الرفيق عبد الله الغربي في ذمة الله..

في ساعة مبكرة من صباح أمس الاثنين، 26 مارس، فارق الحياة، بمدينة تولوز الفرنسية، الرفيق عبد الله الغربي، منتقلا إلى دار البقاء، بشموخ وعزة، وبصفحة سياسية ومهنية نقية، ناصعة البياض.

رحل عن دنيانا رفيق سيظل اسمه منقوشا في صفحات التاريخ النضالى لحزب التقدم والاشتراكية الذي ولجه، سنة 1961، منذ كان تلميذا، بمعية رفاقه محمد أنيق وأحمد بيوض ومحمد لخصاصي وآخرين، وأبدى روحا رفاقية عالية ودينامية متميزة إلى جانب كوكبة من شباب ذلك الوقت، تضم عبد الواحد سهيل والحاج بنبلا وأحمد السربوتي وغيرهم من المناضلين الذين خبروا العمل السري ونشاط الخلايا بالمدينة القديمة للدار البيضاء، وكانت لهم بصماتهم الواضحة في كل المحطات والتظاهرات التي نظمها الحزب. 

انتقل إلى الجزائر وتونس وفرنسا لمتابعة الدراسة في مجال التجارة، وعاد أشد إيمانا بمبادئ حزبه، مسلحا بعلمه وبدرايته في مجال المحاسبة، ومسلحا، بصفة خاصة، بـميزتي “المعقول” و”بذل الذات”، ما أهله آنذاك، عن جدارة واستحقاق، لعضوية اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية منذ المؤتمر الوطني الأول، وعضوية مكتب ناحية الدار البيضاء لحزب التقدم والاشتراكية. 

كان الراحل عبد الله الغربي يقوم بكل المسؤوليات الملقاة على عاتقه بجدية واستقامة ونقاء سريرة، ما سيمنحه شرف تدبير مالية الحزب، في السبعينيات والثمانينات، وعضوية اللجنة الوطنية للمراقبة المالية غداة المؤتمر الوطني التاسع.

وبفضل هذه الجدية والاستقامة، نجح أيضا، وبشكل لافت في مساره المهني، متسلقا الدرجات. فمن أستاذ للتعليم التقني بمؤسسات التعليم الثانوي بالدار البيضاء، إلى مفتش عام تربوي لمادة التكنولوجيا ثم نائب إقليمي لوزارة التربية الوطنية بالمحمدية، إلى أن تم تعيينه مديرا للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة دكالة – عبدة، ثم مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الدار البيضاء الكبرى. 

كان الراحل عبد الله الغربي يؤلف بين المتناقضات. يعمل في صمت، ويسهم في برامج حزبه ومحطاته الأساسية دفاعا عن الطبقات المسحوقة وعن الديمقراطية والكرامة للشعب. يناضل في الظل، وتجده مع ذلك في واجهة الأحداث، ضمن الأوائل ومع آخر المغادرين. يتقن المهام المنوطة به، ولا يخلف العهد ولا الموعد. فهو، حسب شهادات كل الرفاق الذين جايلوه، مناضل بشوش وهادئ لكنه لا يستكين ولا يستسلم أبدا، خلال سنوات نضاله في صفوف حزب الحزب الشيوعي المغربي وحزب التحرر والاشتراكية، ثم حزب التقدم والاشتراكية، بموازاة مع نضالاته التي لم تفتر في صفوف النقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، كانت ميزته التي شكلت قوة شخصيته هي الرزانة والصبر والحرص على إتمام المهام المنوطة به. يقول أحد مجايليه، في حديثه للجريدة، بهذا الخصوص “إن سر قوة عبد الله الغربي تكمن في تواضعه وهدوئه وبذل الذات من أجل رسالة آمن بها. إنه رفيق من القامات الكبيرة والوازنة بمساره، وبعطائه السخي، وبتضحياته، وبالجهد الذي كرسه لخدمة وطنه وشعبه، وبتواضعه الذي تترجمه ابتسامة لم تفارق محياه قط”. 

وبموازاة مع تجربته المهنية، كمربي ومدرس وكمفتش، وتجربته في العمل السياسي والنقابي التي كانت هي الأخرى غنية ومتميزة بمحطاتها المتلاحقة، كان لإدارة وجريدة الحزب نصيب من عطائه، ليس كصحفي، بل كمتعاون يقضي بعضا من أوقاته في الفصل القائظ مساعدا، وشاغرا مكان من حانت ساعة استراحتهم السنوية من رفاقه، قائما على نشاطات الحزب، وعلى شؤون ماليته. يذكر بعض الصحافيين القدامي حلوله بمطابع البيان حاملا حقيبته الضخمة التي تحوي أجورهم التي كانت تؤدى، في الوقت ودون تأخير، نهاية كل أسبوعين.  

كان يقوم بذلك عن طيب خاطر، علما أن لا أحد يمنعه من معانقة فضاءات الراحة والاستجمام مع أسرته للاستفادة بدوره من العطلة الصيفية المدرسية. لم يسجل يوما، عن الرجل نرفزة، ولا نالت حظوته لدى الجميع من تواضعه. ولا غرابة في ذلك، فالرجال الذين ينالون حظهم من سنوات الجمر، والقمع، ويخبرون الملاحقات والمضايقات والأساليب الترهيبية التي لا تنال من إيمانهم وعزيمتهم، لا يجدون في المهام المنوطة بهم تشريفا، بل تكليفا، ودعوة لتوظيف ما كدسوه من رصيد كبير من التجربة والخبرة الميدانية لمواصلة النضالات الشاقة. وقد كان هذا حال الراحل عبد الله الغربي الذي قال عنه أحد رفاقه لبيان اليوم إنه “استلم بندقية المحارب مبكرا. ومع تقدم في السن، كان يتناول نفس البندقية، من زاوية مغايرة، دفاعا عن حقوق وكرامة المواطنات والمواطنين، والنضال حفاظا على المكتسبات السياسية التي كثيرا ما جعل نفسه حارسا شرسا لها”.

بهذه الإشارات التي ليست إلا نماذج مختصرة من مسار عبد الله الغربي، المناضل والسياسي والنقابي، والمعطاء الغزير في أكثر من واجهة.. يكون من الصعب القول.. وداعا، وإذا كانت سنة الحياة تفرض ذلك، فعزاؤنا أن ذكرى الرجل، الذي سيوارى جثمانه الثرى فور انتهاء إجراءات نقل الجثمان من فرنسا إلى الدار البيضاء، بحضور وفد هام عن الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، وحشود من الرفاق والأصدقاء والزملاء، ستبقى حية وحاضرة بيننا، تذكرنا بأن النضال من زواياه المتعددة، أمانة ومشعل لا يجب أن نكل من حمله.

رحم الله الفقيد، الذي امتاز بالعمل لا الكلام، وبالمسؤولية والبشاشة رغم ثقل المسؤولية.. فقد كان بالفعل وكما قال أحد رفاقه “رجلا بكل معنى الكلمة”. 

*****

من أقوال وتصريحات فقيدنا الرفيق عبد الله الغربي خلال توليه مهمة مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة دكالة – عبدة، بمناسبة انعقاد الدورة الرابعة للمجلس الإداري للأكاديمية في شهر فبراير 2006 بمدينة آسفي، بحضور وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي آنذاك:

< إذا قمنا بنقد ذاتي لما تم القيام به، يمكن القول إننا لم نفلح في استغلال قدرات الجهة وكفاءاتها، ولم نستطع تعبئة الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين بالقدر الكافي والمرضي للارتقاء بجودة التعليم بالجهة…”.
 
< إننا لم نستجب ولم نكن في مستوى طموحات ومتطلبات هذا البلد الميمون، وخصوصا هذه الجهة، وإننا في حاجة ماسة إلى نساء ورجال التربية والتكوين القادرين على التجند والتضحية من أجل تكوين المواطن المغربي الواعي والمواطنة المغربية الواعية…”.
< بلوغ الغايات والأهداف الكبرى المسطرة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين وتحقيق الأهداف المبرمجة في المخطط الحكومي رهين بانخراط جميع الفاعليين التربويين والاجتماعيين والاقتصاديين، كل من موقعه الخاص…”.
 
< المرحلة التي نمر منها هي مرحلة تحدي وتتطلب المزيد من العزم وقوة المبادرات البناءة والجريئة لاتخاذ القرارات اللازمة في إطار القانون للحد من التصرفات الإدارية التقليدية التي تعرقل العمل الإداري والتربوي، وتعوق تحقيق الأهداف والبرامج المسطرة …”.
 
< أسلوب تسيير وتدبير الشؤون الإدارية لا يتماشى مع السياسة السامية لصاحب الجلالة بخصوص قطاع الموارد البشرية والشؤون التربوية وكذا مشروع التربية الوطنية…”.
 
< مخطط أكاديمية جهة دكالة – عبدة يجب أن يساير التغيرات والتوجهات الحكومية ويبادر إلى تعزيز اللامركزية واللاتمركز في الممارسات التدبيرية اليومية…”.

مصطفى السالكي

Related posts

Top