الحرب الروسية الأوكرانية..الحلقة 13 (1/2)

عرفت الحرب الروسية الأوكرانية، التي بدأت منذ 24 فبراير 2022، اهتماما واسعا من قبل الرأي العام الدولي، نظرا لمكانة البلدين في الساحة العالمية، سواء على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري، ناهيك عن الجانب التاريخي المعقد الذي تمتد سرديته إلى التطورات الأخيرة في العلاقة المتوترة بين موسكو وكييف.
ويتوالى الهجوم الروسي على أوكرانيا الذي يصفه الكرملين بـ”العملية العسكرية” المحددة الأهداف، بتدمير المنشآت العسكرية، ونزع سلاح هذا البلد، ودفعه إلى الحياد تجاه حلف الشمال الأطلسي”النيتو”.
ولا توجد حاليا مؤشرات دالة على قرب انتهاء هذه الأزمة التي أرخت بظلالها على العالم، بفعل دمار “الغزو” الذي لحق أوكرانيا، والعقوبات المفروضة على روسيا من قبل الغرب.
وتعد هذه الحرب الدائرة رحاها فوق الأراضي الأوكرانية، والتي أدت إلى نزوح أزيد من 10 ملايين أوكراني داخل البلاد وخارجها، تطورا حتميا للعلاقات المتشنجة بين الكرملين والغرب، هذا الأخير الذي يقدم مساعدات عسكرية لفائدة القوات الأوكرانية لمواجهة الجيش الروسي، وهو ما يدفع إلى مزيد من المواجهة في الوقت الذي تسير فيه المفاوضات بشكل “ثقيل” على حد وصف وزارة الخارجية الروسية.
ومن خلال هذه الزاوية الرمضانية، سنعيد تركيب قطع “البوزل” لمحاولة فهم ما يجري بين روسيا وأوكرانيا، والوقوف عند تداعيات هذه الحرب، وما سيترتب عنها في المستقبل من إعادة لرسم خريطة العلاقات الدولية، وهو ما ظهر بشكل واضح بتحالف التنين الصيني مع الدب الروسي في وجه الغرب”أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية”.

استفتاء استقلال القرم

انضمت جزيرة القرم، سنة 2014، إلى الأراضي الروسية، بعد سلسلة من الأحداث الدرامية جعلت بقاءها في قوام أوكرانيا أمرا مستحيلا، بحسب موسكو.

وبدأ طريق عودة القرم إلى روسيا بالتزامن مع انطلاق احتجاجات ما عرف بـ “يوروميدان” في كييف، أواخر عام 2013، حينما نزل المتظاهرون المؤيدون للتكامل الأوروبي إلى الشوارع للاحتجاج على تأجيل حكومة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش التوقيع على اتفاقية الشراكة الانتسابية إلى الاتحاد الأوروبي، ورفع المحتجون أيضا شعارات معادية لروسيا، متهمين الكرملين بمحاولة منع أوكرانيا من تعزيز علاقاتها مع أوروبا.

هذه الاحتجاجات سرعان ما تحولت إلى اشتباكات عنيفة مع قوات الأمن في كييف، رافقها اقتحام مقرات الدوائر الحكومية في غرب البلاد، من قبل مناصري التكامل مع أوروبا.

وفي خضم هذه الفوضى دعا برلمان القرم الرئيس ينوكوفيتش مرارا إلى فرض حالة الطوارئ واتخاذ الإجراءات اللازمة لاستعادة الهدوء في البلاد، لكن يانوكوفيتش لم يستجب لتلك الدعوة ما دفع هيئة الرئاسة في برلمان القرم في 4 فبراير إلى اتخاذ قرار بإجراء استطلاع لآراء سكان الجمهورية بشأن وضعها القانوني وإمكانية تغييره، وبحث النواب إمكانية التوجه إلى رئيس روسيا والبرلمان الروسي بطلب ضمان نظام الحكم الذاتي بالقرم.

لكن التطور السريع للأحداث الدرامية في كييف دفع نواب برلمان القرم إلى التفكير في إمكانية استقلال الجمهورية عن أوكرانيا.

وفي 22 فبراير شهدت أوكرانيا “انقلابا” على السلطة، أدى إلى الإطاحة بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش، وأقدم الحكام الجدد في الأيام الأولى بعد تولي زمام السلطة، على تغيير دستور البلاد وإلغاء القانون الذي كان يمنح اللغة الروسية صفة اللغة الرسمية في بعض المناطق.

وكان رد فعل سكان القرم سريعا، إذ خرجت في سيفاستوبل مظاهرة احتجاجية حاشدة، انتخب المشاركون فيها رجل الأعمال الروسي ألكسي تشالي عمدة للمدينة في تحد لسلطات كييف.

وشهدت مدينة سيمفيروبول عاصمة القرم في 26 فبراير اشتباكات بين أنصار السلطات الجديدة في كييف (وكانت غالبيتهم من تتار القرم) ومؤيدي خروج الجمهورية من قوام أوكرانيا، وتجمع المحتجون الموالون لكييف بمبادرة مجلس تتار القرم، وذلك من أجل شل عمل البرلمان، وذلك بعد انتشار شائعات حول نية نواب الجمهورية إصدار قرار مصيري يتحدى الحكام الأوكرانيين الجدد.

وصباح اليوم التالي ظهر ملثمون بزي عسكري دون شارات مميزة في مقري البرلمان وحكومة القرم، واكتفى هؤلاء بحراسة الدوائر الرسمية دون أن يتدخلوا في عملها، وفي اليوم نفسه أقال برلمان القرم حكومة الجمهورية وعين زعيم حزب “الوحدة الروسية” سيرغي أكسيونوف رئيسا للوزراء، كما قرر النواب إجراء استفتاء شعبي بشأن الوضع القانوني للجمهورية واحتمال توسيع صلاحياتها في قوام أوكرانيا.

وأوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت لاحق أن الرجال المجهولين كانوا في حقيقة الأمر عناصر من القوات الخاصة التابعة لهيئة الاستخبارات العامة الروسية، وشدد على أن الهدف الرئيسي الذي وضعوه نصب أعينهم كان الحيلولة دول سفك الدماء وتوفير الفرصة لسكان القرم لكي يعبروا عن إرادتهم بحرية.

نجح العسكريون الذين عملوا بتنسيق وثيق مع قوات الدفاع الشعبية التابعة لسكان القرم، في نزع أسلحة القوات الأوكرانية المرابطة في القرم، البالغ عددها 20 ألف عسكري. وأعلن جزء كبير من قادة الأسطول الحربي الأوكراني الذي كان يرابط في القرم، ولاءهم لروسيا، بينهم القائد العام للأسطول الأميرال بوريس بيريزوفسكي الذي انشق عن كييف في اليوم التالي بعد تعيينه في المنصب من قبل الحكام الجدد في كييف. وفي الأسابيع اللاحقة انضم العديد من العسكريين والضباط الأوكرانيين إلى الجيش الروسي.

وفي 6 مارس صوت برلمان القرم لصالح طرح خيار الانضمام إلى روسيا للتصويت في الاستفتاء الذي أعلنته السلطات سابقا لتحديد الوضع القانوني للإقليم، كما قرر النواب إجراء الاستفتاء في 16 مارس 2014.

وفي الموعد المذكور جرى في جمهورية القرم ومدينة سيفاستوبل استفتاءان أظهرا تأييد معظم سكان شبه الجزيرة لإعادة توحيدها مع أراضي روسيا، إذ صوت 96.77% من أصل 83.1% من المشاركين لصالح عودة جمهورية القرم إلى حضن “الوطن الأم” روسيا، أما في مدينة سيفاستوبل ذات الوضع الخاص فأيد 95.60% من أصل 89.5% من المشاركين انضمام المدينة إلى قوام روسيا الاتحادية.

> إعداد: يوسف الخيدر

Related posts

Top