حتى لا يهجر الشباب والأطفال المؤسسات التعليمية ودور الشباب والثقافة والسينما والملاعب الرياضية والشواطئ. و حتى لا تملأ سجون المملكة وإصلاحياتها ومراكز حماية الطفولة بالمجرمين والمرضى ضحايا المخدرات والسموم. وحتى لا يتضاعف نزلاء مستشفيات الأمراض العقلية ومحاربة الإدمان وتتكاثر الأمراض والأوبئة. و حتى لا نضطر إلا تعيين شرطي لكل مواطن. علينا ببساطة أن نستوعب قول الكريم «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ». ونبادر إلى إصلاح ذواتنا. علينا أن ندرك أن الأمن أمانة، وأن كل مواطن هو مسؤول عن دعم ترسيخ وتثبيت الأمن و الاستقرار. وأن كل تهاون أو تقصير يعتبر خيانة للشعب و الوطن. غالبا ما نسوق خطأ للمفهوم الحقيقي للأمن. نقتل في (الأمن) روحه التي أحيت وتغذت من دماء ودموع وعرق الآباء والأجداد. وهويته التي يجسدها الوطن. وعروقه التي نسجت بكفاح المواطنين الشرفاء.غالبا ما نتخلى عنه ونهمله ونتركه ليتحول إلى مجرد آلة أو جهاز تديره أياد بشرية بأساليب ومخططات لا تلبث أن تفشل في إنعاش «الأمن».غالبا ما ننسى أن «الأمن» سلوك وكائن أرضي ينبض بالحياة، من الواجب والمفروض أن نجعله يترسخ في عقل وقلب وروح كل إنسان، لينعشه ويوفر له الاطمئنان والسكينة اللازمين لممارسة حياته العادية وسط بني جنسه. ومن الواجب والمفروض أن نحقن به كل من يحيط بنا ويعيش معنا، سواء كان بشريا أو أي كائن آخر. لأن أمن الإنسان من أمن محيطه حيوان كان أم نباتا أم جمادا. لماذا نترك «أمن» المدينة والقرية لجهازي الشرطة والدرك الملكي والقوات المساعدة والسلطات المحلية والقضاء. وهي تلك الأيادي والعقول البشرية، التي تحدثت عنها سابقا. والتي لا تمتلك من المهارات والكفاءات، سوى التعليمات والقوانين. تديره بمنطق العقاب لكل من أفسد الأمن أو حاول زرع الانفلات الأمني أو الفتنة. وهو منطق لا علاقة له لا بالوقاية ولا بالعلاج الواجب لهؤلاء المتهمين بالاعتداء على الأمن. ببساطة لأن «أمن» هؤلاء أصحاب القبعات والبدل الرسمية والأصفاد والهراوات والمسدسات هو «أمن» آلي مجرد من الروح والقلب والهوية. على المواطن باختلاف جنسه ووضعه الاجتماعي والثقافي والمهني والسياسي، إدراك أن «الأمن» من بين المسؤوليات الجسيمة، التي يجب أن ينخرط في ترسيخها جنبا إلى جنب مع كل المجندين لهذا الغرض، والذين يتقاضون أجورا وتعويضات مقابل وظائفهم الأمنية. وأنه مطالب بالمشاركة بقوة مع كل الشركاء من أجل توطيد روح وقلب وهوية الأمن.
يمكننا إنعاش الأمن بدعم تفشي السلام والوئام وإحياء روح المودة والسؤال و قتل فيروسات الحقد والغل والضغينة. والاهتمام بمشاكل وهموم وسلامة واستقرار وتعايش أبنائنا وأطفال جيراننا، وتبادل أدوار الأبوة والأمومة داخل الحي والحومة والدوار. ومحاربة الفساد بالإشارة بأصابعنا إلى المفسدين، وتفادى التواطؤ تحت ضغط المال أو المصلحة الشخصية أو القرابة..
نحيي الأمن باختيار التربية والتعليم والتوعية والتكوين لنا ولذريتنا وأبناء محيطنا. ومقاومة إعصار الغش والتهاون والكسل والخمول «العجز بمفهومه العامي». ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب. ومنحه الوسائل والعتاد اللازمين للعمل والعطاء والإبداع.
للأسف تعلمنا كيف نصنع الأزمات ونغذي البؤس ونزرع اليأس والإحباط هناك وهناك. ونسينا أن نوفر جزء من جهدنا وأراضينا لبناء الكرامة وتشييد السعادة وزرع المحبة. وتعلمنا أن نقبل بكره العين قبل العقل وقبل القلب. وأن نسترق السمع في أمور لا تعنينا و نغوص سلبا في مشاكل غيرنا لنزيد من معضلاتها. و تعلمنا أن نحضن الغريب قبل القريب. وأن نتركه بلا حسيب ولا رقيب. تلك قيمنا تصيب وتخيب. لكن في ظل تناسل الخونة والمتربصين بالوطن. وجب التدقيق والبحث والتنقيب. نسينا ونحن نزداد غلا وحقدا اتجاه بعضنا البعض، أن نوفر من غلنا وحقدنا قسطا ضئيلا لمواجهة أعدائنا ونمنح لبعضنا الوقت والمجال من أجل التسامح والتلاحم والتفاهم. ونسينا أن نجعل من سمومنا أسلحة فتاكة تقوينا وتحمينا وترهب خصومنا. بدل من أن نوظفها للتخلص من بعضنا البعض وإضعافنا وتشتتنا. كما نسينا أن لمة الشعب هي الضمان وصمام الأمان لكل مشاريعنا. وأنه علينا إعادة تمتينها وشحن أنفسنا، لنوقف زحف الفساد والاستبداد. لنغير ما بأنفسنا. لأنه السبيل الوحيد إلى التغيير نحو الأفضل. نسينا أن رضا الله لا يوجد فقط بالمساجد..لكنه هناك في الأحياء الهامشية والقرى النائية. هناك حيث البعض يئنون من قساوة الحياة وظلم البشر.أبواب مفتوحة ليل نهار تنتظر من يقتحمها ليغير حياة من بداخلها. نسينا أن الحياة وإن تجاوزت القرن لا تغدوا أن تكون أحلاما وكوابيس في لحظة غفوة أو غفلة. وأن بين الحقيقة والأحلام ستارة داخل العين تحكمها ذرة في الدماغ. ترمي بهياكلنا وأجسادنا هنا وهناك.تلكم أخطاؤنا التافهة التي لا يمكن تصنيفها ضمن خانة الكبائر. أخطاء من السهل تداركها وتصحيح مسارنا وتحصين وطننا وضمان أمننا واستقرارنا .
بقلم: بوشعيب حمراوي