أداء إسباني يوفق بين الجمالية والفعالية

توج منتخب إسبانيا بلقب كأس الأمم الأوروبية، بعد انتصار في النهاية على حساب الإنجليز، وهو التتويج الرابع في التاريخ لجارتنا الشمالية…
ومن المناسبات القليلة التي أجمعت فيها، كل ردود الفعل ومختلف التعاليق، على استحقاق منتخب للقب قاري، أو عالمي، كالإجماع الذي حظي به منتخب «لاروخا».
فازت إسبانيا بجميع مبارياتها السبع في اليورو 2024، لتصبح أول دولة أوروبية، تحقق هذا الإنجاز في بطولة قارية كبرى، والثانية بشكل عام بعد البرازيل خلال كأس العالم 2002.
سجل الإسبان 15 هدفًا في يورو 2024، وهو أكبر عدد من الأهداف لمنتخب، ببطولة واحدة في تاريخ اليورو.
ولعل أبرز الانتصارات خلال هذه الدورة كانت على حساب كل من ألمانيا وفرنسا، أما أكبر حصة، فكانت على حساب جورجيا بأربع إصابات لواحدة، بدور الثمن…
ويدين الإسبان بهذا الإبهار للمدرب لويس دي لا فوينتي، قائد حقيقي أعطى الدليل القاطع على أن التدرج بالمسؤوليات أفضل بكثير، من القفز بسرعة نحو الأعلى، مع ما يترتب عن ذلك من احتمال سقوط مدو…
فهو الفائز ببطولة أوروبا تحت 19 عاما وتحت 21 عاماً، والميدالية الفضية الأولمبية في طوكيو عام 2021، إلى أن وصل إلى منصة الكبار، كقائد ملهم، مشبع بالتجارب، مقدما أسلوبا فعالا في الأداء، تفوق في الجمع بين المتعة والفعالية…
ويحسب لهذا المدرب، رهانه الناجح خلال هذه البطولة، على القوة الجماعية، دون التفكير في الأسماء المعروفة، مقدما عروضا مقنعة وممتعة في نفس الوقت، فالحرص على امتلاك الكرة، تطوره بقوة الاختراق، والرفع من الإيقاع في الأوقات المطلوبة، مع سرعة بشكل عمودي، إلى الأسلوب الجماعي، معولا في الوقت ذاته على «انفجار» موهبة الجناحَين الطائرين، لامين جمال (17 عامًا) ونيكو وليامز (22 عامًا).
وإذا كان وليد الركراكي، نجح خلال مونديال قطر في استغلال مفعول كلمة «النية» في تحفيز «أسود الأطلس»، وحثهم على العطاء والروح الوطنية العالية، فإن دي لافوينتي جعل من ثلاث كلمات كمفعول السحر، رافعا من عزيمة اللاعبين؛ والدفع بهم نحو مكسب الفوز، وتحقيق التتويج واستعادة اللقب القاري…
العائلة» و»التضامن» و»الوحدة»، ثلاث كلمات بمعان كثيرة، كان يكرّرها اللاعبون واحدًا تلو الآخر منذ وصولهم إلى ألمانيا، لوصف أدائهم، وإبراز رغبتهم في تجاوز كل المراحل كيفما كانت صعوبة، وتحقق لهم ذلك بأداء تفوق في الجمع بين الجمالية والفعالية، وهي معادلة جد غير سهلة، لا يتفوق في صياغتها على أرض الواقع، إلا المدرب المتمكن، الذي وصل في تفكيره إلى مراحل متقدمة من الخبرة والذكاء…
ومثل هذا الاختيار الموفق، يعود بالدرجة الأولى للاتحاد الإسباني، إذ شكل تعيين هذا المدرب على رأس الطاقم التقني للمنتخب الأول، منعرجا مهما في مسيرة «لاورخا»، فبعد التتويجات التي حققها على مستوى الفئات العمرية، كان منطقيا أن توضع فيه الثقة، خاصة وأنه يعرف جيدا إمكانيات لاعبين، تدرجوا معه بجل المراحل…
هذه الثقة الذي جاءت على أنقاض الإقصاء المثير أمام «أسود الأطلس» بالمونديال القطري، تحت إشراف لويس إنريكي، سمحت للربان الجديد، بالاعتماد على مواهب شابة، بدون أدنى تردد أو تخوف، حيث امتلك الشجاعة الكافية في منح الفرصة للاعبين يعرف إمكانياتهم جيدا، وكانوا في مستوى هذه الثقة، بعد أن قدموا مستويات رائعة، والأكثر من ذلك أعطى الدليل على قدرة هائلة، تمهد لبسط السيطرة على المسابقات الكبرى، خلال السنوات المقبلة.
فاز النجم الواعد لامين جمال، بجائزة أفضل لاعب شاب في بطولة أمم أوروبا 2024، محققا بعض الأرقام القياسية، كأصغر لاعب يشارك ويسجل في تاريخ بطولات أمم أوروبا، والأصغر مشاركة في المباراة النهائية.
كما فاز زميله رودري، لاعب وسط مانشستر سيتي الإنجليزي ومنتخب إسبانيا، بجائزة أفضل لاعب في البطولة، لدوره البارز في الفوز باللقب، إذ شكل ركيزة أساسية في خطط دي لا فوينتي.
هناك لاعب واعد آخر، شكل ظاهرة حقيقية خلال هذه الدورة، وهو «الإفريقي» الآخر نيكو ويليامز شاب متميز أكمل سن 22 ، خلال هذه التظاهرة فقط، وهذا دليل آخر، على جودة المدرسة الإسبانية من حيث التكوين وإعداد الأجيال القادمة، وفق منهجية تضمن الجودة والاستمرارية…

>محمد الروحلي

Top