تناسلت خلال المدة الأخيرة القنوات التابعة لبعض المواقع الإلكترونية.
وبالرغم من أن الوزارة الوصية على قطاع الاتصال قامت بتقنين الصحافة الإلكترونية وأخضعتها لشروط صارمة، من أجل أداء مهني محترم؛ فإن عناوين جديدة من هذا النوع ما فتئت تتكاثر بشكل يعطي الانطباع بأننا لا زلنا في فترة ما قبل التقنين.
بين الفينة والأخرى نفاجأ بظهور منبر صحافي إلكتروني يتجول بكاميراته وميكروفوناته ويقوم بتصوير الشاذة والفادة.
قبل مدة ليست بالطويلة، لم يكن يحضر للندوات الصحافية ولغير ذلك من الأنشطة سوى قناة تلفزية واحدة أو قناتين على أبعد تقدير، وكنا نعرفهما بالاسم وبالمشتغلين فيهما، فيما باقي الصحافيين كانوا يمثلون الصحافة المكتوبة. الأقلام والأوراق لا تفارقهم، تجدهم منكبين على إنجاز التغطية الصحافية على حقها وطريقها كما نقول بتعبيرنا الدارج، دون أن يزاحمهم أحد آخر أو يعكر عليهم صفو عملهم.
كان يسود هناك نوع من الهدوء بات اليوم مفتقدا.
كنت ألاحظ ذلك وأعاينه بحكم عملي المهني في الصحافة لما يفوق ربع قرن.
اليوم، هذا المشهد طرأ عليه تغيير. لم تعد المواكبة الصحافية كما عاهدناها من قبل. صرنا نبدو غرباء وسط جيل جديد من الصحافيين الذين لا هم لهم سوى البحث عن البوز.
هناك تحولات أصابت الممارسة الصحافية من الناحية التقنية، وبلا شك أن ذلك له انعكاس على المنتوج الإعلامي في حد ذاته. صارت الأولوية للمنتوج المصور والمرئي.
صار حضور القنوات الإلكترونية طاغيا على سواها من أشكال الصحافة. العشرات من الصحافيين يمسكون بين أيديهم ميكروفونات ويسارعون إلى وضعها على المنصة، ميكروفونات مغلفة بالرموز التي تشير إلى أسمائها، هرج ومرج.
العديد من هذه الأسماء قد تسمع بها لأول مرة، متى نشأت؟ وكيف؟ ومتى؟ ولماذا؟
هل ينبغي توجيه اللوم للجان المنظمة كونها لا تقوم بفرز المنابر الإعلامية ذات المصداقية فتضع بذلك الجميع في سلة واحدة حتى تخلق الانطباع بأن الندوة المعينة أو النشاط المعين يحظى بمتابعة كبيرة؟
أسئلة تظل معلقة. غير أن الشيء الأكيد أن هذه الصحافة حاضرة بقوة في الساحة، تزاول مهامها، أسلوب عملها يختلف عن أسلوب عمل قنواتنا التلفزية المعهودة، أسلوب فيه اندفاع، الحرص على التقاط الوقائع الجانبية، على سبيل المثال: القيام بتصوير المدعوين وهم يسجلون حضورهم في أوراق الجهة المنظمة. الأمر الذي لم تكن تلتفت إليه قنواتنا التلفزية المعهودة.
البحث عن اللقطة المسماة البوز، تلك التي تجعل نسبة المتابعة تبلغ أرقاما قياسية، ومن ثم تحقيق أرباح مالية وافرة.
ليس غريبا إذن أن يسعى الكثيرون إلى الاستثمار في هذا المجال، وهناك صحافيون كانوا يعملون في الصحافة المكتوبة، وغادروها خصيصا ليقوموا بإنشاء مواقع إلكترونية، وهي الآن تذر عليهم أرباحا لم يكونوا يحلمون بها من قبل.
يبدو أن الاستثمار في الصحافة الإلكترونية له مردودية أكبر من غيره من الأنواع الأخرى للصحافة. وهذا ما جعلها تتكاثر وتمارس نشاطها بحماس زائد.
عبد العالي بركات