أعلنت وزارة الداخلية أنه، في إطار المراجعة السنوية للوائح الانتخابية، وضعت رهن إشارة العموم الجداول التعديلية المؤقتة للوائح الانتخابية العامة، وتلك المتعلقة بالغرف المهنية، وذلك للاطلاع عليها إلى غاية 17 يناير الجاري.
والغاية من هذه العملية أن يتأكد المعنيون من قيدهم في هذه اللوائح، ومدى تلبية طلباتهم المتصلة بنقل القيد من لائحة إلى أخرى، ومعرفة التشطيبات والتصحيحات التي أدخلتها اللجان الإدارية بكافة الجماعات والمقاطعات، والتي كانت باشرت هذه العمليات برئاسة قضاة، كما أن بلاغ الداخلية أفاد أنه بالإمكان تقديم طلبات التسجيل أو النقل خلال الفترة من 18 إلى 24 يناير، إما مباشرة لدى السلطات الإدارية المختصة أو عبر الموقع الإلكتروني، وكذلك لمعرفة مبررات التشطيب وتقديم طلبات إعادة الإدراج.
ليست هذه العملية فعلا تقنيا روتينيا، كما أنها ليست فقط مناسبة لتحيين معطيات قاعدة البيانات الخاصة بالنظام الانتخابي، ولكنها أساسا مناسبة لمراجعة وتطهير هذه اللوائح، وجعلها أقرب إلى الحقيقة والواقع، وهي أيضا فرصة للمواطنات والمواطنين، وخصوصا الشباب، للإصرار على حقهم الدستوري والكوني في التسجيل، وامتلاك حق التعبير عن الرأي والمشاركة في التصويت والترشيح.
إن التسجيل في اللوائح الانتخابية يعتبر المدخل الضروري لممارسة هذا الحق في صنع القرار التمثيلي في بلادنا، كما أن التطلع الوطني الديمقراطي لإحداث التغيير يمر من هنا، ويفرض على كل من بلغ السن القانوني أن يبادر للتمسك بحقه في التسجيل في اللوائح الانتخابية.
عندما تتفاقم العدمية واللامبالاة، وتتفشى الخيبة والسلبية، ويعم اليأس والإحباط، تنمو البيئة المجتمعية المناسبة لسيطرة لوبيات الفساد والريع والجماعات النفعية، ومن ثم يتولون التحكم في الجماعات والغرف والبرلمان، وبالتالي في واقع الناس ومصير البلاد، ويكرسون جمود التنمية المحلية والجهوية.
الشباب والنساء والنخب وفعاليات المجتمع المدني، تمثل قوة انتخابية مهمة بإمكانها المساهمة في صنع التغيير وتطوير الديمقراطية التمثيلية في بلادنا، ولكنها يجب أولا أن تكون مسجلة في اللوائح الانتخابية وأن تراقب مصداقية إعداد هذه اللوائح نفسها، وأن تنخرط بجدية وإصرار في مختلف مراحل المسلسل الانتخابي، وأن تمارس اختيارات ناجعة ومنتجة للتغيير، وأن تقف في وجه الفساد والريع وانعدام الكفاءة والمصداقية، وأن تكون حليفة وداعمة للقوى الجادة ذات المصداقية.
من المؤكد أن مظاهر انعدام الثقة لدى الشباب والنخب كثيرة ومتفاقمة منذ عقود، ومن المؤكد كذلك أن صورة العمل السياسي والانتخابات غمرها التبخيس بفعل أسباب وسلوكات عديدة، ولكن، رغم كل ذلك، التغيير لن يحدث إلا عبر تمتين النضال الديمقراطي الجاد، وتقوية المشاركة في الانتخابات، والنضال من داخل المؤسسات الديمقراطية، أما الانسحاب وترك الفراغ يتفاقم، فلن يخدم سوى مصالح لوبيات الفساد وتجار الانتخابات من مختلف الألوان.
هذه السنة يستعد المغرب لتنظيم استحقاقات انتخابية لا تخلو من أهمية، ذلك أنها تأتي مباشرة عقب زمن كورونا، ومع الخروج من عام قاس وصعب، وهي أيضا تتزامن مع الاستعداد للإعلان عن نموذج تنموي جديد، وانطلقت بحدوث مستجدات كبيرة على صعيد ملف الوحدة الترابية، وكل هذا يطرح على هذه الاستحقاقات تحديات ومهام جوهرية لها صلة ببناء مستقبل المغرب لما بعد عام الجائحة، وخصوصا أنها ستعني كل الهيئات التمثيلية المحلية والإقليمية والجهوية والمهنية، فضلا عن غرفتي البرلمان.
في مثل هذه الظرفية المجتمعية والإستراتيجية تصير إذن الانتخابات تحديا حقيقيا، ويجب على الجميع تحمل المسؤولية لكي ينتصر في الأخير المغرب.
يعني هذا يجب أولا ربح رهان التنظيم والإعداد المادي والقانوني واللوجيستيكي.
ويعني أيضا، وخصوصا، أن نربح كلنا رهان المشاركة الشعبية المكثفة والإقبال على التصويت.
ويعني ثالثا، أن نربح رهان النزاهة والمصداقية والشفافية ومنع الرشوة وشراء الذمم و”تشناقت”.
ويعني رابعا، أن تفرز مختلف هذه العمليات الانتخابية نخبا تدبيرية وسياسية ذات خبرة وكفاءة ونزاهة ومصداقية نضالية وأخلاقية، ومعها تحالفات سياسية منتجة وجادة ومنسجمة وتمتلك الرؤية والإرادة وقدرات العمل.
كل هذا يقودنا في الأخير إلى التأكيد على أن التمسك بحقنا كلنا في التسجيل اليوم في اللوائح الانتخابية، ليس ترفا أو مجرد فعل إداري أو تقني بسيط، وإنما هو يتيح لنا المساهمة في تحقيق كل ما سلف أعلاه، ودفع بلادنا لربح رهان استحقاقات هذه السنة، والمساهمة في إحداث التغيير وصنع مستقبلنا وبناء مغرب الغد.
التسجيل في اللوائح الانتخابية هو حق لنا، لا يجب أن نفرط فيه أو أن نتنازل عنه ونتركه للوبيات الفساد والريع وتجار الانتخابات والسماسرة.
<محتات الرقاص