البرلمان الذي نريد…

لا يختلف اثنان حول أهمية دور المؤسسة التشريعية في تقوية الحوار السياسي العمومي، وعبر ذلك تعزيز الثقة العامة في المجتمع.
البرلمان عندنا لم ينجح لحد الآن في تجسيد هذا الدور، وفِي أن يكون الفضاء المؤسساتي الحاضن لكل الانشغالات المجتمعية والشعبية، وأن يلعب دوره في الارتقاء بالسياسة بشكل عام.
وعدا استثناءات قليلة جدا تمثلها بعض فرق المعارضة، وعدد قليل من أعضاء الغرفتين، فإن الصورة العامة التي يعرضها برلماننا اليوم تبقى سلبية.
لا شك أن هذا كله نجم عن أسباب مختلفة، تتصل بالمنظومة الانتخابية ومجريات الاقتراع الماضي والسلوك الانتخابي العام في بلادنا، والمعضلات العديدة لممارستنا الحزبية الوطنية، وكل أشكال التدخل والتأثير ذات الصلة، لكن مع ذلك، لا بد اليوم من التفكير، بكثير من الجدية والعمق، في تطوير عمل البرلمان، والنهوض بمستوياته الحرفية والأدائية، ورفع منسوب السياسة في أشغاله، وذلك عبر ما تستوجبه مسؤولياته الرقابية والتشريعية والديبلوماسية.
من مصلحة بلادنا أن تتعزز السياسة داخل البرلمان، وأن تحضر انشغالات المجتمع ضمن أشغاله، وأن يتحول إلى فضاء السياسة بامتياز.
لا يمكن أن يتردد البرلمان في طرح أي قضية وطنية في جدول أعمال مناقشاته، ولا يمكن أن يحرم من ممارسة رقابته الدستورية على كل الوزراء، وعلى مسؤولي البلاد ومختلف السياسات العمومية، ولا يمكن أيضا للبرلمان أن يهمل دوره التشريعي، ومسؤوليته لتأهيل المنظومات القانونية الوطنية.
من المؤكد أن كامل هذا العمل يفرض مساطر وآليات لإعماله، ومن الواجب التقيد بها واحترامها، ولكن الأساس هو أن البرلمان يمثل إرادة الأمة، ويجب أن تمتثل الحكومة أمامه وتقدم الجواب عن أسئلته، وليس العكس.
القضايا السياسية والاقتصادية والتدبيرية الكبرى يجب أن تحضر كلها في مناقشات البرلمان، وهذا الأخير يجب أن ينصت إلى المجتمع ويتملك انتظاراته وتطلعاته، ويترافع من أجلها، وكل ذلك، لكي يرى المغاربة قضاياهم في برلمانهم، ولكي تتعزز الثقة الشعبية والمجتمعية في المؤسسات، وحتى لا تحدث القطيعة بين ما ينتظره الناس وما ينشغل به البرلمانيون.
أحيانًا تكون المشكلة في المساطر المعمول بها، وهو ما يمكن تجاوزه عبر الحوار الداخلي بين مكونات البرلمان، ولكن المشكلة الأكبر توجد في استعداد السلطة التنفيذية، أي الحكومة، للامتثال لسلطة البرلمان، والتجاوب مع طلباته وأسئلته، وبالتالي الإسهام في جعل المؤسسة التشريعية محور الدينامية السياسية والديموقراطية ببلادنا.
عندما تتراكم عشرات الأسئلة الشفوية والكتابية، وتبقى بدون أجوبة أو تفاعل جدي من لدن الحكومة، وعندما يأتي الوزراء أمام البرلمان ويقرأون أجوبة مكتوبة ومعدة بأسلوب إداري غارق في البرودة والبيروقراطية، وعندما يغيب التفاعل، وينعدم الحوار السياسي المباشر بين الوزراء والبرلمانيين، وأيضا عندما يقل عدد اجتماعات اللجان أو مهمات الاستطلاع ولجان التحقيق، وعندما يختل القياس بين مشاريع القوانين ومقترحات القوانين….
عندما يكون الحال على هذا الشكل، فإنه لا يمكن الحديث عن تأهيل برلماني ولا هم يحزنون، وسنبقى كلنا نتفرج على جلسات يبثها التلفزيون بلا أي أثر أو جاذبية للجمهور.
ظروف بلادنا والعالم هذه الأيام تفرض الوعي بأهمية الأدوار المنوطة بالمؤسسات التمثيلية، وخصوصا البرلمان، والانتباه إلى ما يمكن أن تقوم به المؤسسة التشريعية صلة بانشغالات الناس وهواجسهم اليومية.
البرلمان يجب إذن أن يكون محور حياتنا المؤسساتية والديموقراطية، وأن يتملك ويحتضن كامل انشغالنا السياسي الوطني، وعلى الحكومة أن تدرك أهمية ذلك، وأن تساهم في تحقيقه وإنجاحه.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top