بعد أن قمت بكتابة المقالين السابقين :
– الأول بعنوان المرأة والمسؤولية النقابية في شهر مارس
– والثاني بعنوان حقوق المرأة العاملة في مدونة الشغل في شهر أبريل من هذه السنة ارتأيت أن أعود لتناول الموضوع بعنوان: “المرأة المغربية والتحديات الراهنة” قصد الوقوف على بعض الجوانب التي لم أعرض لها في المقالين السابقين، وأمام ما تتوفر عليه المرأة المغربية من مؤهلات كبيرة في كافة المجالات لا تقل عن الرجل غير أنها لا يمكن أن تقوم بدورها على الوجه المطلوب، إلا بعد إزالة العديد من الجوانب السلبية والتي تعود بشكل أساسي إلى الثقافة السائدة في المجتمع المغربي اتجاهها، ويتضح ذلك إذا ما قمنا باستعراض مجالات الحياة اليومية على كافة المستويات نذكر من ذلك ما يلي :
– دور الخرافة :
لا زالت الخرافة منتشرة بشكل واسع بمختلف المدن والقرى المغربية بشتى أنواعها وأشكالها من سحر وشعوذة والتي تمارس من طرف عدد كبير من فئة من الفقهاء والدجالين والرقاة والعرافات وهو ما ينعكس بشكل سلبي على المجتمع بشكل عام وعلى المرأة بشكل خاص.
– المرأة والفن :
فالفن بمختلف مكوناته وبالأخص الغناء والموسيقى والرقص ينظر إليه من طرف البعض على أنه حرام، ويتناقض مع مبادئ الدين الإسلامي علما أن الفن ينقسم إلى صنفين منه ما يستعمل بشكل مجانب للصواب باستعمال بعض الكلام الفاحش وبعض السلوكات والحركات التي لا تمت إلى الفن بصلة ومنه ما هو جاد ومقبول ولا يتنافى مع الأخلاق والقيم الدينية والإنسانية، والنظرة الخاطئة للفن بمختلف مكوناته تنعكس بشكل سلبي على وضعية المرأة.
– المرأة واللباس :
اللباس المغربي بمختلف أشكاله سواء الموجود بالمدن أو بالقرى بما فيه التقليدي أو العصري مقبول من الجميع عند استعماله بالشكل المطلوب وهناك بعض الأنواع من الملابس الدخيلة على المجتمع المغربي حيث لا تستطيع التمييز بين المرأة والرجل، والنظرة المتطرفة والمبالغ فيها لدى الكثير من الناس للباس المرأة تسيء لها.
– العنف الذي تتعرض له المرأة :
من حين إلى آخر يقع اعتداء على النساء في الشارع العمومي من طرف اللصوص ومحترفي الإجرام وفي كثير من الأحيان يضطر أرباب الأسر إلى مصاحبة بناتهم عند ذهابهم إلى الدراسة أو العاملات عند ذهابهن إلى العمل في الصباح الباكر أو عند عودتهن منه وخاصة إذا كان ذلك في وقت متأخر من الليل ويحدث ذلك أيضا في الشارع أو في الأزقة وهي ظاهرة باستمرار يتم الاحتجاج من أجل وضع حد لها من طرف الجمعيات النسوية والهيئات الحقوقية وجميع مكونات المجتمع المغربي وهي ظاهرة أيضا لها علاقة بالثقافة السائدة بشكل كلي أو جزئي مما يتطلب توفير الأمن الكافي إلى أن يتم القضاء على هذه الظاهرة.
– المضايقات التي تتعرض لها المرأة بالشارع العمومي :
وأنت تمر بمختلف شوارع وأزقة المدن المغربية ستقف على العديد من أشكال المضايقات التي تتعرض لها المرأة بشكل واسع ومهول حيث يردد كلام شبيه بالشهيق والنهيق مثل ما جاء في كتاب الله عز وجل على لسان سيدنا لقمان وهو يوصي إبنه “وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ” مما أصبح يزعج الجميع، فالمغاربة ظلوا يرفضون سماع مثل هذا الكلام الساقط والمستفز خاصة إذا كانوا مع أمهاتهم أو زوجاتهم أو أخواتهم وهو سلوك مدان لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال وفي كثير من الأحيان تؤدي إلا مشاجرات تصل إلى القضاء.
– التحول النوعي الذي تعرفه وضعية المرأة المغربية :
من خلال متابعة التطورات التي تعرفها وضعية المرأة المغربية في كافة المستويات بما في ذلك الحياة الدراسية حيث نجد الفتيات يتفوقن بشكل كبير ونفس الشيء في الحياة المهنية على كافة المستويات كما أن المرأة أثبتت أنها أكثر جدية ومردودية فيما تقوم به وأقل من الرجل سقوطاً في أشكال الغش والتلاعبات في عملهن وأنهن أكثر قتالية وصمودا أمام صعوبات وتحديات الحياة اليومية وأن الحالات السلبية التي تعرفها وضعية المرأة تعود بشكل أساسي للأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية وكثيراً ما تكون مكرهة على السقوط في بعض الممارسات السلبية التي ترغم عليها. بالرجوع إلى الواقع نجد كثيراً من الجوانب السلبية يعود سببها إلى الخرافة والفهم الخاطئ للدين الإسلامي ولا زالت نسبة كبيرة من الناس يعتقدون بأن النساء (ناقصات عقل ودين، ضلعة عوجة …). ورغم النقاش الفكري الذي عرفته المراحل الماضية بدءا من مستهل القرن 19 وما قام به الفقهاء والمفكرون من أمثال رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين وسلامة موسى وعلال الفاسي وبعد ذلك ما قامت به فاطمة المرنيسي وعائشة بلعربي وسمية نعمان جسوس وغيرهم من المفكرين نساء ورجال فإن الوضع يتطلب مجهودا كبيرا وأن لا يبقى النقاش محصورا على مستوى النخبة ولا يتسع ليشمل جميع مكونات المجتمع المغربي.
– المرأة المغربية والتحديات الراهنة :
لا يمكن للمرأة المغربية أن تقوم بدورها على الشكل المطلوب باعتبارها نصف المجتمع إلا إذا تمت إزالة هذه النظرة الخاطئة وهو ما يشكل عائقا وعرقلة كبيرة أمامها مما يتطلب بذل مجهودات كبيرة واتخاذ التدابير والإجراءات الواجب القيام بها في الحالات التي تتطلب ذلك ووضع برنامج بفتح نقاش فكري وثقافي على أن يأخذ طابعاً شموليا يساهم فيه كافة مكونات المجتمع المغربي وألا يبقى الأمر محصوراً فقط في الاحتفال باليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس من كل سنة ، وحتى لا يستمر الوضع على ماهو عليه.
> عبد الرحيم الرماح