كان قرار المغرب استباقيا في قضية تعليق التعليم؛ إذ اتخذ القرار بشكل سريع ولم يفهم في البدء عند الأكثرية ووجهت مجموعة من الانتقادات الجانبية غير أن الأمر سرعان ما تحول إلى تنويه بالمبادرة التي يشهد أن لها نتائج هامة في صالح تلامذتنا وطلبتنا وأولياء الأمور وأساتذتنا ومجموعة من الأطر والفعاليات والمخالطين.
من تم لاحظنا من يقف في الصفوف الأولى بدء من الأطباء والممرضين والخبراء ومراكز الأبحاث والمختبرات وكل فعاليات أهل الصحة والنظافة، ولا حظنا مجموعة من المسؤوليات ومن الأدوار المجتمعية التي تقف بدورها في الصفوف الأولى، ثم لاحظنا في نفس الآن أن أهل التعليم بكل أسلاكه يقفون بدورهم في الصفوف الأولى من خلال ممارسة التعليم عن بعد عوض التدريس الحضوري، دينامية التعليم عن بعد جيش لها طاقم تربوي وفني وتقني بدعم من الإعلام العمومي وبإشراك كل المواقع الإلكترونية والرقمية ووسائل الاتصال والتواصل، وفي ظل ممارسة هذا التواصل والتعليم عن بعد بدأنا نجمع عدة ملاحظات واكتشفنا عدة مطبات وبدأنا نستشرف عدة تطلعات، سجلنا أن المستويات بدت متفاوتة؛ لكننا ننوه بالانخراط المسؤول للمؤسسات التعليمية الأساسية منها والثانوية والجامعية؛ إذ ساهم الجميع بشكل مشهود وبمبادرات مواطنة في استمرار الحياة الدراسية ولو عن بعد، كما لاحظنا تدخلات اجتماعية وإنسانية دعمت فئات من التلاميذ بهواتف وحواسيب ولوحات إلكترونية لها رابط الصبيب بمساهمة مؤسسات المجتمع المدني وبعد الأكاديميات ومؤسسات الشأن العام وأخرى تابعة للقطاع القاص، وذلك لغاية تظافر الجهود وتقليص الهوة بين العالم القروي وشبه القروي والحضري ولصالح باقي الفئات التي ليست لها القدرة على الانخراط في الفعل الدينامي الذي تطلبته المرحلة الاستعجالية.. ورغم ذلك يلاحظ أن هناك فئات أخرى بقيت خارج النص رغم كل هذه المحاولات وهذا التضامن.
بهذا التوصيف من الممكن أن نقول أن نسبة التفاعل التي وصلها التعليم عن بعد وتحققت معه الأهداف قد قاربت 80% أو أكثر، بل أن هناك بعض المؤسسات أنجحت العملية 100%، يضاف إلى هذا أن مجموعة من الأساتذة خبروا التجربة وطوروها وأدركوا أن لها آفاقا هامة قد تساهم في الحياة الدراسية الآتية وقد تدمج في ممارستها إلى جانب الدروس الحضورية لكي تتظافر الجهود لمعظم التلاميذ والطلبة، بل هناك بعض الجامعات والكليات التي تمارس فعلا هذا التعليم عن بعد في حياتها الدراسية لعدة سنوات، وقد وصلوا إلى نتائج مشرفة.
تتبعنا رهان وإشكالية وقضية التعليم عن بعد من خلال ما يكتب وما يصرح به في المواقع الإلكترونية، ثم من خلال الاستطلاعات والتقارير الصحفية التي أعدتها كل وسائط الإعلام السمعي والسمعي البصري والمكتوب والإلكتروني عبر العالم، وكانت كل هذه الدراسات والمقاربات تقبض على نقطة هامة حققها التعليم عن بعد وهي أنه كسر الروتين اليومي ولو أثقل أحيانا كاهل الأسر، لكن أهم مكسب هو أنه كسر الهوة بين الحضور والغياب في علاقة التلميذ والطالب والمتكون مع فضاءات التعليم؛ ونشير هنا أن تلاميذ التعليم الأساسي بالخصوص خلق لهم التعليم عن بعد تقريب صوت المعلم والأستاذ بشرحه وتواصله وتتبعه، وبذلك شارك التلميذ في عملية التطوير والدعم الذاتي ووظف العالم الأزرق في مسار مختلف ومجدي، من تم كان التعويض النفسي لمواجهة الحجر الصحي، ولا ننسى أن معظم أولياء الأمور وقفوا عن كثب أمام مستوى أبنائهم، فإن كان جيدا فلهم مسؤولية الاحتفاظ والتطوير، وإن كان متدبدبا فلهم مسؤولية المراقبة الأسرية والإدراك..
في ظل هذا الوضع والعمل القاعدي الذي مارسه أهل التعليم لاحظنا أحيانا تفاوت التعاطي مع المطلب بين التعليم العمومي والخصوصي، ولاحظنا في كثير من الأحيان تكامل الإسهام والمشاركة والتفعيل بين القطاعين، على مستوى الأكاديميات الجهوية والمديريات الإقليمية عبر الوطن؛ إذ يسجل الحضور الفاعل والمتواصل المستمر مع السادة الأساتذة والمفتشين والمديرين وكل الفاعلين في المجال، ونفس الأمر على مستوى الجامعات والكليات ومراكز التكوين والتأطير، وللإشارة فكل أطر وأقسام وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي يتابعون بشكل لحظوي أكثر من يومي لكل مجريات المسألة التعليمية؛ إذ وضعت لكل مرحلة عدة سيناريوهات وتم التداول في أكثر من تخريجة لكي تمر السنة الدراسية بتحصيل ونتائج مشرفين، وأعلنت الوزارة أكثر من مرة أن السنة لن تكون بيضاء.
لكن المفاجئة الاستباقية الثانية، لاحظنا وبقوة أنها كانت فعلا متسرعة، ولا تمس هذه المرة السلامة الصحية، بل ستمس السلامة التعليمية للاعتبارات التالية:
1ـ قبل انطلاق مرحلة التعليم عن بعد كانت جل مؤسسات التعليم على أهبة إعداد امتحان الأسدس الثاني، ومنها من أعد أوراق الفروض الممكنة، ومنها من كان على أهبة تكميل درس أو درسين للوصول إلى وضع الفروض، وكان على الوزارة إيجاد تخريجات لعملية الانتقال والنجاح وغيره لكون الأسدس الأول غير مؤهل لوحده أن يقيم فيه عمل التلميذ لكونه تأهيليا وإعداديا فقط لقدرات التلميذ ومعرفة نمط عمله وتعامله مع المواد نحو التقويم، ليكون الأسدس الثاني تحصيليا وتقييميا حقيقيا؛ لذا سيضعنا قرار الانتقال بدون تقييم أمام إشكالية حقيقية سيعاني التلميذ من تبعاتها طيلة مساره الدراسي.
ناهيك عن عمل الجامعات والكليات ومراكز التكوين، التي لازالت تنتظر تخريجات وتوضيحات وحلولا عملية..
ـ في مرحلة الحجر الصحي الأول كان الأمل أن يلتحق التلاميذ بالتدريس الحضوري ويدرك الأمر بإحدى المقترحات التربوية وتشاء الأقدار أن نلج إلى مرحلة الحجر الصحي الثاني؛ إذ وضعت مؤسسات التعليم كما الوزارة سيناريوهات أخرى ممكنة لها شروطها التربوية لتكافؤ الفرص وللوصول إلى حلول استدراكية، لتمر على الأقل الامتحانات الإشهادية، للمستويات التالية، السادس ابتدائي، التاسعة إعدادي وأولى باكالوريا والثانية باكالوريا، وحتى الجامعات والكليات وضعت السيناريوهات الممكنة.
ويأتي قرار السيد الوزير الأخير الذي يعلن فيه الامتحانات الإشهادية في يوليوز 2020 للمستوى الثاني باكالوريا، وفي شتنبر 2020 للمستوى الأولى باكالوريا، ولم يستحضر الامتحانات الإشهادية للتاسعة إعدادي والسادس إبتدائي، وتكمن خطورة هذا القرار في أنه أشار أن باقي المستويات سيتم فيها اعتماد المراقبة المستمرة لمرور التلاميذ إلى المستوى الموالي، وكأننا أما نجاح جماعي بدون جهد بل فقط بتقييم لخمسة أشهر من الدراسة، وهذا أمر يفيد أننا فعلا أمام سنة بيضاء بنتائج بيضاء..
بالنسبة للأقسام الأولى من التعليم الأساسي/ الابتدائي من الممكن أن يوجد لها حلول استدراكية في السنة المقبلة لكي تتمم دروسها ويؤهل التلاميذ فعلا بشكل استدراكي للمستوى الموالي، أما تلاميذ القسم السادس فإننا سنرمي بهم إلى الفراغ ومن الممكن أن نجني على مستقبلهم، ونفس الأمر سيحصل لتلاميذ التاسعة إعدادي.
نرى أن هذا القرار المصيري وبحكم قيمته الاعتبارية اتخذ لتكافؤ الفرص، فهل هو إعلان أن التعليم عن بعد فشل؟ا وهنا نقف أمام تناقض الأرقام الكبيرة التي صرحت بها وزارة التربية الوطنية أمام الرأي العام والتي تخص من تابع واستفاد من التعليم عن بعد. ويطرح السؤال؟ لماذا إذن هذا التعليم عن بعد؟ا الذي أرهق الأطر والأسر؛ تم لا يوظف وتذهب نتائجه وجهوده سدى..
وفي قراءة تتبعية للأرقام ولصدى فعل التعليم عن بعد، نرى أن القرار بتعميم وتخصيص امتحانين إشهاديين وحيدين فقط والباقي بنتائج المراقبة هو ضرب من تسرع كبير لن تكون نتائجه إلا كارثية، وعليه نتوصل إلى نتيجة مفادها أن القرار اتخذ من أجل الأقلية التي لم يصلها التعليم عن بعد، وكان بالأحرى أن توجد لها حلول عملية، وباقي الفئات الكبيرة التي استفادت من علمية التعليم عن بعد كان من الأحرى أن تقترح لها تخريجات أخرى ليكون النجاح والانتقال حقيقيين وليس بنتائج أسدس أول بخمسة أشهر من التعليم الحضوري لم يتم تقويمه بعد..
ومن النتائج السلبية الكبيرة لقرار الوزارة إعلان تخريجات الامتحانات الإشهادية واعتماد نتائج المراقبة للخروج من مطب السنة البيضاء، هو إعلان بشكل ضمني عن نهاية الموسم مما يعني ضمنيا وعمليا توقيف الدروس عن بعد، مع العلم أن معظم المؤسسات لم تتمم بعد برنامج دروسها المقرر للمستويات المختلفة، وأن السنة الدراسية لم تكتمل دورتها، كان على الوزارة أن تعتمد عدة سيناريوهات ومنها الامتحانات عن بعد، والمسؤولية تعود للآباء لضبط نتائج حقيقية وغير مغشوشة، أو اعتماد تقنيات تتبعية أو بالأحرى اعتماد الشفوي في علاقته مع الكتابي وهو منهج قديم كان معتمدا في بعض الامتحانات الإشهادية بمختلف الأسلاك، وحري بنا أن نستحضره في جل أسلاك التعليم كنوع من ضبط النتائج والخروج من المطب..
وفي جانب آخر أكثر أهمية، كان على الوزارة في مثل هذه الوضعية وقبل اتخاذ هذا القرار أن تشرك معها الرأي العام التعليمي بشركائه المتعددين ومنهم أولياء الأمور، وتشرك الفرقاء والخبراء والنقابات والجمعيات المتخصصة والمنظمات التربوية، لتبادل الآراء والمقترحات التي تسهم في النتيجة المرضية والصحيحة.
لكن وقد خرج القرار بهذه الارتجالية، وليس لدينا أدبيات النقد الذاتي نقترح على الوزارة إشراك هؤلاء الشركاء والفرقاء في مرحلة تنزيل هذا القرار لكي يتم تدارك بعض إشكالياته وبالتالي الوقوف على تبعاته التي قد تكون عائقا حقيقيا مستقبلا أمام أي إمكانية لتطوير المجال ومسايرة ما تحقق من مستلزمات.
بقلم: أحمد طنيش