الدخول الثقافي

يبدو أن الوباء شغل المهتمين بالشأن الثقافي عن الحديث عن تقليد سنوي يعبر عنه بالدخول الثقافي، ولو بطابعه الرمزي، علما بأن الحركة التي تحيط بهذا الاحتفال السنوي ببلادنا عادة ما تشكو من عدة نقائص، سواء على مستوى حجم الإصدارات الجديدة أو على مستوى الأنشطة الأدبية والفكرية.
وبحلول الوباء منذ سنتين، تضاعف هذا الشعور بالنقص، حيث تم إلغاء المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، مع أنه كان من الممكن تنظيمه بكيفية جد مرنة مع الالتزام بطبيعة الحال بالتدابير الوقائية من عدوى الوباء.
العديد من الأنشطة الثقافية تم إلغاؤها، وحتى بالنسبة لتلك التي جرى تنظيمها بواسطة تقنية التواصل عن بعد، غابت عنها الأسماء التي لها باع طويل، بالنظر إلى عدم استخدامها لهذا النوع من تكنولوجيا التواصل الذي بات يفرض نفسه سواء بحضور الوباء أو بدونه. وهيمن في المقابل حضور الأسماء الفتية التي تمت الاستعانة بها لسد الفراغ، لا شيء سوى لكونها تتعاطى للتواصل الافتراضي.
من مظاهر الدخول الثقافي كما يجري الاحتفال به في البلدان المتحضرة التي تخصص ميزانية سنوية محترمة لقطاعها الثقافي ككل، نجدها تتوزع على ثلاثة أقسام على الأقل: الإعلان عن إصدارات جديدة في شتى أشكال الفكر والمعرفة والإبداع، تنظيم ندوات فكرية وأدبية وحفلات توقيع، تخصيص جوائز لأفضل الكتب التي صدرت في السنة ذاتها.
إلى حد أن كل مواطن كبر شأنه أم صغر، يجد نفسه منخرطا في هذا الاحتفال، بهذا الشكل أو ذاك.
في حين لا يكاد الدخول الثقافي ببلادنا يجد له صدى حتى لدى المعنيين بالشأن الثقافي، مع الوعي بأن الميزانية التي تخصصها الدولة للقطاع الثقافي لا تزال تراوح مكانها منذ عقود من الزمن، إذ لا تصل بالكاد إلى واحد في المئة، وفي كل حكومة يأتي وزير وصي على هذا القطاع ويقول إنه سيرفع من قيمة الميزانية، لكنه يرحل دون أن يتمكن من تحقيق ذلك.
مع ذلك يظل هناك أمل في النهوض بهذا الشأن.
في المرحلة الحالية، نعيش تحديا كبيرا. من جهة علينا أن نقهر هذا الشبح المتمثل في الفيروس الوبائي بمختلف سلالاته المتحورة، ولا شك أن الدولة واعية بذلك من خلالها سباقها ضد الساعة لأجل تلقيح أكبر نسبة من المواطنين، ومن جهة أخرى علينا أن نوفر الظروف الملائمة للحركة الثقافية، سيما مع هيمنة التكنولوجيا في مجال التواصل، وبات الحديث أكثر من أي وقت سابق عن مستقبل الكتاب الورقي: كيف يمكن الحفاظ على وضعه الرمزي؟
الدخول الثقافي إذن على الأبواب، ويحتاج منا إلى تضحيات أكبر، خصوص في ظل الظروف الوبائية التي لا أحد يدري متى ستنقشع سحبها.

> عبد العالي بركات

Related posts

Top