الدورة الثالثة للجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية.. ثمانون سنة من الكفاح من أجل غد أفضل

 قال محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، إن “حزبنا يجدد إدانته للحرب الهمجية والقذرة التي يَشنُّها الكيانُ الصهيوني على الشعب الفلسطيني بِشكلٍ يخرقُ كلَّ قواعد القانون الدولي الإنساني”. من جهة أخرى، يثمن التقدم والاشتراكية، بحسب تقرير المكتب السياسي الذي قدمه نبيل بنعبد الله، أمام الدورة الثالثة للجنة المركزية أمس الأحد 22 أكتوبر 2023، “برنامجَ تنمية وإعادة التأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز”. ووعلى مستوى آخر، شدد بنعبد الله، على أن الوضعُ العالمي الحالي يقتضي التزامَ كافة القوى الصناعية الكبرى بالاتفاقات الدولية بخصوص الحد من الاحتباس الحراري وانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. فيما يلي نص التقرير:

محاور التـقريـر

1- سياق وإطار الدورة:

* تأكيد على دعم الشعب الفلسطيني وإدانة جرائم الكيان الصهيوني وحربه القذرة على فلسطين؛

* زلزال الحوز: آثار وخيمة ورد فعل ناجع في سياق حسٍّ تضامني شعبي نموذجي؛

* الذكرى الثمانون لتأسيس الحزب: مناسبة للوقوف على غنى مسار وعطاءات حزب التقدم والاشتراكية

2- تطورات دولية حادة ومتسارعة تُنبـــئ بِــــتغييرات عالمية كبرى

3- الأوضاع في القارة الإفريقية بين تطلع الشعوب نحو التحرر ومخاطر التدخل الأجنبي وعدم الاستقرار

4- رؤية حزب التقدم والاشتراكية للنظام العالمي البديل

5- الأوضاع على الصعيد الوطني: قضية وحدتنا الترابية أولى الأولويات

6- عجزٌ حكومي مهول في مواجهة الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة

7- البديل الديموقراطي التقدمي: ضروريٌّ وممكن لفتح الآفاق

8- الذكرى الثمانون لتأسيس حزبنا: احتفاءٌ بالرصيد النضالي المشرق واستشرافٌ للمستقبل الواعد

1/ سياق وإطار الدورة

الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء، أعضاء اللجنة المركزية؛ نساء ورجال الصحافة الوطنية؛ الحضور الكريم؛ مرحبا بكم جميعا في أشغال الدورة الثالثة للجنة المركزية.

تأكيد على دعم الشعب الفلسطيني وإدانة جرائم الكيان الصهيوني وحربه القذرة على فلسطين

ونحنُ نُحَضِّرُ هذا التقرير، يتعرضُ الشعبُ الفلسطيني إلى حربِ إبادة جماعية وسعيٍ معلن نحو التهجير القسري لأهالي غزة المحاصرة. إننا نُجدد إدانــــةَ حزبنا لهذه الحرب الهمجية والقذرة التي يَشنُّها الكيانُ الصهيوني على الشعب الفلسطيني، بِشكلٍ يخرقُ كلَّ قواعد القانون الدولي الإنساني. وما يزيدُ الوضعَ احتقاناً وخطورةً هو العملياتُ العسكرية المُدانَةُ للكيان الصهيوني في سوريا وجنوب لبنان، بما يُــــهدد بتوسيعٍ خطير لدائرة الحرب. إننا نُدين بشدة التصعيدَ العسكريَّ الإجرامي لقوات الاحتلال الغاصب بدعمٍ سياسي وعسكري وإعلامي ومالي من أمريكا وعددٍ من الدول الغربية الأخرى. كما نُدينُ الحصار المطلق واللاإنساني المفروض كعقابٍ جماعي ظالم على غزة وأهلها، بما أدى حتى الآن إلى سقوطِ آلاف الشهداء والمُصابين، وإلى تدمير همجي للبيوت والممتلكات، وإلى منع مرور المساعدات الإنسانية إلى غزة، وإلى حرمان الشعب الفلسطيني بها من الماء والكهرباء والغذاء والدواء. ولذلك يُنادي حزبُنا المنتظمَ الدولي إلى تَحَمُّل مسؤوليته، من خلال التحرك الجدّي الفوري والناجع، لأجل إيقاف العدوان على فلسطين وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني. وفي ظل هذه الأوضاع المأساوية، فإنَّ حزبنا، الذي يُسجلُ إيجاباً الموقف الرسمي المغربي إزاء هذه التطورات الخطيرة، يَعتبرُ أنّ هذا الوضع هو نتيجةٌ لانسداد آفاق السلام، ولتعنت إسرائيل وإمعانها في جبروتها وإنكارها لِوُجُود الشعب الفلسطيني، وفي سياسة الاستيطان والاعتداء، والتقتيل والحصار، وتجاوزها لكافة مقررات الشرعية الدولية، بما في ذلك ما التزمت به في اتفاقيتيْ أوسلو ومدريد. ويؤكد حزبنا على أنَّ السبيل الوحيد لإقرار السلام، بالنسبة لجميع شعوب وبلدان المنطقة، يكمن في الإقرار النهائي والعادل للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي طليعتها حقه في إقامة دولته المستقلة والقابلة للحياة وعاصمتها القدس. وسيواصلُ حزبُنا، الذي اعتبر دائماً القضية الفلسطينية قضيةً وطنيةً، مجهوداته ونضالاته، من أجل دعم الشعب الفلسطيني في كفاحه من أجل الدفاع عن نفسه، ومن أجل استقلاله وانعتاقه وتحرره.

الرفيقات والرفاق الأعزاء؛ ولو أنَّ الحربَ القذرة المستمرة على فلسطين غيرُ واضحةِ النتائج والانعكاسات على المديين القريب والمتوسط، فإننا، في حزب التقدم والاشتراكية نريد أن نقف بالتحليل عند بعض العناصر التي نتمنى أن تُسهِمَ في إفراز وضعٍ ايجابيٍّ ومتقدم لصالح قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة. فمنطقة الشرق الأوسط كَمَا لو أنها منطقةٌ بركانيةٌ تَـــبدو أحياناً هامِدةً، لكنها تَشتعلُ كلما توفرت عناصرٌ الانفجار، بما يُفرز وضعاً مُغايراً. فالشعبُ الفلسطيني المكافح، بكافة تعبيراته، ومن خلال صيغٍ نضالية متنوعة، بَرهن دوماً عن قدرته على مقاومة الاعتداءات والغطرسة الصهيونية. وها هو يقوم بذلك اليوم، بشكلٍ فَاجَأَ إسرائيل وأظهر هشاشةَ آلتــــها الأمنية وضُعفَ المناعةِ التي لطالما تَغَنَّتْ بها. وهذا ما يتأكد، حالياًّ، من خلال التَّـــصدُّعاتِ العميقة التي يَشهدُهَا المجتمعُ الإسرائيلي، بما يَطرحُ أسئلةً حول مآل هذا الكيان، حتى من طرف أوساط إسرائيلية. نعم، تحركت آلةُ التعتيمِ والدعاية الصهيونية الكاذبة، بشكلٍ مؤثر للأسف، منذ الأيام الأولى للحرب القذرة الحالية على فلسطين، بهدف استمالةِ المواقف الرسمية للدول الغربية أساساً وللرأيِ العام بها، حيث اصطَفَّ عددٌ من قادة هذه الدول وراء الكيان الصهيوني، بشكل مكشوفٍ ومفضوحٍ ومرفوضٍ، بذريعة مُزَيَّفَةٍ تَدَّعِي بُــــهتاناً دفاعَ إسرائيل عن النفس، في وقتٍ يَصمتُون فيه عن إبادة الشعب الفلسطيني مَهضومِ الحقوق. لكن في مقابل ذلك، تَصاعَدَ وتَعَاظَمَ التعاطفُ العالميُّ الشعبيُّ لصالح القضية الفلسطينية، بما أثَّرَ على صورة الكيان الصهيوني الذي انكشفَ مُجدَّدًا بجلاءٍ للعالَم وَجْهُهُ الحقيقي والبشع. ومن طبيعة الحال، فإنَّ للوضع الحالي، بما ينطوي عليه من تقتيلٍ وتدمير وسعيٍ نحو الإبادة والتهجير من طرف إسرائيل في حق شعبِ فلسطين المكافح، تأثيراً على مواقف عدة دول عربية، حيث عَمدَت بعضُها إلى الإيقافِ، ولو المؤقت، لاتفاقات أبراهام. كما جَعل بعضَهَا الآخر يتردد أو يتراجعُ عن الذهاب أَبْعَد في العلاقات مع إسرائيل، بعد أن تَعَمَّقَ فقدانُ الثقةِ في إمكانيات صُنعِ الصُّلحِ والسلام مع كيانٍ يُمعن في الاعتداء والتقتيل، وفي إنكار حقوق الشعب الفلسطيني، وفي تجاوز الشرعية الدولية، خاصة مع الحكومة الصهيونية المتطرفة الحالية. ويَجري كلُّ هذا في ظل بروزٍ تدريجيٍّ ومُتصاعدٍ لدور عددٍ من الدول، مثل إيران والسعودية وروسيا وتركيا والصين، في المنطقة، بما من شأنه أن يكون له تأثيرٌ مباشر على التوازنات الاستراتيجية إقليميا في اتجاه الحدِّ من التأثير الإمبريالي الغربي بالمنطقة. إلى ذلك كله، فالمحنةُ الحالية التي يعيشُها الشعبُ الفلسطيني هي من أحلك الفترات، حيث يتلقى ضرباتٍ موجِعةً، في غزة المحاصرة أساساً وفي كل فلسطين المحتلة عموماً. لكن هذه المحنة أظهرت تماسك وتلاحُمَ الصف الفلسطيني، وأكدت لـــكافة مكونات الشعب الفلسطيني قيمةَ وأهميةَ الوحدة الوطنية في مواجهة المصير المشترك. ويَـــأملُ حزبُ التقدم والاشتراكية في أن يتعزز هذا المنحى الوحدوي وأن يعرفَ انبعاثاً جديداً مشرقاً.

زلزال الحوز: آثار وخيمة ورد فعل ناجع في سياق حسٍّ تضامني شعبي نموذجي

الرفيقات والرفاق الأعزاء؛ نعقد اجتماعنا هذا ونحنُ نعيشُ آثار ما خلفه زلزال الحوز المؤلم من خسائر بشرية ومادية فادحة. وهي مناسبة، لكي نجدد ترحمَنا على أرواح شهداء هذه الفاجعة، ونتمنى الشفاء العاجل للجرحى، والعودة السريعة والتامة للحياة الطبيعية. كما أننا نُحيّــــي عاليا الجهود الجبارة التي قامت بها، بتوجيهاتٍ ملكية سامية ومقدامة، القواتُ المسلحة الملكية، والدركُ الملكي، والوقايةُ المدنية، والأمنُ الوطني، والقواتُ المساعدة، والسلطاتُ الإدارية المحلية، والهيئات المنتخبة، ومختلف فعاليات المجتمع، من أجل تجاوز التداعيات الفورية لهذه المحنة. ونُــــعبِّــــــرُ عن الاعتزاز بالحِــــسَّ العالي من التضامن والتلاحم الذي أبان عنه المغاربة، مرة أخرى خلال هذا الظرف العصيب، وبالسلوك الحضاري والأخلاق الأصيلة التي أبانت عنها الساكنةُ المتضررة. في هذا السياق، نُـــــثمن برنامجَ تنمية وإعادة التأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز، والذي تَمَّت بلورتُهُ بتوجيهاتٍ ملكيةٍ سامية. ونؤكد على وجاهة المقاربة المعتمَدة في هذا البرنامج الكبير والطموح، باعتباره جواباً قوياًّ وإرادياًّ على تداعيات الزلزال، وأيضاً على إشكالية الخصاص الاجتماعي والمجالي الذي تُــــعاني منه منطقة الأطلس الكبير. إن تجاوز تداعيات هذه الكارثة الطبيعية يتطلبُ إصراراً قوياًّ ونَفَساً طويلاً وتخطيطاً مُحْــــــكَماً وتنفيذاً ناجعاً. وبالموازاة مع ذلك، نؤكد على ضرورة التقيد، أثناء تنفيذ البرنامج، بمعايير الحكامة والسرعة والنجاعة والإنصات للساكنة واحترام الخصوصيات البيئية والثقافية والتراثية والمعمارية للمنطقة. في هذا الإطار، أعدَّ حزبُنا ورقةَ مقترحاتٍ عمليةٍ ومدققة سعياً منه نحو إغناءِ هذا البرنامج الطموح. وتُــــؤكد هذه الورقةُ، التي عمَّمناها للرأي العام، على ضرورة تحويل محنة الزلزال إلى فرصةٍ لتحقيق قفزةٍ تنموية حقيقية على صعيد مختلف مناحي الحياة، بالمناطق المتضررة من الزلزال، ولكن أيضاً بكافة المجالات القروية الجبلية. ونعتقد أن هذه الغاية ستتحقق من خلال إقران البرنامج بالشفافية والمراقبة، وبالديمقراطية التشاركية المبنية على إشراك الفعاليات المحلية الجادة، وبالمقاربة الجماعاتية القائمة على الإشراك الحقيقي للمنتخبين، فضلاً عن ضرورة بلورة استراتيجية تنموية حقيقية وعادلة للعالم القروي، مع الإعمال الفعلي للتخطيط الإيكولوجي والنهوض بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فضلاً عن الإدماج القوي للبحث العلمي، والاعتماد على المصاحبة التقنية والقانونية للساكنة، وكذا الارتقاء بمجال إعداد التراب الوطني. هكذا، نرى أنه من المتعين أن يندرج البرنامجُ في إطار استراتيجية تنموية شاملة تعتمد على تعبئة إمكانيات الدولة وطاقات المجتمع لمواجهة آثار الزلزال، لكن أيضا لرفع تحديات التنمية والقضاء على مختلف أشكال الهشاشة والعجز. وفي هذا السياق، نتطلع نحو إيجاد الصيغ المناسبة لتوسيع البرنامج المِقدام المتعلق بإعادة الإعمار والتأهيل، حتى يَشمل كافة المناطق الجبلية ببلادنا. كما نَعتبر أنَّ معالجة آثار الزلزال ينبغي أن تَستثمر أجواءَ الحماس الوطني وقيم التآزر المجتمعي وارتفاع منسوب الحس المواطناتي، وهي الأجواء والقيم التي تعززت بنيل بلادنا شَــرَفَ تنظيمِ كأسِ العالم لكرة القدم لعام 2030، وذلك لأجل إعطاء دفعة جديدةٍ لمسلسل بلورة مضامين الدستور، ولتفعيل الإصلاحات الكبرى التي يَنْشُدُهَا النموذجُ التنموي الجديد، خاصةً في مجال الحكامة ومحاربة الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية.

الذكرى الثمانون لتأسيس الحزب: مناسبة للوقوف على غنى مسار وعطاءات حزب التقدم والاشتراكية

الرفيقات والرفاق؛ تلتئم دور اللجنة المركزية هذه وحزبنا يتأهَّبُ لأنْ يُطفئ شمعتَهُ الثمانين، بكلِّ فخرٍ واعتزاز وتفاؤلٍ بالمستقبل: ثمانين سنة قضاها الحزبُ، عبر أجياله المختلفة، في الكفاح والتضحية والعطاء، على كافة الواجهات، إسهاماً منه في خدمة الوطن والشعب. وها هي المسيرةُ تتواصل اليوم وغداً بنفس الإخلاص، وبنفس القيم الوطنية والإنسانية، ونفس المبادئ، في إطار جدلية الوفاء والتجديد. وسنعود إلى الموضوع وبرنامج الاحتفاء بالذكرى في نهاية هذا التقرير.

الرفيقات والرفاق الأعزاء؛ إنها اليوم ثالثُ دورة للجنة المركزية، برسم الانتداب الحالي، وذلك بعد انتخاب المكتب السياسي خلال الدورة الثانية في شهر يناير الماضي، وبعد أن تَمَّ توزيع المهام والمسؤوليات وتشكيل اللجان الوظيفية للحزب. ومما لا شكَّ فيه أن اجتماعنا هذا ينعقد في سياقٍ وطنـــيٍّ مُفْعَمٍ بالتحديات والصعاب، وبالانتظارات والآمال، وأيضاً في سياقٍ دولـــيٍّ مضطرب ومعقد يُرخي بظلاله على بلادنا كما على كافة قارات وبلدان العالَم. وإنْ كان هذا التقرير سيتناول اليوم هذه الجوانب، إلاَّ أنَّ المكتب السياسي، كما لاحظتم، حرص على التتبع الدقيق لكافة هذه الأوضاع الدولية والوطنية، وواظَبَ على اتخاذ المواقف بشأن المستجدات في حينها. كما كان لنا حضورٌ بارزٌ ومتميِّز على الواجهة البرلمانية دفاعاً من فريقنا النيابي على مواقف الحزبِ وتصوراته ومقترحاته وتحاليله المختلفة.

2/ تطورات دولية حادة ومتسارعة تُنبـــئ بِــــتغييرات عالمية كبرى

الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء، الحضور الكريم؛ المؤكَّدُ أنَّ المغرب ليس بمعزلٍ عن العالَم، بكلٍّ واقعه ومتغيراته، يؤثر ويتأثر، بشكلٍ أو بآخر، بما يحدثُ. لذلك اخترنا، حتى تستقيم منهجيةُ تحليلنا، أن نبدأ باستعراض أهم معالم الوضع الدولي الذي على بلادنا مواصلةُ وتعميقُ جهدها من أجل التموقع الجيد فيه. إننا أمام وضعٍ عالميٍّ مضطرب فعلاً، وتقلُّباتُهُ حادَّةٌ ومتسارعة. فيما يمكنُ أن ننعتَـــــهُ بالمخاض العسير الذي يُنبــــئ بوضعٍ عالميٍّ جديدٍ ومختلفٍ عمَّا كان عليه وما هو عليه الآن، لا سيما على مستوى موازين القوى الدولية. فالتناقضاتُ العميقةُ بين القوى العالمية، عنوانُها الأبرزُ هو الصراع حول المصالح، والمنافسة الشرسة على ريادة العالم والهيمنة على مواقع النفوذ والخيرات، سواء منها تلك المتوفرة على الموارد التقليدية كالنفط والغاز، ولكن أيضاً على الموارد الطبيعية غير التقليدية وذات القيمة الاستثنائية في بناء اقتصاديات الغد (مثل الكوبالت، التيروليوم، الليثيوم، النيكل، المنغنيز…. إلخ). وإن كان هذا الصراعُ يتخذُ أشكالاً متعددةً، ويُوظِفُ أساليبَ متنوعةً، ويَــــجري في مجالاتٍ عديدة، ويفتحُ فُرصاً جديدةً أمام العديد من البلدان كالمغرب، إلاَّ أنَّ الثابت هو كونه صراعٌ يُــــهدد، فعلياًّ وجدِّياًّ، السِّلمَ العالمي. فعددٌ من الأحداث العالمية الجارية، وعلى رأسها الحربُ الروسية الأوكرانية بمساهمةٍ قوية للبلدان الغربية، بتداعياتها الواسعة والوخيمة، المدمرة والمرشحة للتفاقم، تجد خلفيتــــها الرئيسية في التسابق المحموم حول الزعامة والسيطرة والمصالح، حيث يُحاول الغربُ وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، بكل ما أوتِـــــيَ من وسائل، الحفاظَ على نفوذه التقليدي، وكبحَ التحوُّلاتِ الممكنة، ومنْــــعَ انبثاق ميزانٍ جديدٍ للقوى. لكن رغم الإمكانيات الهائلة التي سَخَّرها هذا الغربُ، ولا يزال، فهو لم يستطع إيقافَ عجلةِ التحوُّلات الجارية، كما لم يستطع حسمَ حربه ضد روسيا، على عكس ما كان يتمنى ويتوقع ويُعلن. وهي مناسبةٌ لكي نثير موضوعاً غايةً في الخطورة، ويتعلق الأمرُ بتنامي ظاهرة خوصصة الحروب، في عددٍ من النزاعات المسلحة عبر العالم، وذلك من خلال اللجوء المتزايد إلى جيوشٍ وميليشيات موازية، منفلته من كل مراقبةٍ أو مُساءلةٍ مؤسساتية، وتنشُطُ خارج القواعد والأعراف والمواثيق الدولية. ويشهد العالمُ، في هذا السياق، تطوراتٍ لا تَقِلُّ أهميةً وتأثيراً، منها احتدامُ الصراع التجاري والمعلوماتي والتكنولوجي، أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، بين القوى العالمية الكبرى. وأيضاً تنامي دور التكتلات الدولية والقارية والجهوية، القديمة منها والحديثة. وذلك فضلاً عن مستجداتٍ تسترعي فعلاً الاهتمام، لــــما تَدُلُّ عليه من عمقٍ في التحولات، من قبيل ما يحدث في الشرق الأوسط في علاقة المملكة العربية السعودية وإيران، وإعادة إدراج سوريا ضمن جامعة الدول العربية. ويظل أحد أبرز هذه التطوراتِ الجارية البروزُ الملفت لتكتل البريكس، الذي يمثل، خاصة بعد الانضمامات المقررة، قوَّةً عالمية وازنةً ومتنوعة، لا يمكن تجاهلُها أو تجاوزها، أو إنكار تأثيرها المستقبلي، على مستوى الصراعِ حول المصالح والنفوذ. إنها جميعها، إذن، تطوراتٌ عميقةٌ تُــــعبِّــــر عن ميْلِ القوى الكبرى التقليدية نحو الحفاظ على مواقعها الحالية، في مقابل سعيِ القوى الصاعدة نحو إعادة توزيع مصادر القرار والسلطة في العالم، على المستوى الجيو سياسي والنفوذ الاقتصادي والمالي. تأسيساً على ذلك، فإن هذا الواقع يفتح الباب أمام تَشَكُّلِ وضعٍ دولي جديد، وأمام إمكانية تغيُّراتٍ في موازين القوى الدولية والتموقعات الجيو استراتيجية. وبقدر ما يمكن أن تكون هذه التطورات إيجابيةً بالنسبة للبلدان المتضررة من الزعامة المنفردة للعالم، ومن التوجهات الإمبريالية لأمريكا وحلفائها، وخاصة بالنسبة لبلدان الجنوب، بقدر ما تطرح تحدياتِ الحفاظ المستدام على السلم والتوازنات العالمية، ورهانات عدم الانحياز وتفادي التبعية إلى أيِّ طرفٍ كان. ومن أهم سمات الأوضاع الدولية، أيضاً: الآثار الوخيمة والمباشرة للتغيرات المناخية، التي صارت حقيقةً وواقعًا، بسبب الأنماط الحالية للإنتاج والاستهلاك، والمتسمة بالإفراط واستنزاف الموارد. ويدلُّ على ذلك تَوَاتُـــرُ كل الظواهر الطبيعية القُصوى في كل أنحاء العالم، بما في ذلك في بلادنا، ومنها الارتفاع غير المسبوق لدرجات الحرارة والجفافُ والفيضاناتُ وذوبان الجليد، والعواصف الثلجية، وحرائق الغابات، وغيرها. كما أنَّ من انعكاسات هذا الواقع الــــمهدِّد للحياة فوق الأرض، تَفَاقُمُ آفةِ النزوح المناخي، بما يترتب عنه من مآسي إنسانية واجتماعية. ولتفادي الأسوأ، لا يوجدُ خيارٌ آخر سوى إعادة النظر، جذريا وجماعيًّا في أنماط الإنتاج والاستهلاك الحالية، التي لا تُقيم وزناً للتخطيط الإيكولوجي ولا للتحوُّل نحو النمو الأخضر. كما يقتضي الوضعُ، بالأساس، التزامَ كافة القوى الصناعية الكبرى، إنتاجيا وماليا وبيئياًّ، بالاتفاقات الدولية بخصوص الحد من الاحتباس الحراري وانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. ولا تتوقف التحولات الجارية على صعيد الساحة العالمية فقط عند ما تناولناه، بل يتعدى الأمرُ ذلك إلى بروز قيمٍ وأنماط جديدة للإنتاج؛ واحتدام السباق نحو الريادة في مجال الذكاء الاصطناعي، بما ينطوي عليه من قدرة على خلق التفوُّق بل وحتى السيطرة المعلومياتية والمالية؛ بالإضافة إلى بوادر تغيراتٍ هيكلية في أنماط العمل وأسواق الشغل، من جراء الطفرة التكنولوجية الهائلة. كما يتسمُ عالمُ اليوم بتَحَوُّلِ قوى الرأسمال الصناعية إلى قوى مالية؛ وتَــــعَــــمُّــــقِ أزمة النموذج الرأسمالي التي عَــرَّتْــــها وأبرزت تجلياتها أزمةُ كوفيد 19؛ وصعوبةِ الولوج إلى المواد الأولية والاستهلاكية والطاقية؛ وبروز الأزمة الغذائية العالمية، التي تُقابلها ظاهرةُ تبذير الغذاء والإهدار، لا سيما في المجتمعات الغربية؛ والعودة القوية لـــمفهوم السيادة والأمن القومي؛ واتساع التناقضات الطبقية؛ وتفاقم الفقر حتى في بلدانٍ غنية؛ علاوةً على محدودية المنظمات الدولية القائمة في معالجة النزاعات؛ وتراجعُ اهتمام العالَم بالقضايا العادلة للشعوب. وتنضافُ إلى كلِّ ذلك أزمةُ السياسة؛ ومخاطر صُعود القوى القومية والعنصرية والفاشستية واليمين المتطرف؛ وتصاعدُ ثِـــقل شركات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث وتأثيرها على المسارات الديموقراطية والانتخابية لعدد من البلدان. وإلى ذلك، لا يزالُ العالمُ يجتَرُّ تداعياتِ جائحة كوفيد 19، حيث تُسَجَّلُ صعوبةُ التعافي الاقتصادي الكامل، رغم بعض التململ الطفيف. كما تتواصلُ الضغوطاتُ التضخمية رغم تبني البنوكِ المركزية لسياسات نقدية تقييدية. إنَّ هذه الأوضاع هي ما يُطيلُ من فترة اللايقين، ويُفضي إلى تباطؤ النمو، خاصة في منطقة الأورو التي من المنتظر أن تُسجِّل بلدانُــــها معدلاتِ نمو تقل في المجمل عن 1%. كما أنَّ هذه الأوضاع العالمية تُؤدي، اليوم، إلى تداعياتٍ على كل البلدان والقارات. وسنكتفي بتناول أوضاع قارتنا الإفريقية، بالنظر إلى أننا جزءٌ لا يتجزأ منها.

3/ الأوضاع في القارة الإفريقية: بين تطلع الشعوب نحو التحرر ومخاطر التدخل الأجنبي وعدم الاستقرار

الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء، الحضور الكريم؛ في هذا الخضمِّ العالمي المتقلب، نُــــسجِّــــلُ تطوراتٍ متسارعةً في عددٍ من البلدان الإفريقية، بما في ذلك معضلةَ النزاعات المسلحة وآفةَ الانقلاباتِ العسكرية.

فقارتُنَا الإفريقيةُ تمتلك مؤهلاتٍ وثرواتٍ هائلةً. ولذلك، كما كانت عُرضةً للاستعمار المباشر سابقاً، فهي مُعَرَّضةٌ، اليوم وبشكلٍ متنامٍ، لمخاطر التدخل الأجنبي، الذي يسعى بشتى الوسائل وبمنطقٍ استعماري وتَوَسُّعي، إلى فرض وصايته والحفاظ على مصالحه في إفريقيا، والرفع من وتيرة وأشكالِ استغلال خيرات القارة، تحت حُــــججٍ واهيةٍ وشعاراتٍ وأقنعةٍ زائفة، منها محاربةُ الإرهاب، أو نشر الديموقراطية، أو تقديمُ المساعدة. وفي هذا السياق، يُلاحَظُ تراجُعُ النفوذ الفرنسي إفريقياًّ، في مقابل تصاعُد الحضور الروسي أو الصيني أو التركي، أو غيره. لكن لا يتعين تعليقُ مشاكل إفريقيا فقط على شماَّعةِ الآخرين. فالأوضاع السيئة بعددٍ من بلدان قارتنا مرتبطةٌ أيضاً بتعثر المسارات الديموقراطية؛ وسُوء الحكامة؛ والفساد؛ والرشوة؛ وتضييع فُرَص التنمية؛ والتواطؤ مع القوى الأجنبية؛ وسيطرة أقليات أوليغارشية؛ وغير ذلك مما يُعيقُ استفادة الشعوب الإفريقية من خيرات بلدانها، ويَحُولُ دون تحقيق تطلعاتـــــها نحو الكرامة والديموقراطية والتقدم. لذلك، باتَ من اللازم الوعيُ من قِبَلِ الجميع بأنَّ الأعطاب والمآسي والنزاعات وعدم الاستقرار، والتبعية ومخاطر الانفصال والتمزق، بالبلدان الإفريقية، هي مُعضلاتٌ لا تُهدِّدُ مُــستقبلَ إفريقيا وشعوبها لوحدها، بل إنها أيضا أعطابٌ تُـــــهدِّدُ السلم الإقليمي والعالمي، وتُشكِّـــل عاملاً من عوامل الهجرة الاضطرارية، ووَقُوداً ومَــــرتَــــعاً لتنامي المجموعات الإرهابية، خاصًّةً شرقاً وغرباً في الساحل الإفريقي والقرن الإفريقي. إنَّ الوضع إفريقياًّ لَيؤُكِّـــدُ ضرورةَ الربطِ الجدلي، في إفريقيا أو في غيرها، بين معارك ومساراتِ التحرر، والتنمية، والديموقراطية، وتمتين المؤسسات والمشروعية، مع الانتباه إلى ضرورة عدم السقوط في فخِّ التخلُّص من تبعيةٍ للخضوع إلى تبعيةٍ أخرى. ومن اللازم أن نُـــــشير، في هذه السياقات، إلى أنَّ عودةَ بلادنا القوية إلى مكانها الطبيعي في الاتحاد الإفريقي كانت ولا تزالُ مُـــوَفَّقَة، سواء من حيث تعزيزُ التعاون المتكافئ جنوب جنوب، أو على صعيد قضية وحدتنا الترابية. وعلينا مواصلةُ هذا المسار إسهاماً من بلادنا في تنمية قارتنا الإفريقية وحمايتها من الأطماع والآفات والمخاطر المختلفة.

4/ رؤية حزب التقدم والاشتراكية للنظام العالمي البديل

الرفيقات والرفاق؛ في ظل هذه الأوضاع المعقدة، التي تناولنا بعضَها إقليميا وقاريا وعالميا، سيظل حزبُنا مناديًّا ومنتصراً لفكرة ومساعي انبثاق نظامٍ عالميٍّ بديل، متعدد الأقطاب، عالَمٍ متوازن وعادل ومتضامن؛ عالَمٍ إنساني يسودُهُ التآزر واحترامُ سيادة الدول ووحدة وسلامة أراضيها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، من أجل الرُّقِيِّ بأوضاع شعوبها في كنف الديموقراطية والكرامة والنماء والمساواة. كما سيواصل حزبُنا إيمانَهُ بضرورة تغليب الحلول السلمية لفض النزاعات. مع ما يقتضيه ذلك من مراجعةٍ عميقةٍ لِــسَـــيْـــرِ المنظمات الدولية، في اتجاه الحياد الفعلي والاستقلالية الحقيقية، والتوازن والنجاعة والعدل. ويرى حزبُنا ضرورةَ أن يَضَعَ العالَمُ على سبيل الأولوية القصوى المسألةَ الإيكولوجية، وقضايا التغيرات المناخية، والحفاظ على الموارد الطبيعية، وصَوْنُ خيرات الشعوب، وحمايةُ الحياة فوق كوكب الأرض، وذلك من خلال تَحَمُّلِ القوى الكبرى لمسؤولياتها بهذا الشأن، إزاء كافة شعوب العالم، وتُجاهَ الشعوب المستضعفة تحديداً. كما أنه من الضروري السعيُ الحقيقي من قِبَلِ بلدان الجنوب، وخاصة منها الإفريقية، نحو ربط مساراتها التنموية بحماية استقلالها وسيادتها ودعم اقتصاداتها ومجهودها التنموي، ولكن أيضاً بتطوير مساراتها الديموقراطية والمؤسساتية، وإصلاحِ حكامتـــها، ومكافحة ما يعتري أنظمة العديد منها من فسادٍ وسوءِ التسيير. وقبل ختم هذا المحور، لا بد من التأكيد على أنَّ حزبَ التقدم والاشتراكية، وهو يُقاربُ الأوضاع الدولية المركَّبة والمفتوحة على كافة الاحتمالات، فإنه يحدوهُ أملٌ كبير وتفاؤلٌ يَقِظ في أنَّ عالَمنا غداً يُمْكِنُ أن يكون أفضل، لا سيما ونحن نرى، وسط كل المآسي والآفات العالمية، انبثاقاً حقيقياًّ وواعداً لجيلٍ جديدٍ من الأشكال والصيغ والحركات النضالية، في معظم مناطق المعمور، تُـــناهضُ الحروب، والاستعمار الجديد، والاستغلال، ونُــــزوعات الهيمنة، واستنزاف الموارد والثروات، وتدافع عن البيئة والحياة والكرامة، وعن القيم الإنسانية الكونية، وعن التحرر والتعايش والتسامح والحوار. وفي سياق تطلُّعنا إلى أن يسير العالَمُ في اتجاه بزوغِ نظامٍ عالمي بديل يقوم فعلاً على خدمة مصالح الشعوب ورُقِيِّــــها وإقرار المساواة بينها، ويُحافظ على مواردها وثرواتها، فإننا نطمح، في الوقت ذاته، إلى أن يكون للمغرب، داخليا وخارجيًّا، موقعٌ متميز وريادي، خدمةً لمصالحنا الوطنية الأساسية وتطلعات شعبنا التنموية.

5/ الأوضاع على الصعيد الوطني: قضية وحدتنا الترابية أولى الأولويات

في ظل هذه المتغيرات الــــمتسارعة، تُواصل بلادُنا جهودها من أجل الطــــيِّ النهائي للنزاع المفتعل حول صحرائنا المغربية. وتُراكِمُ بهذا الشأن مكتسباتٍ ديبلوماسيةً كبيرةً، من خلال تحولاتٍ إيجابيةٍ في مواقف عدد من الدول الوازنة. في نفس الوقت، كُـــلَّما حازت بلادُنا نجاحاتٍ ديبلوماسيةً، كلما ازدادت مناوراتُ ومُعاكساتُ خصوم وحدتنا الترابية. مما يتطلب اليقظة الدائمة، ومواصلة الجُـــهد والدينامية بشكلٍ أقوى. ويَتَّضِحُ ذلك، على وجه الخصوص وبشكلٍ جَلِيّ، من خلال ما يَطبَعُ مواقف وتصرفاتِ حُكَّام الجزائر من تعنُّتِ وعدائية، وذلك في مقابل سياسة اليد الممدودة، التي ما فتئ جلالةُ الملك يؤكد عليها في خطاباتٍ عديدة، تُجاه الجارة الجزائر. لكن حُكَّامَ الجزائر يستمرون في تشنجهم ونهج سياسة الآذان الصماء، ويُواصلون المناورات والاستفزازات والقيام بخُطواتٍ ضد مصالح بلدنا، مستعملين في ذلك شتى الوسائل، بما فيها الإعلامُ ومحاولةُ استعداء الشعب الجزائريِّ الشقيق ضد المغرب. وذلك على الرغم من أنَّ هذا النهج السلبي أثبتَ عدمَ جدواه منذ أزيد من نصف قرن. إنَّ حزبَنا، الذي اعتبر دائما قضية وحدتنا الترابية ليست فقط مسألة اقتناعٍ راسخٍ بمغربية الصحراء، بل أيضا مسألةً تندرج في إطار الكفاح من أجل التحرر الوطني واسترجاع الأراضي التي اغتصبها الاستعمار، سيظل مسانداً لمقاربةِ بلادنا، المعتمِدةِ على سياسةِ اليد الممدودة تُجاه جيراننا، ومتمسكاً بوحدة وتكامل وتعاون بلدان وشعوب المغرب الكبير، لأجل مستقبل التقدم والتنمية والازدهار ورفع التحديات المشتركة على اختلاف أنواعها. كما سيظل حزبُنا، بالأساس، مُتشبثًا حتى النخاع بوحدتنا الترابية. إنَّ حزبَ التقدم والاشتراكية، وعلى أساس هذه القناعات الراسخة، يُؤْمِـــــنُ بأنَّ المغرب لا يمكن أن يــــجتَــــرَّ ويَتحمَّلَ لـــمدة سنوات أخرى تبعاتِ هذا الخلافَ المصطنع حول وحدته الترابية، الذي يمتد إلى زهاء نصف قرن، فإنه، على هذا الأساس، يَعتبرُ أنه من المتعيَّنِ على كُــــلِّ المنتظَم الدولي أن يُسارِعَ إلى إنهاء هذا النزاع المفتعل، من خلال الاعتراف القطعي والنهائي بمغربية الصحراء، عبر الاعتماد الرسمي للحلِّ الجِدِّي والواقعي، المرتكِزِ على المقترح المغربي للحكم الذاتي. ولكي نصل إلى هذا المبتغى المشروع والممكن، وكما أكد حزبُنا على ذلك دائماً، وبالنظر إلى ما يشهده هذا الملف من تطوراتٍ إيجابية، ولكن من مُعاكساتٍ مُقابِلة، يظلُّ صَمَّامُ الأمان، بالنسبة لقضيتنا الوطنية الأولى، والــــمرتَكز الأساسي في معركتنا، هو تمتينُ الجبهة الداخلية، ديموقراطيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، من خلال إعطاء دفعة جديدة وقوية لمسلسل الإصلاحات على جميع المستويات وفي كافة المجالات.

6/ عجزٌ حكومي مهول في مواجهة الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة

الرفيقات والرفاق؛ منذ مؤتمره الوطني الأخير، ظل حزبُنا، على عادته، حاضراً في الساحة، بمواقفه السياسية الجريئة والمسؤولة، وباقتراحاته الدقيقة والواقعية، في حرصٍ شديد وسعيٍ حثيث نحو الإسهام، من موقعه، في مساعدة بلادنا لكــــــيْ تنهضَ من حالة الركود السياسي، ولكيْ تتجاوزَ بُطءَ التنمية الاقتصادية وتَفَاقُمَ الأوضاعِ الاجتماعية من جراء تبعات الوضع العالمي المتقلب من جهة، وضُعفِ الرؤية والإرادة السياسيتين من جهة ثانية. لكن ها هي الحكومةُ، بعد سنتين كاملتين من عمرها، لا تزالُ مُصِرَّةً على الاختباءِ وراء تبرير الأوضاع الحالية بالتقلبات الدولية فقط. وتتغافل عن حقيقةٍ بديهية أنَّ دورَ أيِّ حكومةٍ، في كل زمانٍ ومكان، هو مواجهةُ ومعالجةُ الأوضاع، وليس تبريرُها. كما تتغافلُ عن كوْنِ عددٍ من بلدان العالم، بما فيها بلدانٌ ذاتُ أنظمةٍ ليبرالية صِرفة، اتخذت مبادراتٍ فعلية للتخفيف من وطأة التضخم وغلاء الأسعار على الناس، وعلى المقاولات، خاصة الصغرى والمتوسطة، ولحماية القدرة الشرائية، دون تَحَجُّجٍ فارغٍ بحرية الأسعار وقانون العرض والطلب، وكأنها حريَّةٌ مُطلَقةٌ لا ضوابطَ ولا حدودَ لها. فالسمة الأساسية للأوضاع العامة ببلادنا، اليوم، هي تمادي الحكومة الحالية في تجاهُل مطالب المواطنات والمواطنين ومعاناتهم، حيث تركَــــــتـْــهم مُعَرَّضين للتضخم غير المسبوق، ولغلاء الأسعار، وللمضاربات، دون أيِّ إجراءاتٍ حقيقية لحماية قدرتهم الشرائية، ضارِبةً بعرض الحائط نداءاتِ كافة الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين والمدنيين. كما يُسَجَّلُ ضعفٌ كبير في الحضور السياسي والتواصلي لهذه الحكومة، وعجزٌ صارخٌ عن الإنصاتِ لنبض المجتمع، أو الاستماع لأيِّ رأيٍ مُخالِف أو منتقِد، ولا لأيِّ اقتراحٍ، ولو كان وجيــهاً وصائباً. هكذا، تتعامل الحكومةُ مع هذه الأوضاع الــــمُـــقلقة بتعالٍ يستند إلى فهمٍ سطحـــيٍّ للديموقراطية وللأغلبية العددية، تَفْعَلُ بها ما تشاء وكيفما تشاء وفي الوقت الذي تشاء، دون أيِ اعتبارٍ لا للرأي العام، ولا للبرلمان، ولا لمؤسسات الحكامة، ولا للمعارضة، ولا للأحزاب أو النقابات أو الإعلام أو المجتمع المدني. إنه ليس فهماً سطحيًّا فحسب، بل إنه فهمٌ ينطوي على مخاطر حقيقية على مكتسباتِ بلادنا في مجالِ التعددية والديموقراطية، خاصة حين يصل الأمر إلى حَــدِّ إنكارِ الحقِّ الدستوري والسياسي لحزبٍ سياسي في مُخاطبة رئيس الحكومة، كما حدث على إثر توجيه حزبنا رسالةً مفتوحةً إليه، خلال شهر مارس الماضي، والتي سنعودُ إلى مضامينها بعد قليل. ولعلَّ أبشع مظهر من مظاهر استهتار الحكومةِ بمسؤولياتها هو سكوتُــــها المفهومُ على ما يجري في سوق المحروقات، من ممارساتٍ غارقة في التواطؤات المشبوهة والتفاهمات غير القانونية، حيث تُراكِمُ الشركاتُ المعنية أرباحاً خيالية وفاحشةً وغير مشروعة. وفوق كل الزيادات التي عرفتها أسعارُ المحروقات عند الاستهلاك، سابقاً، فقد سمحت الحكومةُ بخَمْسِ زياداتٍ في سعر الغازوال، في غضون شهرٍ واحد. ويحدثُ كلُّ ذلك دون أن تُـــــبْــــدِيَ الحكومةُ أيَّ استعدادٍ للتدخل والضبط، بأيِّ وسيلةٍ من الوسائل التي تمتلكها، ودون أن تُـــــبادر إلى إيجاد مَخرج لوضعية لاسامير. ولا يزال الشعب المغربي يترقَّبُ البَـــــتَّ العادل والسريع والفعلي والنهائي، الذي طال انتظارُه، من طرف مجلس المنافسة في هذا الوضع غير السويّ. ذلك أنه رغم التحسُّن النسبي في أسعار المواد الطاقية والأولية بالأسواق الدولية، مؤخراً، فإن ذلك لا ينعكس إيجاباً على الأسعار في الأسواقِ الوطنية، مع ما لذلك من تأثيراتٍ وخيمةٍ على كلفة الإنتاج ومدخلاته، وعلى أسعار كافة المواد عند الاستهلاك، وبالتالي على القدرة الشرائية للمغاربة، وعلى المقاولات الصغرى والمتوسطة. مع العلمِ أنَّ اضطراباتِ السُّــــوقِ الدولية، على مدى شهورٍ طويلة، أدت فعلاً إلى ارتفاع كلفة الإنتاج ومُدخلاته، مع تراجعٍ نسبي مؤخراً لهذه الكلفة. ومن المؤشراتِ الدالة على الصعوبات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، أنه باستثناء تحسُّن أداء قطاع السيارات وعائدات مغاربة العالم والسياحة، وانخفاض نفقات المقاصة، أساساً بفعل تراجع أسعار البوتان، فإنَّ معدل النمو لن يتجاوز في نهاية السنة الجارية 3.2% عوض 4% المعلن عنها؛ وهناك ركودٌ في قطاعاتٍ أساسيةٍ كالبناء. كما يُواصل التضخم ضغوطاتِه، حيث بلغ مؤخرًا معدل التضخم 11% بالنسبة للمواد الغذائية التي تمثل نحو 60% من نفقات الأسر الفقيرة. كما يُسَجَّلُ تراجٌع واضحٌ في الاستثمارات الخارجية المباشرة. ولاتزال مديونية الخزينة في مستوى مرتفع يتجاوز 70% من الناتج الداخلي الخام؛ ومقاولات صغرى ومتوسطة بالآلاف تتعرض للإفلاس؛ ومناصب الشغل التي بات يفقدها الاقتصاد الوطني تتجاوز المناصب المحدثة؛ ونسبة البطالة في أوساط الشباب صارت تناهز الـ 40% رغم انخفاض معدل النشاط لا سيما في أوساط النساء. وعلى الرغم من أنَّ الحكومة حصدت، في ظل الأزمة، مداخيل إضافية هامة، لم تَكن مدرجة في توقعاتها، وغالبـــها مداخيل جبائية، تُقَدَّرُ بنحو 50 مليار درهماً في سنة 2022 ومبلغٍ هام تتفادى الحكومةُ الإعلان عنه في السنة الجارية 2023، إلاَّ أنها ترفضُ لحد الآن توجيه ولو جزءٍ من هذه العائدات الاستثنائية من أجل دعم القدرة الشرائية للمغاربة، خاصة بالنسبة للأسر الفقيرة والفئات المستضعفة. ولتحقيق نفس هذا الغرض، كان، ولا يزال، بإمكان الحكومةِ استعمالُ عدة آليات مالية وجبائية وتدبيرية، في إطار مخطط دقيقٍ وشامل.

 

على هذا الأساس، وَجَّهَ حزبُنا رسالةً مفتوحةً إلى رئيس الحكومة، تتضمن تشخيصاً واقتراحاتٍ لا يمكن أن تُعتبر مزايداتٍ ديماغوجية. وقد كان لرسالتنا تلك صيتٌ واسع لدى الرأي العام. هكذا اقترحنا على الحكومة حزمةً من الإجراءات، سواء منها الفورية أو المتوسطة المدى، من قبيل: استعمال مقتضيات قانون حرية الأسعار والمنافسة التي تتيح للحكومة التسقيف المرحلي لأسعار المواد التي تشهد ارتفاعاً فاحشاً؛ وإعمال مراقبةٍ حقيقية للسوق الوطنية ومعالجة اختلالات سلاسل التسويق؛ والزجر الصارم للممارسات الفاسدة لبعض كِبارِ الوسطاء والمضاربين والمحتكرين؛ وإجراء تقييمٍ فوري لدعم أرباب النقل الذي ليس له وقعٌ إيجابي ملموس؛ وإعمال دخل الكرامة للمسنين؛ والزيادة في دخل الأجراء الصغار والمتقاعدين واستخدام الآليات الجمركية والجبائية على مستوى الإنتاج والاستهلاك (الضريبة على القيمة المضافة TVAورسوم الاستهلاك الداخلي TIC)، وذلك بغاية خفض الأسعار؛ وضبط سوق المحروقات، وتنقيته من تضارب المصالح، ومن كافة الممارسات والتواطؤات المنافية للشفافية والنزاهة، والتدخل لضمان انخفاض أسعار المحروقات عند الاستهلاك بما يتناسب فعليا مع انخفاض أسعار النفط في السوق الدولية، مع التضريب المناسب للأرباح الفاحشة التي تجنيها شركات توزيع المحروقات، وإيجاد حل عملي وبنَّاء من أجل إعادة تشغيل لاسامير؛ وتمكين مجلس المنافسة من كل ما يساعده على القيام بدوره كاملاً في مجال مراقبة الأسعار ومحاربة المضاربات والاحتكار غير المشروع والادخار السري للسلع؛ وإعطاء الأولوية للسيادة الغذائية الوطنية، مع ما يستلزمُهُ ذلك من تقييمٍ سريع، موضوعي وجريء للسياسات الفلاحية المعتمِدة الآن أكثر على الإنتاج الموجَّه للتصدير؛ واتخاذ التدابير اللازمة، كما ورد بعضها في وثيقة النموذج التنموي الجديد، من أجل إقرار شروط الحكامة الجيدة والتكامل والالتقائية والتعاون بين مختلف المؤسسات الوطنية، ومن أجل الإعمال الحقيقي لدولة القانون في المجال الاقتصادي، ومكافحة الريع والفساد والاحتكار غير المشروع، بغاية توفير الأجواء المناسبة لجلب الاستثمار وإحداث مناصب الشغل الكافية والقارة واللائقة. لكنَّ الحكومة تميل إلى اعتماد مقارباتٍ محاسباتية من دون أي حسٍّ اجتماعي أو سياسي، إذ أنها رفضت، وترفضُ، بشكلٍ منهجي، كل هذه المقترحات، وعشراتٍ غيرها، قدَّمناها في وثائق ومبادراتٍ برلمانية مختلفة. وهي مقترحاتٌ تَمَّ اعتمادُها في عددٍ من البلدان، بما فيها بلدانٌ ذاتُ اقتصادٍ ليبرالي محض، كما أكدنا على ذلك سابقاً في هذا التقرير. ومن أسباب عدم استجابة الحكومة لمقترحات حزبنا هو تَـــــهَـــــــرُّبــُها من مواجهة تضارب المصالح، والاستمرار في خدمة المصالح الضيقة لبعض الفئات على حساب أوسع شرائح المجتمع. هكذا، اكتفت الحكومةُ، فقط، ببعض الإجراءات محدودة أو منعدمة الأثر الاجتماعي والاقتصادي، كبرنامج أوراش وفرصة، ودعم أرباب النقل، وإقرار إعفاءاتٍ ضريبية على استيراد بعض المواد الاستهلاكية كالأبقار والأغنام. وهي الإجراءاتُ الهزيلةُ التي لا ترقى إلى مستوى حدة الأوضاع الاجتماعية، وأثبتت عدم جدواها، لا في خفض الأسعار ودعم القدرة الشرائية، ولا في دعم المقاولات الوطنية، وخاصة منها الصغرى والمتوسطة. غير أنه من الموضوعي الإشادةُ بالمجهود الحكومي في إنجاز الشطر الأول من مشروع تحويل المياه، بتوجيهاتٍ ملكية سامية. إنه مشروعٌ ينضافُ، بالتأكيد، إلى المكتسبات والإنجازات المتراكمة في السياسة الوطنية المائية منذ سنواتٍ وعقود. وهي فرصةٌ لنؤكد مرة أخرى على ضرورة مراجعة الحكومة للسياسات الفلاحية التي لا تراعي ضعف مواردنا المائية، وخاصة بعض جوانب الجيل الأخضر، كامتدادٍ لمخطط المغرب الأخضر الذي أثبت عدم نجاحه في ضمان سيادتنا الغذائية، ولا في تحسين أوضاع المجالات القروية أو النهوض بأوضاع الفلاحين الصغار والمتوسطين، لا سيما في ظل الجفاف البنيوي المؤدي إلى تزايد في وتيرة الهجرة القروية بتداعياتها على تفاقم أزمة المدن اجتماعيا وبيئيا. أيضاً، يتعين الإقرارُ بأنَّ هناك تقدماً في الجوانب التشريعية والتنظيمية المتعلقة بتعميم التغطية الصحية. لكننا نعيد إثارة الانتباه إلى ما يشوب تدبير المرحلة الانتقالية من مشاكل حقيقية تعيق الحق الفعلي لملايين المواطنات والمواطنين في الولوج إلى الخدمات الصحية. وعموماً، فإنَّ المجهود الذي يُنجز على مستوى إصلاح قطاعيْ الصحة والتعليم لن يُكتبَ له النجاح، سوى بتوفير الإمكانيات اللازمة لتحقيق مدرسةٍ عمومية تُـــتِـــــيــحُ شروط الجودة والتميز وتكافؤ الفرص، مع النهوض بالأوضاع المادية والمهنية والتكوينية لكافة نساء ورجال التعليم؛ وأيضاً سوى بالاعتماد على مستشفى عمومي يُوفِّرُ جودة الخدمات بعدالة، وقابلية الولوج، مع معالجةٍ أقوى لإشكالية الموارد البشرية في الصحة، من حيث عددُها وتوزيعُها ومواجهةُ ظاهرةِ هجرتها نحو الخارج. وكل ذلك يجب أن يُرتَكزَ عليه، عل أساس أن يلعب القطاعُ الخاص دورا تكميليا وداعماً بهذا الصدد، مع إخضاعه فعليا لمراقبة وتوجيه الدولة، حتى لا يستحوذ على إيجابيات الأوراش الإصلاحية السالفة الذكر، فتصبح قطاعات الصحة والتعليم مرتعاً جديداً لاقتصاد الريع. والمُلاحَظ كذلك، في هذا السياق، أنَّ هناك تأخراً كبيراً في وفاء الحكومة بالتزاماتها ووعودها، لا سيما فيما يتعلق بتقديم الدعم المباشر للأسر المحتاجة. ونتمنى أن تكون الحكومة في الموعد مع مضامين الخطاب الملكي الأخير الذي أكد على ضرورة منح التعويضات الاجتماعية لفائدة الأسر المستهدفة مع نهاية السنة الجارية. ويتضح، في المجمل، أنَّ تدابير الحكومة ومقارباتها، لا في مواجهة الظرفية ولا فيما يتعلق بالإصلاحات المنتظرة، لا ترقى إلى أن تشكِّلَ تَوَجُّهاً تنمويا واجتماعيا واضحاً، حيث تفتقد إلى الرؤية الشاملة والتخطيط بمفهومه الحديث، وإلى التكامل بين البرامج القطاعية. حتى أننا نتساءل هل هناك فعلاً إرادة سياسية في هذا الاتجاه؟ ورَأيُـــنا في ذلك أنَّ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ليست على ما يُرام، رغم التطمينات والتصريحات الجوفاء للحكومة. فأرقام ومعطيات وتحاليل المندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب دالَّة على ذلك. في هذا السياق يأتي الدخول السياسي الحالي بتقديم الحكومة لمشروع قانون المالية الذي يحدد أربع أولويات: توطيد تدابير مواجهة الظرفية ومعالجة تداعيات الزلزال؛ مواصلة إرساء أسس الدولة الاجتماعية؛ تنزيل الإصلاحات الهيكلية؛ ثم تعزيز استدامة المالية العمومية. نعم، يمكن ألاَّ يختلف أحدٌ مع توجهات مشروع قانون المالية، لكن الممارسة الحكومية وتدابيرها بعيدةٌ كل البُعد عن معانيــــها الفعلية. وخير دليلٍ على ذلك هو تَنَكُّرُ الحكومة، بشكلٍ يكاد يكون تاماًّ، لمضامين النموذج التنموي، الذي اجتهدت لأجل بلورته ثلة من خيرة أبناء وبنات الوطن المتخصصة في حقولٍ مختلفة، سياسية وحزبية وأكاديمية ومقاولاتية ومدنية وغيرها. من دون شك، فالنموذجُ التنموي ليس هو الكمال. وكُنَّا قد أعربنا عن أهم ملاحظاتنا بشأنه، ولا سيما فيما يرتبط بضرورة أن يَكون توطيدُ المسار الديموقراطي مسألةً محورية ومركزية وأساسية فيه، انطلاقا من جدلية الديموقراطية والتنمية، ومن ضرورة توفير فضاءٍ ديموقراطيٍّ رحبٍ يتقوَّى في كنفه دورُ الفاعلين السياسيين لٍحَمْلِ وبلورةِ هذا النموذج التنموي. لكن الحكومة، التي التزمت بهذا النموذج التنموي، واعتبرته مرجعاً أساساً لها، تتجاهله اليوم تماماً. فالمحاور الأربعة للتحول التي دعا إليها النموذج التنموي الجديد، الذي أثار مواضيع أساسية كمحاربة الفساد وتضارب المصالح وتنقية عالم الأعمال وتثمين الرأسمال البشري والاعتماد على الرقمنة، هي: 1/ اقتصادٌ منتج ومتنوع قادر على خلق القيمة المضافة ومناصب الشغل ذات جودة؛ 2/ رأسمال بشري معزَّز وأكثر استعداداً للمستقبل؛ 3/ فرص لإدماج الجميع وتوطيد الرابط الاجتماعي؛ 4/ مجالات ترابية قادرة على التكيف وفضاءات لترسيخ أسس التنمية. فأين الحكومة من كل هذا؟! وأين الحكومة من مفهوم الدولة الاجتماعية الحقيقية؟! فلا تَحَوُّل اقتصادي، ولا اتجاه نحو المهن الجديدة للمستقبل، ولا جديد في معركة تأهيل العنصر البشري؛ ولا إصلاح ضريبي، ولا إصلاح لقطاع المؤسسات والمقاولات العمومية؛ ولا إدماج للقطاع غير المهيكل في الاقتصاد الرسمي، ولا مناصب شغل قارة، ولا دعم للمقاولة، ولا مواجهة للفساد والريع، ولا إخراج فئات من الفقر والهشاشة، ولا نجاح في دعم الفلاحين الصغار ولا في خلق طبقة وسطى فلاحية، ولا تحسين فعلي للقدرة الشرائية للمغاربة، ولا حوار اجتماعي منتج للحلول، ولا تَقَدُّم في العدالة الأجرية، ولا إصلاح لصناديق التقاعد؛ ولا سيادة غذائية أو طاقية، ولا جديد في الاهتمام بالعالم القروي والفلاح الصغير؛ ولا حرص على صوْن الخدمات العمومية الأساسية، كخدمة الماء والكهرباء المهددة بالإجهاز عليها من خلال إقدام الحكومة على إصدار قانون الشركات الجهوية المتعددة الخدمات.

7/ البديل الديموقراطي التقدمي: ضروريٌّ وممكن لفتح الآفاق

الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء؛ الأدهى من كل الإخفاق الحكومي في مواجهة الظرفية الاقتصادية الصعبة، وفي معالجة الأوضاع الاجتماعية المتفاقمة، وفوق عجزها البيِّن عن مباشرة الإصلاحات والتحولات الكبرى الأساسية الوارد أغلبها في وثيقة النموذج التنموي، فإن الحكومة لا تضع أبداً ضمن اهتمامها الأبعاد الديموقراطية وما يرتبط بها من حرياتٍ ومساواة وحقوق. فالحكومة تبرهن يوميا على أنها أبعدُ ما يكون عن الإدراك بأنَّ نجاح المسار التنموي إنما يقتضي، بالضرورة، إحداث التعبئة حوله، والتطبيق الكامل للدستور، وتفادي السقوط في الديموقراطية الشكلية، وتجاوز حالة الركود السياسي ووضعية الاحتقان، وخلق أجواء سليمة. كما يتطلبُ فضاءً سياسيا وحزبيا قويا، ونقاشا عموميا، ويتطلب إقرار المساواة بين النساء والرجال، كما يستدعي الثقة في المؤسسات المنتخبة، والمشاركة المكثفة للمواطنات والمواطنين. ويستدعي كذلك فضاءً أوسع للحريات، بما فيها حرية التعبير والصحافة التي تسعى الحكومة إلى المساس بها من خلال إصدار قانونٍ على المقاس يُقبر المجلس الوطني للصحافة. لذلك كله، يُـــــجدد الحزبُ إثارة انتباهه إلى هذه التحديات الكبرى والمقلقة على الصعيد الديموقراطي. ويتطلع إلى أن تُؤخذ بما يلزم من جدية، لا سيما من حيث ضرورة إحداث المصالحة بين المجتمع ومؤسساته المنتخبة ووسائطه السياسية والنقابية والمدنية. ومن بين أهم ما يقتضيه ذلك: حمايةُ الفضاء السياسي والانتخابي من عوالم المصالح الضيقة والريع والمال الفاسد والمُفسد. كما يتعين، منذ الآن، الشروعُ في تحضير الشروط الملائمة لانتخابات يسودها التنافسُ الشريف حول البرامج الحزبية وليس حول المصالح الريعية، انتخابات من شأنها استقطابُ وإفراز أشرف وأكفأ الطاقات في وطننا، دون تخوُّفٍ مما يمكن أن تسفر عنه انتخاباتٌ سليمة وسوية وشفافة، حيث تلتف جميعُ مكونات الأمة اليوم حول المقومات الأساسية لبلادنا ومؤسساتها الأساسية وحول مضامين دستور 2011. وإلى جانب كل ذلك، هناك ضرورة لإحداث الانفراج السياسي والحقوقي المطلوب، لا سيما من خلال إيجاد الصيغ الملائمة لطي بعض ملفات الاعتقال المرتبطة بصحفيين أو بحركات اجتماعية. نعم، لقد حققت بلادُنا في العقد الأول من هذه الألفية مكتسباتٍ هامة. وكانت هناك ديناميةٌ إصلاحية قوية في كافة المجالات، وكانت لتلك الإصلاحاتِ تأثيراتٌ إيجابية على مستوى مكانة المغرب في العالم، وعلى قضية وحدتنا الترابية، حيث في خضم تلك الدينامية تقدمت بلادنا بمقترح الحكم الذاتي الذي قوبِل بترحيبٍ دولي واسع. جرى ذلك قبل أن يتم الوصول إلى بلورة دستور 2011، الذي تضمن مكتسباتٍ هامـة، لا سيما على المستوى الديموقراطي والمؤسساتي، وعلى مستوى الحريات والمساواة والحكامة وحقوق الإنسان. قبل أن يعرف ذاك المسار خُـــــفوتاً في الوتيرة والدينامية، مما جعل حزبنا، خاصة منذ مؤتمره الوطني لسنة 2018، يُنادي بضرورة نفسٍ ديموقراطي جديد. وهو النداءُ الصادقُ الذي لا يزالُ اليوم يكتسي راهنيته وملحاحيته. وإلى جانب تركيز حزبنا على الأبعاد الديموقراطية في الإصلاح المنشود، فإنه، أيضاً، أثار قضايا ومقترحاتٍ مدققة، تضمنتها وثائقه الأخيرة، وخاصة منها: وثيقة البديل الديموقراطي التقدمي للمؤتمر الحادي عشر؛ ومذكرة الحزب للمساهمة في النموذج التنموي الجديد؛ ووثيقة مقترحات حزب التقدم والاشتراكية ما بعد جائحة كورونا؛ والبرنامج الانتخابي الوطني للحزب لسنة 2021. ونُذَكِّرُ هنا سريعاً بأهم محاور بديلنا الاقتصادي الذي نتقدم به، دون الدخول في التفاصيل التي يمكن الرجوعُ إليها في الوثائق المذكورة: نمو اقتصادي سريع ومضطرد؛ الارتكاز على دور الدولة إلى جانب قطاع خصوصي متطور ومواطِن مسؤول؛ اعتماد مقاربات مالية وميزانياتية متجددة؛ مباشرة إصلاح جبائي منصف من خلال التفعيل الأمثل للقانون إطار للضريبة؛ دعم وتمويل المقاولة الوطنية، خاصة الصغرى والمتوسطة، إحداثُ والحفاظ على مناصب الشغل في إطار ميثاق اجتماعي؛ الاعتماد على الإنتاج الوطني وتفضيله؛ الحد من الاستيراد المفرط وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجاليْ التصنيع والفلاحة؛ اعتماد التخطيط الإيكولوجي والنمو الأخضر في المسلسل التنموي للحفاظ على الثروات الطبيعية والارتكاز على الاقتصاد البديل المحترِم للبيئة؛ تموقع اقتصادي جديد لبلادنا وتعزيز مؤهلاته في مهن المستقبل؛ تحسين الحكامة وضمان مَنَاخ مناسب للعمل والأعمال. ويَقوم بديلُنا كذلك على: وضع الإنسان في قلب العملية التنموية، وإقرار عدالة اجتماعية ومجالية وتوزيع مُنصف لخيرات البلاد؛ الاستثمار الأقوى في المدرسة العمومية والتكوين المهني والبحث العلمي؛ الارتقاء بالصحة العمومية والمستشفى العمومي؛ الاهتمام بالبعد القيمي والثقافي والمجتمعي والاستثمار في الثقافة والإبداع؛ النهوض بأوضاع الشباب؛ توطيد المسار الديمقراطي لحمل النموذج التنموي؛ تفعيل المبادئ والمقتضيات الدستورية الديمقراطية؛ توسيع مجال الحريات وتقوية المجال الحقوقي؛ والارتكاز على الديموقراطية الترابية والنهوض باللامركزية والجهوية المتقدمة؛ وتسريع إصلاح الإدارة؛ وإصلاح القضاء بارتباطٍ مع ضرورة إخراج منظومة جديدة وحديثة للقانون الجنائي بنَفَسٍ أقوى لتوسيع فضاء الحريات (سنعلن عن مذكرتنا بشأن القانون الجنائي قريباً). في هذا السياق، يُوجد النهوضُ بالمساواة في قلبِ مشروعنا الفكري وبديلنا الديموقراطي التقدمي، بما في ذلك ضرورة بلورة مدونةٍ حديثةٍ للأسرة تَحمِلُ إصلاحاتٍ فعلية وعميقة. وهنا، نُجدد الإعرابَ عن ارتياح حزبنا وتقديره للمبادرة الملكية السامية، ذات الدلالات القوية، بخصوص إعادة النظر في مدونة الأسرة. ونحن على أتمِّ الاستعداد والجاهزية للمساهمة الإيجابية في إنجاح هذا الورش المجتمعي والإصلاحي الكبير. وسنحرص على تقديم مقترحاتنا من أجل تحقيق قفزة إصلاحية فعلية، تُـــفرز تشريعًا أسريًّا يَضمنُ المساواةَ في الحقوق والعدلَ في الوضعيات والحالات. ونرتكزُ في ذلك على هوية حزبنا واقتناعه الراسخ بأُسُسِ المساواة، وبضرورة الرُّقِيِّ المتوازن والعادل بأوضاع النساء، وتمتين الأسرة المغربية بكافة مكوناتها، وحماية المصلحة الفضلى للأطفال، وذلك في إطار المرجعيات الدستورية والثوابت الوطنية والمقومات الأساس لبلادنا. في هذا الاتجاه، نؤكد عزمنا على الإسهامِ الوازن والمسؤول في النقاش العمومي الذي يتعين أن يُجرى حول هذه القضية المجتمعية الأساسية، بمنطقٍ تأطيريٍّ هادف، وبإسهامٍ قوي للإعلام العمومي، وبمشاركةٍ فاعلة للأحزاب السياسية والفعاليات الحقوقية والمدنية والعلمية وكافة الهيئات المعنية. ونتطلع إلى أن يكون النقاشُ المجتمعيُّ حول إصلاح مدونة الأسرة نقاشاً هادئًا، عقلانيًّا، وحضاريًّا، بما يعكس تَطَوُّرَ المجتمع المغربي ونُـــضجَ قواه الحية، وذلك بعيداً عن استعمالِ أيِّ أساليب غير مقبولة وغير لائقة من شأنها أن تُــــسيئ إلى نُبل الغاياتِ من وراء هذا الورش الإصلاحي الهام. وهنا لا بد من التنديد بحملات التخوين والافتراء التي تتوجهُ، بشكلٍ خطير، إلى كلِّ من يَنشُدُ الإصلاح والتحديث. كما ننادي إلى توحيد جهود كافة القوى والفعاليات الإصلاحية، التقدمية والديموقراطية، من أجل الترافع القوي وإسماع صوتِ المساواة في إطار الاقتراحِ السليم والرزين دون السقوط في أيِّ منحى سلبي. وتنطلقُ مذكرةُ حزبنا بخصوص إصلاح مدونة الأسرة، والتي اشتغلنا عليها طوال الشهور السابقة، من ثوابت دستور 2011، وتسعى نحو الملاءمة مع مضامينه ومع ما صادقت عليه بلادُنَا من اتفاقياتٍ دولية، وإلى مُسايرةِ التحولات المجتمعية. وعلى هذه الأسس، فإن مذكرة حزبنا تقترحُ مِن بين ما تقترحُه: – المنع الكامل لإمكانية الزواج قبل بلوغ سن 18 سنة؛ – تحصين حق الأم في حضانة أبنائها، وتكافؤ الحق بين الزوجين في الولاية الشرعية على الأبناء؛ – معالجة إشكاليات النفقة على الأبناء، بما يضمن العدل والمساواة والمصلحة الفضلى للأطفال؛ – التقييد الأشد لتعديد الزوجات، بارتباطٍ مع معالجة اختلالات إثبات الزواج؛ – إقرار العدل والإنصاف في تدبير الأموال الناشئة أثناء الزواج، مع تثمين العمل المنزلي وأعمال رعاية الأسرة؛ – إقرار المساواة والعدل في مساطر الطلاق والتطليق، وإصلاح حقيقي لمؤسسة الصلح؛ – اعتماد الخبرة الجينية في إثبات النسب؛ – التخلي عن التعصيب وتوسيع وتحصين مكانة الوصية في الإرث.

الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء؛

على أساس هذه القضايا التي تقدمنا في شأنها بمقترحاتٍ وبدائل مُفصَّلة ومدققة ومرقمة، يتضح جلياًّ أنَّ أمام بلادنا تحدياتٍ كبيرةً ومتنوعةً، تستلزم الشروع في مباشرة جيلٍ جديد من الإصلاحات، وهو ما يُشكِّلُ ضرورةً مُلِحَّة.

لكن بلورة الإصلاح، وإن كانت مهمة ضرورية وممكنة، بالنظر إلى المكتسبات المحققة، إلاَّ أنها تبدو مهمة صعبة في ظل الحكومة الحالية، بالنظر إلى طبيعتها، وبالنظر كذلك إلى كونها تتشكل من ثلاثة أحزابٍ تُــــهيمن بشكل متغوِّل على كافة المؤسسات المنتخبة، من الحكومة إلى البرلمان ومجالس الجهات والأقاليم والمدن الكبرى والمتوسطة، لكن من دون تلك الفعالية المنتظرة، من حيث الحصيلة والإنجاز والإصلاح.

ورغم مجهودات المعارضة البرلمانية الفعلية والحقيقية والمسؤولة، التي نشكل جزءً منها، إلاَّ أنَّ تنسيقها لا يرقى، للأسف، إلى مستوى جبهة موحدة وقوية لمواجهة توجهات الحكومة وأغلبيتها. وذلك بالنظر إلى تبايُن تموقعات مكونات المعارضة، بل والسعي الحثيث والــــمُـــعلَـــــن لإحداها نحو الالتحاق بالحكومة كيفما كان الثمنُ ودون أيِّ إشارةٍ إلى تغييرٍ فعليٍّ في التَّوَجُّهِ الحكومي، عوض السعي نحو تقوية صفوف المعارضة بأفق إفراز جبهة تقدمية ديموقراطية قوية، تَحمِلُ مشروعًا تنمويًّا ديموقراطيًّا بديلًا يُدافع عن مصالح الشعب، وخاصة منه الفئات المستضعفة.

وسيظل اقتناعُ حزبِ التقدم والاشتراكية راسخاً بأنَّ الإصلاح ممكن، وبأن الغد يمكن أن نجعله أفضل. فقد أثبت المغربُ والمغاربة على مر التاريخ قدرتهم على تجاوز كل الشدائد والصعوبات والأزمات مهما كانت، بالارتكاز على المكتسبات وهي كثيرةٌ في جميع المجالات، وبالتطلع نحو الآفاق المستقبلية بروحٍ عالية من الجدية والعمل وإبداع الحلول.

في هذا السياق، يتعين التقاطُ قوة الروح الوطنية العالية للمغاربة، والتي تبرز بشكلٍ كبير بمناسبة الإنجازات الرياضية الوطنية. لكن في نفس الوقت، ينبغي الالتقاطُ اليقِظ لاستمرار ظواهر الهجرة السرية، وحتى الهجرة القانونية للكفاءات.

لذلك، ينبغي إجراء الإصلاحات التي من شأنها توفير شروط الكرامة، مع الانتباه إلى أننا فَوَّتنا فعلاً النصف الأول من “نافذة الفرصة الديموغرافية 2000-2040” التي تتجاوز فيها نسبةُ القادرين على العمل نسبة المسنين والأطفال، وذلك دون تحقيق الإقلاع الاقتصادي المطلوب لحد الساعة.

 

الرفيقات والرفاق؛

في هذه السياقات، يُواصل حزبُنا مساعيه ومبادراته الرامية إلى انبثاق حركة اجتماعية مواطنة، من أجل إفراز بديل عن الأوضاع الحالية، وإحداث الرَّجَّــــة الإصلاحية المطلوبة، والإسهام في بتِّ نفسٍ إصلاحي جديد ببلادنا.

وقد قمنا باتصالاتٍ أُولـــى في هذا الاتجاه مع نقابتــــيْ الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديموقراطية للشغل، كما كان لنا لقاءُ مع حزب الحركة الشعبية. وسنواصل تحركاتنا على هذا المستوى مع أحزاب أساسية أخرى ومع منظمات وهيئات حقوقية ونسائية وشبابية ومدنية وجمعوية، تشتغل في مختلف واجهات النهوض بحقوق المواطنات والمواطنين.

واعتباراً لضرورة تطوير الحضور الجماهيري الحزبي لدعم هذا التوجه، ندعو مختلف تنظيمات حزبنا ومنظماته إلى السير في نفس الاتجاه، من خلال مبادرات محلية أو قطاعية أو غيرها، مع الحرص على الحضور وتأطير الحركات الاجتماعية، بتنسيقٍ مع القوى الحية الأخرى.

8/ الذكرى الثمانون لتأسيس حزبنا: احتفاءٌ بالرصيد النضالي المشرق واستشرافٌ للمستقبل الواعد

الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء؛

في غمار كل هذه المعارك والتحولات، وفي خضمِّ كل هذه التطورات والتحديات، ها هو حزبُ التقدم والاشتراكية، بكل اعتزازٍ وفخر، وبكل ثقة في المستقبل، يحتفي اليوم بالذكرى الثمانين لتأسيسه، ثمانين سنة من النضال والكفاح لأجل غدٍ أفضل لوطننا وشعبنا.

ونحن نتأهب للاحتفاء بهذا الحدث ذي الرمزية الكبيرة. فإننا نقومُ بذلك بربطٍ للماضي مع الحاضر والمستقبل. أولاً من خلال استحضار مسار الحزب وكفاحاته وإسهاماته الوازنة، وعطاءات وتضحيات أجياله المتعاقبة من القادة البارزين وعموم المناضلات والمناضلين، في خدمة الوطن والشعب. وثانيا من خلال التطلع نحو مزيدٍ من تجذير حزبنا في أوساط المجتمع، وإلى ترسيخ قيمه ومبادئه في الأجيال الحالية واللاحقة. ونسعى، على امتداد فعاليات هذا الاحتفاء، نحو احتضان جيلٍ جديد من المواطنات والمواطنين في صفوفه “جيل الذكرى الثمانين”.

وقد حَضَّر المكتبُ السياسي تصريحاً بهذه المناسبة الهامة، سيتم عرضه عليكم بعد قليل، بأفق مصادقتكم عليه واعتماده.

وسيتضمن البرنامج العام لهذا الاحتفاء، ذي الدلالات العميقة: لقاءاتِ التكريم والوفاء؛ وندوات فكرية وسياسية وطنية وجهوية حول قضايا أساسية؛ والإعلان عن إطلاق مشروع تكويني شامل واعتبار سنة 2023.2024 سنة للتكوين الحزبي؛ فضلاً عن تنظيم الجامعة السنوية حول الحزب ومساره؛ وتنظيم الأبواب المفتوحة ومعرضٍ متنقل وعروض ولقاءات مع إطلاق حملة 10 آلاف منخرطة ومنخرط جديد؛ وتنظيم الملتقى الوطني لمنظمات الحزب؛ علاوةً على إحداث وتدشين رواقٍ دائم لعرض وثائق وصور الحزب بمقره الوطني في الرباط؛ وإنشاء لوحةٍ تذكارية وزرع شجرة لتخليد الذكرى رمزياًّ؛ وتنظيم لقاء دولي حول أوضاع العالم؛ ثم تنظيم حفل اختتامي كبير يوم الأحد 19 نونبر 2023 بالرباط.

وهي مناسبة، لكي نوجِّهَ نداءً قويا، حارا وصادقاً، إلى كافة مناضلات الحزب ومناضليه، وهياكله ومنظماته وقطاعاته، من أجل التعبئة الشاملة، والانخراط القوي في فعاليات هذا الاحتفاء، مع إمكانية مبادرة أيِّ فرع، أو قطاعٍ أو منظمة حزبية، إلى صياغة وتنفيذ برامج خاصة، في نفس السياق وبنفس الأهداف.

إذن، فلنحتفل بمرور ثمانين سنة على تأسيس حزبنا الوطني الديموقراطي التقدمي العتيد. ولنبلور، بمناسبة هذا الاحتفال، أحد أهم أهداف حزبنا، وهو توسيعُ امتداده الجماهيري، وتقوية حضوره السياسي والانتخابي والتنظيمي في صفوف كافة شرائح المجتمع، بانفتاحٍ واحتضانٍ للطاقات والكفاءات والشباب والنساء والمثقفين. ولنفتح أبواب الانخراط القوي في حزب التقدم والاشتراكية.

فخيرُ ما نفعله لتخليد ذكرى الرعيل الأول والأجيال السابقة والقادة التاريخيين للحزب، سيكون هو التعريفُ بتضحياتهم ومساراتهم وعطاءاتهم لدى الأجيال الحالية واللاحقة، وفي نفس الوقت جعلُ حزبنا، اليوم، أكثر تجذراً في المجتمع وأكثر تأثيراً في مجريات الأحداث، وبقدرةٍ أكبر على ربط الماضي بالحاضر والمستقبل تفعيلاً لجدلية الوفاء والتجديد التي تُمَكِّنُهُ من الحفاظ على هويته ومقوماته الأساس، بالموازاة مع التكيُّف الدائم مع الواقع المتجدد.

 

Top