أسرار الكتابة عند الكبار..

نماذج من المغرب الشرقي

عندما نكتب فنحن في الحقيقة نصارع ذواتنا أو بمعنى أدق نحن نتصارع مع مخيلاتنا، مع وجداننا، مع قريحتنا.. نتصور شيئا في مخيلتنا، نسطر بعفوية تارة وبدقة تارة أخرى ما نرغب إيصاله للآخر عبر سرد أو شعر أو.. فنبدأ في المبارزة.. نضع الكلمة الأولى نتبعها بفعل أو مفعول به، نسطر بعناية على الجملة المفيدة ثم نشطب عليها لنستبدلها بمرادفات أكثر سلاسة ومرونة حتى لا نغضب المتلقي وحتى لا نحاكم كما يقع الأن لعديد من الأقلام.. ونستمر في الكتابة تارة على الهامش وعلى أيدينا تارة أخرى أو على علبة السجائر التي نتلتقطها من الأرض حتى لا تغيب فكرة تبادرت إلى ذهننا فجأة تهم موضوعا آخرا ومبارزة أخرى.. نتوغل في الورقة بكلمات مختلفة تتضمن موضوعا معينا، ويرن الهاتف فنتجاذب أطراف الحديث مع صديق لم نلتق به منذ مدة ويطول الحديث تارة عن الأحوال الجوية وتارة أخرى عن الحالة الصحية وفي أمور بعيدة كل البعد عن الحقل الأدبي والفني.. وعند عودتك إلى الورقة تجد نفسك عاجزا عن استئناف الكتابة لأن الفكرة تبخرت؛ وتقوم، حينها وبنرفزة غير مسبوقة، بتمزيق الورقة ورميها في سلة المهملات. وفي المساء تبحث عنها في سلة المهملات في محاولة يائسة لجمع أشلائها لتعاود الكرة لإتمام ما كنت تريد كتابته لتوصله إلى المتلقي. حرق الذات لإنارة القارئ هو موضوع نبش في مخيلة الآخر أو بعبارة أخرى عمل نرمي من ورائه معرفة كيف يكتب الآخر.. وهنا أعطي بعض أسرار بعض الكتاب الكبار مرورا بغارسيا ماركيز الذي قضى سنوات طويلة في التفكير في “مائة سنة من العزلة” و”وقائع موت معلن” قبل كتابتهما؛ وهمنغواي الذي أعاد كتابة آخر صفحة من روايته “وداعا للسلاح” 39 مرة؛ وبروست حيث كان يرفض رائحة العطر ويغلق الغرفة عليه ويكتب في السرير؛ ثم أبولينير الذي كان يكتب في المطبخ؛ وهنري ميلر الذي لا يستطيع الكتابة في مكان مريح؛ وليوباردي الذي كان يربط رجليه بالكرسي.. فقلة من الكتاب كانوا يستمعون للموسيقى أثناء الكتابة. وأغلبهم يكتب في صمت مطبق.. فوكنر وهنري ميلر وإرنست همنغواي وبروست وفلوبير و بول بولز وخورخي بورخيس وجورج أمادو ويوسا فارغاس.
سعيا منا في إسعاد القارئ قبل الكاتب، أخذنا على عاتقنا التعريف بأسرار ثلة عريضة من مثقفي الجهة الشرقية لمغربنا العزيز وتقديمها للقارئ الكريم لهدفين إثنين أولهما التعريف بالأدباء فيما بينهم والتعريف بالقراء فيما بعضهم البعض.

<إعداد وتقديم: الحسين اللياوي

البوح5

اليوم مع الكاتب المغترب بمنشنكلادباخ جمال الغازي

حينما أكتب على موضوع كيف ما كان سواء شعر، أو سرد أو قصة فإنني أنطلق من أعماقي بما يوحيه إلي من مواضيع عدة أحاول فرزها واختيار منها ما هو أهم ويقتضي الكتابة عليه حسب ما يناسب الحال وما يمكن أن يستفيد منه المجتمع أو القارئ.. لذلك فالكتابة عندي ليست من أجل المتعة والاسترخاء، وإنما وسيلة من أجل التقويم وتهذيب النفوس، بل والمساهمة في معالجة الأمراض الاجتماعية على حسب التجارب الشخصية السابقة، فبعد أن تتشكل عندي خيوط الفكرة أختار اللون الذي يناسبها وأجعل منها صورة طبق الأصل لأوجاعي وآلامي دون تصنع في الوصف.. ولا يكون هدفي هو الأسلوب الأدبي فقط وإنما نقل المشاعر الصادقة دون تزييف ولا خداع لمن يستقبل تلك الكتابة.. فمجرد أن يلقي فيها نظرة أولية تكتشف العين صدق محتواها وما تحمله من معاناة وهموم تكالبت علي وعشتها دون رحمة ولا شفقة، في بعض الأحيان أجد نفسي في فوضى بسبب كثرة وتزاحم المواضيع التي تدور في خوالجي يصعب علي حصر التفاصيل ولكن عن طريق الكتابة أحاول ترتيب هذه الأحاسيس والمشاعر ثم أستخرج منها ما يناسب العنوان الذي اخترته بتناسق قدر الإمكان وعلى حسب إمكانياتي المتواضعة أجعلها أكثر توازنا وإتقانا، فحركية الغليان الباطني والضمير الذي يؤنبني جعلت من الكتابة تبوح عن جروحي وحزني في قالب تفاؤلي؛ فهو صراع بين الألم والأمل، بمعنى أصورها سطورا بأسلوب سلس لبق لإنتاج سياق خاص بي في الأخير ذي معنى وعبرة لمن يفهم ما وراء الحروف ويكتشف الكنوز التي في داخلها. خلاصة القول الكتابة بالنسبة لي تزيل الثقل النفسي وتمحو الألم وقساوة الغربة وحتى فراق الأهل والأحبة وعليه أكتب حتى أستريح، أكتب لأنني عاينت في الكتابة شفائي.. أما عن الكيفية فأختصرها في الفكرة التي تراودني حول قضية ما أو نقطة ما، أجعل منها نقطة وصل بين التجارب التي خضتها وبين ما أريد تناوله في الكتابة قد يراها القارئ ارتباطا وتناغما بين الماضي وحمولته مع الحاضر ومستجداته، فانطلاقا من موضوع أثار انتباهي وتمخضت منه فكرة أستغيث بالكتابة التي تجسدها وتجعلها نصا مكتوبا كأنه تواصل من الذات إلى الغير بأسلوب لين جميل ومفهوم من الجميع يوافق مزاجي لعله يستمع لصرختي واستغاثتي.

Related posts

Top