التحرش والاعتداء الجنسي.. لماذا تصمت الضحايا؟!

«لا يمكنها أن تتذكر بالضبط ماذا حدث لها… لم تواجه، وبالطبع احتاجت عقود لكي تتخطى المسألة»، هذه أكثر رواية يمكن أن تحصل مع الناجيات من الاعتداء الجنسي، بعدما تأخرن كثيرا في الإبلاغ عن الجنس القسري الذي يتعرضن له، وفق ما ذكرته صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير مؤخرا.
ففي أكتوبر الماضي، قامت مجموعة من النساء باتهام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاعتداء الجنسي، إلا أن «ترامب» تعامل مع هذه المزاعم بالكثير من الاستهتار، معتبرا أن هذه الأخبار كاذبة وهدفها النيل منه سياسيا، وتساءل عن السبب الذي دفع هؤلاء السيدات إلى الانتظار طويلا والتزام الصمت في حال كانت ادعاءاتهن صحيحة.
كما تم توجيه أصابع الاتهام بالتحرش الجنسي لعدة أسماء بارزة في عالم الفن، من بينها المنتج الشهير «هارفي واينستاين» الذي انهالت عليه الفضائح خاصة بعد أن قررت بعض النساء كسر حاجز الخوف والتحدث في العلن عن تصرفاته المخلة بحقهن، وهو الأمر الذي شجع النساء في العالم على التسلح بالجرأة وفضح حالات التحرش.
من السياسة وعالم «هوليوود» وصولا إلى الحياة اليومية، هناك سؤال يطرح نفسه بقوة في هذا الشأن: لماذا تبقى النساء من ضحايا الاعتداء الجنسي متكتمات لفترة طويلة عن فضح المتحرش بهن؟
المعاناة بصمت

ليس هناك من أمر أصعب من الاعتداء الجنسي نفسه سوى أن يعاني المرء بصمت مطبق من دون القدرة على كسر حاجز الخوف وفضح المعتدي في العلن.
ففي مجتمعاتنا العربية، يعتبر التحرش الجنسي من أكثر المواضيع «طابو»، بحيث يتم التكتم عن هذا الموضوع خشية التعرض للانتقادات التي قد تحول الضحية إلى جانٍ والعكس صحيح. من هنا تفضل سيدات كثر التزام الصمت حيال تعرضهن للاعتداء الجنسي رغم آلامهن الجسدية والنفسية التي قد يكون من الصعب تضميدها.
ولكن ما هي المخاطر التي ينطوي عليها التعامل مع حالات الاعتداء الجنسي بصمت؟
في كتاب (The Body keeps the Score) ، يتحدث الطبيب النفسي «بيسيل فان دير كولك» عن التأثيرات الفيزيولوجية التي تحدثها «الصدمة النفسية»، خاصة لناحية انعكاس الأحداث المؤلمة على الجهاز المناعي، والعصبي، والعضلي، والدماغي.
يوضح «كولك» أنه كلما بقيت الاعتداءات الجنسية دون علاج، ازداد ظهورها في نهاية المطاف كخلل وظيفي.
وبحسب «بيسيل»، فإن السبب الذي يجعل الجسم يتفاعل بقوة مع الصدمة، هو أن القتال أو الهروب، رغم أنهما مفيدان للبقاء، يصعب على الجسم التعامل معهما لفترة طويلة.
ويشير الكاتب إلى أنه في ظل عدم معالجة الأحداث الصادمة، فإن الذكريات المرتبطة بها تبقى بنفس الحدة عند اختبارها: مفككة، مجزأة، ومن الصعب إعادة ترتيبها في رواية منطقية، وهكذا تظل عالقة في الدماغ على شكل ضوء، صوت، رائحة… وتخرج إلى العلن في لحظات الضعف.
وبالتالي يوضح موقع»abc»، أنه في كل مرة نسمع فيها صوتا معينا أو نشم رائحة مألوفة مرتبطة بذكرى مؤلمة، فإن دماغنا لا يتفاعل مع الأمر كما لو أن الحدث حصل في الماضي، إنما يستجيب كما لو أن الحالة آنية ونحاول الهروب منها، الأمر الذي ينتج مشاكل جسدية.
وهناك عدة عوامل تكمن وراء تأخر النساء عن الإبلاغ عن تعرضهن للتحرش الجنسي.
الشعور بالعار والخجل

«نخاف من أن تكون ردة الفعل عنيفة، من الأمور التي قد تشوه سمعتنا، نخشى مما قد يظنه الناس عنا، من اقتحام خصوصيتنا، من خسارة وظيفتنا».
بالرغم من أنه بالإمكان الشفاء من جميع الأمراض الجسدية الناجمة عن اضطراب ما بعد الصدمة، إلا أن وصمة العار التي تحيط بالاعتداء الجنسي تدفع الكثير من الناس إلى الانتظار لسنوات قبل طلب المساعدة التي يحتاجونها.
بحسب موقع «سيكولوجي توداي»، فإن الخوف من العار هو العامل الرئيسي الذي يجعل بعض النساء يمتنعن عن فضح اِسم المعتدي عليهن في العلن، خاصة أن البعض منهن يلقي اللوم على أنفسهن ويشعرن بأنهن المسؤولات عما حصل لهن.
ففي البلدان التي يتم فيها استخدام الاغتصاب كأداة للحرب، فإن أسباب بقاء المرأة صامتة قد يكون ناجما عن خوفها من العار، من الوصمة، من المطاردة الاجتماعية والخشية من عدم تصديق روايتها: «عندما نشعر بالخجل، نريد أن نختبىء، فنحني رؤوسنا في محاولة لجعل أنفسنا غير مرئيين».
في هذا الصدد، كتبت «نانسي فينابل رين» في مذكراتها «After silence: Rape & my Journey back»، الشعور بالخجل شديد للغاية بالنسبة لضحايا الاغتصاب لدرجة تجعل الكثيرين يرفضون إخبار أحد بما حدث لهم».
وعن تجربتها الشخصية تقول الكاتبة: «من الصعب ألا أشعر بالخجل أمام إحراج الناس. وهذا الخجل أسكتني».
فقد جرى تقييد «رين» واغتصابها في شقتها، واللافت أن المغتصب لم يسلبها فقط راحة بالها بل كلماتها أيضا، إذ لم تكن تقدر على مناقشة ما حدث معها: «احتفظت بالكابوس لنفسي، إذ اعتقدت بأنه في حال لم أخبر ما حصل لي لن يقدر أحد على إلحاق الأذى بي».
الخوف من العواقب

غالبا ما يتم تصنيف الناجية من الاعتداء الجنسي على أنها شخص انتهازي، وبالإضافة إلى إلقاء اللوم عليه على ما حصل فإنه يتم معاقبته أيضا في حال قيامه بفضح المتحرش.
من هنا فإن أول ما يخطر على بال الضحية هو ضمان سلامتها الشخصية وسلامة عائلتها، خاصة أنها تخشى من فكرة الانتقام نتيجة إقدامها على تدمير حياة شخص قوي ونافذ قد يسبب لها الأذى على المدى البعيد.
وفي ظل الأخطاء الكثيرة التي تعاني منها القوانين والمواد التي تجاوزها الزمن و»الاختبارات الطبية» المطلوبة لإثبات التعرض للاغتصاب، ليس من المستغرب أن يكون هناك العديد من النساء اللواتي يخشين من فكرة الإبلاغ عن تعرضهنّ للعنف الجنسي.
النكران وتسخيف الحدث

تقوم نساء كثر بتسخيف التحرش الجنسي الذي يتعرضن له من خلال خلق الأعذار والتبريرات لأفعال المتحرش بهدف إقناع أنفسهن بأن المسألة ليست بهذا السوء، وعليه يقررن المضي قدما وكأن شيئا لم يحصل، إلا أنهن يغفلن أن هذه الحادثة لن تمحى من ذاكرتهن لا بل إن الشعور باليأس سيقودهن إلى الاكتئاب.
عدم تقدير الذات

بعض الناجيات من التحرش الجنسي لا يقدرن أجسادهن أو سلامتهن لدرجة أنهن لا يعتبرن أن ما حدث لهن خطير وبالغ الأهمية، في حين أن الانتهاكات الجنسية غالبا ما تؤدي إلى تشويه الصورة الشخصية، كما أنها تقلل من تقدير المرأة لذاتها وكيانها، بالإضافة إلى اهتزاز ثقة الضحية بنفسها وشعورها بالعجز والإحباط وبأن ليس هناك من جهة قادرة بالفعل على مساعدتها، خاصة في ظل قيام المجتمع بتلطيخ سمعتها وتشويه صورتها.

Related posts

Top