المسلسل الإجرائي لضمانات المحاكمة العادلة

إن دستور المملكة المعتمد في 2011 يضمن لكل فرد الحق في سلامته الشخصية والجسدية والمعنوية، والحق في قرينة البراءة، والحق في محاكمة عادلة، كما يدمج التعذيب كجريمة يعاقب عليها القانون ويحظر المعاملة القاسية واللاإنسانية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة الإنسانية.
وتحديداً في الفصل 23 منه ينص على أنه لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون، كما يصنف الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري كجرائم خطيرة .
وكل انتهاك لهذه المقتضيات يعد تجاوزا لالتزامات المغرب بموجب القانون الدولي، بما فيها تلك المتعلقة بكون المغرب طرفا في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكذلك في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيرها من الالتزامات.
فبناء على المادة 9 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية يؤكد ضماناً للحرية عدم توقيف أحد أو اعتقاله تعسفاً، كما لا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقاً للإجراءات المقررة فيها ضماناً للشرعية الموضوعية والإجرائية للقانون الجنائي.
هذا وقد جاء في أحد تقارير اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، وهي هيئة من الخبراء المستقلين أنشئت بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لمراقبة تنفيذ أحكام العهد من قبل الدول الأطراف، أي أنه على هذه الأخيرة أن تكون قوانينها المحلية تتوافق في أحكامها المتعلقة بأسباب الاحتجاز وإجراءاته مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وغيره من المحددات الدولية لحقوق الإنسان.
فالتشريعات الوطنية للإجراءات الجنائية أساسية لضمان الحق في الحرية، والسلامة الشخصية، والحق في المحاكمة العادلة، حيث أن جميعها مضمون بموجب القانون الدولي، خصوصاً في المادتين 9 و14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وعليه يعد الحق في الحرية وثيق الصلة بالتمتع بسائر حقوق الإنسان الأخرى، بما في ذلك الحق في عدم التعرض للتعذيب تحت أي ظرف من الظروف، وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
فالإصلاحات التشريعية التي باشرت بها الحكومة المغربية عقب اعتماد دستور 2011 تمثل فرصة فريدة لوضع حد لعقود من الانتهاكات لحقوق الإنسان من خلال وضع ركائز أساسية لضمانات أقوى تخص حقوق الإنسان أو ما يعبر عنه بأنسنة الإجراءات الجنائية.
تعتبر إجراءات المحاكمة من بين محطات مسلسل إجرائي يمر منه المتهم من مختلف الأجهزة المكلفة بالبحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي وصولاً إلى الهيئة القضائية التي تبت في جوهر النزاع، غير أن دراستنا ستقتصر على جزء من هذه المحطات وتحديداً الحراسة النظرية أو الاحتجاز في المراكز المعدة لذلك، فهذه ماكنة مهمة وحساسة تؤثر سلباً على مبدأ قرينة البراءة إن لم تحترم شكلياتها وإجراءاتها.
فقانون المسطرة الجنائية ينص على الاحتجاز والوضع تحت الحراسة النظرية في حالات التلبس بجناية أو جنحة يعاقب عليها بالحبس. وفي حالة التلبس إذا تم الاحتفاظ بشخص أو عدة أشخاص رهن إشارته تحت الحراسة النظرية، يجب إشعار النيابة العامة بذلك على الفور. وعلى خلاف الحالة التي يرتكب فيها الشخص جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس يجب على السلطات الحصول على إذن من النيابة العامة لوضع المشتبه به تحت الحراسة النظرية.
ووفقا للمادة 66 من قانون المسطرة الجنائية تعد مدة الحراسة النظرية في الجرائم العادية محددة في 48 ساعة، ويمكن تمديدها بإذن كتابي من النيابة العامة لمدة أربع وعشرين ساعة مرة واحدة بما مجموعه 72 ساعة. وإذا كانت الجريمة تتعلق بالمس بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي فإن المدة تكون 96 ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة وهذا متوقف على إذن كتابي من النيابة العامة. وإذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية فإن مدة الحراسة النظرية تكون 96 ساعة قابلة للتمديد مرتين، بناء على إذن كتابي من النيابة العامة.
ويؤكد قانون المسطرة الجنائية على أن جهاز النيابة العامة يقوم بمراقبة أماكن الوضع تحت الحراسة النظرية حيث يكلف أحد أعضائها بالحرص على احترام إجراءات التوفيق والاحتجاز بما في ذلك المدة القصوى لإبقاء الشخص رهن إشارة الضابطة القضائية.
وهناك مجموعة من المعايير الدولية التي تعتبر سندا للاحتجاز لدى الشرطة والمؤكدة على ضمان الحرية، وهذا ما جاء في المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة 6 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والمادة 14 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، وغيرها من المواثيق الدولية والإقليمية… حيث إن هذه القواعد تحظر حرمان أي شخص من حريته إلا في الحالات وطبقاً للإجراءات التي ينص عليها القانون، والتي يجب أن لا تخرج عن قواعد القانون الدولي.
وقد يكون الاحتجاز مسموحاً به بموجب القوانين المحلية ويكون تعسفياً على الرغم من شرعيته الإجرائية، فهذا ما جاء في تفسير اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، حيث قالت لا يجوز اعتبار مفهوم (التعسف) كمرادف لمفهوم (مخالفة القانون) بل يجب تفسيره بشكل أوسع ليشمل عناصر الملاءمة وقابلية التوقع واتباع الإجراءات القانونية الواجبة.
وعليه قد يكون الاعتقال أو الاحتجاز مسموحاً به وفق القوانين المحلية ولكنه إجراء تعسفي بموجب المعايير الدولية، مثلاً عندما يتضمن القانون مفاهيم غير واضحة وعامة “كالأمن العام” من دون تقديم أي تعريفات دقيقة.
فالأسس المؤدية إلى الوضع تحت الحراسة النظرية في قانون المسطرة الجنائية نجد مصطلح “ضرورة البحث” وهو فضفاض المعنى ويحتمل أكثر من صورة، والمأخوذ عليه أنه لم يتم التوسع في هذا النص من خلال تعريف أو وضع أمثلة ملموسة عمّا يمكن اعتباره ضرورياً للبحث، فهذا النص يفتقر إلى الوضوح والدقة.
فإن أهم خصائص النصوص الجنائية بشقها الموضوعي والإجرائي يجب أن تتوافق والتشريعات، لأن القاعدة يجب أن تنبني على الواقع وتكون مطابقة له، وعليها كذلك أن تتميز بالدقة والوضوح والبساطة. لأن تفعيلها بشكل خاطئ يؤدي إلى المساس بمركز الأطراف.
إن القانون الإجرائي المغربي في المادة الجنائية المتمثل في المسطرة الجنائية المغربية، جعل المبدأ راسخاً ويتصدر المواد، ونخص بالحديث قرينة البراءة التي لها طابع دولي، حيث نصت عليها مختلف المواثيق الدولية وقبل ذلك ورد في الشريعة الإسلامية. وتبناه المشرع في دستور 2011 وأكد عليه في القانون الإجرائي.
إذ ورد في المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية، على أن كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانوناً، وبمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية، وكذلك الشك يفسر لصالح المتهم.
فقرينة البراءة تظهر من خلال الضمانات الممنوحة للمتهم في مرحلة البحث أو التحقيق أو المحاكمة، ولا يمكن أن نعتبر شخصاً ما مجرماً فقط باتخاذ إجراء مسطري، بل على العكس يظل بريئاً في جميع أطوار المحاكمة بل يمتد ذلك إلى الطعن في الأحكام وفق المساطر المنظمة لإجراءات الطعون .
ولكن المشرع اعتمد تدبيراً استثنائيا يعمل به في الجنايات أو في الجنح المعاقب عليها بقوبة سالبة للحرية، وقد يتخذ هذا الإجراء قاضي التحقيق، وكذلك يمكن أن يصدر عن النيابة العامة. وهنا سنركز الدراسة على قاضي التحقيق عندما يصدر أمراً بإيداع الشخص في المؤسسة السجنية بعد استنطاقه، وحيث أن المشرع أحاط هذا الإجراء بمجموعة من الضمانات وقتية تعد من النظام العام.
حيث إنه في القضايا الجنحية لا يجوز أن يتجاوز الاعتقال الاحتياطي شهراً واحدا، ولا يمكن تمديده إلا لمرتين في حالة الضرورة، أما في حالة الجنايات فلا يتعدى شهرين من الاعتقال الاحتياطي، ويمكن أن تكون التمديدات في حدود خمس مرات ولنفس المدة . وهذا التمديد يكون بمقتضى أمر قضائي معلل تعليلاً خاصاً يصدر عن قاضي التحقيق. وإذا لم يتخذ قاضي التحقيق أمراً بانتهاء التحقيق أثناء هذه المدد، يطلق سراح المتهم بقوة القانون .
وقد وضع المشرع الجنائي ضمانات تهم الشخص المتابع في حالة اعتقال، حيث خوله إمكانية التقدم بطلب الإفراج المؤقت، حيث ووفقاً للمواد 179 و180 من قانون المسطرة الجنائية، يمكن في كل وقت أن يقدم طلب الإفراج المؤقت إلى قاضي التحقيق من طرف المتهم أو محاميه. وواجب على قاضي التحقيق أن يبت في هذا الطلب بأمر قضائي معلل يصدره خلال خمسة أيام من يوم وضع الطلب.
ويمكن للمتهم إذا لم يبت قاضي التحقيق في طلب الإفراج المؤقت خلال أجل خمسة أيام المحددة أن يرفع طلبه مباشرة إلى الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف التي تبت فيه داخل أجل أقصاه خمسة عشر يوماً من تاريخ وضعه. وبناء على مقتضيات قانون المسطرة الجنائية يجوز لقاضي التحقيق في جميع القضايا بعد استشارة النيابة العامة، أن يأمر بالإفراج المؤقت تلقائياً شريطة التزام المتهم بالحضور لجميع إجراءات الدعوى كلما دعي لذلك. وكذلك أن يخبر قاضي التحقيق بجميع تنقلاته أو بالإقامة في مكان معين وهذا وفق المادة 178 من نفس القانون.
هذا في ما يخص قاضي التحقيق، غير أنه يمكن أن يصدر الاعتقال الاحتياطي بأمر من النيابة العامة في مجموعة من الحالات الخاصة، فإذا تعلق الأمر بالتلبس بجناية استفسر الوكيل العام للملك أو أحد نوابه المتهم عن هويته وأجرى استنطاقه بعد إشعاره أن من حقه تنصيب محامي عنه وإلا تم تعيينه تلقائياً. ومن حق المحامي التماس إجراء فحص طبي على موكله وأن يدلي نيابة عنه بوثائق أو إثباتات كتابية.
فإذا ظهر أن القضية جاهزة للحكم، أصدر الوكيل العام للملك أمراً بوضع المتهم رهن الاعتقال وأحاله على غرفة الجنايات داخل أجل خمسة عشر يوماً على الأكثر، وهذا ما نصت عليه المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية.
والأمر كذلك ينطبق في حالة التلبس بجنحة معاقب عليها بالحبس، أو إذا لم تتوفر في مرتكب الجريمة ضمانات كافية للحضور بناءً على المادة 74 من نفس القانون، فيمكن لوكيل الملك أو نائبه أن يصدر أمراً بإيداع المتهم في السجن، بعد تمتيعه بالضمانات الكافية لتحقيق المحاكمة العادلة، وذلك بإشعاره بأن له حق تنصيب محام عنه، ويتم استنطاقه عن هويته والأفعال المنسوبة إليه، وإذا صدر الأمر بالإيداع في السجن، فإن القضية تحال على أول جلسة مناسبة تعقدها المحكمة الابتدائية، وفق ما نصت عله المادة 47 من قانون المسطرة الجنائية.
ويكمن لوكيل الملك في غير حالة التلبس بجنحة أن يصدر أمراً بالإيداع في السجن في حق المشتبه فيه الذي اعترف بالأفعال المكونة للجريمة، والتي تعاقب عليها بالحبس، أو ظهرت معالم أو أدلة قوية على ارتكابه لها، وكذلك يجب أن لا تتوفر فيه ضمانات الحضور أو ظهر أنه خطير على النظام العام أو على سلامة الأشخاص أو الأموال، وهذا ما جاء في مضمون المادة 47 من نفس القانون.
فإجراء الاعتقال الاحتياطي استثناء على قرينة البراءة حيث أن هناك مجموعة من المعتقلين احتياطياً ظهرت براءتهم بعد إيداعهم في السجن، فما مصيرهم حينها؟ وهل يحق لهم طلب التعويض في هذا النوع من الإجراءات الحساسة والتي تخلف وصماً اجتماعيا؟
فليس من السهل ضمان محاكمة عادلة إلا من خلال تمتيع الأشخاص المتابعين بمجموعة من الضمانات الأساسية التي يلجؤون إليها لمنع المساس ببراءتهم، فلا عقوبة بدون محاكمة، ولا محاكمة من غير إجراءات، ولا إجراء من غير قاعدة، ولا إجراء بدون أجهزة رسمية. من أجل ضمان الشرعية الجنائية في شقها الموضوعي والإجرائي بناء على القاعدة العالمية لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.
إن تكريس مظاهر المحاكمة العادلة في التشريع الجنائي المغربي، يظهر من خلال مجمل الضمانات التي وضعها المشرع في القوانين الإجرائية، حيث تبتدئ من يوم الاعتقال ثم البحث التمهيدي سواء العادي أو التلبسي، مروراً بإجراء التحقيق الإعدادي والذي يشرف عليه السيد قاضي التحقيق، وصولاً للمرتكزات الأساسية لضمان المحاكمة العادلة والتي تتحقق أثناء المحاكمة.
ولعل أهم مراحل المسلسل الإجرائي مرحلة المحاكمة كأساس ضمان حسن سير العدالة، بحيث خول المشرع مجموعة من الضمانات تتعلق بالمتهم وتكريس مظاهر الرقي التشريعي الإجرائي. فالقضاء كما عبر عنه الفقيه “دوكي” جهاز بأطره وآلياته، هو نشاط من خلال الحماية القضائية التي يوفرها للمتقاضين. ولا يمكن الحديث عن المحاكمة العادلة دون وجود قضاء مستقل ونزيه ومحايد وسريع وغير متسرع. يعمل في ظل الاحترام التام لبعض المبادئ الأساسية في التنظيم القضائي كمبدأ المساواة أمام القضاء والاستقلالية.
فمن بين أهم مرتكزات السلطة القضائية ومبادئها، استقلال القضاء بكونه دعوى من كافة المواثيق الدولية والإقليمية لضمان المحاكمة العادلة، يمارسها قضاء مستقل ونزيه سواء في المادة المدنية أو الجنائية، ومن بينها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي سن في المادة 10 منه على أن “من حق كل فرد لدي الفصل في أي تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أي دعوى مدنية أن تكون قضيته محل نظر منصف من قبل محكمة مختصة ومستقلة وحيادية، منشأة بحكم القانون” .
وكذلك أكدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان على حق الفرد في أن يحاكم من طرف محكمة مستقلة ومحايدة هو حق مطلق ولا يمكن أن يخضع لأي استثناء. فالمشرع المغربي كذلك تبنى هذا المبدأ في دستور 2011 تحديداً في الفصل 107، وظهرت ملامحه سنة 2017 عند استقلال النيابة العامة عن وزير العدل، بقانون 33.17 المتعلق بنقل اختصاصات وزير العدل للوكيل العام لدى محكمة النقض باعتباره رئيساً للنيابة العامة، فالاستقلال يهم السلطة التشريعية، حيث لا يمكن للقاضي أن يتدخل في أعمال التشريع والعكس صحيح، والأمر أيضا ينطبق على السلطة التنفيذية، فلا تداخل بين السلطات القضائية والسلطات الأخرى.
بما أنه ليس هناك تداخل بين السلطة القضائية والسلطة التشريعية، فإن القاضي يمكنه تفسير توجه تشريعي منطقي للإفصاح عن إرادة المشرع، ويظهر ذلك في مختلف القرارات التي تسنها محكمة النقض باعتبارها اجتهادات قضائية، سواء كانت قرارات خاصة أو ذات مبدأ.
وهذا الاستقلال ضامن لثبات سير العدالة وفق منظور المشرع، ولا يمكن التأثير عليه من سلط أخرى، وهذا التوجه يجعل رقي المؤسسة القضائية ويضمن ثقة المواطن في المؤسسات.
هذا فيما يخص مبدأ استقلال السلطة القضائية، وهناك قاعدة أخرى ترتبط بها، تتجلى في المساواة أمام القضاء كضمانة لمحاكمة عادلة. إذ لا يجوز التمييز بين المتقاضين بسبب اللون أو الجنس أو العرق أو الوضع الاجتماعي أو الدين وغيرها… فهذا مبدأ عالمي جاءت به المواثيق الدولية والإقليمية كذلك، فالمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية جاء فيها “الناس سواسية أمام القضاء” .
وكرس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من خلال المادة 7 منه قاعدة المساواة، حيث نص على أن “الناس جميعا سواسية أمام القانون دونما تمييز”، وجاء في المادة 10 منه “لكل إنسان على قدم المساواة العامة مع الآخرين الحق في أن تنظر في قضيته محكمة مستقلة ومحايدة نظراً منصفاً ومحايداً”. وتزكية لهذا المبدأ ظهرت قاعدة المجانية أمام القضاء، إذ يقصد به أن الدولة هي التي تكفل حماية الحقوق مجاناً من خلال مرفق القضاء تماماً كما تكفل حق الأمن والدفاع باعتبارهما مرافق عمومية تقليدية ومظهراً من مظاهر سيادة الدولة التي لا يتوقع كفالتها من طرف الخواص.
وعليه نكون قد فصلنا ولو بشكل مقتضب في مختلف المراحل والمحطات، وبتركيزنا على الآليات التي تهم حماية حقوق المتهم سنجدها تتمحور حول تقييد سلطة القاضي الجنائي، فهذا الأخير يكون مقيدا بحدود الدعوى الجنائية فلا يمكن أن يدين شخصا ما وهو بصدد النظر في الدعوى بتهمة أخرى، بدون قيام النيابة العامة بتحريك المتابعة، وهذا ما يستفاد من نص المادة 433 من قانون المسطرة الجنائية .
ولا يجوز للقاضي الجنائي إصدار قرار بدون تعليل واستناد للنصوص القانونية ضمانا للشرعية الجنائية في شقها الموضوعي والإجرائي، فلازم عليه تعليل القرارات الصادرة ضد المتهم، أو بعبارة أخرى تسبيب الأحكام، فهو ضمانة أساسية لحسن سير العدالة، فيظهر من خلاله البحث والتمحيص والتدقيق الذي قام به القاضي ثم وصل إلى تكوين قناعته الوجدانية.
إن المادة الجنائية ذهبت إلى تركيز مذهب الإثبات الحر، وهذا ما جاء في المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية، على أن الأصل هو حرية الإثبات. إلا أنه ترد عليه استثناءات تعد ضمانة هامة للمحاكمة العادلة، فالمادة 294 من نفس القانون تؤكد على أنه لا يمكن إنتاج الدليل الكتابي من خلال الرسائل المتبادلة بين المتهم ومحاميه. فالمتهم له حق في الاستعانة بمحام للدفاع عنه ومؤازرته في قضيته، فالمشرع الجنائي زكى هذه بضمانة أنه لا يجوز قبول المحادثات التي تروج بين المتهم ومحاميه كدليل كتابي ضده مهما كانت تحمل من اعترافات وأدلة إثبات.
فلابد من إقامة الرقابة القضائية على إجراءات المحاكمة من قبل قاضي الحكم، فيمكنه تصحيح كل إجراء يتبين له بطلانه عند إحالة القضية عليه أو إبطال كل إجراء مخالف للنظام العام، ويمكن أن تقوم بهذه الرقابة محكمة أعلى درجة تراقب شرعية البحث والمناقشة والاستماع للشهود والتثبت من الأدلة الجنائية وكذا حقوق الدفاع التي خلصت في النهاية للحكم بالإدانة أو البراءة.

بقلم: عزيز بنزيان

باحث في ماستر العلوم الجنائية والأمنية

Related posts

Top