باسترجاع محطّات عام 2019، يمكن تسجيل ملاحظات أساسية بإيجاز تتناول أحوال السينما المغربية عام 2019، وتطرح تساؤلات وتوقعات لها خلال العام الحالي.
1-) يُلاحَظ تصاعد بروز المهرجانات في المشهد السينمائي المغربي، خاصة “مهرجان فيلم المرأة بمدينة سلا” (الدورة 13، 16 ـ 21 سبتمبر/ 2019)، و”المهرجان المغاربي للفيلم بوجدة” (الدورة 8، 11 ـ 15 يونيو 2019). بل نشأت مهرجانات جديدة محلية أيضاً، في مناطق تُعرض فيها أفلامٌ لأول مرة. هذه موجة ستزداد عام 2020.
2-) توّج “المهرجان الوطني بطنجة” (الدورة 20، 1 ـ 9 مارس 2019) فيلماً وثائقياً لم يكن له ما بعده، إذْ لم يظهر فيلم هند بنصاري، “نبض الأبطال”، في مهرجانات جديدة، تُبرهن على وجاهة تتويجه. كان مهرجان طنجة حَدّه، بينما حصل “امباركة” (2019)، لمحمد زين الدين، على أربع جوائز في طنجة، وعُرض في مهرجانات كثيرة خارج المغرب. كان مهرجان طنجة فرصة للتعرّف إلى الأفلام القصيرة للمخرجين الجدد، الذين سيحملون مشعل السينما المغربية. كانت النتائج مُقلقة.
3-) بعد طنجة، برز دولياً فيلما “آدم” لمريم توزاني و”سيّد المجهول” لعلاء الدين الجم، اللذان عُرضا في مهرجان “كانّ”. هذا مصدر دعاية هائلة. سيتعرّض الفيلمان محلياً لاختبار الجمهور المغربي.
4-) الدورة 18 (29 نوفمبر ـ 7 ديسمبر 2019) لـ”المهرجان الدولي للفيلم بمرّاكش” لامعةٌ، فأفلام البرمجة الموازية أقوى من أفلام المسابقة الرسمية.
5-) عُرضت أفلامٌ كوميدية كثيرة في الصالات السينمائية، لتوفير تسلية للشعب، كـ”براكاج بالمغربية” لأحمد الطاهري و”أخناتون في مراكش” للممثل والمخرج سعيد الناصري. أفلامٌ مُغرقة في المحليّة.
6-) كانت هناك أفلام أكثر عدداً من المقالات النقدية عن الفيلم المغربي. عام 2019، كالعام السابق عليه، كانت هناك مهرجانات استضافت أشخاصاً، لا نشاط سينمائياً لهم. ظهرت لجان تحكيم للنقّاد لا نقّاد فيها.
7-) تُظهر أخبار بعض الفنانين في شيخوختهم وبؤسهم أنّ الاستثمار الفنّي في المغرب لا يضمن الكرامة الإنسانية.
😎 تُنظّم تكريمات سطحية، فيها خطابات أشبه بالرثاء التكسّبي. تكريم فنان يعني وصفاً كتابياً لمُنجزه الفني وتطوّره من متابع لمسيرته، وليس إغراقه شفهياً بلغة إنشائية، كصديقي وحبيبي، ويا شقيق الروح، ويا نقيّ القلب، إلخ.
9-) كُرِّم الناقد مصطفى العلواني والممثل مصطفى منير في “مهرجان سيدي قاسم”. ما الجامع بينهما؟ عاشقان للفن، يُسْمّيان الأشياء في المشهد بلا لغة خشبية، لكنهما لم يعرفا كيفية تأسيس جمعية أو شركة للوصول إلى مصادر التمويل.
10-) الغالبية المطلقة من السيناريوهات المُقدّمة إلى لجنة الدعم، للحصول على تمويل، يكتبها مخرجوها. إذاً، من السذاجة أنْ يحاول كاتب السيناريو. لا مكان للسرد بمعاييره الكونية في المشهد المغربي. نادرة هي القصة والحبكة خماسية المراحل، والشخصيات التي تتطوّر. فيلمٌ فيه وضعيات راكدة لا أحداث مترابطة سببياً، وتتطوّر. النتيجة: فيلمٌ حدوده طنجة، لا أكثر.
11-) عام 2019، حقّق المغرب أكثر من 80 مليون دولار أميركي كعائدات من تصوير الأفلام الأجنبية على أرضه. هذا مبلغ يموّل الأنشطة السينمائية كلّها، وأكثر منها أيضاً. أعلنت وزارة الثقافة، في 24 أكتوبر 2019، في مقر “المركز السينمائي المغربي”، تخصيص أكثر من 22 مليون دولار أميركي لدعم القطاع السينمائي. التمويل موجود، وبالتالي فالموجة السينمائية ستستقرّ، بل ستستمر. التمويل الضخم يُسهّل التوقّعات.
ماذا عن التوقّعات؟
يسطّر البرنامج الحكومي الاستراتيجي 2012 ـ 2016، في قطاع السينما، أهدافاً عديدة، منها رفع عدد الأفلام الطويلة والقصيرة المُنتجة بنسبة 10 بالمائة سنوياً، ومضاعفة عدد الصالات السينمائية المرقمنة، وزيادة الاستثمار الأجنبي في المغرب، ورفع مخصّصات الدعم السينمائي بنسبة 50 بالمائة، وزيادة عدد المهرجانات السينمائية المدعومة بنسبة 30 بالمائة.
معظم هذه الأهداف تحقّق. في السياق المتفائل نفسه، يمكن عرض توقّعات سينمائية، بناء على وقائع يؤطّرها قول ابن خلدون “الماضي يشبه المستقبل شبه الماء بالماء”. عام 2019، كان هناك 80 مهرجاناً. في العام الجديد، سيكون هناك 90. سيحتاج المغرب إلى مهرجانات جديدة، لأن سلطة الصورة تزداد. العام الماضي، أُنتج 20 فيلماً طويلاً. العام الجاري، سيُقدّم لـ”مهرجان طنجة الـ 21″ (مارس 2020) أكثر من 30 فيلماً طويلاً. مع ذلك، سيحتاج المغرب إلى أفلامٍ أكثر ليصمد بعضها في الصالات السينمائية.
في 2019، كان هناك تمويل يبلغ 6 ملايين دولار أميركي. هذا رقم سيتضاعف عام 2020. مع ذلك، سيُطالب بتمويل أكبر. سطّر المجلس الإداري لـ”المركز السينمائي المغربيّ” سياسةً لتطوير الترسانة القانونية المنظِّمة للقطاع وتعزيزها، بغية إرساء قواعد صناعة سينمائية وطنية قادرة على مواجهة التحدّيات الدولية، وعلى تعزيز الهوية الثقافية للبلد.
في العام المنصرم، استضافت مهرجانات أشخاصاً لا نشاط سينمائياً لهم. في العام الجاري، سيزداد هذا، وستُمنح الكلمة لبعضهم لتناول مواضيع لم يكتبوا فيها سطراً واحداً. المقالات المكتوبة عن الأفلام المغربية نادرة. تفسير ذلك أنّه يُستحسن ألّا تكون هناك علاقات متوترة بين الناقد ومحيطه. علاقات ربما تضرّ بكرامته، كما قال ناقدٌ خبير تجاوز عمره 70 عاماً.
ما هي مشكلة السينما المغربية؟ التمويل؟ متوفر. فرص العرض؟ متوفرة في المهرجانات، وهي أكثر من الصالات. إذا لم تُشاهَد الأفلام، فلأنّها غير قوية وغير جاذبة للجمهور، وليس لأنّ إمكانات العرض قليلة. تمويل المشهد السينمائي يزداد، والأنشطة تتكاثر، وسؤال الإبداع يحتدّ. الحلّ؟ يُنتظر أن يُثمر الكَمُّ النوعَ الفني.
محمد بنعزيز ناقد سينمائي