أربع محاور استراتيجية للتحول
كشف تقرير النموذج التنموي، الذي رفعته اللجنة الاثنين الماضي، إلى جلالة الملك محمد السادس، عن المحاور الإستراتيجية للتحول والمضي قدما.
وترتكز المحاور الإستراتيجية، حسب التقرير على ضرورة رفع القيمة المضافة والإنتاجية المنخفضة للاقتصاد الوطني.
كما نص التقرير على تعزيز الرأسمال البشري بهدف منح كل المواطنين القدرات التي تمكنهم بكل استقلالية من الأخذ بزمام أمورهم وتحقيق طموحاتهم والمساهمة في تنمية البلاد، واندماجها في اقتصاد المعرفة والاقتصاد اللامادي، عن طريق القيام بالعديد من الإصلاحات الأساسية في العديد من القطاعات الحيوية.
وقد نص التقرير كذلك على ضرورة إدماج كل المواطنات والمواطنين، في الدينامية الوطنية للتنمية، من خلال المشاركة والولوج المتكافئ للفرص الاقتصادية، من خلال الحماية الاجتماعية، ومن خلال الانفتاح على الغير وتقبل التنوع الذي يميز المجتمع المغربي.
كما أشار إلى ضرورة تعزيز مكانة المجالات الترابية في صلب العملية التنموية، وذلك من خلال تفعيل سياسات العمومية، وتجاوز النقائص المرتبطة بالمؤهلات والقدرات.
المحور الأول: اقتصاد منتج ومتنوع قادر على خلق قيمة مضافة ومناصب شغل ذات جودة
يندرج المحور الإستراتيجي الأول ضمن تطوير الاقتصاد من اقتصاد يتسم بقيمة مضافة ضعيفة، وإنتاجية منخفضة مع أنشطة ريعية ومحمية، إلى اقتصاد يتميز بتعدد الأنشطة والتنافسية قائم على نسيج مكثف من المقاولات قادرة على الابتكار والمرونة. ويجب أن يكون هذا التحول الاقتصادي، حسب التقرير العام للجنة الخاصة بالنموذج التنموي، مصدرا لنمو أكبر وقادرا على خلق مناصب شغل ذات جودة، قصد تنويع مصادر خلق القيمة المضافة وضمان إدماج الساكنة النشيطة، خصوصا الشباب والنساء، في سوق الشغل.
ويقوم هذا المحور أساسا على خمس مرتكزات، في مقدمتها “تأمين المبادرة المقاولاتية”، من خلال إزالة الحواجز الإدارية والتنظيمية بطريقة نسقية، وضمان منافسة سليمة وتقوية أجهزة الضبط، ثم حماية المقاولات بواسطة آليات فعالة للتظلم والطعن.
أما المرتكز الثاني في هذا المحور فيهم “توجيه الفاعلين الاقتصاديين إلى الأنشطة المنتجة”، وذلك عن طريق وضع آلية منسجمة للقيادة والتنفيذ من أجل تحقيق الطموحات القطاعية الاستراتيجية، ومراجعة الإطار التحفيزي للاستثمار من أجل توجيه المستثمرين إلى الأنشطة الإنتاجية ودعم تنمية المقاولات الصغرى والمتوسطة بشكل أكثر قوة، ثم تمويل إرادي من أجل تنويع الإنتاج والارتقاء بمستوى الاقتصاد، وأيضا تطوير مواكبة المقاولات من أجل تعزيز قدراتها التدبيرية والتنظيمية والتكنولوجية، وتوظيف الطلبيات العمومية كرافعة استراتيجية للتنمية المنتجة، وإدماج القطاع غير المهيكل في النسيج الاقتصادي بكيفية تحفيزية وتدريجية وملائمة لمختلف الفاعلين.
وفيما يخص المرتكز الثالث فيصب في “إحداث صدمة تنافسية”، حيث يقترح التقرير تخفيض تكلفة الطاقة عن طريق إصلاح القطاع واللجوء إلى الطاقات المتجددة ذات المستوى المنخفض من انبعاثات الكربون، وتخفيض تكاليف الإنتاج المتعلقة باللوجستيك وتحسين جودة الخدمات عبر إعادة هيكلة هذا القطاع، وتطوير مناطق مخصصة للأنشطة ذات الجودة المطلوبة وبأثمنة تنافسية متاحة لمختلف المقاولات.
كما يقترح التقرير في هذا الباب العمل على جعل الرقميات والقدرات التكنولوجية عاما أساسيا في التنافسية وتحديث المقاولات وتطوير مهن وقطاعات جديدة تتماشى والتحولات العالمية، وتنمية الكفاءات عن طريق إشراك القطاع الخاص في عملية التكوين، ثم ضمان حوار اجتماعي منتظم، يأخذ بعين الاعتبار التحولات الحالية والمستقبلية لعالم الشغل.
أما المرتكز الرابع فيهم وضع “إطار ماكرو-اقتصادي في خدمة التنمية”، ووقف التقرير في هذا الباب على الاستخدام الأمثل لنفقات الميزانية العامة للدولة من خلال أدوات تدبير جديدة، وتخفيف العبء الضريبي على الأنشطة الإنتاجية والتنافسية، والأخذ بعين الاعتبار في إطار السياسات النقدية والبنكية هدف تشجيع فاعلين جدد وتنويع آليات تمويل الاقتصاد، ثم إرساء الشروط اللازمة لتطوير أسواق الرساميل.
ودعا التقرير في المرتكز الخامس الذي يهم “بروز اقتصاد اجتماعي كدعامة أساسية للتنمية”، إلى اعتماد إطار تأسيسي للاقتصاد الاجتماعي الجديد، وتشجيع تفويض تدبير بعض الخدمات العمومية إلى فاعلين في قطاع الاقتصاد الاجتماعي باعتماد منهجية تجريبية، ثم تنمية ريادة الأعمال المبتكرة في الميدان الاجتماعي.
الدكتور الجامعي بنحريميدة: لابد من تقليص الفوارق الاجتماعية وإعادة النظر في توزيع الثروة
سجل أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة الحسن الثاني محمد بنحريميدة، عدد من الملاحظات على التقرير في شقه الاقتصادي والاجتماعي، مسجلا على المستوى الاقتصادي أن من بين المعيقات التي أشار لها التقرير هناك بطء التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني (استمرار الفلاحة كقاطرة رغم كونه مرتبط بالتقلبات المناخية على سبيل المثال …).
وأبرز الدكتور محمد بنحريميدة أن «التقريراعتبر أنه من الضرورة تسريع وثيرة التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني قصد جعله أكثر دينامية وتنوعا وتنافسية، وقدرة على خلق مزيد من القيمة المضافة ومناصب الشغل ذات جودة ومدرا للموارد من أجل تمويل الحاجيات الاجتماعية»، معتبرا أنه يجب التركيز على دعم قدرات الاقتصاد الوطني من حيث الصمود والتكيف سواء مع تبعات الأزمة الحالية أو مع أزمات أخرى محتملة.
وأشار الدكتور محمد بنحريميدة إلى أنه من أجل إنجاح هذا التحول الهيكلي للإقتصاد يقترح التقرير إجراءات من بينها:
1_ تحرير المبادرة الخاصة وبث روح المقاولة من خلال مناخ أعمال شفاف وعبر مساطير مبسطة.
2_ تحسين تنافسية النسيج الاقتصادي عبر التقليص من تكلفة عوامل الإنتاج
3_ توجيه استثمارات القطاع الخاص نحو القطاعات الرائدة والمستقبلية.
4_ تثمين الاقتصاد الاجتماعيوجعله دعامة للتنمية ومصدرا لخلق فرص الشغل اللائق داخل المجالات الترابية.
وعلى الصعيد الفلاحي اعتبر الدكتور محمد بنحريميدة أنه لا بد من إحداث بعض التغيرات في فلسفة السياسات المتبعة والمبنية على إرضاء السوق الخارجي إذ يتعين حسب رأينا المتواضع أن يكون الهدف الأول هو ضمان الأمن الغذائي الداخلي والاستقلال أو السيادة الغذائية قبل البحث عن الاستجابة للأسواق الخارجية.
أما على مستوى القطاع السياحي حان الوقت في نظر بنحريميدة أن نجعل من السياحة الداخلية بديل وخيار ممكن خصوصا في الأوقات العصيبة وإبان الأزمات وبالتالي من اللازم أن تتم ملاءمة العرض السياحي للطلب الداخلي.
وأبرز الدكتور بنحريميدة على أن التقرير يتحدث عن هدف مضاعفة الدخل الفردي في أفق سنة 2035 من 7800 دولار إلى 16000 دولار وذلك عبر وثيرة نمو تم تحديدها في 6%.
وأضاف الدكتور بنحريميدة أنه «فيما يتعلق بإشكالية التشغيل والتي يمكن اعتبارها والتي يمكن اعتبارها إحدى أكبر معضلات النموذج الحالي فإن التقرير يشير إلى ضرورة إرساء أرضية مناسبة لاستثمار خالق لفرص العمل كما يحث على تخفيض حصة القطاع غير المهيكل إلى أقل من 2% وفي هذا الإطار لابد من ربط مشكلة التشغيل بنوعية الاستثمار في شكله الحالي الذي يبقى غير مرضي على مستوى خلق فرص العمل من ناحية ومن ناحية أخرى بجودة التعليم في بلادنا إذ بدون تعليم جيد ومواكب لمتطلبات سوق الشغل لا يمكن أن نتغلب على مشكل البطالة في صفوف الشباب وبالتالي لا يمكن إرساء قواعد عيش مشترك منسجم ومستقر يعزز الرابط الاجتماعي ويفسح فرص المشاركة في وجه كافة المواطنين».
ولإرساء ما أسماه التقرير «مغرب الجرأة»، حسب الدكتور بنحريميدة تم اقتراح خمس رهانات للمستقبل بإمكانها أن تجعل من المغرب أحد الأقطاب الإقليمية الأكثر دينامية وجاذبية في المجال الاقتصادي والمعرفي. وتتعلق هذه الرهانات بالتكوين والبحث الميداني في خدمة المجالات الترابية ، طاقة تنافسية ومنخفضة الكاربون، المنصات الرقمية والربط بالصبيب العالي للأنترنت، الآليات المتعددة لتمويل الاقتصاد، علامة «صنع في المغرب» كوسيلة لتثمين إمكانات ومؤهلات المملكة ولإندماج أكثر في سلاسل القيم العالمية.
من جهة أخرى اعتبر محمد بنحريميدة أن التقرير على مستوى كبير من الثقة والطموح وهو شيء ضروري لرفع الهمم، مضيفا «لكن السؤال الذي يمكن طرحه هو: ما هي الضمانات التي يمكن الارتكاز عليها لبلوغ نسبة 6% من النمو خلال السنوات المقبلة وما هي الآليات الكفيلة بمضاعفة الدخل الفردي في أفق سنة 2035 بالوصول إلى معدل 16000 دولار للفرد».
واعتبر محمد بنحريميدة أن هذه الأهداف قد يكون من الصعب تحقيقها دون إصلاحات حقيقية وهيكلية على مستوى المشهد السياسي أولا عبر فصل تام وواضح بين السياسة والاقتصاد على مستوى النخبة، فالجمع بين الوظيفتين أظهرت التجربة أنه خيار غير مجدي ولا يصب في المصلحة العامة للشعب.
وشدد محمد بنحريميدة على أنه من بين الأمور التي كان يجب على التقرير أن يوضحها بشكل كبير هي تدابير واقعية لاجتثاث سرطان الفساد بمختلف أنواعه والذي يعد العدو الأكبر لكل مشروع تنموي مجتمعي، فبدون آليات فعالة لمحاربة الفساد وكل مظاهر اقتصاد الريع لا يمكن حسب اعتقادنا ترجمة أفكار هذا التقرير على أرض الواقع.
واستطرد الدكتور «محمد بنحريميدة لم أرى شخصيا تركيز كبير في هذا التقرير على ضرورة إعادة النظر في دور الدولة كفاعل اقتصادي وسياسي حقيقي، إذ لا يمكننا في حالة المغرب أن نستمر في اتباع أعمى لنظرية الليبرالية المطلقة والاعتماد الكبير على القطاع الخاص الذي لم يستطع أن يعطينا مجتمع متوازن بالرغم من هامش التحرك الكبير الذي حصل عليه خلال العقدين الأخيرين، فلا بد من حضور أكبر للدولة من أجل ضمان لتوازن أفضل بين طبقات الشعب المغربي وبالتالي فاختيارات فتح أبواب الاستثمارات على مصراعيها للقطاع الخاص في ميادين حساسة كالتعليم والصحة تعتبر اختيارات غير صائبة في الوضع الراهن لبلادنا، ومن شأنه أن يفاقم الهوة بين الطبقات المكونة للمجتمع».
وأكد محمد بنحريميدة على أنه لابد من تقليص الفوارق الاجتماعية بين مكونات المجتمع المغربي عبر عدة آليات يمكن من خلالها إعادة النظر في توزيع الثروة التي تتجه نحو التكديس بين أيدي نخبة من العائلات الكبرى في الوقت الذي تعاني فيه فئات كبيرة في المجتمع من الهشاشة ومحدودية الدخل وعدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتعليم الجيد وغيرها من متطلبات الحياة المعاصرة.
باختصار كبير حسب بنحريميدة، التقرير يحمل في طياته كثير من الأمل لكن يبقى السؤال الكبير هو التنزيل خصوصا أن الإطار العام مازال يتسم ببعض المعيقات نذكر من بينها عقليات متشبتة بالفساد وأخرى رافضة للتغيير ناهيك عن عامل بشري غير ملائم (الجهل، الجريمة، المخدرات…).
> عبد الصمد ادنيدن