الجزء الأول
سنتناول في هذا العمل مواقف مختلف الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية الاسبانية تجاه المغرب عند نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، وما كان لهذه المسألة من تأثير على القرارات الحكومية وردود فعل هيئات المجتمع المدني. كل ذلك لنسائل بعض الأطروحات التي لم تُولِ للمسألة المغربية الاهتمام المستحق معتبرة أنها شأن ثانوي ينساق بشكل عفوي مع تاريخ إسبانيا السياسي والاجتماعي المعاصر.
الحزب الليبرالي الإسباني
لم تـكـن مـسـألـة الإصـلاح في إسـبـانـيـا – خـلال المـرحـلـة الـتي نحـن بـصـدد دراســتــهــا- تــقـــتضــي التخلص من الماضي؛ بل كانت بمـثـابـة حافز يجعل الدولة تُعيد النظر في ما حدث لها في كوبا سنة 1898، حتى تتمكن من الوقوف على العراقيل التي حالت، ولازالت تحول، دون تقدم ﺇسبانيا. وهي المسألة التي أثّرت في اللبراليين بشكل مباشر؛ إذ توجب عليهم التصدي لمختلف الاتهامات التي وجهت إليهم. فحسب ساﮔـاسطا “Sagasta”، “كانت الدولة بصدد مواجهة معضلة كبيرة، ﺇما الحرب بجميع نتائجها أو التعرض للذل والإهانة”.
لم يكن تصريح رئيس الحكومة اللبرالية حول هزيمة 1898 مقنعا بالنسبة للمعارضة التي انتقدت بشدة واقع الحزب الليبرالي الذي كان يمر بأسوإ لحظاته التاريخية. فالضغوطات التي تعرض لها ساﮔـاسطا وزملاؤه جعلته يتنازل عن السلطة.
شهد الحزب اللبرالي اﻹسباني في بداية القرن العشرين جملة من التغييرات المهمة؛ كما أن مواقف بعض أعضائه المتميزين على الساحة السياسية أمثال موريط، ومونتيرو ريوس “Montero Ríos”، وكــنــالــيــخــاس”Canalejas “، وﭬـــيــانــويـــﭭــــا “Villanueva”، ورومـــانـونـيـس “Romanones” ورفائيل ﮔـاسيط “Rafael Gasset” أسـهـم في بـروز تـوجـهـات مخـتـلـفـة داخـل الحـزب. وبـعـد وفـاة سـاﮔــاسـطــا تطورت الأوضاع بـشـكـل واضـح، إذ طـفـت على الـسـطح بـعـض الخـلافات التي تعود إلى النزاع حول رئاسة الحزب بين موريط ومونتيرو ريوس.
هـيـمـنـت الانـشـقـاقـات داخـل الحـزب الليبرالي خــلال الــفــترة المــمــتــدة مــا بــين يــونــيــو 1905 ويــنــايــر 1910، إذ تشكلت خمس حكومات ليبرالية في غضون سنتين. وقد تكرر الوضع نفسه ما بين أكتوبر 1909 ويناير 1910. واقترح أعضاء بارزون في الحزب على الملك ألفونسو الثالث عشر عزل موريط وتعيين كناليخاس. وعموما فالظرفية التي أضحى يعيشها الحزب اللبرالي، أسهمت بشكل كبير في جزء من تلك التحولات التي عرفها المجتمع الإسباني.
جاء انتشار الوعي السياسي غير الرسمي في مختلف أنحاء البلاد، ليؤكد على الطابع الانتهازي والمتأصل لحكومة التناوب. وكان ذلك عندما قرر الحزبان المتناوبان على تسيير دواليب الدولة وإعادة النظر في مخططاتها. فالحزب اللبرالي مثلا قد تبنّى هذه المرّة برنامجا أكثر مرونة يوفّق فيه بين التقرب من تيارات اليسار التقدمي من جهة واليـمـين المحـافـظ مـن جـهـة ثـانـيـة، والـذي يـشـاركـه مـهـام الـتـنـاوب الحـكـومـــي. فــهــو يــراهــن عــلــى إمكانية التــواصــل مع التكتلات اليسارية غير الملكية دون قطع العلاقات مع نظام التناوب الحكومي أو التقليل من الدور الوقائي للجيش. ويـبـدو إذن أن الـسـيـاسـة الـتي راهـن عـلـيـها الليبراليون لا تقل دهاء عن غيرها، إلا أنها تفتقد الانسجام من خلال تلك الخلافات الحاصلة بين أهم أعضاء الحزب.
2-1 – الليبراليون والقضية المغربية
تـقـلّـد سـاﮔـاسـطـا زعـيـم الحـزب اللـيبرالي مــن جــديـد في شـهـر مـارس 1901 رئـاسـة الحـكـومـة الإسـبانية. فـعـين الـدوق المـودوﭬﺎر “Duque de Almodóvar” وزيـرا للـدولـة في الخـارجـيـة. وبـعـد خمـسـة أشـهـر من تشكيل هذه الحكومة اللبرالية الجديدة نشر زعيم الحزب المحافظ فرانثيسكو سيلفيلا Francisco Silvela” مقالا في إحدى المجلات تحت عنوان: “القضية المغربية” “La Cuestión de Marruecos” عالج فيه تدخل ﺇسبانيا في الشؤون المغربية بطريقة مثيرة للجدل في أوساط الرأي العام الإسباني. ولم تمر إلاّ لحظات على نشر هذا المقال حتّى جاء الرد على لسان وزير الدولة في الخارجية، الدوق المودوﭬﺎر الذي عبر عن رفضه للموقف المحافظ بخصوص قضية المغرب معتبرا أن “المقال افتقد إلى المصداقية؛ وصاحبه يطمح إلى وضع الليبراليين أمام التزام حقيقي ومعقد تجاه الدولة”.
وتلقى الليبراليون سنة 1901 أولى العروض المتعلقة بتقسيم المغرب من فرنسا. وقد كان للمراسلات المتبادلة ما بين وزير الدولة في الخارجية وسفيره في باريس دور كبير في التخفيف من حدة الاكتئاب الذي خلفته هزيمة 1898، عن طريق التخطيط لمشروع استعماري جديد في الضفة المقابلة لمضيق جبل طارق. وأولى هذه المـراسـلات هـي الـتي بـعث بها سفير ﺇسبانيا في باريس فرناندو ليون ﺇكاستيو “Fernando León y Castillo” إلى وزير الدولة الإسباني، يخبره فيها بأن الحكومة الفرنسية مستعدة للتعامل حصريا مع إسبانيا بخصوص تقسيم محتمل للمغرب. وقد أدلى السفير الإسباني في هذا الصدد بالتصريح التالي: “إن الحكومة الفرنسية وباتفاق مع الصحافة والرأي العام لديها اقتناع بأنها ستهيمن على شمال إفريقيا وأن سيطرتها لا يمكن مقارنتها بأية وضعية أخرى، وسيكون ذلك بالحرص على حقوق إسبانيا في النسق السياسي والجغرافي والتاريخي مع ضرورة التنسيق والتعاون أثناء تعامل أمتنا مع تلك الجمهورية”.
كان الليبراليون على وعي تام بما قد يثيره العرض الفرنسي فيما يخص مسألة تقسيم المغرب من انعكاسات جد وخيمة. ﻟﺬلك فضلوا تناول هذه المسألة بشكل عقلاني قبل الخوض في أية مغامرة استعمارية. أما وزير الدولة الدوق المودوﭬﺎر فقد أدلى في أكثر من تصريح بأن حكومته مطالبة بحل مشاكلها الداخلية قبل الاستعداد لأي مشروع توسعي، وأنه “يجب أن نهتم أولا بإعادة بناء اقتصادنا وعتادنا العسكري حتى نقوم بمشروع استعماري في ظروف جيدة”.
إن العرض الذي قدمته فرنسا لإسبانيا بخصوص تقسيم المغرب كان مغريا للغاية. وقد أبلغ ليون ﺇكاستيو حكومته بموافقته على ما اقترحته فرنسا، محذّرا إياها من النتائج التي قد تترتب عن رفضه.
وكانت الحكومة الليبرالية على وعي بالتوتر الدولي الذي أثارته القضية المغربية، فاتفاق محتمل بخصوص التقسيم يمكن أن تترتب عنه ردود فعل قوية من طرف قوى أوروبية أخرى لديها مصالح في المغرب. وقد دفعت الظـرفـيـة الـسـائـدة بـالـوزيـر المـودوڤـار، إلى مـراسـلـة سـفـير إسـبـانـيـا في بـاريـس لـيـبـدي مـوافـقـتـه عـلـى مـشروع التقسيم مع فرنسا، شريطة ضمان الأمن والتصدي لأية ضغوطات أو تهديدات أجنبية. وقد عبر عن ذلك قائلا: “يصعب على إسبانيا إفشال مخططات فرنسا ومنعها من الحصول على فوائد أو أراضي في المغرب. وسيتم منعها بالتأكيد، ليس فقط لمعارضة الجمهورية الجارة أو الحيلولة دون تقدمها؛ بل أيضا لتجنب قوات أخرى تطالب بتعويضات وتبحث عنها بالتحديد في الأقاليم التي تعتقد ﺇسبانيا بأن لها الحق في امتلاكها […] ثم إن العلاقات المعقدة بين المسألة المغربية والتوازن في البحر المتوسط جعلت منطقتنا مركزا لكل تلك الأطماع، ﻟهذا أبدت إسبانيا تخوفها من الخطر اﻟﺬي يهددها في حال عدم الاعتراف بمصالحها نتيجة التصرف الذي تبنته فرنسا”.
عموما فتخوف الحكومة الليبرالية من صراع دولي بخصوص قضية تقسيم المغرب خفف من حدته ذلك الاقتراح الفرنسي الطموح؛ حيث طلب وزير الدولة اﻹسباني من نظيره الفرنسي الأخذ بعين الاعتبار الاقتراح الأول والسماح ﻹسبانيا بأن تستولي على منطقة جد شاسعة. واشترط المودوﭬﺎر أيضا أنه لتوقيع المعاهدة مع فرنسا يجب أن تحتل إسبانيا الأقاليم المغربية التالية: “مجرى نهر أم الربيع انطلاقا من مصبه في الأطلس حتى مدخله إلى قبائل بني ﻣـخيلد، كلها تبقى تابعة لمنطقتنا؛ بالإضافة إلى قبائل ايت يوسي الممتدة على طول نهر ملوية حتى مصبه في البحر المتوسط، ويبقي من نصيب ﺇسبانيا كذلك: فاس ومكناس وﺇقليم الشاوية، وأما فرنسا فسيكون من نصيبها مراكش وتافيلالت، وﺇقليم عبدة ودكالة واﻹقليم الشاسع ما بين ملوية والحدود الجزائرية”.
نجحت الحكومة اللبرالية الإسبانية في الضغط على نظيرتها الفرنسية. والتي أبدت استعدادها لتعديل عرضها الأول والتنازل عن جزء أكبر مما طالبت به إسبانيا في دجنبر من سنة 1901. ففي المراسلة التي بعث بها ليون ﺇكاستيو إلى وزيره في الدولة، أبلغه فيها بأن “ديلكاسي Delcassé أظهر شخصيا رغبته في التوصل إلى حل مع ﺇسبانيا بخصوص قضية المغرب مثله مثل أعضائه في مجلس الوزراء الذين تقبلوا بدورهم تعديل الاقتراحات السابقة، موافقين على أن تكون مدينة فاس داخل منطقة نفوذنا وكذا كل المجال الممتد بينها وبين المنطقة الفرنسية”.
كـانـت المـعـاهـدة اﻹسـبـانـيـة الـفـرنـسـيـة المـتـعـلـقـة بـتـقـسـيم المغرب جاهزة في نونبر سنة 1902، ولا ينقصها إلاّ تـرخـيـص وزارة الـدولـة اﻹسـبـانـية لتدخل حيز التطبيق. لكن بوصول المحافظين في دجنبر من السنة نفسها إلى الحكم، تم تبني موقف مخالف بشأن ما يتعلق بالمسألة المغربية، إذ رفض كل من رئيس الحكومة الجديدة ووزير الدولة في الخارجية توقيع المعاهدة مع فرنسا محاولين بذلك عرقلة مخططات السياسة الليبرالية. وقد أثــارت أسـبـاب رفـض تـوقـيـع مـعـاهـدة 1902 جدلا كبيرا بين سياسيي المرحلة. فالليبراليون لم يترددوا في انتقاد الموقف المتهاون واللامسؤول الذي تبناه المحافظون تجاه هذه المسألة، إذ طلب الدوق المودوﭬﺎر توضيحات حول رفض الرئيس المحافظ لتلك المعاهدة. كما انتقد في إحدى الرسائل المتبادلة مع زعيم الحزب المحافظ، فرانثيسكو سِلْـﭭِـيلا “Francisco Silvela” عدم توقيعه للمعاهدة مع فرنسا بعد أن كان مدعوما من طرف منبر المعارضة. ثم إن عدم ثقة الرئيس المحافظ بنفسه وخوفه وعدم درايته بالتقسيم المتنازع عليه جعلهم يضيعون فرصة لا تعوض، وهو ما علق عليه الدوق المودوﭬﺎر قائلا: “الدعم الدبلوماسي الفرنسي لم يبْدُ لسيادتكم كافيا لضمان اتفاق مؤكد. أنا لم أطلب أكثر ولم أوافق أبدا على أمور من شأنها أن تؤدي إلى عواقب وخيمة محتملة الوقوع. ثم إن الحكومة الليبرالية التي انتميت إليها رفضت بشكل قطعي حل القضايا المتعلقة بامتداد نفوذنا الشرعي في المغرب بطرق غير دبلوماسية”.
عموما يمكن القول، إن الحزب الليبرالي سيّس بشكل كبير مشروع معاهدة 1902 غير الموقعة. وقد يكون من السذاجة اعتقاد أن انتقادات المودوﭬﺎر لرئيس الحكومة المحافظة كانت تستجيب لغيرته الوطنية فقط. واستغل الليبراليون رفض المحافظين لذلك المشروع لشن حملة معارضة ضد الحكومة. وبهذه الطريقة فقط سينجحون في البرهنة على تفوقهم أمام منافسيهم لتولي السلطة. إن الكلمات التي وجّهها المودوﭬﺎر إلى سيلفيلا كانت كفيلة بأن تفسر لنا خصوصية هذا السياق: “بينما حضراتكم لم تكسبوا الثقة في قدراتكم الخاصة بدون سبب يذكر، فقط لمجرد أنكم ضعفاء نحن على الرغم من ذلك خضنا تجربة سياسية نشيطة، كل واحد حسب طاقاته وقدراته الاستيعابية، وهو بالنسبة إلينا إنجاز حقيقي بدل التأسف على إخفاقات الشعب”.
طغت الديماغوجية خلال العقد الأول من القرن العشرين على مواقف الحزب الليبرالي تجاه المسألة المغربية. واستغل نواب ومستشارو الحزب منابر البرلمان للتعبير عن اقتراحاتهم السياسية، بحيث خصصوا ما بين نونبر 1903 ومـارس 1904، خـطـابـا أكـدوا مـن خـلالـه عـلـى اهـتـمـام الـرأي الـعـام الإسـبـاني بـقـضـيـة المـغـرب، قـصـد الــضــغــط على الحكومة المحافظة من أجل إقناع كل القوى الأوروبية بضرورة الاعتراف “بحقوق إسبانيا في المغرب”.
وتساءل الدوق المودوﭬﺎر في 24 نونبر سنة 1903 في أحد مقاعد المعارضة “حول ما ﺇذا قام المحافظون بجميع التدابير اللازمة حتى تبقى المصالح السياسية والتجارية والاقتصادية ﻹسبانيا في المملكة المغربية سليمة بشكل كلي”، واتهم الماركيز ﭬـيانويـﭭـا “El Marqués de Villanueva” في 16 دجنبر من السنة نفسها، الحكومة بالتهاون بخصوص التدابير المخصصة لمدينة مليلية. كما حذّرها أيضا من رداءة النظام الإداري والعسكري بتلك المدينة والذي سيهدد بما لا شك فيه مكانة إسبانيا وسيؤثر على مخططاتها التوسعية في المغرب.
إن مداخلات عضوي الحزب الليبرالي تشترك في نقطة واحدة ألا وهي معارضة السياسة المحافظة بخصوص القضايا ذات الصبغة الدولية عامة، وقضية المغرب على وجه الخصوص.
ترتب عن خيبة الأمل التي سببتها الاتفاقية غير المبرمة سنة 1902 خوف كبير من أن تخطط القوى الـكـبرى لاتـفـاقـيـة أخـرى بخـصـوص المـغـرب، دون أدنى اعـتـبـار لإسـبـانـيـا. فـفـي 21 مـارس من سنة 1904 انبعثت من مجلس الشيوخ أولى أصوات الاحتجاج، وكان ذلك عندما أدلى مونتيرو ريوس “Montero Ríos” في أحد تصريحاته بأن هناك إشاعات حول إبرام بعض الاتفاقـيـات بـين فـرنـسـا وبـريـطـانـيـا الـعـظـمـى. وأن نـفـس الإشـاعـات لم تستبعد إمكانية حدوث اتفاق بين حكومتي لندن وباريس حول مسألة المغرب. وتساءل السيناطوراللبرالي عمّا إذا “تأكدت الحكومة من ذلك الخبر بخصوص تلك الاتفاقية”.
وقعت كل من فرنسا وانجلترا في 8 أبريل 1904 المعاهدة المتعلقة بمصير المغرب ومصر. وتحول هذا الحدث إلى قضية الساعة الأكثر تداولا بين أعضاء الحزب الليبرالي الإسباني. فمن منصة مجلس النواب تصاعدت أصوات المعارضة الليبرالية فاتهم الكونت رومانونيس “Conde de Romanones” الحكومة بأنها لم تتصرف حيال المعاهدة الفرنسية-الإنجليزية. وأدلى الكونت رومانونيس بالتصريح التالي: “نفى السيد وزير الدولة بأن تكون هناك مفاوضات بين فرنسا وانجلترا من شأنها أن تؤدّي الى معاهدة. وبالفعل، بعد مرور ثمانية أيام عن تلك المعاهدة المكشوفة على لسان السيّد رودريـﮕـيث سان بيدرو “Rodriguez San Pedro” توجت المفاوضات حول المغرب بتوقيع اتفاق أثار حيرة واستغراب الجميع”.
واعتبر الكونت رومانونيس في السياق نفسه أن الاتفاق الفرنسي-الإنجليزي ترتب عن الوضع المتردي الذي اتسمت به العلاقات بين فرنسا وإسبانيا منذ فشل مفاوضات 1902، مذكّرا وزير الدولة المحافظ بالمسؤولية التي يتحملها حزبه بخصوص تلك المسألة ومؤكدا أنه “إذا تم التأكد من الخبر الذي جاء على لسان السيد وزير الدولة فيما يتعلق بتلك المفاوضات حول المغرب، سنكون للأسف في وضعية تختلف عن التي نعيشها اليوم. ولو استمرت الحكومة المحافظة في المفاوضات التي بدأتها الحكومة الليبيرالية، لكانت قد انتهت منذ مدة، ولما وصلنا إلى هذا الوضع الحزين ولسبقت المعاهدة الإسبانية -الفرنسية، نظيرتها الفرنسية-الإنجليزية”.
أثارت معاهدة ثامن (08) أبريل 1904 حملة من الانتقادات تزعمتها مجموعة من النواب البرلمانيين اللبراليين. ففي جلسة سادس (06) يونيو، خصّص ﭬـيانويـﭭـا ” Villanueva” مداخلته لإدانة التصرف اللامسؤول للمجلس التنفيذي الإسباني. فحسب رأيه، اعتقدت الحكومة المحافظة أن القضية المغربية، لن تعالج بدون تدخل إسبانيا، فدعّم أعضاؤها هذه الفكرة ضد كل الشكاوى ومطالب المعارضة؛ لكن صدمتها كانت كبيرة ومـؤلمـة. وأكـد الـنـائـب الليـبرالي أن المهتمين بالحـيـاة الـسياسية الإسبانية، وخصوصا منهم أعضاء الحكومة المحافظة، كلهم مطالبون بمساءلة ضمائرهم، بحيث علّق على ذلك قائلا: “اليوم نعيش أحداثا واتفاقيات تحتّم على إسبانيا امتحان ضميرها، بطريقة أو بأخرى. إن التذمر بعد فوات الأوان لا يفيد في شيء، لذلك يجب على الحكومة التفاوض من أجل التوصل إلى اتفاقية ترضي التطلعات الوطنية والتي من شأنها أن تثير شغفا واعتزازا باعتبارها تعالج جميع مشاكل الأمة الإسبانية”.
في ثالث (03) أكتوبر من سنة 1904 وقع كل من سفير إسبانيا في باريس ليون إكاستيو، ووزير الشؤون الخارجية الفرنسي ديلكسي “Delcassé ” الاتفاقية المتعلقة بالمغرب. وقد أثار توقيع الاتفاقية الفرنسية-الإسبانية إحساسا ممزوجا بالأمل والقلق. ولقي هذا الإنجاز استحسانا من طرف المعارضة، التي طالبت الحكومة بإيضاحات في شـأن بـنـود تـلـك الاتـفـاقـيـة. وهـو مـا دفع ببعض الليبرالـيين إلى تـقـديم اقـتراحـات جـديدة تخص تطلعات إسبانيا في المغرب. واستغل النائب البرلماني مركيس دي ﭬـيانويـﭭـا “Marques de Villanueva” جلسة ثامن (08) أكتوبر للتـسـاؤل حــول الـنـظـام الـذي ســتـتــبــنــاه إســبــانــيــا عــنــد تـــوغــلــهــا في الــمــغــرب. وخلاصة القول، إن تساؤل مركيس دي ﭬـيانويـﭭـا لا يـعـكـس في واقـع الأمـر سـوى مـدى اهـتـمـام الحـزب الليبرالي بـالمـخـططـات الـتي يجب نهجها للتدخل في المغـرب واحتلال أراضيه.
بقلم: د. يوسف أكمير
باحث في تاريخ العلاقات المغربية الاسبانية
وأستاذ التعليم العالي بجامعة ابن زهر/ أكادير.