تقترب الحملة الانتخابية من نهايتها. في غضون يوم واحد، أو حتى بضع ساعات، سنكون جميعا مدعوين للوفاء بواجبنا كمواطنين لاختيار من تستحق أو يستحق ثقتنا. إنها لحظة انتخابية غير عادية، تكتسي أهمية بالغة في حياة وطننا وشعبنا. لأنه في نهاية الاقتراع وفرز الأصوات، سنعرف هوية المُنتَخَبين للجلوس في مقاعد البرلمان أو المجلس الجهوي أو المجلس الجماعي. علاوة على ذلك، سنعرف اسم المرشح المقبل لقيادة الحكومة وملامح الأغلبية الجديدة. إنها لحظة غير مسبوقة، لأول مرة تسهم جدولة المواعيد الانتخابية في تنظيم ثلاث استشارات مختلفة في يوم واحد. وللمرة الأولى أيضا، يتم التصويت بمعزل عن يوم الجمعة. سيكون لدينا بالطبع كل الحرية لتقييم هذه التغييرات لمعرفة ما حملته من ايجابيات لبلدنا، ورفع معيقاتها حتى لا تتكرر في المستقبل.
لكن ما يميز هذه الانتخابات أكثر، إلى جانب اعتماد قاسم انتخابي جديد، هو أنها جرت في سياق بالغ الصعوبة، وهو سياق «كوفيد» 19، مع كل القيود والإكراهات المرتبطة بالامتثال للتدابير الوقائية التي فرضتها السلطات. وكان على الأحزاب السياسية المتنافسة التكيف معها. يمكننا القول بهذا الصدد، إن هذه الأحزاب تمكنت من رفع التحدي من خلال تحقيق أقصى استفادة من منجزات التكنولوجيا الرقمية والخبرة المكتسبة من العمل عن بعد. وهكذا، شهدنا في المناطق الحضرية استخداما قويا للمواقع الاجتماعية للدعاية للمرشحين وبرامج الأحزاب السياسية المختلفة. وما ينقص في هذه اللحظة الانتخابية هو استخدام التصويت الإلكتروني ليكون منسجما مع هذه التحولات النوعية. وإذا كانت الظروف غير مهيأة الآن لاتخاذ هذه الخطوة، فهي غير مستبعَدَة، نظرا للوتيرة التي يتجه بها المجتمع إلى الرقمنة، لتحقيق هذه القفزة في الانتخابات المقبلة.
ينتظر الجميع النتائج النهائية لهذه الاستشارات، خاصة على المستوى التشريعي. وفي غياب استطلاعات موثوقة للرأي، يكون لكل شخص توقعاته الخاصة بما يتيح حرية تصوراته واختياراته. نعتقد من وجهة نظرنا، أن هذه الاستشارات ستتم على أساس متغيرين غير معروفين حاليًا: نسبة المشاركة والتصويت العقابي. بخصوص نسبة المشاركة، هناك عناصر تدعو إلى نسبة عالية وعناصر تدفع بعكس ذلك. إذا تمكنا من مطابقة أو حتى تجاوز معدل 2015 «الانتخابات المحلية» و 2016 «الانتخابات التشريعية»، سيكون ذلك إنجازًا للبلاد ودفعًا للأحزاب المنتمية إلى تيار اليسار الديمقراطي. لأنه، علينا أن نتذكر، أن أحزاب اليسار كانت هي الأكثر معاناة من الامتناع عن التصويت. أحزاب اليمين بشكل عام، غنية، وتحظى بدعم كبير من دوائر المال، من خلال تجنيد وسطاء متخصصين في «شراء الأصوات». مثل هذه «الأحزاب» لا تحتاج حتى إلى نشطاء: مجرد رمز، والمال يتكفل بالباقي. هذا أمر شائع في الاستحقاقات التشريعية الأخيرة. ويبدو اليوم، بحسب المعلومات المتداولة حول الموضوع، أن هذه السوق الانتخابية وصلت إلى أبعاد غير مسبوقة. يفوز من يدفع أكثر. بالنسبة للمنظمات التي تنتمي للحركة الإسلامية، فإن لديهم أيضًا وسائلهم الخاصة للإغراء: الصدقات وأساليب أخرى «لتخدير» الوعي الجمعي.
أما التصويت العقابي، في ظل ارتباك المشهد السياسي والرغبة في التصويت، فهو محدود بشكل عام. لا يمكن أن يأتي إلا من الناخبين المنتمين إلى الطبقة الوسطى والمثقفين. ومع ذلك، فإن هذه الأوساط هي التي تغذي حتى الآن صفوف غير المصوتين. مع مليوني ناخب جديد مسجلين في القوائم الانتخابية، غالبيتهم من الشباب، هل يمكن أن نتوقع طفرة من شأنها أن تخلق مفاجأة وتخل بالنظام الحزبي القائم؟
هنا، يكمن الرهان الأساس في هذه الانتخابات. يجب على جميع الناخبين أن يدركوا أن صوت الجميع مهم، وأن الامتناع عن التصويت لا يخدم إلا أعداء الديمقراطية وأولئك الذين يتغذون على دماء وعرق الشعب. يجب أن نتذكر أن حق التصويت لم يصبح إنجازًا ديمقراطيًا إلا بعد صراعات طويلة ومريرة أدت أحيانا إلى إراقة الدماء. ومن العار عدم استخدامه بشكل صحيح. مقاطعة الانتخابات، بحجة أن اللعبة السياسية محسومة سلفا، أو أن المسؤولين المنتخبين ليس لديهم سلطة حقيقية، أو أن جميع الأحزاب مدجنة ولم تعد تخدم أي شيء … ليس موقفا مؤسسا ومدعما. على النقيض من ذلك، فمن خلال التصويت والتعبير بقوة، سيتم فرض الإرادة الشعبية، وسنكون قادرين على مكافحة جميع الانتهاكات التي رصدت هنا وهناك، وسنتمكن من قطع الطريق أمام مشتري الأصوات وبائعي الأوهام. لا وجود للديمقراطية الكاملة في أي مكان. هي صراع دائم وسيرورة تعرف لحظات مد وجزر، وتقدم وتراجع. يجب أن تكون هناك حاجة إلى المراقبة واليقظة. يحصل التغيير بهذا الثمن. من خلال سلوك المسار الديمقراطي الوحيد بكل منعرجاته. وهذا يمر بالضرورة من خلال صندوق الاقتراع. هنا موعد مع التاريخ لا ينبغي تفويته!
بقلم: د عبد السلام الصديقي