة في تحليل المدونات سواء ما تم انتقاؤه في الميدان أو من خلال الوثائق والمصادر …
وكذا على مستوى الكتابة عبر نحت المفاهيم واستخلاصها من اللغة العامة، إلى جانب أجرأتها في بناء المعنى الذي يريد الباحث أن يكشفه لنا كنتيجة لهذا البحث سواء كغوص في التجربة الشخصية أو كملاحظة بالمشاركة من بين الملاحظات الأخرى التي قام الباحث بتوليفها لتقديم “رواية علمية” كفيلة بجعل القارئ سواء كمختص أو مهتم ملتقطا للأفكار التي تؤثث النص الذي سهر الأستاذ عبد الرحيم علي هندسة معماره.
المداخلة الأولى: الأستاذة كنزة القاسمي
في بداية مداخلتها، اعتبرت الأستاذة كنزة القاسمي أن كتاب “أنثروبولوجيا الحج الإسلامي” يقدم عملا بحثيا يعتمد على تقنيتي الملاحظة بالمشاركة والمقابلة، حيث عمد الباحث لتسجيل عدد من المقابلات مع الحجاج والمعتمرين، بغية توفير معطيات ميدانية وتحقيق معرفة قابلة للتأويل، مضيفة بأن المؤلف قد أكد على صعوبة الفصل بين الباحث والمبحوث في الكثير من مواطن الكتاب، خاصة وأنه بدأ كتابه بمفهوم اللابداية وختمه بمفهوم اللانهاية، وهو ما يشير إلى الحاجة إلى الانفتاح على مسارات منهجية ومعرفية جديدة تعيد التفكير في الدين والتدين، إضافة لما تشكله سجالات الدين وطرح السؤال حوله طقوسه التدينية من مراقبة مجتمعية، تظل محفوفة بكثير من المزالق كالتبديع والتكفير وإهدار الدم، خاصة في مجتمع يؤمن بالمطلق.
كما أشارت الأستاذة القاسمي بأن الكتاب يضم ثلاثة عتبات: الأولى هي التفكير في الحج، والثانية تأويل التجربة الحجية، والثالتة جوارات الحج بالإضافة إلى ما تضمنه من حديث الكاتب عن قلق العبور، وتساؤلاته حول دلالات الطواف وطقوس الحج، وضرورة قراءة الظاهرة بامتزاج الطقس الديني والروحي مع سوق الحج واللباس والمحلات والتسوّق إلى جانب ما شهدته تحولات الطقس الحجي من بعده الديني والروحي إلى الاهتمام بالمرور لمجموعة من النتائج الاجتماعية التي تترتب عنه وتحمل دلالات لها علاقة بالتراتبية والتنافسية؛ حيث يحضر اللقب الاجتماعي “الحاج” بما له من حمولة رمزية سواء على المستوى العقدي كاكتمال لأركان الإسلام الخمس أو كمكانة اجتماعية تترتب عنها عدد من الامتيازات. كما أن الأستاذة القاسمي طرحت إشكالية ثنائية الباحث-المبحوث واجتماعهما في شخص الكاتب، وإمكانية ممارسة الفعل (طقس الحج كشعيرة) والتفكير في الإشكالية (ممارسة الشعيرة وما يحيط بها من تمثلات وممارسات سوسيوثقافية) في نفس الآن، أي المزاوجة بين الفعل “المقدس” وهو الحج وبين البحث “العلمي والمعرفي” الذي يمارسه الباحث المبحوث في نفس الوقت مستشهدة بما خطّه الكاتب في متن الكتاب: “…هي تجربة حاجٍّ أو تجربةٌ دينية أنقل فيها أسئلة وملاحظات وقراءات بعين المراقب والباحثِ المبحوث”.
وفي محوره الخاص بأقلام الحج، يقدم الكاتب، حسب الأستاذة القاسمي، عددا من الباحثين والكتاب ممن أرخوا لتجربة الحج وكتبوا عنها؛ إذ جمع بين الرحالة والمستشرقين والباحثين والأدباء والشعراء، طارحا في نفس الوقت عددا من الإشكاليات المنهجية كموضوع للتفكير و البحث الأنثروبولوجي كأفق للتحليل وللتأويل. ومنها كيفية التعامل مع هذا الرصيد المعرفي المتنوع؟ ومن سيكتب النص الحجي تأويلا وصياغة هل هو الباحث أم المبحوث؟ معتبرا أن الكاتب نفسه قد صرح بالقول بأن “التدفق الشديد للمعلومات يتحول إلى أزمة تدبير”. في حين يتناول الفصل الأخير من الكتاب مدخلا إلى النقد المنفتح؛ حيث تضمن قراءة نقدية حذرة مع انفتاح على آفاق بحثية أخرى يفرضها ما سماه الكاتب باللايقين.
المداخلة الثانية: الأستاذ عمر بنعياش
افتتح الأستاذ عمر بنعياش مداخلته بقولتين :
الأولى لمحيي الدين ابن عربي، قال فيها: “إذا قرأت الكتب فاعرف حالك وانظر ما خاطبك فيها، فإن الأحوال محل الخطاب والذوات تحمله”؛ وأخرى للفيلسوف المغربي الراحل محمد عابد الجابري قال فيها: “لا تنتقد كتابا لم تقرأه”.
واعتبر المتدخل بأن القولتين تحيلان على ضرورة البحث عن معنى ما نقرأه في ذواتنا ونفوسنا حتى نجده، وهو ما يشكل، بحسب الأستاذ بنعياش، موضوع كتاب “أنثروبولوجيا الحج الإسلامي”، وفيه البحث عن الله في التجربة الحجية؛ إذ أن ما يشكل المعنى العميق للكتاب من حيث الرغبة في ملاقاة الله في الأمكنة التي نزل فيها الوحي بما أوحى الله لنبيه. فالكتاب إذن – يضيف المتحدث- هو سفر نحو السماء، ولا يمكن أن يكون “خالصا” لوجود عتبات وجوارات في النص الحجي.
كما أبدى الأستاذ القارئ أيضا عدداً من الملاحظات. ومنها صدور الكتاب في طبعة أنيقة “تليق بنص فاخر” حسب تعبيره، أي أن الكتاب ليس سوقيا (يعني طبعة شعبية) بل نص “متطهر”، وكذلك لغة الكتاب سلسلة وانسيابية، استطاع المؤلف أن يتفوق من خلالها في صناعة “عناوين بلاغية” من قبيل: “السوق الحجية”، “النص الأحد”، “التدين الفرجوي”، “الحج الرقمي”، الخ. كما حرص أيضا على نحت عدد من المفردات مثل: “الاستنوار”، “الانهمام”، “الاستجوار”، الخ. وقد اتبع الأستاذ بنعياش من خلال قراءته للكتاب أسلوب السؤال والجواب لإضافة بعد تشويقي وإشكالي على مضامين ومتون الكتاب، وما عاشه المؤلف من تجربة ذاتية ومعرفية.
وقد صاغ السؤال الأول على الشكل التالي: هل أوصي بقراءة الكتاب، ليجيب: “نعم إذا كان عني فأنا أقول بكل تأكيد لأني قرأته باستماتة واستوقفني الكثير من أفكاره، لكنه أضاف لي قلق البحث عن المعنى”.
أما السؤال الثاني، فصيغ كالتالي: هل الكتاب لعموم القراء؟ ليجيب بالإيجاب معتبرا بأن الكتاب موجه لعموم الناس وأيضا للمتخصصين على الرغم من أن عنوان الكتاب يضم مفهوما علميا يصعب فهمه من طرف غير المختصين. وهو أمر يمكن تجاوزه مع تقديم شروحات بسيطة في مضمونه تفسر المعنى من وراء المصطلح وغايته في الكتاب.
كما أضاف أيضا بأن المؤلف ظل على طول نصه الحجي يعتمر ثلاتة قبعات (أو تموقعات):
الأولى، موقع المسلم العادي الذي يؤدي الفرض ويمارس الطقس، والثانية الباحث الذي يبحث عن المعنى من وراء الطقس، والثالت الصحفي الذي يبحث عن الأخبار ويعلق عليها ويتخذ منها مسافة موضوعية. ليضيف سؤالا آخر كالتالي: ماذا أضاف الكاتب الإسلامي للحج؟ ليجيب بالقول بأن الكتاب يحمل تدقيقا انتمائيا للحج من حيث الدين، باعتباره طقسا لا يختص به المسلمون وحدهم. فهناك طقوس حجية متعددة من داخل الإسلام نفسه، كالشيعة الذين يحجون إلى ضريح الإمام الحسين، والبنغلادشيون الذي يحجون إلى نهر توراغ في أكبر تجمع لهم قبل الحج إلى مكة… وغيرهم. وهناك أيضا طقوس حجية من خارج الإسلام كالهندوس والبوذية وغيرهم من الديانات الأخرى.
وارتأى الأستاذ بنعياش أن الكتاب يقوم على ثلاثة ركائز: الأولى ترتبط بالعتبات، والثانية بالجوارات، والأخيرة بالنقد المنفتح؛ حيث يبرز فيها مفهوما اللابداية واللانهاية، مما يعني أن تجربة الحج قد سبقت الكتابة حولها وستستمر الكتابة عنها مستقبلا باعتبارها تجربة مفتوحة ومستمرة. كما أضاف أن التفكير في المقدس لا يعني التشكيك فيه، حيث استعار المؤلف تعبيرا عن صعوبة الكتابة حول طقوس الناس التدينية بالقول بأن: “الكتابة أشبه ما تكون بالكتابة بالإبر على آماق البصر”. إضافة لانغماس المؤلف داخل تجربة الحج كأي فرد ينتمي لجماعة ويكون أيضا باحثا ملتزما بالحذر المنهجي والموضوعي، وهنا يطرح قلق العبور وعسر المعنى. وهو ما يظهر أيضا النفحة الصوفية التي خُطّ بها الكتاب إلى جانب محاولة التجريد وخلق المسافة الموضوعية. وقد برز هذا مع اعتماد مصطلحات، مثل: المحنة، والعتبات، والامتحان، الخ. ليختم الأستاذ بنعياش مداخلته بسؤال المعنى مما نقوم به في هذه الحياة.
المداخلة الثالثة: تعقيب الأستاذ عبد الرحيم العطري
في البداية، شكر الأستاذ عبد الرحيم العطري فضاء الوساطة وجميع أعضائه على الاستضافة وتخصيص هذا النشاط لقراءة كتابه، معتبرا بأن صياغة وإنجاز التقرير، لم يكن ليتم لولا الحجر الصحي سنة 2020، شاكرا “فيروس كورنا” على هديته والفرصة التي منحها له من أجل العودة للذات وإنهاء المشاريع العالقة والمعلقة. مضيفا بأنه قد تحصلت لديه مجموعة من التسجيلات ومذكرات الطريق والملاحظات من تجارب الذهاب والإياب إلى مكة والمدينة بالمملكة العربية السعودية منذ سنة 2014؛ حيث لاحظ بعد أول تجربة عمرة قام بمناسكها أن الناس بالمغرب أخذوا ينادوه بالحاج رغم أن زيارته هذه كانت للعمرة وليست للحج. وتساءل عن الحضور القوي لهذا اللقب (الحاج) ورمزيته الاجتماعية ودوره التراتبي، وهو ما دفعه للدخول في غمار البحث بعد تجربته الحجية الأولى مرافقا بأنواع من القلق :تمثل أوله في الارتباط بالحج في سياق عدد من الأسئلة منها تآكل الديني أو تراجع الديني، والثانية هو عودة الديني، معتبرا بأن الكتابة عن الحج تعرف سياقات مختلفة حول تدبير التديّن.
أما القلق الثاني، فارتبط بسؤال العدة المنهجية التي سينتصر لها الباحث وينتمي لها، متسائلا في نفس الوقت، هل سأدبر الطقس بما تقتضيه واجبات الحج؟ وعن الكيفية التي سيتم بها تدبير العلاقة بين الباحث والمبحوث لدراسة هذه التجربة؟
إضافة إلى قلق آخر مرتبط بالميدان، حيث ترتفع الأَمْنَنَة (من الأمن) المفرطة؛ إذ لا يمكن لأحد أن يلقي موعظة أو يلقي درسا، فبالأحرى القيام بعمل بحثي قد يثير الشك والريبة داخل الحرم المكي.
وقد تحصلت له من هذا العمل مجموعة من الملاحظات والمدونات التي لم تكن متوقفة على الزمن الحجي فقط، بل تطلب الأمر أيضا زيارة فضاءات إجراء قرعة الحج وملاحظة ردود الأفعال، وأيضا التدريبات التي تنظمها المجالس العلمية المحلية للمقبلين على الحج… كما صرح المؤلف اطلاعه على الإحصائيات بمختلف أنواعها والتي تمكن من الوصول إليها سواء كانت ديموغرافية أو اقتصادية أو مالية… المرتبطة بالزمن الحجي من طرف المغاربة؛ حيث لاحظ مثلا أن الأرقام المالية تصل إلى أزيد من 1500 مليون دولار في السنة مثلا.
ومن أجل إنجاز الكتاب، وتحقيق البحث عن المعنى وبناء دلالات الأشياء في سياق تحليلي مشيد بموضوعية قدر الإمكان، وجد الأستاذ العطري نفسه ملزما بضرورة الرجوع إلى التاريخ، باعتبار أن الحج هو حركة دائرة في الزمن والمكان، تحركها حكايات تاريخية تأسيساتية، ومرتبطة بنصوص وتأويلات ما سماه النص الأوحد، أي الفكر الوهابي السائد في الجزيرة العربية والمؤثر دينيا على المنطقة العربية والإسلامية برمتها. وهو ما قاده لتقديم تأويلات مغايرة عن ممارسة الطقوس الحجية، كالرجم الذي لا يعني بالضرورة رجم الشيطان المصلوب رمزيا على المسلة، وإنما هو استفراغ للشرور التي تكون في النفس وتستوطنها، كذلك الأمر بخصوص حلاقة الشعر، وهو ما يعني التضحية بأجمل ما يكون في الإنسان لأنه نوع من العودة إلى الذات. وقد أوضح أن الحج يقدم درسا كبيرا في الافتقار (تجربة الحاجة والفقر والعوز). فرغم كل ما تمكله فإنك تبيت في العراء، وحتى اللباس الحجي هو تعرية للجسد من كل ما هو مادي.
ويضيف الأستاذ العطري أن البحث جعله يقف على جوارات للحج تحسم في المسألة الحجية، وتنتقل بالممارسة التدينية والطقس المقدس إلى كل ما هو دنيوي وإن ظل مرتبطا بالزيارة، مثل السوق الحجية، والمحلات الكبرى، وعمليات البيع والشراء. وأشار إلى أننا نكون في ممارسة قدسية ثم نخرج من الحرم لنصطدم مع السوق الحجية بكل ما تمثله بارتباط دنيوي؛ حيث يبرز انتصار الشكلانية على الجوهر. وهو ما يقود إلى مساءلة المعنى من الحج، وهل يمكن حصره في تجربة البحث عن اللقب الاجتماعي؟
كما لاحظ المؤلف أيضا بروز ما سماه بالحج الأنثوي، حيث يبرز الإصرار على تطويق النساء داخل الحرم المكي، متسائلا عن هذا التطويق في مكان مقدس؟ وما يطرحه استحضار الجسد الأنثوي كجسد إغوائي حتى داخل المقدس، ومنها أيضا قوانين تلزم النساء أقل من 45 سنة ضرورة مرافقة محرم من أجل الأحقية في الحج مع ما يستدعي ذلك من ضرورة التفكير والتفكيك وتعميق البحث في هذا الموضوع.
إن التجربة الحجية، حسب الأستاذ العطري، هي قول في الحج وقول في المنهج في نفس الآن. وهي اقتراب من سجالات الدين والتدين؛ حيث يؤكد أن مهمتنا كمنتمين للعلوم الاجتماعية ليس الوقوف مع أو ضد أو البحث عن عقلنة ممكنة لما يحدث، وإنما هو بحث فقط عن المعنى! ولنجد المعنى، فمن الضروري العودة للنصوص التأسيساتية. كما اعتبر العطري أن السعي باعتباره طقسا من طقوس الحج، هو تعبير على السعي في رحلتنا الحياتية، وهو أيضا رسالة لكي نفهم تجاوز كل منابر الإبعاد والتهميش ونشتغل على ذواتنا. فطقوس الطواف – بحذ ذاته كما يضيف العطري – هي طواف ضد عقارب الساعة، وكأنه بحث في زمان آخر. وتظل مؤشرا على أن هذا السعي هو فردي. وهو نفس الأمر فيما يخص الطقوس التي تؤدى في الحج – ما عدا الصلاة الجماعية – إنها طقوس فردية مما يؤشر على ضرورة الاشتغال على الذات، معتبرا أن ما يهم في النهاية أن الجوارات يجب تفكيكها وطرح السؤال حولها وعلى العائد الأخلاقي للحج على مجتمعاتنا.
وفي ختام مداخلته، دعا العطري إلى ضرورة التفكير في مناهجنا في العلوم الاجتماعية وتجديد عدتنا المنهجية والخروج من الانهزامية المعرفية والصنمية المعرفية مسلحين بتقنيات قادرة على التقاط ما يساعدنا في بناء المعنى، مقترحا ما سماه “النقد المنفتح”. وسجل أن هذا النقد المنفتح يرتبط بثلاثة عناصر أساسية :العنصر الأول هو النقد التأسيساتي بالعودة الى الحكايات التأسيساتية، والثاني هو الفهم التأويلي، بالعودة إلى الهيرمونيطيقيا والسيمولوجيا وتجاوز ثقافة الكاست المعرفي، والغوص في التأويل الخلاق الذي يقود إلى فهم التأويل، والثالت هو النحت المعرفي، أي نحت المفاهيم والمناهج والمواضيع الجديدة.
<متابعة: محمد قنفودي