الدورة البرلمانية الخريفية

اختتم البرلمان بغرفتيه أشغال دورته الخريفية أول أمس، وهي أول دورة ضمن الولاية التشريعية الحالية، وتزامنت مع وجود حكومة جديدة، أكملت كذلك مائة يوم الأولى من عمرها في الأيام الأخيرة من عمر الدورة البرلمانية الخريفية، وككل سنة يعود سؤال تقييم الحصيلة والمردودية إلى الواجهة.
صحيح، أن دورة أكتوبر هذه تشهد الدراسة والتصويت على مشروع قانون المالية، وهو ما يستهلك الكثير من الوقت والجهد، ولكن هذه المرة تمتعت الأغلبية الحالية بتحالف عددي مريح، وأقر البرلمان ميزانية الدولة ضمن الآجال بدون أي تأخير أو تعقيدات، وهذا ما جعل الوعاء الزمني للدورة قابلا لإنجاز مهمات وأعمال أخرى.
تبعا لذلك، لا يمكن سوى التأكيد على أن الحصيلة، في نهاية الدورة، لم تكن جيدة، أو بتعبير أدق، كانت ضعيفة.
الحكومة الحالية لم تتقدم أمام البرلمان سوى بعدد قليل جدا من مشاريع القوانين، وأغلبها كانت اتفاقات دولية، كما أنها أقدمت على سحب عدد من مشاريع القوانين، التي كانت مودعة في غرفتي البرلمان، بداعي أنها ستقدم، بدلها، مشاريع أكثر شمولية، لكنها لم تفعل لحد الآن، وفي المقابل، لم تهتم الحكومة بكل مقترحات القوانين التي تقدمت بها الفرق البرلمانية، ولم تجر برمجتها للمناقشة، كما ينص على ذلك الدستور، وكل هذا يجعل الدورة البرلمانية الخريفية ضعيفة من حيث الحصيلة التشريعية، ومن حيث تجاوب الحكومة مع المبادرات التشريعية الصادرة خصوصا عن فرق المعارضة.
أما من حيث الأسئلة الرقابية للبرلمانيين، كتابية أو شفوية، فبحسب البيانات الرقمية المعلنة، فإن الحكومة لم تجب سوى على عدد قليل جدا منها، ومن ثم بقيت مئات الأسئلة إلى اليوم تنتظر الجواب.
وإذا أضفنا إلى ذلك ضعف تجاوب الحكومة مع طلبات عقد اللجان أو الإحاطات، فإننا نخلص إلى أن الحكومة لم تنجح، خلال هذه الدورة الأولى، في تقوية التفاعل وجسور التواصل بينها وبين البرلمان، ويكاد الأمر يكون عدم اهتمام أصلا بدور المؤسسة التشريعية، وبكل ما يصدر عنها.
هل الأمر إذن يتعلق فقط بارتباكات البرمجة والتنظيم الزمني أو بتزامن الأولويات أو أن الأمر أكبر من ذلك، ويعني غياب الإدراك السياسي من لدن الحكومة لمحورية دور البرلمان وأهمية التجاوب معه؟
هل إن امتلاك الحكومة لأغلبية عددية واسعة يجعلها لا تعير أي اهتمام للبرلمان، وخصوصا لفرق المعارضة وأحزابها؟ وبالتالي يجرها هذا الغرور العددي إلى التضحية بأهمية الارتقاء بالبرلمان وتوطيد دولة المؤسسات وتعزيز التمثيلية الشعبية والديموقراطية.
في قراءة حصيلة الدورة البرلمانية الخريفية من كافة الجوانب، وأيضا من خلال الصورة العامة لدى شعبنا، لا تحضر فقط مسؤولية الحكومة وحدها، ولكن أيضا مسؤولية البرلمان والبرلمانيين.
برغم نجاح بعض برلمانيي المعارضة في البروز كأصوات سياسية جدية، وأيضا ككفاءات لها المهارة والمعرفة والجدارة، فإن مشاهد أخرى نقلتها وسائل الإعلام وتداولتها مجالس الحديث، ستبقى في ذاكرة من تابعها، وتكشف عن تدني المستويات وعقم التركيبة البشرية، وعن استمرار حاجتنا إلى شخصيات برلمانية ذات مصداقية سياسية ونزاهة أخلاقية، وتمتلك المستوى المعرفي الباعث على الافتخار.
ليست للبرلمان مهمة التشريع والرقابة فقط، ولكن لديه أدوار ديبلوماسية أساسية، ولديه، قبل ذلك وبعده، رمزية التمثيل الديموقراطي وتجسيد إرادة الأمة، ومن ثم يجب أن يكون هو الفضاء السياسي المؤسساتي الحاضن للتعددية المغربية، وللحوار الوطني السياسي العميق والرصين.
هنا نشير، على هذا المستوى، أن هذه الدورة الخريفية المنتهية لم تشهد نقاشات سياسية كبرى حول قضايا وطنية جوهرية، وبقي التركيز أكثر على مواضيع تتيحها الحالية الإخبارية الوطنية، أو على مواضيع معيشية ذات طبيعة محلية تتصل بدوائر وناخبي البرلمانيين الذين يوجهون الأسئلة، ومن ثم سادت البرودة في كامل هذه الأجواء، وتزداد حدتها لما تأتي أجوبة الوزراء فضفاضة وعامة، وتكاد تكون بروتوكولية.
وعندما نضيف هذا الضعف في المحتوى وفي جاذبية المضامين إلى بعض أخطاء الأداء، وتدني التعبير والسلوك، وكذلك العلاقات بين الفرقاء، فإننا نقف على حجم الأضرار التي تخلفها الصورة الإعلامية العامة التي يقدمها برلماننا الى الجمهور.
ليس الأمر تجنيا أو إطلاقية تيئيسية تجاه مؤسستنا التشريعية الوطنية، ولكن الأمر يجسد ما يحس به شعبنا يوميا، وما يتحدث عنه الناس أثناء متابعة عمل البرلمان وعلاقة الحكومة به.
اليوم أمام برلماننا عديد تحديات، ومن الضروري تمتين نجاعة أدائه، وتقوية الفاعلية والحرفية في كامل المنظومة، علاوة على أهمية العمل على صورته العامة لدى الجمهور، وفي العلاقة مع وسائل الإعلام، والأهم أن تعي الحكومة وكل الطبقة السياسية ضرورة الارتقاء بعمل البرلمان، واحترام المثول أمامه، وأيضا النهوض به ليكون فضاء الحوار السياسي الوطني والعمومي بامتياز، ويدعم تأطير شعبنا وتنويره، وتقوية وعيه السياسي المواطن.
بلادنا تستحق برلمانا أكثر حيوية، وأن يكون جاذبا لاهتمام شعبنا، وباعثا على التقدير، ومحفزا للمواطنات والمواطنين على الاهتمام بالشأن العام.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top