لن ننخرط في السجال غير المجدي الذي برز في الأيام الأخيرة بشأن انفراد مجلة “جون أفريك” بالإعلان عن تعديل حكومي جزئي قريب في المغرب، ولن نحاكي ما ذهب إليه بعضنا من “قراءات” محلقة في السماء، أو ادعاء “تسريبات” هي نفسها تفضح خواء أو تهافت مختلقيها، ولكن نعتقد أن العودة إلى الأساسيات، وإلى عمق الكلام، ضروري.
الحكومة الحالية قدمت الدليل، أكثر من مرة، على أنها تفتقر إلى الكفاءات فعلا، سواء في تدبير عدد من القطاعات الوزارية أو في التقدير السياسي أو في التواصل مع الشعب وفي الحضور السياسي الميداني، أو في الوعي بالسياقات والأدوار والمسؤوليات…
والأمر هنا لا يعني وزيرا واحدا أو إثنين، وإنما يهم التركيبة، وأيضا اللحمة الجامعة والرؤية والتصور، أي أن المشكل ليس إجرائيا أو يتعلق فقط ببضع أشخاص لوحدهم.
المعطى الثاني، يكمن في وجود تضارب مصالح فاضح وسط الحكومة وحواليها وعلى رأسها، وهو ما يجعلها مرتهنة للوبيات مصلحية ضاغطة، ويمنعها من الإقدام على إجراء عملي في صالح الشعب، ومن أجل تحسين قدرته الشرائية، التي تدهورت جراء جمود الحكومة واستقالتها.
فئات عديدة من شعبنا ازدادت فقرا في العامين الأخيرين وتدهورت ظروف عيشها، ولكن بعض كبار الأثرياء الماسكين بالحكومة ازدادوا، في المقابل، غنى وتضاعفت ثروتهم.
المعطى الثالث، هو أنه برغم كل ما سبق، لم تقتنع حكومتنا بضرورة التحرك أو التدخل أو الإعلان عن إجراءات شجاعة وملموسة للتصدي لغلاء الأسعار أو مواجهة المضاربات، ولم تجرأ حتى على التواصل مع المغاربة وتنويرهم وإقناعهم والجواب على انشغالاتهم وانتظاراتهم…
وعندما نستعرض هذه المعطيات، وأخرى غيرها، نخلص إلى أن المطلوب ليس تعديلا جزئيا، قد يكون تسريبه أو التلويح به الآن مجرد سعي بئيس لإلهاء الناس، ولكن المطلوب هو وعي عميق بحدة ظروف شعبنا وبلادنا، وإدراك مخاطر ما يلف واقعنا من تحديات، ومن ثم الحاجة إلى تغيير جذري وحقيقي.
يمكن لتغيير “الكاستينغ” الحكومي، إما بشكل ضيق محدود أو بشكل واسع، أن يكون مساعدا في إحداث التغيير المطلوب، ولكن على أساس أن يندرج ضمن رؤية تغييرية شاملة، تقوم أولا على الرؤى والإجراءات والسياسات العمومية، وتقدم أجوبة شجاعة على المعطيات أعلاه، وعلى أسئلة الناس ذات الصلة بغلاء المحروقات ومواد وخدمات أخرى، بتضارب المصالح لدى عدد من الشخصيات الحكومية، بالحضور السياسي والتواصلي مع الشعب، بإحداث نفس ديمقراطي مجتمعي واسع يعيد للناس الثقة في المستقبل، وفي المؤسسات…
عدا هذا، لن ينفع لعب التسريبات المخدومة والبليدة، ولن يغير ذلك شيئا في الواقع الطافح اليوم بقلق الناس وضعف ثقتهم.
بلادنا تستحق أفضل من هذا التدني بكثير…
محتات الرقاص