العفو الملكي… الحكيم

تمثل مبادرة العفو الملكي التي شملت المزارعين المتابعين في قضايا زراعة القنب الهندي خطوة كبيرة وتؤسس لمرحلة مفصلية أبعدت الخوف عن آلاف الفلاحين الفقراء وأسرهم، وهم كانوا الحلقة الأضعف ضمن هذه التجارة غير المقننة.

في مناطق زراعة القنب الهندي عاش آلاف الفلاحين لسنوات في الخوف والرعب والمطاردات والملاحقات والتهديدات، وبصدور العفو الملكي تابعنا مشاعر الفرح والاحتفال التي غمرتهم، وباتوا اليوم يتطلعون لبداية زمن جديد ومختلف.

في كل المحافل العالمية التي تدارست سبل التصدي لتجارة المخدرات، كان التأكيد على ضرورة إبداع الدول لحلول وممارسات فضلى، وعلى وضع ذلك ضمن سياسات ومسارات تقوية التنمية المستدامة لفائدة السكان، وقرار العفو الملكي الإنساني جاء اليوم ليطرح ممارسة مغربية فضلى في سياق هذا المجهود الدولي، ومن شأنه كذلك تدعيم وتمتين العدالة المجالية من خلال تثمين الموارد الترابية المحلية، وجعلها تساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية والظروف المعيشية للساكنة المحلية في المناطق المعنية، ومن ثم يعطي العفو الملكي اليوم بعدا حقوقيا واضحا وبارزا للمقاربة المــــــغربية في مكافحة المخدرات.

بعد خطوة العفو الملكي، يجب على الحكومة اليوم أن تستوعب الدلالة وتفهم الدرس، وذلك عبر تمكين الساكنة المعنية من الاندماج في الخطة الوطنية الجديدة الساعية لتقنين زراعة القنب الهندي واستعماله لأغراض طبية وصناعية ضمن مقتضيات القانون: 21-13 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي.

هذا الاندماج، إذا يسرته الحكومة، من شأنه أن يفتح أمام آلاف الفلاحين الفقراء وأسرهم فرص الاندماج الفعلي في منظومة إنتاج القنب الهندي المقنن، واستثمار تجاربهم الذاتية وخبراتهم لإنشاء تعاونيات واستدامة عملهم وفق ما يحفظ كرامتهم ومن دون خوف مسلط عليهم أو مطاردات.

وإذا تحقق هذا، فسيسمح بتحفيز الاستثمار في القطاع وتنامي أعداد المنخرطين ومعه الإنتاج، وأيضا تطوير المشاريع التحويلية والتصنيعية، وتنمية هذا القطاع في المجالات الطبية والصناعية المتنوعة.

في هذا الأفق، يعتبر العفو الملكي مبادرة إنسانية كريمة فعلا، ولكن أيضا وأساسا عنوان رؤية ملكية تقوم على إدماج هؤلاء الفلاحين الصغار وأسرهم في الإستراتيجية الوطنية الجديدة التي أسست من أجلها “الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي”، وكذلك إعمال مخططات للتأهيل التنموي لمناطق زراعة القنب الهندي.

لقد عاش سكان هذه المناطق سنوات ضمن معاناة حقيقية مع الخوف والوشايات والمطاردات، وأيضا مع استغلال بعض اللوبيات الانتخابية لمعاناتهم، والجميع يعرف حكايات ذلك ومظاهر الضغط والابتزاز التي مورست عليهم لعقود، واليوم أحدث العفو الملكي رجة حقيقية أفرحت هذه الفئات الفقيرة من السكان، وجعلتهم يتطلعون للمستقبل، ومن أجل أن تتكرس مرحلة جديدة تؤثر إيجابًا على أوضاعهم المعيشية وظروف حياة أسرهم، وأن يشمل الاطمئنان أبناءهم.

إن قرار العفو الملكي يمثل اليوم تجليا آخر لمصالحة المغرب مع مجاله الترابي، وسعيا لتطوير الأثر المهيكل لخطوة تقنين زراعة القنب الهندي واستعمالاته الطبية والصيدلية والصناعية.

ويبقى اليوم على السلطات العمومية أن تستوعب روح ودرس القرار الملكي الإنساني والحكيم، وتحرص على تفعيل ذلك في الممارسة اليومية الميدانية وفي البرامج والقرارات والمساطر، وأن تجعل سكان المناطق المعنية يلمسون الأثر الإيجابي للقرار الملكي على حياتهم اليومية وظروف عيشهم.

محتات الرقاص

Top