تكريم جماهيري لأيقونة السينما المغربية لالة نعيمة المشرقي.. لن ننساك، نحبك

استحضر مبدعو السينما الأجانب والمغاربة، أول أمس الثلاثاء، بالمهرجان الدولي للسينما بمراكش، روح الكبيرة لالة نعيمة المشرقي، التي توفيت في 5 أكتوبر 2024، بعد مسيرة حافلة من التألق في شاشة السينما والتلفزيون والمسرح.
وكان قصر المؤتمرات بالمدينة الحمراء، فضاء رحبا لاحتضان جمهور الدورة 21 للمهرجان، الذي حج بكثافة للحضور لحفل تكريم الراحلة نعيمة المشرقي، التي يجمع كل من عرفها على كفاءتها وعطائها السخي في المجال الفني، ناهيك عن حسن تعاملها مع الجميع في الفضاءات العامة، أو الخاصة بالتشخيص والتصوير.
وقدم عبد الرحمان التازي، وفاطمة خير، ومحمد مفتكر، شهادات في حق نعيمة المشرقي، المرأة الاستثنائية في تاريخ الفن المغربي، ومما قاله المخرج والمنتج عبد الرحمان التازي، إن الراحلة كانت دائما تناديه بـ»خويا» للتمييز بينه وبين زوجها عبد الرحمان الخياط، وتذكر لحظات تصوير فيلم «باديس» (1989) في مكان ناء بجبال الريف، ذلك أنه رغم قسوة الطبيعة، استطاعت نعيمة المشرقي تقديم دور صاحبة المقهى بشكل جيد.
وأشار التازي، أن نعيمة المشرقي كانت صادقة في تمثليها كذلك في فيلم «البحث عن زوج امرأتي» (1992)، حيث لعبت دور الزوجة الثانية لبائع المجوهرات الحاج بن موسى، متوقفا عند فلسفتها الخاصة في الاشتغال، والتي تعتمد على التكافل والتضامن ومساعدة الممثلين من قبيل ترحيبها، وقتها، بالممثلة منى فتو، التي لعبت دور الزوجة الثانية المفضلة لبائع المجوهرات.
وكشف عبد الرحمان التازي، أن نعيمة المشرقي أدت ببراعة دور الملكة المرينية أم الحر في الفيلم السينمائي «جارات أبي موسى» (2003)، «رغم الخوف والقلق الذي أبدته في بدايات تصوير العمل، بيد أنها تألقت فيما بعد بشكل كبير».
وأبرز عبد الرحمان التازي سخاء وعطاء نعيمة المشرقي مع الممثلين المبتدئين من قبيل بشرى شرف التي بادرت بهدوئها في توجيهها ونصحها وتشجيعها، «لقد كنت تتمتعين بقدرة سحرية على جعل أي شخص يشعر بالارتياح في حضورك، مما خلق صداقة تجاوزت العلاقات المهنية، وقد مكنني ذلك من التعرف على خصالك الفنية وأنشطتك الاجتماعية والإنسانية العديدة».
وختم محمد عبد الرحمان التازي كلمته، بتوجيه الشكر والترحم على الراحلة نعيمة المشرقي التي كانت سخية وكريمة وصاحبة موهبة عظيمة، «مكنتني من مشاركة لحظات ثمينة من الصداقة والثقة التي ساعدتنا في إنجاز أربعة أفلام معا».


من جانبها، عبرت الممثلة فاطمة خير، عن حزنها لفقدان الكبيرة لالة نعيمة المشرقي التي «تعرفت عليها وأنا طالبة بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، أواخر الثمانينات، في عمل مسرحي».
وأكدت فاطمة خير أنها كانت وظلت معجبة بأداء وموهبة نعيمة المشرقي في جميع الأعمال الفنية التي شاركت فيها، «ويشهد كبار المخرجين والنقاد بالتجربة المميزة للراحلة، التي لعبت كثير شخصيات في السينما والتلفزيون والمسرح». وكانت تتمتع نعيمة المشرقي، بحسب خير، بتواضع الكبار في تعاملها مع جميع من عرفها، فضلا عن عطائها المتميز، وفعل الخير بدون استعراض أو بهرجة، وهو ما جعل جميع العاملين في الميدان الفني يحبونها.
وذكرت فاطمة خير أن نعيمة المشرقي، التي اشتغلت في سنوات الستينيات والسبعينيات، مع الطيب الصديقي، وانضمت إلى فرق مسرحية شهيرة أمثال فرقة المعمورة وفرقة الإذاعة الوطنية، رغم انشغالاتها المهنية بالفن، إلا أنها كانت تهتم بشؤون عائلتها الصغيرة، ذلك أنها كانت دائمة السؤال عن أبنائها هشام، وبسمة، وياسمين، أثناء تصوير عمل سينمائي إلى جانب محمد مفتكر بمراكش، «إن نعيمة المشرقي، كانت ناجحة في العمل الفني، واستقرار أسرتها كذلك، ولا يسعني أن أقول لك إلا شكرا على الحب، شكرا لالة نعيمة على الصدق، شكرا على العطاء، شكرا على إنسانيتك، لن ننساك لالة نعيمة».
من جهته، اعتبر المخرج محمد مفتكر، أن نعيمة المشرقي، ما زالت حاضرة بيننا، «شخصيا إذا كان لدي شيء أقوله عنك، فسأبدأ من اللا بداية، لأنه لا بداية لك، فأنت بمثابة الأم، ومن منا يستطيع أن يتذكر أول لقاء له مع أمه، لقد عرفتك طفلا، ثم شابا، وبعدها رجلا حين التقينا في تصوير الفيلم الوحيد الذي جمعني بك أو بالأحرى جمعنا معا والمعنون بغرابة: خريف التفاح».
وأبرز محمد مفتكر أن نعيمة المشرقي كانت متعاونة سواء في الأدوار التي أسندت لها، أو بتعاونها المادي حتى مع المخرج، بالتنازل عن مستحقاتها المادية، «وهو ما جعلني أبكي يوم سمعت أنها قررت عدم تقاضي أجرها في حديث مع طاقم الإنتاج للفيلم الذي كنت أخرجه (خريف التفاح)».
وشدد محمد مفتكر أن نعيمة المشرقي «كانت كريمة وحنونة، وكل ما يمكن أن أقوله باسم كل المغاربة، وأنا على يقين أنهم جميعهم سيتفقون معي، نحبك».
ويعتبر «خريف التفاح» (2020)، آخر الأفلام السينمائية لنعيمة المشرقي، الذي نالت عنه جائزة أفضل ممثلة في مهرجان مالمو للسينما العربية في السويد، وذلك بعد عشرين سنة على تتويجها بجائزة أفضل ممثلة في دور ثاني في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة.


وعبرت ياسمين الخياط ابنة الراحلة نعيمة المشرقي، عن شكرها لجلالة الملك محمد السادس، وصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد رئيس مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، «وكذلك إلى كل أعضاء المهرجان، ومن ساهم في جعل حدث التكريم، حدثا نعتز ونفتخر به، لاسيما في مهرجان دولي يعتبر محطة ووجهة عالمية لصناع وعشاق الفن السابع».
وأشارت ياسمين الخياط، التي تسلمت «النجمة الذهبية» للمهرجان من الممثلة فاطمة خير، أن والدتها التي عملت في السينما مع مخرجين كبار أمثال سهيل بن بركة (عرس الدم، 1977)، مومن السميحي (44 أو أسطورة الليل، 1981) ومصطفى الدرقاوي (أيام شهرزاد الجميلة، 1982)، كانت «بالنسبة للعديد من الحاضرين هنا، زميلة وصديقة وفية، صادفتموها على خشبة المسرح، أو في أي موقع تصوير أو خلال مبادراتها الملتزمة لصالح هذا البلد وأطفاله وشبابه».
وقالت ياسمين الخياط، «إن نعيمة المشرقي كانت امرأة محبة ومخلصة لزوجها وأبنائها وأحفادها واخوتها وأخواتها، فقلبها كان يتسع لجميع من صادفتهم في حياتها، كانت أمي امرأة شعبية، وأعني بالشعبية أنها كانت قريبة من جمهورها في الحافلات المزدحمة والحمامات الممتلئة، بعيدا عن شكليات النجومية، وأود أن أقول للجميع احتفظوا بها في قلوبكم، لأن الحب لا يموت أبدا».
وختمت ياسمين الخياط، كلمتها، بالتذكير على أن نعيمة المشرقي التي قامت بتشخيص الدور الرئيسي في فيلم «المادة 2» (1993) للمخرج ماوريزيو زاكارو، «كانت امرأة مغربية استثنائية، وإنسانة عظيمة، وعاشقة للسينما والفن والثقافة، لقد حضر العديد منكم ومنكن ليقول لنا إننا لسنا وحدنا وأنكم تشاركوننا الحزن على فقدانها، وأهم من ذلك إنكم فخورين بمعرفتها ومحبتها».
لقد كانت لالة نعيمة المشرقي، التي اختارها الممثل والمخرج الفرنسي المغربي رشدي زم لتلعب دور والدته في أول أفلامه «سوء النية» (2006) الذي حقق نجاحا كبيرا في فرنسا، مبادرة في الأعمال الخيرية والقضايا الإنسانية، ذلك أنها كانت لفترة طويلة سفيرة للنوايا الحسنة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، وعضو المرصد الوطني لحقوق الطفل.

مبعوثا بيان اليوم إلى مراكش:
متابعة: يوسف الخيدر
تصوير: أحمد عقيل مكاو

Top