بعد أن توقف لما يقارب خمس سنوات، عاد الحوار الاجتماعي من جديد ليجمع بين الحكومة والنقابات الأكثر تمثيلية، وذلك بناء على اتفاق مبدئي خلص إليه لقاء جمع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية الأربعاء الماضي، بمنزل رئيس الحكومة بالرباط.
واتفق طرفا الحوار، في اللقاء الذي جمعهما الأربعاء الماضي، بحضور وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، ووزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد، إلى جانب وزراء آخرين، على أن ينطلق الحوار فعليا في 9 أكتوبر المقبل. مما يجعل من هذا الموعد، حسب مصادر نقابية تحدثت لبيان اليوم نهاية القطيعة التي ظلت تطبع العلاقة بين أطراف الشغل، بسبب توقف الحوار الاجتماعي لفترة طويلة منذ أبريل 2011، والنكوص الذي عرفه الحوار على مستوى تنزيل بنود اتفاق 26 أبريل.
في هذا السياق قال عبد القادر الزاير، نائب الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل “إن اللقاء الذي عقدته النقابات مع سعد الدين العثماني رئيس الحكومة، الأربعاء الماضي، تمحور، أساسا، حول المنهجية التي سيسير عليها الحوار”، متابعا أنه “تم تحديد 9 أكتوبر القادم موعدا رسميا لانطلاق جلسات الحوار”، ومؤكدا أنها جلسات ستكون مسترسلة إلى حين الخروج بنتائج إيجابية، مع التزام جميع الأطراف بهذه الجلسات.
وأضاف الزاير، في تصريح لبيان اليوم، أن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تضع من جهتها أولويات في المطالب التي ستدافع عنها، والمتمثلة أساسا في رفع الأجور، والحرية النقابية، بالإضافة إلى تنفيذ التزامات محضر 26 أبريل، وإيجاد حلول للنزاعات العالقة بالعديد من المؤسسات وأساسا الخاصة منها.
واعتبر الزاير أن مطالب نقابته واضحة ومعلنة ومعروفة من قبل الجميع، داعيا الحكومة إلى الاستجابة لها وتقدير الظرفية الاقتصادية التي يمر منها المواطنون خصوصا مع الدخول الاجتماعي والمدرسي الذي كلفهم الشيء الكثير، مشددا على حتمية الزيادة في الأجور.
من جانبه، أكد عبد الرحيم الهندوف عضو الأمانة العامة للاتحاد المغربي للشغل، أن الجزء الأساسي الذي سيتم طرحه على طاولة الحوار الاجتماعي يتمحور حول الحريات النقابية، موضحا في تصريحه لبيان اليوم “أن هناك تراجعا كبيرا في الحريات النقابية، حيث أن العديد من المكاتب النقابية لم يسمح لها بالتأسيس في العديد من المؤسسات الخاصة منها والعامة، بالإضافة إلى حوادث الطرد من العمل بسبب الانتماء النقابي”.
واعتبر الهندوف أن قضية الحرية النقابية يجب أن تطرح بقوة لطي هذا الإشكال الكبير الذي يعطي صورة سيئة عن الحريات بالمغرب، مضيفا أن هناك مطالب أخرى في نفس السياق وهي المرتبطة بمأسسة الحوار الاجتماعي، حيث قال في هذا الإطار “هناك مشكل في الحوار الاجتماعي بحد ذاته، حيث أن الحكومة والدولة تشهره في حالات الأزمة فقط أو في محاولتهالإيجاد غطاء سياسي لسياق معين”. مبرزا أن الحوار الاجتماعي طرح أربع مرات منذ التسعينات، ويتعلق الأمر بحوار 1996 و2000، 2006، ثم 2011، مشيرا إلى أن هذه السنوات كلها عرفت سياقات سياسية معينة.
ودعا المتحدث إلى ضرورة مأسسة هذا الحوار وإعطائه طابعا جديا من خلال تنفيذ مقتضياته وبنوده كي لا يصبح فاقدا للمصداقية وكي لا يؤدي إلى مخارج أخرى، مشيرا، في هذا الجانب، إلى أن مجموعة من بنود ومقتضيات الاتفاقات السابقة التي خلصت إليها لقاءات النقابات والحكومة لم يتم تنفيذها، كما وقع مع اتفاق 26 أبريل 2011، رغم أن هناك بنودا، يقول الهندوف، “لا تكلف الدولة سنتيما واحدا، كإحداث تأمين للعمال في حالة إفلاس المقاولات، أو توحيد الحد الأدنى للأجور بالقطاعين الفلاحي والصناعي”.
ومن المطالب أيضا التي قال الهندوف إنه سيتم طرحها على طاولة الحوار تلك المتعلقة بوضعية عدد من الموظفين الذين يعانون الظلم جراء عدم ترقيتهم وعدم الزيادة في أجورهم لأزيد من 15 سنة، كما هو الحال بالنسبة للمساعدين الإداريين والتقنيين، الذي يقضون أزيد من 13 سنة من أجل ترقية لا تفوق قيمتها 200 درهم، في حين تظل رواتبهم لا تتعدى 4000 درهم طيلة فترة اشتغالهم.
كما أوضح أن هناك ملفات ستناقش مع الحكومة، كملف التقاعد، وملف التعاضدية، والخدمات الاجتماعية للأجراء، وحقوق العاملين بالقطاع الخاص، والترقية بالقطاعين العام والخاص، والتي أكد أنها تعرف العديد من الاختلالات، بالإضافة إلى ملف الدعاوى القضائية للعمال التي لا يتم تنفيذها كما وقع مع عدد من العمال الذين لا زالوا يحتجون أمام وزارة العدل لتنفيذ حكم صادر قبل 20 سنة، معتبرا أن هذا الملف يشكل أرقا كبيرا للنقابات بحيث أن حقوق العديد من العاملين يتم هضمها بسبب اجتهادات قضائية من جهة، وبسبب عدم تنفيذ أحكام قضائية من جهة أخرى.
وتابع الهندوف أنه من جملة المطالب العاجلة والآنية المدرجة هناك تجميد نصوص قانون الإضراب، وسحب مرسوم قيد النقاش بالبرلمان الذي يضرب في العمق حرية الإضراب، مؤكدا على ضرورة استجابة الحكومة للملف المطلبي للنقابات من جل إعادة الثقة بين العمال والفئات الاجتماعية وبين الحكومة، مشيرا إلى أن “النقابات غير مستعدة لتكرار التجارب الفاشلة مع الحكومات السابقة التي لم تلتزم بخلاصات جلسات الحوار الاجتماعي”.
جدير بالذكر أن رئيس الحكومة كان قد صرح، الخميس الماضي، بالمجلس الحكومي، أن الحكومة ملتزمة برفع مستوى الحوار والتواصل مع مختلف الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين إلى مستوى شراكة وتعاون رغم الظروف الصعبة دوليا وإقليميا، موضحا أن جولات الحوار التي انطلقت مع الفاعلين الاجتماعين والاقتصاديين كانت إيجابية، وتشكل بداية بهذا الشأن.
كما أعرب رئيس الحكومة عن التزامه بالمضي في معالجة مختلف القضايا بمنطق الشراكة وتجاوز الصعوبات، مضيفا بأن الحكومة تعاملت، خلال الأشهر الأولى الأربعة، بأعلى درجات المسؤولية.
محمد توفيق امزيان