اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية في دورتها السادسة تصادق بالإجماع على تقرير المكتب السياسي

صادق أعضاء اللجنة المركزية التي التأمت أمس الأحد، عن بعد بتقنية التناظر، وحضوريا، بالإجماع، على تقرير المكتب السياسي الذي قدمه الأمين العام محمد نبيل بنعبدالله.
ونوه محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية بالمجهودات الملكية المبذولة التي واكبت مرحلة الجائحة بقرارات جريئة.
وقال بنعبد الله الذي كان يتحدث، أمس الأحد، أمام أنظار اللجنة المركزية للحزب التي التأمت في دورتها السادسة، والتي تشكلت رئاستها من الرفيقتين شرفات أفيلال ونادية التهامي، عضوي المكتب السياسي للحزب، وتولت تسيير الأشغال الرفيقة نادية التهاني، إن الحكومة عجزت عن ترجمة التوجهات العامة التي دعا لها جلالة الملك.
وأضاف بنعبد الله أنه بدون إنكار بعض المجهودات الحكومية المقدرة، وفي عز حاجة المغاربة إلى حكومةٍ سياسية كفأة وقوية تزرع الاطمئنان، واصلت الحكومة الحالية اجترار ضعفها المُعتاد في تدبير وتفعيل الملفات الأساسية، بحضور سياسي وتواصلي باهت لا يبعث على الثقة في نفوس المواطن الذي تتعامل معه باستخفاف.
وسجل بنعبد الله، الذي قدم تقرير المكتب السياسي أمام أعضاء اللجنة الذين شارك بعضهم حضوريا، والبعض عن بعد، من خلال 12 مركزا جهويا عبر التراب الوطني، عدم قدرة الحكومة على الاقتراح والإقدام بسبب عدم انسجام مكوناتها وهشاشة حضورها، وتعاملها الفج مع المواطنات والمواطنين، حيث عمدت الحكومة في أكثر من مرة إلى اتخاذ قرارات مُباغتة في آخر اللحظات دون تفسير ولا تهييئ قبلي للمواطنين، يقول المتحدث.

وبعدما أشار إلى بعض التدابير الإيجابية التي تتخذها لجنة اليقظة الاقتصادية (CVE)، أكد بنعبد الله أن مؤسسة الحكومة تبقى غائبة عن الاضطلاع بأدوارها الدستورية ومسؤولياتها السياسية كاملة مكتملة.
وشدد زعيم حزب “الكتاب”، في تقرير خلال افتتاح هذه الدورة التي تأتي لإغلاق وإكمال دورة استثنائية كانت بقيت مفتوحة بسبب تطورات ومستجدات الأوضاع الوطنية ودقتها، أن ضعف القيادة السياسية للحكومة عامل من شأنه أن يعمق الفراغ السياسي ويُكرس أزمة الثقة في العمل المؤسساتي ويُوسع الهوة بين المواطن والشأن العام، مذكرا في هذا السياق بعدد من الهفوات التي وقعت فيها الأغلبية الحكومية وعلى رأسها القانون المالي التعديلي لعام 2020 ثم بعدها القانون المالي للسنة الجارية 2021.

***

حزب التقدم والاشتراكية خرج من الحكومة لنفس الأسباب التي لا تزال تتخبط فيها… وهو يمتلك بديلا وقدم وثائق اقتراحية تفصيلية

وأوضح بنعبد الله أن القوانين المالية الأخيرة جاءت بمنطق محاسباتي لا إبداع فيه، فضلا عن كونها قوانين مخيبة لانتظارات الجماهير الشعبية والأوساط الاقتصادية، خصوصا وأن الحكومة “عجزت عن ترجمة التوجهات العامة المُعلنة إلى مبادرات ملموسة، ولم تقدم مخططا مدققا، وافتقدت الوثيقة الميزانياتية إلى اللمسة الابتكارية وإلى الجرأة السياسية” حسب المتحدث.
إلى ذلك، ذكر بنعبد الله بمجموعة من المقترحات التي قدمها حزب التقدم والاشتراكية للنهوض بالاقتصاد الوطني، وتعزيز الاستثمار العمومي كما أبانت عن ذلك جائحة كورونا، ومن ضمنها إعادة تشغيل مصفاة “لاسامير”، مشيرا إلى أن الحكومة لم تعر أي اهتمام لهذه المقترحات كما لم تقدم على إجراءات بديلة من شأنها النهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي زادت سوءا مع الجائحة.
وفي سياق مرتبط، شدد بنعبد الله على ضرورة تقوية الديمقراطية والفعل الديمقراطي وحل مجموعة من الملفات الاجتماعية العالقة، من ضمنها ملف الريف، وجرادة ومجموعة من الملفات الحقوقية، داعيا إلى القطع مع بعض التجاوزات وتقديم بدائل للمواطنات والمواطنين على الصعيد التنموي، اجتماعيا، اقتصاديا وحقوقيا، وسياسيا.
وأبرز بنعبد الله أن تقوية المشهد الوطني الداخلي يتأتى عبر تعزيز الديمقراطية وتعميم التنمية والتوزيع العادل للثروات والنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية لعموم المواطنات والمواطنين.
ودعا بنعبد الله في ذات اللقاء إلى جعل محطة الانتخابات المقبلة محطة للتغيير وتعزيز الفعل الديمقراطي، وتقديم بدائل للوضع الراهن.
في هذا الإطار، قال الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إن البدائل الاقتصادية والاجتماعية، مهما بلغت درجة جودتها، فهي لن تؤتي ثمارها، ما لم يتوفر لها فضاء ديموقراطي ملائم، ومؤسسات مُنتخبة قوية وذات مصداقية، وحياة سياسية وحزبية سليمة.
وتابع بنعبد الله أنه “لن تستقيم أي تدابير، في أفق التحضير للانتخابات القادمة، دون عمل الحكومة على توسيع فضاء الحريات الفردية والجماعية، وتكريس حقوق الإنسان، واحتضان تعبيرات الرأي على اختلافها في إطار احترامها للدستور والقانون، وضمان شروط ممارسة إعلامية تقوم على الحرية والمسؤولية”.
كما أكد المتحدث أن التنمية لا تستقيم إلا بتوفير شرط الديموقراطية، مجددا دعوته إلى ضرورة تحضير الأجواء السياسية العامة للانتخابات المقبلة، وتهييئ شروط الانفراج الحقوقي والسياسي، وتصفية الأجواء، لا سيما من خلال اتخاذ مبادرات إيجابية في ما يتعلق بمعتقلي الحراك الاجتماعي في الحسيمة وجرادة، والتعاطي بأكبر قدر من الأريحية والانفتاح مع كل مظاهر التعبير عن الرأي، وطي بعض الملفات المؤلمة على هذا المستوى.
من جهة أخرى، وفي ما يتعلق بالشأن الوطني، لفت بنعبد الله إلى التطورات الإيجابية التي سجلها المغرب بشأن وحدته الترابية والتي قال إنها جاءت بفضل المبادرات الحكيمة والمقدامة لجلالة الملك، والتي تجلت في الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.
واعتبر بنعبد الله هذه التطورات منعطفا هاما، بالنظر إلى دور ومكانة الولايات المتحدة على الصعيد العالمي وعلى مستوى مجلس الأمن، مبرزا أن هذا الاعتراف بمغربية الصحراء يأتي في سياق يتعاظم فيه الوعي الدولي بعدالة قضية المغرب وبالمخاطر والتهديدات الإقليمية والدولية التي تشكلها الطروحات الانفصالية.
وسجل زعيم الحزب أن كل المؤشرات الإيجابية جاءت على إثر عملية الكركارات التي نفذتها القوات المسلحة الملكية، منوها بالمجهودات والبسالة التي أبانت عنها.
إلى جانب ذلك، جدد بنعبد الله تأكيده على تشبث حزب التقدم والاشتراكية بالقضية الفلسطينية، وعلى الموقف الداعم لكافة حقوق الشعب الفلسطيني، مشيرا إلى أن الخطوات الانفتاحية لبلادنا إزاء إسرائيل، على أساس فتح مكتب للاتصال، وتدشين علاقات ثنائية في مجالات مختلفة، لم يثن المغرب عموما والحزب عن تبني والدفاع عن القضية الفلسطينية.
وذكر بنعبد الله بالاتصال الهاتفي ذو الدلالات العميقة الذي أجراه جلالة الملك مع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث قال المتحدث إن هذا الاتصال “حمل تأكيدا قويا على أن القضية الفلسطينية ستظل بالنسبة للمغرب، ملكا وحكومة وشعبا، في مرتبة قضية الصحراء المغربية، وعلى أن بلادنا ستواصل دعمها الثابت لنضالات الشعب الفلسطيني من أجل إقرار كافة حقوقه الوطنية المشروعة، على أساس التفاوض السياسي المثمر، وحل الدولتين، مع ضرورة الحفاظ على الوضع الخاص لمدينة القدس الشريف”.
وتابع أن القضية الفلسطينية في مرجعية حزب التقدم والاشتراكية تعتبر قضية تحرر وطني حظيت على الدوام بالدعم الكامل، مثلما هو الشأن بالنسبة للكفاح من أجل الوحدة الترابية لبلادنا، يقول المتحدث.
في هذا السياق، أكد بنعبد الله على مواصلة دفاع حزب  الكتاب” المستميت على قضية الوحدة الترابية، في إطار الإجماع الوطني، مع ما يستلزمه ذلك من ضرورة التمتين المتواصل للجبهة الداخلية التي جدد التأكيد أنها تتطلب نَفَساً ديموقراطيا أقوى، ونموذجا تنمويا بديلاً يكفل النهوض بالأوضاع العامة.
وبعد تقرير الأمين العام شهدت اللجنة المركزية مناقشات مهمة ساهم فيها أعضاء من جهات مختلفة، حيث تدخل الكثيرون عبر تقنيات المناظرة المرئية من مقرات الحزب بالجهات، وأيضا من داخل المقر الوطني بالرباط.

***

نبيل بنعبد الله، في تقرير المكتب السياسي أمام الدورة العادية السادسة للجنة المركزية

• الجائحة لا تزال تُخيم علينا، بتداعياتها الخطيرة، رغم بشائر أمل اللقاح، ويتعين مواصلة اليقظة.
• ما يفسر حدة الأزمة العالمية الحالية:ليس فقط خطورة الوباء، لكن أيضاكون النظام الرأسمالي لا يمتلك في جيناته مقوماتِ المواجهة الناجعة.
• رغم عدد من الإشراقات التضامنية، إلا أن هناك انكشاف زيف شعار التعاون الدولي ومحدودية الرد الدولي الجماعي.
• فشل الاختيارات القائمة على الشعبوية والشوفينية وعلى التطرف اليميني، والتي أدت إلى تنامي العنصرية ومعاداة الهجرة والمهاجرين.
• العالَم في حاجة إلى بديل تقدمي، ننتمي إلى أفقه، يرتكز على القيم الإيجابية التي أبانت الجائحة عن أهميتها البالغة.
• ندعو إلى مراجعة الأمم المتحدة والمؤسسات المالية والاقتصادية الدولية، لتصير أكثر إنصافاً وتوازناً وإنسانية.
• شهدت قضية وحدتنا الترابية تطورات جد هامة، بفضل المُبادرات الحكيمة والمِقدامة لجلالة الملك. وفي طليعتها:
الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.
• عملية الكركارات حظيت بمباركة دولية واسعة، وترجمت نهج الحكمة والصرامة من طرف بلادنا.
• يتعين أن تُوَجَّـــهَ الخطواتُ الانفتاحية لبلادنا إزاء إسرائيل نحو ثني الأخيرة عن انتهاكاتها المختلفة.
• القضية الفلسطينية، في مرجعيتنا الحزبية، قضية تحرر وطني حظيت دومًا بدعمنا، مثلما هو الشأن بالنسبة للكفاح من أجل الوحدة الترابية لبلادنا.
• الربح النهائي لقضية وحدتنا الترابية يستلزم تمتين الجبهة الداخلية بمستلزماتها، ديموقراطيا واقتصاديا واجتماعيا.
• لا يتعين الاكتراث بالمزايدات والتهديدات الواهية التي تعبرعن فشل المناورات المعادية لبلادنا.
• الجائحة عرت على واقع اجتماعي واقتصادي صعب ببلادنا.
• انتظارات الشعب طبيعية، لكن الحكومة ظلت مُستقيلةً من صلاحياتها الدستورية ومن القضايا الإصلاحية الكبرى

• انطبع عمل الحكومة، حتى في جوانبه الإيجابية، بالارتباك والتخبط، انعدام تماسك الأغلبية، والاستهتار بالتواصل مع الرأي العام.
• تميزت الشهور الأخيرة بِخُطَبٍ ملكية سامية حملت توجهاتٍ وقرارات مِقدامة، وفتحت أوراشا من صميم قناعات الحزب.
• إشادة الحزب بمجانية التلقيح، وبنجاح إطلاق العملية، ونداء للانخراط فيها.
• عمل لجنة اليقظة الاقتصادية، على إيجابيته، إلا أنه يؤكد عدم اضطلاع الحكومة بصلاحياتها.
• رفضنا القانون المالي التعديلي وقانون مالية 2021 لأنهما جاءا مخيبين للآمال والانتظارات.
• تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا ليس مرده فقط إلى صعوبات الجائحة، لكن أيضا إلى عدم قدرة الحكومة على الاجتهاد.
• خرجنا من الحكومة لنفس الأسباب التي لا تزال تتخبط فيها…وقرارنا كان صائبا.

الرفيقات والرفاق الأعزاء عضوات وأعضاء اللجنة المركزية؛ متابعينا الكرام؛
ها نحن نجتمع مرة أخرى في ظل ظروف خاصة، بمناسبة الدورة العادية السادسة للجنتنا المركزية، ونغلق بذلك الدورة الاستثنائية السابقة. وجائحة كورنا لا تزال تخيم على العالم بظلالها الثقيلة، على الرغم من بشائر الأمل التي يزرعها في البشرية ظهور اللقاح، والذي يبقى، للأسف، عَصـيا على أن يكون في مُتناول جميع الشعوب على قدم المساواة، علماً أن الفيروس اللعين لا يكف عن التحـور.
وليس مبالغة قولنا إن جائحة كوفيد 19 ليس مجرد حـدث عابر، بقدر ما هي انعطاف عظيم في التاريخ، خلخل ولا يزال الواقع، وزعزع، ولا يزال، القناعات واليقينيات، ممتدة تداعياته البنيوية إلى الاقتصاد والاجتماع والثقافة والسياسة والعلاقات الدولية والإيكولوجيا، وكل مناحي الحياة.

1 – دوليا: سيادة اللايقين وانهيار المقاربات الليبرالية

تضمن تقرير الدورة السابقة للجنتنا المركزية تحليلاً دقيقاً وشاملاً للأوضاع الدولية. وسنكتفي في التقرير الحالي بالتذكير ببعض ملامح قراءة حزبنا لهذه الأوضاع.
فلقد أفضتِ الجائحة، عبر العالَم، إلى فرض الحجر الصحي، ومنع التجول، وتقييد عدد من الحريات، وإلى فقدان عدد كبير من الناس لأفرادَ من عائلاتهم، وإلى الفَزَع الجماعي من المرض والموت، وإلى تنامي الشك في المُستقبل. وهذه مناسبة للترحم على أرواح كل ضحايا هذا الوباء.
وأفضى الوباء الشرس إلى تراجعٍ مهول للاقتصاد والإنتاج، وإلى انكشافِ فظاعة الفقر والبؤس الاجتماعي، وإلى افتضاح أسطورة كَوْنِ النظام الليبرالي والمبادرة الحرة هما البديل الأمثل، في مقابل سُطوع حقيقةِ أنَّ الدولة الفاعلة اقتصاديا والحامية اجتماعياً والديموقراطية سياسيا هي المُنقــذُ والقاطرة والعقـــلُ المدبر، وأن الاستثمار العمومي في القطاعات الاجتماعية يتعين أن يكون أولوية الأولويات.
وكما أكدنا ذلك، على مدى كل الأشهر السابقة، انطلاقا من هويتنا التقدمية ومرجعتينا الاشتراكية، فقد كرست الأزمةُ فشل التوجهات النيوليبرالية القائمة على عولمةٍ متوحشة وعلى سيادة الرأسمال، في تقديم الأجوبة على الإشكالات الأساسية للإنسان، وفي تدبير حاجياته، وفي تقوية مناعة الدول وبناء عالَم متطور. كما كشفت الأزمة الحالية انحسارَ المقاربات الجماعية، وغياباً ملحوظاً لدور الأمم المتحدة والمنظمات المالية والاقتصادية الدولية. واكتفى العالَمُ باجتهاداتٍ لكل دولة على حدة في مواجهة الآثار المدمرة للجائحة.
إن اللايقين لا يزال سيد الموقف عالمياً، والانكماش الاقتصادي يبلغ ذروته من جراء الجائحة، ومعظمُ الخيرات تتركز في أيدي طبقات وأفراد ومجالاتٍ محصورة.كما لا يتورع الكثيرون عن المتاجرة ببؤس الشعوب وفقرهم. والمُرَجَّحُ أنَّ ما يفسر حدة الأزمة الحالية، إلى جانب خطورة الوباء وصعوبة تداعياته، هو كون النظام الرأسمالي لا يمتلك في جيناته مقوماتِ المواجهة الناجعة لمثل هذه الظروف.
فالثروات الطبيعية تتعرض لأبشع استغلال، والبُـعد الإيكولوجي لم يأخذ مكان الأولوية بعدُ، والشركات الكبرى والعابرة للقارات يزداد جشعها. وهيئات المنتظم الدولي لا تقوى، في أحسن الأحوال، سوى على دق نواقيس الخطر بلا قدراتٍ فعلية على التأثير، ومُعظم بلدانُ الجنوبِ الفقيرةُ تخضع للاستغلال، والطبقات الغنية تُمعن في مراكمة الأرباح على حساب الطبقات الفقيرة والكادحة والفئات المُستضعفة.
نعم، لا يمكن إنكار بعض الإشراقات التضامنية والتعاونية الدولية. لكن لا أحد أيضاً يمكنه التغاضي عن ما نشهده من انكشافٍ لِــزَيْفِ شعار التضامن والتعاون الدوليين، ومحدودية الرد الجماعي للتكتلاتِ الإقليمية، في ظل نظامٍ دوليٍّ أحادي القطب أو يكاد. وكل ذلك في مقابل تصاعد الأنانيات الوطنية الضيقة.وتحول تكثيرٌ من الأبحاث العلمية واللقاحات ووسائل الوقاية الصحية، من مَلاذٍ مُفترض للبشرية، إلى مصدرٍ للمُضاربات والربح الذي يُسيلُ لُعابَ شركاتٍ عملاقة تفتقر إلى الحس الاجتماعي والبُعد الإنساني.
ثم إن الاختيارات القائمة على الشعبوية والشوفينية، وعلى التطرف اليميني، وإنْ حظيت لفتراتٍ بنوعٍ من الجاذبية الزائفة والزائلة، إلا أنها لم تحمل سوى مزيدا منتعقيد الإشكالات، من قبيل العنصرية وتنامي مُعاداة المهاجرين والتعامل معهم على أسس دينية أو عرقية في عددٍ من بلدان الاستقبال.
وها هو العالَم اليوم، لحسن الحظ، قد تخلص من عهد ترامب الذي لطالما أربك العالَم بعددٍ من القرارات غير المحسوبة. وأملنا أن يواصل جو بايدن مراجعة ذلك المنحى، كما فعل في ما يتعلق بإعادة الولايات المتحدة إلى الالتزام باتفاق باريس للمناخ.وذلكفي سعيٍ نتمناه أن يصل بالولايات المتحدة إلى بلدٍ مُتفاعِلٍ إيجاباً مع مختلف بلدان العالم وأقطابه الصاعدة، في أفق بناء عالَمٍ أفضل.
لقد حان الوقت لفهم أنَّ مستقبلَ الإنسانية لا يكمن في استمرار السياسات النيوليبرالية والاستغلال الفاحش للشعوب والفئات المستضعفة ولثرواتها. بل إنَّه مرهونٌ بانبثاق عالَمٍ جديد أكثر عدلاً وتوازناً وإنسانيةً، يحظى فيه الإنسان بالكرامة.
في هذا السياق تبرز الحاجة شديدةً إلى بديل تقدمي، إلى قطائع مع توجهات فاشلة، وإلى مقارباتٍ جديدة تتحلى بالجرأة والابتكار، حيث أن الأوضاع الاستثنائية لا يمكن أن تُعالَجَ سوى من خلال حلول استثنائية، وليس عبر وصفاتٍ برهنت على فشلها. ويتعين في ذلك الارتكاز على القيم الإيجابية التي أبانت الجائحة عن أهميتها البالغة، من قبيل: التضامن والتعاون الدولي الحقيقي؛ الدور المحوري للدولة؛الاستثمار في الإنسان وصحته وتعليمه وثقافته، وفي البحث العلمي، وفي الحماية الاجتماعية؛ والعمل على محاربة كافة أشكال الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي؛ وإقرار المساواة بين الأفراد والمجالات، وبين المرأة والرجل؛ واحترام البيئة؛ والتحول الرقمي، وغير ذلك.
ويجدر التذكير،هنا،بأن انتماءنا إلى الفكر الاشتراكي التحرري المتجدد، يجعلنا نواصل الدفع في اتجاه تجسيد البديل التقدمي الذي يُعلي من شأن الديموقراطية والحريات والمساواة، ويؤمن بالدور الرئيسي للدولة في الاقتصاد والتنمية. مُقتنعين في ذلك بقيمة التخطيط الاستراتيجي، مُدافعين عن القضايا الإيكولوجية، ومكافِحين من أجل العدالة الاجتماعية ومِحورية كرامة الإنسان في التنمية.
في نفس الوقت، يتموقع حزبنا ضمن القوى المناضلة من أجل قيام نظام عالمي إنساني ومتضامن. وذلك من خلال مراجعة جميع المؤسسات الدولية، حتى تصير أكثر توازناً وعدلاً وديموقراطية وشفافية. بما يتيح بناء عالم جديد وعادل، لا مكان فيه للظلم والتخلف والفقر. عالم جديد متوازن ومتعدد الأقطاب تنتفي فيه بؤر التوتر وكافةُ النزاعات. وفي طليعة ذلك إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، وحل النزاعات في اليمن وسوريا وليبيا وغيرها، والتي نجدد الإعراب عن تضامننا مع شعوبها ومناصرتنا لتطلعاتها نحو الحرية والاستقرار والديموقراطية والتنمية.

2/ قضية وحدتنا الترابية: تطورات إيجابية تستدعي التحصين في أفق الطي النهائي للملف المفتعل

الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء؛
قبل الخوض في تأثيرات الجائحة على الصعيد الوطني، وما تستلزمه الأوضاع من بدائل، لا بد من التطرق، بدايةً، إلى مستجدات قضيتنا الوطنية الأولى.
فقد شهدت قضية وحدتنا الترابية، في الفترة الأخيرة، تطورات إيجابية، بفضل المُبادرات الحكيمة والمِقدامة لجلالة الملك، والمُدَعَّمَة بثبات شعبنا على صيانة وحدته الترابية. ولا ريب في أن أهم التطورات تجلت في الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء. وهو ما نعتبره مُـنعطفاً هاما جدا، له ما بعده بالنسبة لقضيتنا الأولى، بالنظر إلى دور ومكانة الولايات المتحدة على الصعيد العالمي وعلى مستوى مجلس الأمن.
ويأتي الاعترافُ الأمريكي بمغربية الصحراء في سياقٍ يتعاظم فيه الوعي الدولي بعدالة قضيتنا الوطنية، وبالمخاطر والتهديدات الإقليمية والدولية التي تشكلها الطروحات الانفصالية، وتزايد عدد البلدان الداعمة لموقف بلادنا؛ وأيضاً المقاربة البناءة التي بات يعتمدها الاتحاد الإفريقي حيال هذا النزاع المفتعل، كثمرة طبيعية لاستعادة بلادنا مكانَتَهَا ضمن بيتها الإفريقي؛ بالإضافة إلى تأكيدات مقررات الأمم المتحدة على معايير الحل السياسي المتوافِقة تماما مع مُبادرة الحكم الذاتي، وعلى مسؤولية الجزائر كطرف مباشر في النزاع المصطنع.
وقد ظهرت، بالخصوص، كل المؤشرات الإيجابية لهذا السياق، بجلاء، على إثر عملية الكركارات التي نَـــفَّـــذتها قواتُــنا المسلحة المَلكية الباسلة التي نتوجه إليها بالتحية العالية، وذلك بأمرٍ سامٍ مِن قائدها الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة جلالة الملك محمد السادس. وهي العملية التي جسدت نهج بلادنا المتميز بالحكمة والصرامة، وأحبطتْ محاولات تغيير الوضع بالمنطقة، وحظيت بمُباركةٍ دولية واسعة.
3 – القضية الفلسطينية: ثابتون على موقف دعم كافة حقوق الشعب الفلسطيني

الرفيقات والرفاق؛
في سياق التطورات الإيجابية لقضية وحدتنا الترابية، تأتي الخطوات الانفتاحية لبلادنا إزاء إسرائيل، على أساس فتح مكتب للاتصال، وتدشين علاقات ثنائية في مجالات مختلفة.
بهذا الصدد، وفي نفس لحظة الإقرار الأمريكي بمغربية الصحراء، كان هناك الاتصال الهاتفي ذو الدلالات العميقة، والذي أجراه جلالة الملك مع السيد رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث حمل هذا الاتصال تأكيدا قويا على أن القضية الفلسطينية ستظل بالنسبة للمغرب، مَــلِكًا وحكومةً وشعباً، في مرتبة قضية الصحراء المغربية، وعلى أن بلادنا ستواصل دعمها الثابت لنضالات الشعب الفلسطيني من أجل إقرار كافة حقوقه الوطنية المشروعة، على أساس التفاوض السياسي المُثمر، وحل الدولتين، مع ضرورة الحفاظ على الوضع الخاص لمدينة القدس الشريف.
وهو نفس الموقف الذي يتبناه حزبنا،على أساس أن تُوَجَّـــهَ الخطواتُ الانفتاحية المذكورة نحو ثني إسرائيلعن انتهاكاتها للحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعية، ونحو تَحَـــوُّلِــهَا إلى دولةٍ عادية تحترم القانون الدولي والمشروعية الدولية وكرامة الإنسان، وتتخلى عن مواقفها العدوانية وسياساتها الاستيطانية، وعن احتلالها لأراضي الدول العربية المُجاورة.
تجدر الإشارة، هنا، لا سيما بالنسبة لمن لا يقدر هذه التطورات حق قدرها، إلى أن القضية الفلسطينية تُعتبر، في مرجعيتنا الحزبية، قضية تحرر وطني حظيت على الدوام بدعمنا الكامل، تماماً مثلما هو الشأن بالنسبة للكفاح من أجل الوحدة الترابية لبلادنا. وذلك منذ ما قبل الاستقلال، وإلى حدود يومنا هذا.
ولذلك، يُجسد بالنسبة إلينا الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء نقطة تحول أساسية. ونتمنى أن تساعد العلاقاتُ الجديدة بين بلادنا وإسرائيل في إحداث زخمٍ من التطورات الإيجابية المماثلة بالنسبة لقضية الشعب الفلسطيني الشقيق.
في هذا السياق، يؤكد حزبنا على مواصلة دفاعه المستميت على قضية وحدتنا الترابية، في إطار الإجماع الوطني، مع ما يستلزمه ذلك من ضرورة التمتين المتواصل للجبهة الداخلية التي تتطلب نَفَساً ديموقراطيا أقوى، ونموذجا تنمويا بديلاً يكفل النهوض بالأوضاع العامة لوطننا وشعبنا على جميع المستويات، بما يضمن الطي النهائي لهذا الملف على أساس مبادرة الحكم الذاتي. وذلك دون الاكتراث بالمزايدات والتهديدات الواهية التي تُصْــدِرُهَا بعضُ الأوساط الجزائرية، في تعبيرٍ صارخٍ عن فشل مناوراتها المعادية للمغرب.
وبنفس العزم، يؤكد حزبنا على ثباته في التضامن مع الشعب الفلسطيني الشقيق،وعلى مواصلة مساندته، لكافة حقوقه المشروعة، وفي مقدمتها الحق في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وحق عودة كافة اللاجئين.
للتذكير، فإن حزبنا، وإسهاماً منه في الترافع الدولي حول قضيتنا الوطنية الأولى وحول القضية الفلسطينية، بادر إلى بعث رسالة تفسيرية أولى إلى الأحزاب اليسارية عبر العالَم في شأن عملية الكركارات، ورسالة توضيحية ثانية بخصوص تطورات قضية الصحراء المغربية وعلاقة بلادنا بالقضية الفلسطينية.

4 – مرحلة ما بعد الحجر الصحي: توجهات مَلكية مِقدامة وعجز حكومي عن التفعيل

على الصعيد الوطني، فقد سبق لحزبنا أن وقف على أهمية الخطوات الاستباقية والقوية التي اتخذها جلالة الملك، منذ بداية الجائحة. ولا يسعنا هنا سوى تجديد الإشادة بإحداث الإشادة بإحداث جلالته للصندوق الخاص بتدبير ومواجهة وباء فيروس كورونا،

والتنويه بتقديم الدعم المالي للفئات المعوزة والمتضررة من الجائحة، وبإجراءات دعم المقاولات للحفاظ على الإنتاج وعلى مناصب الشغل، وبتدابير دعم المنظومة الصحية الوطنية.
كما وقفنا على الأوضاع الصعبة التي عَــرَّتِ عليه االجائحة، والتي لطالما نبهنا إليه وإلى المخاطر التي تنطوي عليها، من قبيل ضعف النسيج الاقتصادي؛ واستشراء القطاع غير المهيكل؛ واستفحال ظاهرة الفقر التي يتخبط فيها أكثر من نصف المواطنات والمواطنين؛ وهشاشةُ أوضاع الشغل والمقاولة والأوضاع الاجتماعية؛ وارتفاع نسبة البطالة؛ واتساع التفاوتات الطبقية ما بين طبقات مهيمنة ومحظوظة تسيطر على معظم الثروات، وبين أوسع الجماهير الشعبية التي تئن تحت وطأة الفقر والحرمان؛ بالإضافة إلى استمرار الفوارق المجالية؛ وجشع بعضِ القطاع الخاص الطفيلي الذي يعيش على اقتناص الريع الاقتصادي؛ وضعف التصنيع؛ واختلال القطاع الفلاحي؛ والتبعية الاقتصادية في قطاعات حيوية؛ وغياب شروط الأمن الغذائي والدوائي والطاقي؛ ناهيك عن المديونية والعجز الميزانياتي المُـــقلقيْن.
ولأن أي حكومة موجودة فقط لمعالجة وتدبير هكذا إشكالات وملفات، لا سيما في زمن الأزمة، فمن الطبيعي أن تكون لمجتمعنا انتظاراتٌ من الحكومة الحالية. إلا أن هذه الأخيرة ظلت مستقيلة تقريبا من صلاحياتها الدستورية ومن القضايا الإصلاحية الكبرى. وانطبع عملها، حتى في جوانبه الإيجابية، بالارتباك والتخبط. واتسمت العلاقات بين مكوناتها بالخلاف عوض التماسك. إلا أن الأدهى هو استهتارها بالتواصل مع الرأي العام.
الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء،
مع استمرار حالة الطوارئ الصحية، خرجنا تدريجيا من الحجر الصحي، على أمل توديع حالة التأرجح والترقب، في أفق العودة إلى الحياة العادية. وتظل سيناريوهات تطور الأوضاع الصحية مفتوحة أمام جميع الاحتمالات، على الرغم من كل المجهودات المبذولة.
وهي مناسبة ليجدد الحزب تحيته لجنود الصفوف الأولى، وتقديره العالي لالتزام عموم المواطنات والمواطنين، رغم قساوة الظروف.
وقد تميزت الشهور الأخيرة بِخُطَبٍ ملكية سامية حملت توجهاتٍ وقرارات مِقدامة، حيث أعلن جلالتُهُ عن إطلاق خطة للإنعاش الاقتصادي تندرج في إطار تعاقد وطني مع التأسيس لعقد اجتماعي جديد.وتقرر إحداث صندوق محمد السادس للاستثمار؛مع إطلاق إصلاح القطاع العام والمؤسسات والمقاولات العمومية. كما أعلن جلالته عن إطلاق تعميم التغطية الاجتماعية، مع إصلاح الأنظمة والبرامج الاجتماعية، بأفق إدماج القطاع غير المهيكل. وهي توجهاتٌ يجد حزبُ التقدم والاشتراكية نفسه مقتنعا بها إلى أقصى الحدود، حيث شكلت على الدوام إحدى توجهاته الأساسية.
كما تميزت الفترة الأخيرة بالقرار الملكي الحكيم بإقرار مجانية التلقيح، بأفق بلوغ المناعة الجماعية ضد الفيروس، وبإطلاق جلالته، في لحظةٍ وطنية مؤثرة، لحملة التلقيح. وبالمناسبة ندعو جميع المواطنات والمواطنين إلى الإسهام في نجاح هذه الحملة.
بالمقابل، ودون إنكار بعض المجهودات الحكومية المُقَدَّرَة، وفي عز حاجة المغاربة إلى حكومةٍ سياسية كفأة وقوية تزرع الاطمئنان، واصلت الحكومة الحالية اجترار ضعفها المُعتاد في تدبير وتفعيل الملفات الأساسية، بحضورٍ سياسي وتواصلي باهت لا يبعث على الثقة في نفوس المواطن الذي تتعامل معه باستخفاف. حيث عمدت إلى اتخاذ قرارات مُباغتة في آخر اللحظات دون تفسير ولا تهييئ قبلي للمواطنين. في وقتٍ ما فتئ فيه حزبُنا يُطالبها، دون جدوى، بالفعالية والتماسك والقوة والتواصل.
وإذا كنا قد سجلنا التدابير الإيجابية، على العموم، التي تتخذها لجنة اليقظة الاقتصادية (CVE)، إلا أن ذلك يُؤكد، في نفس الوقت، غيابَ مؤسسة الحكومة عن الاضطلاع بأدوارها الدستورية ومسؤولياتها السياسية كاملةً مُكتملة.ذلك أن ضعف القيادة السياسية للحكومة عاملٌ من شأنه أن يُعمق الفراغ السياسي ويُكرس أزمة الثقة في العمل المؤسساتي ويُوسع الهوة بين المواطن والشأن العام.وذلك مع وعينا التام بما تتسم به الأوضاع من صعوباتٍ موضوعية جمة، تكاد تكون قاهرة، في محيطٍ وطني وعالمي غير ملائمولا يتيحُ كثيرا من هوامش الفعل الناجع والمبادرة المُثمرة.
في هكذا سياق، جاءت الحكومة بقانون مالية تعديلي، بمنطق محاسباتي لا إبداع فيه. ثم جاءت بقانون مالية سنة 2021 مخـيب لانتظارات الجماهير الشعبية والأوساط الاقتصادية. حيث عجزت الحكومة عن ترجمة التوجهات العامة المعلنة إلى مبادرات ملموسة، ولم تقدم مخططا مدققا، وافتقدت الوثيقة الميزانياتية إلى اللمسة الابتكارية وإلى الجرأة السياسية.
ولذلك عارضنا القانونين معا، بعد أن رفضت الحكومة السوادَ الأعظم من مقترحاتنا لتجويدهما. وها هي النتيجة اليوم ماثلة أمامنا، حيث تتفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، في ظل تصاعد نسبة البطالة، واستمرار معاناة العمال والفئات المستضعفة والمهن البسيطة والأسر الفقيرة وساكنة العالم القروي، فضلا عن المقاولات الصغرى والمتوسطة، بسبب الانعكاسات المدمرة للجائحة، نعم بكل تأكيد، لكن أيضا بسبب عدم قدرة الحكومة على الاجتهاد المُنتظر والارتقاء إلى مستوى خطورة المرحلة وصعوبتها.
فَحَسَنًا فَعَلْنَا، والحمدُ لله على صواب قرارنا الذي اتخذناه بمغادرة هذه الحكومة، لنفس الأسباب التي لا تزال تتخبط فيها إلى حدود الآن، وذلك بعد أن استنفذنا كل محاولاتنا لدفعها، ومكوناتها، نحو الاشتغال يداً واحدة، من أجل مباشرة الإصلاح، بالقوة اللازمة. فلم تكن هناك حياةٌ لمن نادَيْـــنا من موقع الأغلبية… وليس هناك حياة لمن نُــنادي من موقع المعارضة.

5 – التقدم والاشتراكية: قوة اقتراح يَــقِـــظة لتقديم البديل العام والبدائل الإجرائية

إن حزبنا حين يقدم هذه الصورة، فإنما يفعل ذلك من باب الموضوعية والوطنية، وليس من باب التشاؤم والسوداوية والعدمية، مُــصِراًّ دائما على الإقرار بأن بلادنا تبذل مجهودات لا ينكرها إلا جاحد من أجل تجاوز المشاكل وتحقيق التقدم والنماء، وقد كان لنا إسهامٌ ومسؤوليةٌ في كل ذلك.
ومادام نقدنا للأوضاع مندرجا ضمن أفق البناء والتقدم وفتح الآفاق أمام وطننا وشعبنا، فإننا لم نتوقف عند الشعارات، بل اشتغلنا على تفاصيل وجزئيات بدائلنا، وأساسا من خلال وثيقة “ما بعد جائحة كورونا: مقترحات حزب التقدم والاشتراكية من أجل تعاقد سياسي جديد”. ونحن سعداء بأن نرى بعضاً من أفكارنا الواردة فيها تتبلور في شكل قرارات رسمية.
ولقد عملت هذه الوثيقة على تعزيز وتحيين رؤية حزبنا الاقتراحية حول النموذج التنموي الجديد، في إطار خيطٍ ناظمٍ لتحاليلنا، بما يكرس ويـكـمـلُ وثيقة النَّفس الديمقراطي الجديد التي انبثقت عن مؤتمرنا الوطني العاشر في سنة 2018. حيثأنه من منظورنا، هناك ارتباط جدلي بين الأسئلة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والثقافية وبين المسألة السياسية والديموقراطية والحقوقية.
ونعتقد أن الطريق نحو التغيير يمر عبر إنجاز قطائع وإعمال مقاربات جديدة، على الصعيد الاقتصادي، من بينها: الارتكاز على دور الدولة؛ الإصلاح الجبائي العادل الذي تقدمنا فيه بوثيقة اقتراحية خاصة؛ دعم المقاولة لأجل الحفاظ على القدرات الإنتاجية وعلى مناصب الشغل؛اعتماد ميثاق اجتماعي؛ الاعتماد على الإنتاج الوطني وتفضيله؛ ضمان الأمن الطاقي عبر تقوية نهج الاعتماد على الطاقات البديلة مع إعادة تشغيل شركة سامير؛ والمُضي قدُماً في اتجاه اعتماد البُعد الإيكولوجي في المسلسل التنموي للحفاظ على الثروات الطبيعية وتطوير الاقتصاد البديل المحترِم للبيئة؛ التموقع الاقتصادي الجديد لبلادنا؛ وإعمال الحكامة في المجال الاقتصادي.
أما أهم القطائع والمقاربات الواجب اعتمادها،على المستوى الاجتماعي، فيمكن إجمالُها في إقرار عدالة اجتماعية ومجالية؛ وتوزيع منصف لخيرات البلاد؛ الاستثمار الأولوي في التربية والمدرسة العمومية والبحث العلمي، وفي الصحة والمستشفى العمومي، وفي الثقافة والإبداع، والنهوض بمسألة المساواة وبأوضاع الشباب؛ فضلا عن المضي قـدما وعمليا في التفعيل الحقيقي للطابع الرسمي للأمازيغية.
وتظل في البدء السياسة، وفي نهاية المطاف السياسة، حيث أنإنجاح مسار الانتقال الديموقراطي وتوطيد البناء المؤسساتي جزءٌ لا يتجزأ من معركة العدالة الاجتماعية وضمان كرامة كافة المواطنات والمواطنين. فهذا البناء الديموقراطي يساوي الثقة والاستقرار والتنمية.
ويقتضي ذلك البلورة التامة والفعلية لمضامين دستور 2011، والتي لا تزال في مهدها، عبر توطيد مسلسل دمقرطة الدولة والمجتمع؛وتقوية دور الفاعلين السياسيين؛ وتمتين الفضاء الحزبي والسياسي؛وضمانُ ممارسة الحريات الفردية والجماعية.كما يقتضي ذلك الاعتماد القوي على المؤسسات المنتخبة؛ والمُضي قُدما في اتجاه ترسيخ اللامركزية واللاتمركز؛ واحترام التدبير الحر والحياة الديموقراطية للجماعات الترابية.
ثم إن هذا البناء الديموقراطي لن يستقيم أبداً سوى عبر إقرار مبدأ المساواة الكاملة بين المرأة والرجل. وهي مناسبة لنسجل استياءنا من تعطيل الحكومة للورش الدستوري المتعلق بالمناصفة، مُطالبين بالتعاطي الجدي مع هذا المبدأ الدستوري وتفعيله قانونيا ومؤسساتيا وإداريا.
6 – الانتخابات المقبلة: ضرورة عرض القوانين في إطار مدخل الإصلاح السياسي وخلق أجواء الانفراج لتعزيز الثقة والمصداقية

رفيقاتي، رفاقي،
قلنا، وسنظل نقول إن البدائل الاقتصادية والاجتماعية، مهما بلغت درجةُ جودتها، فهي لن تُؤتيَ ثمارها، ما لم يتوفر لها فضاء ديموقراطي ملائم، ومؤسسات مُنتخبة قوية وذات مصداقية، وحياة سياسية وحزبية سليمة.
ولن تستقيم أيُّ تدابير، في أفق التحضير للانتخابات القادمة،دون عمل الحكومة على توسيع فضاء الحريات الفردية والجماعية، وتكريس حقوق الإنسان، واحتضان تعبيرات الرأي على اختلافها في إطار احترامها للدستور والقانون، وضمان شروط ممارسة إعلامية تقوم على الحرية والمسؤولية.
فالتنمية، بمفهومها الحديث، لا تستقيم إلا بتوفير شرط الديموقراطية، لذلك يصر حزبنا على ضرورة تحضير الأجواء السياسية العامة للانتخابات المقبلة، وتهييئ شروط الانفراج الحقوقي والسياسي، وتصفية الأجواء، لا سيما من خلال اتخاذ مبادراتٍ إيجابية في ما يتعلق بمعتقلي الحراك الاجتماعي في الحسيمة وجرادة، والتعاطي بأكبر قدرٍ من الأريحية والانفتاح مع كل مظاهر التعبير عن الرأي، وطي بعض الملفات المؤلمة على هذا المستوى.
وإذا كنا نأمل في أن يتم اتخاذ هذه المبادرات رسمياً، فإن البناء الديموقراطي لا يرتبط فقط بما يتعين أن تقوم به الدولة، أو الأحزاب السياسية، بل إنها معركة تهم جميع فئات شعبنا، وخاصة الفئات المتنورة التي عليها الانخراط القوي في معركة الديموقراطية والدفاع عن الحريات والنزاهة والشفافية والاستقامة في تدبير الشأن العام.
بهكذا مقاربات ومداخل، يمكن تأمينُ الأجواء المناسِبة لإنجاح الانتقال التنموي، وفي نفس الوقت ضمان شروط المشاركة والثقة والمصداقية، حتى تشكل الاستحقاقات الانتخابية القادمة لبنة جديدة ضمن مسار تشييد الصرح المؤسساتي والديموقراطي الوطني.
على هذه الأسس، يكتسي التحضير القانوني للانتخابات أهميته، حيث بادر حزبنا، وحزب الاستقلال أيضا، منذ عامٍ، إلى مُطالبة رئيس الحكومة بفتح المشاورات حول الموضوع، وكذلك كان. ثم توقف الأمر أثناء الحجر الصحي، قبل أن تُستأنف المشاورات بين الأحزاب السياسية والحكومة في شهر يوليوز الماضي وحتى منتصف أكتوبر.
هكذا، قمنا بصياغة تصورٍ بخصوص تعديل القوانين الانتخابية، لكن في إطار رؤية عامة للإصلاح السياسي. وتقدمنا بمذكرة مشتركة بمعية حزبيْ المعارضة، الاستقلال والأصالة والمعاصرة، وذلك في سياق توطيد التعامل مع مكونات المعارضة. وبادرت الأحزاب الأساسية إلى تنسيق رؤاها بشأن الموضوع، لِـيسفـر ذلك عن اتفاقات حول معظم التعديلات القانونية المتعين اعتمادها، ما عدا نقطتين اثنتين، تتعلق أولاهما بالقاسم الانتخابي، في حين تتصل الثانية باللوائح الوطنية أو الجهوية للنساء والشباب ومغاربة العالم.ونأمل أن تُعرض النصوص القانونية ذات الصلة في أقرب الآجال، لتفادي أي تأثير سلبي على التعبئة وعلى النقاش السياسي.
ولا بد من أن نؤكد، هنا، حرصَ حزبنا على تحقيق التقدم الضروري على درب إقرار المناصفة. وفي نفس الوقت تمكين الجالية المغربية من التمثيلية في البرلمان على وجه التحديد، من خلال دوائر تشريعية في بلدان الاستقبال، أو عبر تخصيص مقاعد لهم في إطار لوائح وطنية أو جهوية. وسيعمل حزبنا على تقديم ترشيحات في دوائر تشريعية محلية يترأسها مغاربة مقيمون في الخارج.
7 – مهام المرحلة وخارطة الطريق بالنسبة لحزبنا
الرفيقات والرفاق،

نحن مقتنعون تماماً أن كل المواقف والمقترحات والبدائل التي يُنتجها حزبنا، وكل رصيده، وجميع الأعمال التي يقوم بها، لَــتَجعلُهُ من أكثر الأحزاب دينامية وإشعاعاً، وهو بذلكيستحق مكانة انتخابيةً أبرز في المشهد،لأنه مؤهل للإسهام الوازن في التغيير، معتمدا في ذلك على تحالفٍ مع كل القوى الديمقراطية المؤمنة بضرورة توطيد البناء الديمقراطي وتوسيع فضاء حقوق الإنسان وتحقيق التقدم الاقتصادي وإقرار العدالة الاجتماعية.
فحزبنا، بكل موضوعية وتواضع، يحق له أن يكون من الأوائل، لأنه لم يتوقف، ولو لحظة، عن العمل: وطنيا ومحليا، فكريا وميدانيا وسياسيا وتنظيميا وإشعاعياً. وليس أَدَل على ذلك من إسهام الحزب في هذه الدينامية التي تعرفها المعارضة التي هو جزء منها.
تأسيساً على ذلك، فإن كل ما ذكرناه في هذا التقرير، وما لم نذكره، وكل ما نقوم به يوميا من مبادرات ونضالات، وكل ما سيأتي من أعمال مُبرمجة، جعل للحزب جاذبيةً يستمدها من عرضه السياسي كبديلٍ تقدمي، ومن ديناميته كتنظيمٍ متجذر في التربة المغربية. وهو ما يفسر الالتحاقات الوازنة والمتواصلة بصفوفنا، والتي نعتز بها أيما اعتزاز. وكل ذلك كفيلٌ بأن يضمن لحزبنا التمثيلية المؤسساتية التي تعكس عطاءاته وإشعاعه المجتمعي.
إنها، إذن، مناسبة لنتوجه بالتحية النضالية العالية لبرلمانيات وبرلمانيي الحزب؛ ولرئيسة ورؤساء الجماعات الترابية باسم حزبنا؛ ولكافة منتخباتنا ومنتخبينا؛ ولهياكل الحزب وفروعه؛ ولمنظماته وقطاعاته؛ ولكافة المناضلات والمناضلين عبر ربوع الوطن وخارجه؛ على المجهودات النضالية الكبيرة، في جميع الجبهات والواجهات.
ولكي نحول طموحاتنا المشروعة، وأفكارنا وأعمالنا، إلى نتائج ملموسة، ليس لدينا من خيار سوى تسجيل حضور أقوىفي المؤسسات المنتخبة.وها هي أمامنا فرصة إثبات ذلك بعد شهور قليلة تفصلنا عن الانتخابات.
والبداية منذ الآن، من خلال الاعتماد على نقط قوتنا، وتجاوز نقائصنا، في الأداء الجماعي والفردي لكل هيئة وكل عضو في حزبنا.
على هذه الأسس، اعتمد المكتب السياسي مخططا للعمل في أفق الانتخابات المقبلة، بمثابة بوصلةٍ لعمل الحزب كافته، بمحاور متكاملة: سياسية، تكوينية، تنظيمية، انتخابية، وذلك بِحاملٍ تواصلي أفقي.
فعلى المستوى الانتخابي، الهدفُ الذي علينا أن نتعبأ حوله، بكل قوتنا، هو ضمان تغطية انتخابية واسعة ووازنة ونوعية، في كل الدوائر، وجميع الجماعات، بدون أي استثناء، ومن غير أي تهاون.
وهنا، لا بد لي من أن أوجه تهنئة خاصة لفروعنا التي حسمت في أمر التغطية الانتخابية أو تكاد. وأدعو الفروع الأخرى إلى أخذ الأمر، فوراً، بكل الجدية والاستعجالية المطلوبتين.
على الصعيد التنظيمي، سنظل نشتغل على تأهيل ومواكبة كافة التنظيمات لخوض الاستحقاقات الانتخابية. ولكي لا نُخلف موعد حزبنا، فقد قمنا باتخاذ التدابير اللازمة في شأن استنهاض عدد من الفروع، وسنواصل ذلك، بهدف إفساح المجال أمام الطاقات المُستعدة والقادرة على خوض المعركة بالنسبة للفروع والهياكل المتعثرة.
أما على الواجهة السياسية، فقد استقر رأي المكتب السياسي على انتقاء عدد من المحاور والقضايا الأساسية، سنعمل على إبرازها وعرضها على النقاش الداخلي والعمومي، وذلك بتوازٍ مع العمل التكويني، وكذا مع المجهود الذي نقوم به على مستوى إنتاج البرنامج الانتخابي الوطني، والبرامج الانتخابية الجهوية والإقليمية والمحلية. حيث أدعوكم إلى الانخراط في هذا المسار وإيلائه الأهمية التي يستحقها.
وفي ما يتعلق بواجهة الأشكال التواصلية، فهدفنا هو استثمار رصيد حزبنا، وإيصال أفكارنا وصوتنا إلى أكبر عدد من المواطنات والمواطنين، وتأكيد احتلال حزبنا لموقع متقدم لدى الرأي العام، من خلال كافة منابر ووسائل التواصل المختلفة، حتى يبلغ صوتُ حزب الكتاب إلى نطاقاتٍ أوسع.
في الأخير، أود أن أقول لكم، رفيقاتي، رفاقي: إنها لحظة الحقيقة لتتويج عملنا الجماعي. فلنتعبأ بكل ما أوتينا من طاقة وقوة، خلال الأشهر المقبلة، ونكون في مستوى أزيد من 77 سنة من نضالات حزبنا العتيد، ونجعله يحصد ثمرات جهده، ويقوي تمثيليته في المؤسسات المنتخبة، ويحظى بفرصة ترجمة أفكاره وتصوراته إلى تقدم، ليحمل، بشكل أقوى، تطلعات شعبنا نحو الديموقراطية والتقدم والعدالة الاجتماعية.

فإلى العمل، ومزيدٍ من العمل. وشكرا لكم على حسن تتبعكم.

محمد توفيق أمزيان
> تصوير: رضوان موسى

Related posts

Top