لم يعمر قرار الجزائر، الصادر يوم الأربعاء 8 يونيو 2020، والقاضي بتعليق “معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون” المبرم عام 2002 مع مدريد، سوى يومين بالتمام والكمال.
فقد وجه الاتحاد الأوروبي، يوم الجمعة 10 يونيو 2020، تحذيرا لقصر المرادية بشأن تداعيات القرار على المصالح التجارية لإسبانيا التي تعتبر عضوا بارزا في الاتحاد، ودولة اتخذت قرارا سياديا بشأن الاعتراف بمغربية الصحراء.
واعتبر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ونائب رئيسة المفوضية المسؤول عن التجارة فالديس دومبروفسكيس، في بيان مشترك، أن القرار الجزائري “مقلق للغاية”.
وأضاف البيان “نقيّم تداعيات الإجراءات الجزائرية” ولا سيما التعليمات الصادرة إلى المؤسسات المالية “لوقف المعاملات بين البلدين والتي يبدو أنها تنتهك اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، خصوصا في مجال التجارة والاستثمار”.
وأكد المسؤولان الأوروبيان، بعد اجتماع في بروكسل مع وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، أن “هذا من شأنه أن يؤدي إلى معاملة تمييزية لدولة عضو في الاتحاد الأوروبي ويضر بممارسة حقوق الاتحاد بموجب الاتفاقية”.
ولوحا بأن الاتحاد الأوروبي “مستعد لمعارضة أي نوع من الإجراءات القسرية المطبقة على دولة عضو”.
التهديد الأوروبي لم يكن ضمنيا، بل جاء واضحا وضوح شمس أحرقت ما تبقى من أوراق النظام العسكري الجاثي على ظهر الشعب الجزائري. فقد سارع قصر المرادية إلى الإعراب عن استيائه من “تسرع المفوضية الأوروبية في الإدلاء بموقف من دون تشاور مسبق أو أي تحقق مع الحكومة الجزائرية”.
وأبدت بعثة الجزائر لدى الاتحاد الأوروبي أسفها لأن المفوضية “لم تتحقق” من أن “تعليق الجزائر معاهدة سياسية ثنائية مع شريك أوروبي، في هذه الحالة إسبانيا، لا يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على التزاماتها الواردة في اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي”.
بل أكثر من ذلك، تبرأ قصر المرادية من قرار اتخذه هو نفسه حيث نسب تعليق “معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون” إلى أطراف أخرى. فقد أضافت البعثة الجزائرية في بيان بالفرنسية أنه “في ما يتعلق بإجراء الحكومة المزعوم بوقف المعاملات الجارية مع شريك أوروبي، فإنه موجود فقط في أذهان من يدعونه ومن سارعوا إلى استنكاره”.
كما نفت الجزائر أي اضطراب في تسليم الغاز لإسبانيا، وأورد البيان “لقد سبق للجزائر أن أوضحت من خلال… رئيس الجمهورية أنها ستستمر في الوفاء بكل الالتزامات التي تعهدت بها في هذا السياق، على أن تفي الشركات التجارية المعنية بكل التزاماتها الواردة في العقود”.
بذلك لم يجد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ومن يحركه من جنرالات العهد البائد، سوى الركوع، خوفا من تداعيات قرار كان يراد به الضغط لمواصلة الدفاع عن انتكاسة انفصالي جبهة البوليساريو، غير عابئ بالمخاطر التي تتهدد المصالح الحيوية للشعب الجزائري.
الدرس الأوروبي بليغ. نتمنى أن يفيد النظام الجزائري، الذي يواصل تأجيج كل علاقاته مع محيطه المغاربي والأوروبي، ويضيق الخناق على نفسه، لا يهمه سوى الدعم الأعمى للمغامرة الانفصالية لجبهة البوليساريو بميزانيات ضخمة أنهكت القدرة الشرائية للجزائريين والتي أضحت في أدنى مستوياتها.
الدرس الأوروبي كان أيضا تهديدا بتصنيف الجزائر كـ”دولة مارقة”، بدأت سلوكياتها الغريبة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب وحاولت تجميد علاقة حسن الجوار مع أوروبا، وأشعلت فتيل توترات مع تونس التي يبدو أنها استفاقت من وهم الانضواء تحت لواء العسكر وبدأت تفكر مليا في زلة التصويت الأممي الأخير، الغريب عن مواقفها غير المنحازة، وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من طرق باب نادي البلدان المعترفة بسيادة المغرب على صحرائه.
نتمنى أن يكون الدرس منعطفا يعلن نهاية عهد التهديدات والابتزاز الذي يمارسه النظام الجزائري في حق جيرانه، شرقا وغربا واليوم شمالا، بحجة الدفاع عن ورطة اسمها “مخيمات تندوف”.
< مصطفى السالكي