اللجنة النيابية لتقصي الحقائق تضع ثلاثة مخارج لإصلاح نظام المعاشات في المغرب

وقفت اللجنة النيابية لتقصي الحقائق حول الصندوق المغربي للتقاعد، على مجموعة من الخروقات والاختلالات التي طبعت تدبير المعاشات على مدى 22 سنة، والتي تتجلى بشكل أساسي في اتخاذ قرارات سياسية وإدارية أثرت على مسار الصندوق عبر إصلاحات ترقيعية لا تستند إلى دراسة اكتوارية ولا إلى رؤية استشرافية ، حيث تم منح معاشات بدون سند قانوني، ومعاشات أخرى تحوم حولها الشبهات..
وأفادت اللجنة، في التقرير الذي قدمه عدي الشجيري عن مجموعة العمل التقدمي، خلال الجلسة الاستثنائية التي نظمها مجلس المستشارين مساء أول أمس الاثنين، أن الارتباك شاب مسار الصندوق المغربي للتقاعد، حيث تم تجميده كمؤسسة عمومية منذ سنة 1958 وإلى غاية تاريخ إعادة هيكلته سنة 1996، مما ترتب عنه فقدانه للاستقلال المالي، واستحواذ الدولة على تدبير ملف المعاشات، والخلط الذي نجم عن ذلك محاسباتيا عند تحويله إلى مجرد مصلحة تابعة لهياكل وزارة المالية.
وعددت اللجنة نحو 11 اختلالا في مسار تدبير الصندوق، تمثلت أساسا، في إخفاء الحكومات المتعاقبة للقيمة الحقيقة للديون المستحقة على الدولة لفائدة نظام المعاشات المدنية على الشركاء الاجتماعيين وعلى الرأي العام الوطني، الأمر الذي أضر كثيرا بسير المفاوضات في إطار الحوار الاجتماعي وحال دون الوصول إلى أرضية متوافق عليها، منبهة إلى أنه تم تجاوز عمل اللجنة التقنية والوطنية من خلال اعتماد الإصلاح المقياسي سنة 2016 دون الرجوع إلى توصياتها الرامية إلى تنفيذ إصلاح شمولي لأنظمة التقاعد.
ومن بين الخروقات التي سجلتها اللجنة، منح تسبيقات في إطار نظام المعاشات العسكرية والأنظمة الغير مساهمة من طرف نظام المعاشات المدنية في غياب رصيد احتياطي للمعاشات العسكرية، في حين لم يتم احتساب الفوائد المستحقة على متأخرات الدولة اتجاه نظام المعاشات المدنية.
وأبرزت اللجنة أن إحدى الإشكالات العويصة التي ساهمت في تأزم وضعية الصندوق تتمثل في إشكالية حكامة تدبيره، حيث رصدت تعدد المتدخلين في تدبير أنظمة التقاعد، وهيمنة وزارة المالية من خلال ترأسها للجن الحكامة بمجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد، وغياب آليات القيادة واليقظة لتتبع التوقعات والمخاطر التي قد تهدد التوازنات المالية لنظام المعاشات المدنية، فضلا عن ثقل الكلفة المالية الناتجة عن تأخير إصلاح المقياسي الشمولي، علما أن بوادر اختلال التوازنات  المالية ظهرت منذ 1994 أي أن الإصلاح كان ينبغي أن ينطلق منذ هذا التاريخ مما كان من شأنه تجنيب حدوث الأزمة.
ووضعت اللجنة ثلاثة مخارج لإصلاح نظام المعاشات، حيث دعت في هذا الصدد الحكومة إلى تحديد الإصلاح المقياسي، والعودة إلى تفعيل توصيات اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد بتنفيذ الإصلاح الشمولي لأنظمة التقاعد ضمانا لاستقلالية الصندوق، فضلا عن أداء الدولة ما بذمتها من متأخرات مستحقة لفائدة نظام المعاشات المدنية، مع احتساب الفوائد والتسبيقات المحولة لنظام المعاشات العسكرية ونظام المعاشات المدنية.
ولم يفت عدي الشجيري، مقرر اللجنة النيابية لتقصي الحقائق حول الصندوق المغربي للتقاعد، أن يشير إلى الصعوبات التي رافقت عمل اللجنة، سواء على المستوى القانوني أو الواقعي.
 فعلى المستوى القانوني، اصطدمت اللجنة بواقع حكومة تصريف الأعمال، إذ امتنع عدد من المسؤولين السياسيين عن الحضور لجلسات الاستماع، الأمر الذي “دفع باللجنة في أكثر من مناسبة إلى تفعيل مقتضيات المادة 10 من القانون التنظيمي 15-85 تتعلق بتسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق التي تنص على توجيه الدعوة للأشخاص المراد الاستماع إليهم عن طريق المفوض القضائي”، يقول عدي الشجيري
الذي أكد أن هذا الجدل القانوني كلف اللجنة وقتا ثمينا، حيث لم تتمكن من التقدم في أشغالها بالشكل المطلوب وتم إهدار زمن ثمين كان يمكن أن يستغل بطريقة أفضل.
وعلى المستوى الواقعي، تمثلت الصعوبات والعراقيل التي واجهت لجنة تقصي الحقائق في عدم تجاوب بعض المسؤولين السياسيين والإداريين معها من خلال تحفظ بعض المستجوبين عن الإجابة على تساؤل أعضاء اللجنة خلال جلسات الاستماع، بالرغم من أدائهم القسم.
هذا، وكشف عدي الشجيري، بخصوص منهجية عمل اللجنة، أن هذه الأخيرة اشتغلت على مدى 79 ساعة طيلة 7 أشهر، وعقدت نحو 37 اجتماعا، و20 جلسة استمعت خلالها للمسؤولين السياسيين والإداريين الحاليين الذين لهم علاقة مباشرة بالصندوق المغربي للتقاعد، ويأتي على رأسهم  رئيس الحكومة بصفته رئيس المجلس الإداري للصندوق، وكذا وزير الاقتصاد والمالية ووزير الداخلية، ثم وزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، بالإضافة إلى مدير الصندوق المغربي للتقاعد، ومدير ميزانية وزارة المالية، ومدير المنشآت العامة والخوصصة بوزارة المالية، فضلا عن  رئيس هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، و أعضاء المجلس الإداري للصندوق ممثلي المنخرطين والمتقاعدين.
وأفاد في هذا الصدد أن اللجنة استمعت أيضا لبعض المسؤولين السياسيين والإداريين السابقين الذين تعاقبوا على تدبير ملف نظام المعاشات المدنية وخصوصا فتح الله ولعلو وزير الاقتصاد والمالية السابق، ومحمد بن ادريس المدير السابق للصندوق، والتهامي البركي المدير السابق لمديرية التأمينات والاحتياط الاجتماعي بوزارة الاقتصاد والمالية.

فنن العفاني

Related posts

Top