المسرح العربي في أزمة لأنه بعيد عن الجمهور
كلفت الهيئة العربية للمسرح الكاتب المسرحي السوداني يوسف عايدابي، بصياغة رسالة اليوم العربي للمسرح الذي يصادف العاشر من يناير كل سنة، والتي ألقاها الكاتب على خشبة المسرح الوطني محمد الخامس بالرباط في افتتاح الدورة السابعة لمهرجان المسرح العربي الذي احتضنته بلادنا في الفترة الممتدة ما بين 10 و16 يناير الجاري، والتي أسدل عليها الستار مساء أمس الجمعة..، ويعد عايدابي واحدا من الأسماء البارزة في المسرح العربي، وهو حاصل على دكتوراه في تاريخ ونظرية المسرح بجامعة بوخاريست برومانيا، متخصص في علوم المسرح والسينما، ويشغل الآن منصب مستشار الهيئة العربية للمسرح. نال عدة جوائز وشهادات تقديرية، منها جائزة رواد المسرح في الإمارات، كما حاز مفتاح مدينة الشارقة، ومنح جائزة العويس التكريمية للإبداع، وهو أيضا عميد سابق لمعهد الموسيقى والمسرح بالخرطوم، وأستاذ جامعي يحاضر في عدة بلدان عربية وأوروبية، ومؤسس مشارك لتيار الغابة والصحراء في الثقافة السودانية، ومؤسس «مسرح لعموم أهل السودان» في سبيل خلق تنوع ثقافي، خبير في إدارة المعارض والمؤتمرات، بحيث عمل على إدارة معرض الشارقة الدولي للكتاب، له العديد من الإصدارات المسرحية والنقدية والأدبية، منها: العصفورة والممثلون، حصان البياحة، المشوهون، الممسوسون، الفنار، الحلم.. بمناسبة تكليفه بصياغة رسالة اليوم العربي للمسرح، كان لبيان اليوم حوار معه.
* ما هو انطباعك بمناسبة إلقائك لرسالة اليوم العربي؟
– إنها مفاجأة سارة، وبشكل خاص في ما يتعلق بالسودان، فبلدي هذا كان دائما على الهامش، ولا يتم الاهتمام به إلا في القليل النادر، وكان تكليفي بصياغة رسالة اليوم العربي للمسرح، إشارة إلى أن السودان انتقلت إلى المركز بشكل أو آخر، ومن هذا المنظور صادفت قبولا جيدا من قبل الأوساط الثقافية السودانية بشكل عام، وتأكد بأن الهيئة العربية للمسرح هي بيت كبير يسع للجميع، يدخل إليه الكل بقدر من المساواة والاعتبار للجميع.
* ما هي أبرز ملامح الحركة المسرحية في السودان؟
– الحركة المسرحية في السودان، عمرها أكثر من مائة عام. فعلى شاكلة المسرح العربي، بدأ المسرح أيضا هناك، بالأخص عبر مسرح الجاليات الأجنبية والعربية، ثم انطلق المسرح بعد ذلك مع الحركة الوطنية التحررية، وتطور إلى أن بدأت في الستينيات من القرن العشرين مواسم المسرح القومي، التي كانت فترة خصبة في تاريخ المسرح السوداني، ثم تم في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات إنشاء معاهد الموسيقى والمسرح، لتتحول بعد ذلك إلى كلية الدراما التي تمنح شهادات عليا في هذا الميدان الفني، طبعا يتم تدريس المسرح في بعض الجامعات الأخرى، وبشكل عام هناك عدد كبير من الفرق المسرحية والجمعيات والإصدارات المسرحية لكن البنى التحتية في السودان لا تزال تعاني الكثير، وحقوق الفنانين تتراوح سلبا وإيجابا، ولكن الحركة المسرحية قدمت أسماء وأعمالا حظيت بالقبول وبالاحترام من لدن الجميع.
* ما هي أهم الانعطافات التي حققها المسرح العربي خلال الفترة الأخيرة، وما مدى حضور الجانب الإبداعي في هذه العروض؟
– بشكل عام المسرح العربي في اندثار، هذا ما استدعى تنظيم المسابقة المسرحية، حتى يتم تشجيع المسرحيين على إنتاج عمل مسرحي يليق بهم ويليق ببلدانهم ويليق بالتظاهرات المسرحية.
لكن حتى الآن لا تزال هذه الجهود تتعثر، ولا نصادف إلا قلة نادرة، في بعض الأحيان يتم تقديم أحسن السيئ بصراحة، وما نزال في الهيئة العربية للمسرح أو بشكل شخصي على قناعة بأنه يمكن للمسرح العربي أن يستيقظ من سباته ويقدم أعمالا جديرة بالوطن العربي. بشكل عام الأعمال في حدود الضعيف إلى المتوسط في أحسن الأحوال.
* ما هي قراءتك الخاصة للكتابة المسرحية في العالم العربي؟
– المسرح والثقافة بشكل عام توجد في هامش متروك ومهمل، الكتابة كذلك ليست في ازدهار، كل الكتابات الأكاديمية الآن بدأت تصعد وتنمو بشكل بارز خصوصا في المنطقة المغاربية، إذا أردنا أن نحدد، يمكن لنا القول إن المغرب له باع مميز ورصين في ما يتعلق بالدراسات الأكاديمية، هناك الكثير من الأسماء من المتخصصين الذين برزوا بشكل جيد وأبلوا البلاء الحسن في إصدارات قريبة جدا من تصورات المسرح العالمي. وهذا مفقود في المسرح العربي بشكل كبير، وفي هذا الجانب نحن سعداء بتنظيم هذا المهرجان في المغرب وسعداء بهذا الكم من الأكاديميين والمتخصصين الذين يشاركون في الندوات الفكرية على امتداد أسبوع.
الدراسات حول المسرح، أغلبها يأتي من البلدان المغاربية، ومن المغرب على وجه الخصوص، الجانب الإبداعي هو كذلك جد محدود، وأغلبه يأتي من العراق، وكذا من بعض بلدان المغرب العربي. في بقية الدول العربية نجد الإنتاج الإبداعي المسرحي يعاني من انحسار، لكن الخليج العربي والإمارات بشكل خاص، بدأت خلال المدة الأخيرة تتوهج وتتطور إبداعيا، غير أن الدراسات تكاد تكون مقصورة على البلدان الأوربية، وربما أن المغرب العربي قريب من الدراسات المعاصرة الأوربية، ترجمة ونشرا، كما أن بنياته التحتية المسرحية في استقرار، والمتخصصون هم أكثر بروزا، ومن هذه الناحية فإن توفر الإصدار النقدي في المغرب أكثر من غيره من البلدان العربية.
* ما مدى مواكبة المسرح العربي للتحولات المجتمعية التي تشهدها بلدانه؟
– المسرح العربي في أزمة، إنه بعيد عن الجمهور، لا يلبي احتياجاته سواء من حيث المواضيع التي يتناولها أو الجوانب الفنية للعرض، إلى أن وصل إلى انحدار شديد، هذه هي مشكلة المسرح في الوطن العربي، إنه في موقع سيء صعب الهروب منه، حتى يشكل ذاته من جديد ويرجع الجمهور، المسرح في واد والجمهور في واد آخر، نحاول من خلال المسرح الجاد أن نستعيد الجمهور، من الضروري أن يكون المسرح قريبا من الناس ومن مشاكلهم ومشاعرهم، وبالتالي فالربيع العربي كله لم يسفر إلا على القليل من المسرحيات التي تختلف عن المسرح التجاري السائد. الآن نتمنى أن يعيد المسرحيون العرب الجمهور إلى المسرح، من خلال الانفتاح على قضاياهم وهمومهم اليومية. إذا لم يحدث هذا، فإن الفضائيات ومختلف وسائط الاتصال الحديثة أعمت الناس عن الحقيقة وعن الفن الجيد.
* كيف هي صورة المرأة في المسرح العربي؟
– في الفترة الأخيرة أصبح هناك اهتمام بصورة المرأة على خشبة المسرح، حتى أنه صدرت هناك كتب حول صورة المرأة في المسرح العربي، لكن ما تزال كل حقوق الإنسان في الوطن العربي، لم يتعرض لها المسرح كما ينبغي، لكن نأمل في الهيئة العربية للمسرح أن ننظم حلقات فكرية موسعة ونصدر دراسات حول هذا الموضوع، لأن هناك الكثير من المتخصصات والمتخصصين في مجال المسرح، يولون الاهتمام بقضايا المرأة.
* كيف يمكن التغلب على عائق اللغة الموظفة في العروض المسرحية؟
– اللغة تعد إشكالية كبرى، نحن نؤمن بأن المسرح له عدة مستويات لغوية، هناك ذلك الصراع الأزلي بين العامية والفصحى، شئنا أم أبينا هو موجود، المسرح المغربي لا يصل إلى المشرقي والمسرح المشرقي لا يصل إلى المغرب، ونظل ندور في حلقة مفرغة، حسب المهرجان الحالي، هناك الكثير من المسرحيات باللهجة العامية، البعض من الجمهور يفهم والبعض الآخر لا يفهم، المسرح ينبغي أن يصل إلى الناس، شكلا ومضمونا، صورة وكلمة، وهذه الإشكالية لا بد من معالجتها، في الماضي اهتدوا إلى لغة وسطى، نحن لا نريد أن نحجز من المبدع لغته، ولكن أتصور أنه في الضعف العام للغة العربية، علينا أن نهتم بها ونعزز مكانتها ودورها، وبالتالي لا بد أن ندعو إلى العودة إلى العربية الفصحى حتى تستقيم الأمور وتتقوى فيه هذه اللغة، عبر التعليم والتربية بشكل عام، ويمكن للمسرح أن يدعم هذه الجهود.