المعالجات المطروحة للأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها مصر الكثير من الجدل

تثير بعض المعالجات المطروحة للأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها مصر الكثير من الجدل. وهي تعكس قصورا في الفكر السياسي والاقتصادي لبعض النخب التي ترى جيب المواطن، سواء كان في الداخل أو في الخارج، هو الحل. وهو تفكير ليس ببعيد عن الذهنية التي تدير بها الحكومة الأزمة.
وأثار مقترح تقدم به رئيس حزب الوفد الليبرالي عبدالسند يمامة بشأن مشروع قانون يقضي بإلزام المصريين بالخارج تحويل نسبة من رواتبهم إلى البنوك على أن ترد إلى أسرهم بالجنيه المصري، جدلاً سياسيًا واسعًا، مع توالي المقترحات الهادفة للاستفادة من وجود نحو 14 مليون مصري يعملون بالخارج وتوظيف عوائدهم الدولارية، في ظل احتدام المشكلات التي تفرض الحاجة لتوفر العملات الصعبة.
وتضمن مقترح يمامة، وهو مرشح سابق في الانتخابات الرئاسية الماضية، إلزام المصريين بالخارج بتحويل 20 في المئة من دخلهم الشهري إلى مصر بالدولار، مقابل امتيازات تقدم لهم، مع عدم استثناء أحد من تحويل النسبة، مركزا بشكل خاص على محمد صلاح لاعب ليفربول الإنكليزي الذي يرى بأنه على رأس من يجب تطبيق القانون عليهم.
وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها طرح مقترحات لإرغام المصريين على إرسال نسبة من رواتبهم بالدولار إلى البنوك المصرية، فقد تطرق لذلك من قبل رئيس حزب الوفد السابق بهاء أبوشقة، ويشغل منصب وكيل مجلس الشيوخ، ويحظى حديثه بقبول.
وأثار عضو مجلس النواب ومقرر لجنة السكان في الحوار الوطني النائب أحمد عاشور جدلاً مماثلاً مؤخرا، عندما اقترح إلزام المصريين بالخارج بتحويل 50 في المئة من رواتبهم إلى البلاد لتوفير العملة الصعبة، إثر انخفاض نسبة تحويلاتهم بنحو 30 في المئة لاتساع الفجوة بين سعر الصرف الرسمي بالبنوك الحكومية والسوق الموازية.
ويشير معارضون إلى أن رؤى الأحزاب ونواب البرلمان تعبر عن ضحالة الفكر السياسي والاقتصادي واختزال الأزمة في الاتجاه نحو مواطنين دفعوا ثمن غربتهم في الخارج لسنوات طويلة، كما أن مسألة التحكم في العوائد الخارجيةغير منطقية ولا تقبل التطبيق فيصعب التعرف على رواتبهم، وهناك استثمارات لرجال أعمال مصريين في دول عدة لا يمكن رصدها.
وقال المحلل السياسي جمال أسعد إن الحديث عن تحويلات المصريين وكيفية استفادة الحكومة من مدخراتهم أمر لا يتوافق مع أي مناهج اقتصادية، وإقدام نواب لديهم صلات قريبة من الحكومة على إطلاق بالونات اختبار يشكك في توجهاتها.
وأضاف أسعد في تصريح صحفي أن توالي الحديث عن أموال المصريين بالخارج بهذه الصورة يحمل ارتدادات سلبية على علاقتهم بالحكومة، لأنها تنطوي على ضرائب غير مباشرة يمكن فرضها عليهم، لافتاً إلى أن نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك مرر مقترحًا حمل نفس المضمون عام 1988 ورفضته المحكمة الدستورية.
وشدد المحلل السياسي على أن هذه المقترحات تعبر عن خلل في الفكر السياسي، وتبرهن على أن الأحزاب لا تملك رؤى سياسية واقتصادية حقيقية، ونتائج طرح هذه الأفكارقاتمة على الأحزاب والحياة السياسية برمتها، وعلى الحكومة إعادة النظر في سبل تعاطيها مع عوائد المصريين بالخارج. ومبادراتها التي أطلقتها مؤخراً، بحاجة إلى لرؤية سياسية أشمل تعيد صياغة العلاقة مع المصريين بالخارج.
وتُخلي الحكومة مسؤوليتها من مثل هذه المقترحات، وتؤكد أن اهتمام الدولة بالعاملين في الخارج ليس له علاقة بالتحويلات، وليست لديها نية لاستقطاع نسبة من تحويلاتهم، وأموالهم لهم وستظل الفوائد والودائع الخاصة بها ملكهم تمامًا ولا يجوز التدخل فيها.
وأطلقت وزارة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج مجموعة من المبادرات التي هدفت لتشجيع العاملين بالخارج على إيداع أموالهم بالعملة الصعبة في البنوك المحلية، وأبرزها مبادرة استيراد السيارات بلا جمارك مع وضع مبلغ مالي بالدولار في البنوك يتم استرداده بعد خمس سنوات بسعر العملة المحلية.

كما تم تقديم شهادات إدخال بنكية بالدولار بعوائد مرتفعة، ووثيقة معاش للعاملين بالدولار، وتوفير وحدات وأراضي سكنية بالدولار، ومبادرة لتسوية المواقف التجنيدية مقابل خمسة آلاف دولار.
وقالت وزارة الهجرة إن ملف دعم استثمار المصريين في الخارج إحدى أبرز أولويات الحكومة هذا العام، من خلال تقديم مزيد من المحفزات الادخارية التي تشكل خدمات أساسية للعاملين بالخارج وتشجيعهم على زيادة استثماراتهم وتحويلاتهم، وستعمل على تسويق “الشركة الاستثمارية للمصريين في الخارج” التي دشنتها أخيراً. وتمضي في نقاشاتها لتدشين صندوق طوارئ يعمل على جذب دولار أو يورو واحد على أن يتدخل في المشكلات التي تواجههم.
وتواجه الحكومة المصرية اتهامات بأنها تعاني من فقدان بوصلة التواصل مع المصريين بالخارج، وتعتبرهم تارة الحل وأخرى العقدة. فهناك كثير من المشكلات التي تعرضوا لها جراء الأوضاع الاقتصادية الصعبة في عديد من دول العالم الفترة الماضية، وترتب عليها فقدان بعضهم فرص عملهم. ويبدو دور الحكومة مبهما في مسألة تقديم الدعم لهم، بما يجبرهم على عدم العودة لبلادهم، ويجعل المشروعات والمبادرات التي تقدمها لهم لا تحظى بقدر من الثقة.
ولم تحقق مبادرة استيراد السيارات من الخارج سوى بتحويلات بلغت 667 مليون دولار بعد نحو عام من طرحها، ولم تسجل بالمنصة التي أتاحتها الحكوم سوى 452 ألف مواطن، لم ينفذ منها سوى 173 ألف مواطن عمليات الشراء، حسب أرقام وزارة المالية التي كانت تتوقع أن تحقق المبادرة عوائد تصل إلى 10 مليارات دولار.
وأوضح خبير الاقتصاد السياسي كريم العمدة أن مبادرات الحكومة علاج مؤقت لحل أزمة الاقتصاد ولا تنطوي على إستراتيجية بشأن علاقتها مع العاملين بالخارج، وما تحققه المبادرات المتنوعة من عوامل جذب للعملة الصعبة قد يمنح الحكومة مليارات الدولار بلا جهود ضخمة منها، وتبقى المشكلة في التفاؤل المفرط بشأن نتائجها.
وذكر العمدة في تصريح صحفي تصورات الحكومة تعمل بشكل تدريجي على كسب ثقة المواطنين في الخارج، ويمكن التوسع في بعضها بشكل منظم بما يضمن جذب الدولار من سوق الصرف الموازية عبر تقديم حوافز للمصريين في الداخل أيضا.
وكانت تحويلات المصريين في الخارج أحد أهم العوائد التي تعتمد عليها الحكومة لسد جزء من الفجوة الدولارية، إلا أنها شهدت خلال العام الماضي انخفاضا ووصلت إلى 22 مليار دولار بعد أن بلغت في العام السابق نحو 30 مليار. والخطورة أن هذا الانخفاض تزامن مع انخفاض آخر في عوائد قناة السويس، بعد تصاعد التهديدات الأمنية من جانب جماعة الحوثي اليمنية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن.

Top