احتفاء بالمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، الذين بصموا الحركة الحقوقية بالمغرب، نظم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، برواقه بالمعرض الدولي للنشر والكتاب، يوم الجمعة الماضي، بمناسبة الذكرى 70 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حفلا تكريميا لفائدة الاستاذ محمد السكتاوي مدير منظمة العفو الدولية بالمغرب، بحضور العديد من الوجوه الحقوقية والفنية والإعلامية، حيث قدم بعض أصدقائه شهادات مؤثرة في حقه، أجمعت على أنه أحد أبرز رموز الحركة الحقوقية بالمغرب، وأحد أهراماتها، بعد أن وهب حياته للدفاع عن القضايا العادلة، عن الحق في الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الاقتصادية والاجتماعية والمساواة بين المرأة والرجل، والمدرسة العمومية وبصفة عامة ناضل من أجل الإنسان وكرامته وحقوقه المادية والمعنوية وحرياته الأساسية.
هذا، واعتبر محتات الرقاص، مدير نشر صحيفتي البيان وبيان اليوم، الذي قام بتسيير هذا الحفل التكريمي، في كلمته التقديمية، أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بتكريمه للأستاذ محمد السكتاوي، فهو يؤسس بذلك للحظة تكريمية في حق قامة حقوقية ونضالية وطنية كبيرة ومؤسسة في مشهدنا الحقوقي النضالي المغربي. واعتبر محتات الرقاص، أن لحظة التكريم، هي لحظة مخاطبة الذات، والإنصات إلى خطاب الذات، ولكن أيضا لقراءة اللحظات، لحظات الحياة وتأمل المسارات، للاستفادة منها، واستخلاص الدروس منها، لنا جميعا. وقال في حق المناضل المكرم، “إنه مناضل أولا، ومعتقل سياسي سابق، راكم مسارا حقوقيا طويلا، انطلاقا من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أولا في لحظة التأسيس، ولا حقا في مختلف الديناميات التي شهدها فرع وهياكل ومجموعات منظمة العفو الدولية من قبل، وهو اليوم خبير دولي في مجال حقوق الإنسان، ويشهد له بالكفاءة والرزانة والحكمة والإبداع على مستوى مختلف هياكل منظمة العفو الدولية عبر العالم، وهو أيضا خبير ساهم في التنظير والتأسيس للخطاب الحقوقي وللممارسة الحقوقية في بلادنا”.
وفي هذا الإطار، قالت المناضلة فاطمة الزهراء ياسين، عضوة ومسؤولة في منظمة العفو الدولية بالمغرب ورئيسة سابقة للفرع المغربي، وترأس حاليا اللجنة التنسيقية المعنية بحقوق المرأة في الشبكة الدولية لحقوق المرأة التابعة لمنظمة العفو الدولية، (قالت في شهادتها) “إن مسار محمد السكتاوي غني، ويصعب تلخيصه في كلمات”، مضيفة أنها لن تتحدث في شهادتها عن مرحلة الشباب في حياته ونضاله المستميت وفترة اعتقاله وتأثير ذلك على مساره المهني، ولا عن دوره في تأسيس منظمة العفو الدولية بالمغرب، بل اكتفت بالحديث عن صداقتها معه، التي اتسمت بالاحترام المتبادل، ونفس الشيء مع باقي أعضاء وعضوات الفرع. وفي هذا الصدد، قالت المناضلة فاطمة الزهراء، إنها تعرفت عليه للمرة الأولى سنة 1990، عندما حضرت أشغال المجلس الإداري لفرع المنظمة بالمغرب، وأنها تأثرت بشخصيته الكاريزمية، فقررت البحث عن أسرار هذه الكاريزمية التي كان يتمتع بها، لتخلص في الأخير بعد سنوات من الاشتغال والتعاون معه، أنها حصيلة الجمع بين ثلاث طاقات أساسية، الأولى أسمتها بالقوة، جعلته يبقى ملتزما مع الحفاظ على التزام الآخرين، ومكنته أيضا من تحديد المجال الذي يجب أن يتم فيه التطوير كما مكنته هذه القوة من تحديد رؤية استراتيجية أو “الحصافة الاستراتيجية” كما كان يقول السكتاوي نفسه. أما القوة الثانية في نظرها فتتمثل في كونه كان متعاطفا مع الجميع، ولديه إحساس مرهف اتجاه الآخرين، ويعرف كيف يجعل الجميع مرتاحين، وهذا مرده إلى الصفات التي كان يتمتع معها كالاستقامة وسداد الرأي؛ في حين تتمثل القوة الثالثة في حس الفكاهة الذي يتميز به، وقدرته على تلطيف الأجواء وتهدئة النفوس، خصوصا في الجو الذي يطبعه نقاش حاد.
الشهادة الثانية قدمها الدكتور محمد النشناش، رئيس سابق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، حيث ثمن في مستهلها مبادرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لتكريم رجالات حقوق الإنسان في المغرب، وهم أحياء، واصفا إياها بالمبادرة النبيلة، معتبرا أن تكريم محمد السكتاوي، هو تكريم لكل المناضلين الحقوقيين.
ووصف السكتاوي بـ “حكيم حقوق الإنسان”، وأنه ناضل منذ اليوم الأول، من أجل المختفين وسجناء الرأي ودافع على حقوقهم وحقوق أسرهم”، مضيفا أن ما يميز محمد السكتاوي في عمله النضالي، كونه لا يمثل معارضة للنظام، بل ينتقد النظام في أخطائه، وجعل من نفسه قوة اقتراحية مستمرة، من دون أن يمثل موقفا سياسيا أو معاديا للنظام.
وأوضح النشناش، أن الدولة لها موقف معاد من جميع المنظمات الدولية الحقوقية، ولكنها لا يمكن أن تمس منظمة العفو الدولية، وخصوصا فرع المغرب، لأن هذا الأخير، في نظره، عندما يقدم أي انتقاد أو ملاحظة، تحتاج الدولة إلى الأخذ بها بعين الاعتبار، عوض رفضها.
وبعد أن أشار إلى التنسيق المشترك بين المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية بالمغرب، خصوصا على مستوى مناهضة عقوبة الإعدام، لاحظ أن موقف المغرب يعتريه تناقض واضح، فهو من جهة لا ينفذ عقوبة الإعدام، ومن جهة أخرى، يصوت ضد عقوبة الإعدام على المستوى الدولي.
ووصف محمد النشناش محمد السكتاوي بنعم المستشار، ورجل العلم والتربية، موضحا أنه كان يستشيره، كما توقف عند تجربته الحالية، المتمثلة في التكوين، حيث ولج الجامعات من أجل ترسيخ التربية على حقوق الإنسان لدى الطلاب، وهي تجربة متميزة في نظره.
كما قدم الأستاذ عبد الجليل باحدو رئيس التضامن الجامعي المغربي، شهادة في حق الأستاذ محمد السكتاوي، بدأها بالحديث عن سبعينيات القرن الماضي، عندما التحق السكتاوي بالتعليم، طوعا واختيارا، في وقت كانت فيه أبواب وظائف أخرى لازالت مشرعة، وما ذاك في نظره، إلا قناعة من السكتاوي بشرف المهنة وتقديرا لرسالتها في تكوين الأجيال وتهذيب النفوس وصقل العقول، فكان “نعم المعلم ونعم المربي، الذي امتلك مبكرا رصيدا معرفيا فكريا وسياسيا” على حد قوله.
ووصف باحدو المحتفى به محمد السكتاوي في شهادته، بكونه، كان يساريا منحازا لقضايا الجماهير الشعبية ومناضلا ضد الاستبداد والاستغلال والفساد، ومن تم كان منفتحا على كل التيارات والتنظيمات اليسارية التي عرفتها الساحة السياسية. فكان “يساريا منحازا لقناعته الفكرية ولمبادئه، لا يساوم ولا يتنازل عنها، لا يصغي إلا لضميره ووازعه الأخلاقي والنضالي. لم يقف يوما على الحياد في الصراعات السياسية والنقابية، ساهم بفعالية في الأنشطة الحزبية والنقابية، تأطيرا وتكوينا، وتتلمذت على يديه أجيال وتعلمت منه أبجدية النضال، ومن بينهم من أصبح اليوم زعيما سياسيا أو قائدا نقابيا، لم يكن السكتاوي، يقول باحدو، يتغيب عن أي محطة من محطات الاستحقاقات النضالية، وساهم في إنشاء العديد من التنظيمات الحزبية والنقابية، وأساسا إنشاء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، غير أنه كان يفضل دائما العمل في صمت، هو رجل العمل في الميدان”.
وبسبب نضاله على أكثر من واجهة، يضيف الأستاذ عبد الجليل باحدو، نال حظه من الاضطهاد والملاحقة والاعتقال والتعذيب، فكان نقله تعسفا إلى وادي زم سنة 1974 ليواصل نضاله، ليس مع المدرسين، ولكن مع العمال والفلاحين، كما خصص هذه الفترة للانكباب على الدراسة وتعميق المعارف وقراءة العلوم الإنسانية، التاريخ والإيديولوجيا والفلسفة بكل فروعها ودراسة التراث والفكر الماركسي، قبل أن يعود إلى الرباط سنة 1978 ليتواصل حضوره الفعال في كل الواجهات، في مرحلة سادها الكثير من الغموض والالتباس في العمل الحزبي والنقابي ليحل السكتاوي ضيفا على سجن “العلو” بسبب إضراب 20 يونيو”.
وعن الصفات الأساسية لمحمد السكتاوي كما عرفه في رفقة امتدت لأكثر من أربعة عقود دون انقطاع، لخصها صديقه باحدو في كونه، كان مناضلا أصيلا ظل وفيا ومتشبثا بالدفاع عن الكرامة الإنسانية للمواطنات والمواطنين، وكان مثقفا واعيا وملتزما بقضايا شعبه وأمته، انصب نضاله من أجل الحرية والعدالة والتحديث والعقلانية والديمقراطية والانخراط في العصر. وهو مثال للشجاعة في إبداء الرأي والدفاع عنه مع حرصه الدائم على فتح أبواب النقاش بدمقراطية واحترام الرأي الآخر، وشخص أكثر سخاء أو إنفاقا من اليسير الذي رزقه الله بالرغم من تجربة شظف العيش ومعاناة وقهر زمن الطرد من العمل.
كما قدم صديقه في المحن والاعتقال ادريس حيدر، شهادة، ذكرت بالمسار النضالي والإنساني لمحمد السكتاوي ونضاله المستميت من أجل وضع حد للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في بلادنا. وشكر بدوره مبادرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان لتخصيصه ضمن أنشطته بالمعرض، جلسات لتكريم المناضلين الحقوقيين.
وتناول الكلمة بعد ذلك، الأستاذ محمد السكتاوي، فعبر عن تأثره البالغ بكل ما جاء في هذه الشهادات، موجها شكره لكل الذين شاركوه في مسيرته النضالية، التي وصفها بكونها مسيرة جيل بأكمله وليست مسيرة شخص.
واعتبر أن تكريمه، هو تكريم لكل المناضلين الحقوقيين، ولكل الذين سقطوا في طريق النضال، وأن هؤلاء هم أحق بالتكريم. وأشار بالمناسبة، أن ما تم تحقيقه في مجال الحريات والديمقراطية لم يأت من فراغ، بل بفضل نضال أجيال من المناضلين، وهبوا حياتهم وضحوا بالغالي والنفيس من أجل مغرب اليوم. وتوقف في كلمته عند الذكرى الخمسين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في سنة 1999، حيث ما يزال المغرب يعيش وضعا رماديا، فقامت منظمة العفو الدولية بحملة تحسيسية لحشد 10 ملايين توقيعا عبر العالم، فتمكن الفرع المغربي من جمع مليون توقيعا، رغم كونه غير مصرح له قانونيا بالعمل، وكان بالفعل حدثا عالميا آنذاك، حيث وقع رئيس الحكومة آنذاك آناك عبد الرحمان اليوسفي وباقي الوزراء، وقادة الأحزاب السياسية وغيرهم باستثناء وزير الداخلية السابق ادريس البصري، ووصف السكتاوي هذه اللحظة، باللحظة الفاصلة، خصوصا عندما تردد وزير الداخلية آنذاك في التوقيع في آخر لحظة، وهي اللحظة التي وصفها السكتاوي، بنهاية البصري وهو الأمر الذي أكدته بعد ذلك الأيام، ودخول المغرب مرحلة جديدة اتسمت بتأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة.
وبالمناسبة، سلم الأستاذ إدريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، شهادة تقديرية وتذكارا للمجلس للمحتفى به المناضل محمد السكتاوي؛ وقال ادريس اليازمي، إن فلسفة التكريم، تروم الاحتفاء بكل نساء ورجال الحركة الحقوقية بالمغرب من جهة، وتذكر جيل المؤسسين، مضيفا في كلمته الختامية، في هذا الحفل التكريمي، “إننا اليوم، نقف وقفة إجلال لكل المناضلين الحقوقيين”، داعيا إلى كتابة التاريخ بشكل جماعي، ليصل إلى الأجيال الجديدة.
حسن عربي