تتواصل بعموم القارة الأوروبية، منافسات الدورة السادسة عشرة لمسابقة كأس أمم أوروبا “يورو” في ذكراها الستين، والمثير في هذه النسخة المؤجلة عن السنة الماضية بسبب جائحة كورونا، إجراء المباريات في (11) مدينة تغطي القارة بدلاً من أن يقتصر التنظيم على دولة أو اثنتين.
قرار الاتحاد الأوروبي للعبة (ويفا) بتنظيم البطولة بالصيغة الجماعية الجديدة في سابقة هي الأولى من نوعها، الهدف منه إشاعة أجواء الفرح والفرجة ومنح شرف التنظيم، ولو بصفة جزئية عبر عموم القارة، كما تمت مراعاة الجانب الاقتصادي، نظرا الوضعية العامة التي يمر بها العالم بسبب تداعيات الأزمة الصحية، التي عصفت بكل الدول، وبدون استثناء، والعجز عن تمويل حدث بهذا الحجم، من طرف دولة واحدة.
أمستردام الهولندية وإشبيلية الإسبانية وبودابست المجرية وغلاسكو الاسكتلندية وباكو الأذربيجانية ولندن الإنجليزية وروما الإيطالية وبوخارست الرومانية وكوبنهاغن الدنماركية وميونيخ الألمانية وسان بطرسبرغ الروسية، هي المدن التي وقع عليها الاختيار، وهي تغطي القارة العجوز بكاملها، ليتأكد أن القرار تمت دراسته من مختلف كل الجوانب، حتى يكون متوافقا مع الرغبة في جعله عرسا رياضيا حقيقيا، بعد سنة ونصف من المعاناة والذعر الذي عاشه العالم بأسره.
استكمالا لمشاعر الفرح، اشترط الاتحاد الأوروبي ضرورة السماح بحضور الجمهور ولو بصفة جزئية، لكن النسبة قابلة للارتفاع مع توالي المباريات، واختبار مدى فعالية القرارات، وكانت مباراة أول أمس الثلاثاء، قد شهدت حضور 14 ألف شخص، كما سارع الاتحاد الإيطالي لكرة القدم، إلى الإعلان عن تأكيد حضور الجمهور ما بين 25 إلى 30 في المائة من سعة الملعب.
ولم يكن قرار السماح الجمهور بالأمر السهل، مع اختلاف الإجراءات من دولة لأخرى، إذ كان الاتحاد الأوروبي حازما في خياره، وذلك باستبعاد مدن مثل دبلن وبلباو من استضافة المباريات، بسبب عدم التساهل في فرض الإجراءات الصحية بهذين المدينتين.
كما شهدت نسخة “اليورو” هذه السنة حدثا لافتا هز العالم، ويتجلى في حالة الإغماء التي تعرض لها اللاعب الدنماركي كريستيان اريكسين، والتي انتهت بسلام، لكنها قدمت لنا دروسا بليغا في أكثر من مجال، وأكثر من ركن بأركان الحياة، وكيف يمكن أن تكون دقيقة واحدة هي الفيصل بين حياة أو موت شخص.
كيف تم اتخاذ إجراءات سريعة من أجل إنقاذ حياة روح بشرية، وبالسرعة المطلوبة التي كانت عاملا أساسيا وراء إنقاذه إريكسين، كيف تحول جانب من جنبات الملعب إلى مصحة خاصة تتوفر على وسائل الإنقاذ والإسعاف والتدخل السريع، وكيف أحاط لاعبو الدنمارك بزميلهم المغمى عليه، حفاظا على الخصوصية، كما لم يتهافت أفراد الجمهور على تصوير الحالة في حينها، احتراما لوضع حرك مشاعر إنسانية وروح التضامن، سواء داخل الملعب أو خارجه.
إنها أوروبا الحضارة واحترام البعد الإنساني الراقي، والأكيد أن الأدوار المتقدمة ستمنحنا المتعة والفرجة والدروس أيضا…
>محمد الروحلي