أشرقت شمس بيروت، أمس الأربعاء، على وطأة الصدمة غداة انفجار ضخم وقع في مرفأ بيروت، أول أمس الثلاثاء، وأسفر عن مقتل أكثر من مئة شخص وإصابة أربعة آلاف بجروح. ويواصل رجال الإنقاذ محاولات العثور على ضحايا وسط الأنقاض في مرفأ بيروت والمباني المدمرة.
وأدى الانفجار الضخم إلى حدوث دمار بجزء كبير من الميناء، وتدمير مبان، وتهشيم نوافذ وأبواب مع تصاعد سحابة على شكل فطر عملاقة فوق العاصمة.
وفي سياق متصل، أعلن رئيس الحكومة اللبناني حسان دياب الثلاثاء أن 2750 طنا من نيترات الأمونيوم موجودة في مستودع في مرفأ بيروت تسببت بالانفجار الضخم.
ونقل متحدث باسم المجلس الأعلى للدفاع عن دياب قوله خلال جلسة طارئة للمجلس “من غير المقبول أن تكون هناك شحنة من نيترات الأمونيوم تقدر بـ2750 طنا موجودة منذ ست سنوات في مستودع من دون اتخاذ إجراءات وقائية”، مضيفا ” لن نرتاح حتى نجد المسؤول عما حصل ومحاسبته”.
ورفع المجلس الأعلى للدفاع توصياته إلى مجلس الوزراء، وتتضمن “إعلان بيروت مدينة منكوبة”، و”إعلان حالة طوارئ” لمدة أسبوعين في مدينة بيروت قابلة للتجديد، تتولى خلالها “فورا السلطة العسكرية العليا صلاحية المحافظة على الأمن”.
وقال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي ترأس الاجتماع “كارثة كبرى حلت بلبنان”، مشددا على “اتخاذ الإجراءات القضائية والأمنية الضرورية، ومساعدة المواطنين ومعالجة الجرحى والمحافظة على الممتلكات”.
ويواصل رجال الإنقاذ محاولات العثور على ضحايا وسط الركام في مرفأ بيروت والمباني المدمرة.
وأعلنت العاصمة اللبنانية مدينة “منكوبة” ودخلت في حداد على ضحايا الانفجار الذي قال المعهد الأميركي للجيوفيزياء إن أجهزة الاستشعار الخاصة به سجلته على أنه زلزال بقوة 3.3 درجات على مقياس ريختر.
وعمل رجال الإنقاذ بدعم من عناصر الأمن طوال ليل الثلاثاء وحتى فجر الأربعاء،بحثا عن ناجين أو ضحايا عالقين تحت الأنقاض. ووصلت المستشفيات التي تتعامل أساسا مع حالات الإصابة بوباء “كوفيد-19” إلى أقصى طاقاتها الاستيعابية.
وكان مصدر أمني قال لوكالة فرانس برس إن المواد الموجودة في المستودع مصادرة منذ سنوات من باخرة في مرفأ بيروت حدث بها عطل، وموضوعة في “العنبر رقم 12 في المرفأ”، مشيرا إلى أنه لم تتم “متابعتها بالشكل المطلوب”. ويدخل الأمونيوم في تركيبة مواد شديدة الانفجار.
وفي موقع الانفجار، يبقى المشهد مأساويا. ففي مرفأ بيروت شوهدت جثث وأشلاء، وتحولت المستودعات ركاما.
وفي شوارع العاصمة وأحيائها، كان في الإمكان رؤية سيارات مدمرة متروكة في الطرق، وجرحى تغطيهم دماء، وزجاج متناثر في كل مكان.
وتسبب الانفجار بتضرر باخرة لقوات الأمم المتحدة العاملة في لبنان وجرح عدد من عناصر هذه القوات، ضمنهم مغربية.
بهذا الخصوص، قال بيان للسفارة المغربية بلبنان، إن مواطنة مغربية، تشتغل بمنظمة تابعة للأمم المتحدة ببيروت أصيبت بكسور على مستوى الرجل ، مشيرة إلى أن المصابة تتلقى العلاج بإحدى المؤسسات الصحية اللبنانية. وكانت السفارة قد أكدت، في بيان سابق، متابعتها لأوضاع الجالية المغربية المقيمة بهذا البلد عقب المأساة التي حلت به أول أمس الثلاثاء، مؤكدة عدم توصلها، إلى حدود أمس الأربعاء، بأية معلومات عن وقوع إصابات وسط أفراد الجالية، ولا ضمن طاقمها.
وارتباطا بهذا الحدث، وضعت السفارة رهن إشارة أفراد الجالية المقيمة بلبنان أرقام الهواتف التالية للتواصل:
– خارج أوقات العمل وعند الضرورة: 96176730612 00
– عند أوقات العمل : 05924751 / 05924752 / 05924753 / 05924754
هذا وقد هز الانفجار كل أنحاء العاصمة وطالت أضراره كل الأحياء وصولا إلى الضواحي، وتساقط زجاج عدد كبير من المباني والمحال والسيارات. وأفاد أشخاص في جزيرة قبرص المواجهة للبنان عن سماع دوي الانفجار أيضا.
ولحقت أضرار بقصر بعبدا، مقر رئاسة الجمهورية الواقع في الضاحية الشرقية لبيروت، وبمقر رئاسة الحكومة في وسط العاصمة، وبمطار بيروت الدولي في الضاحية الجنوبية.
ويشهد لبنان حاليا أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، مع تدهور في سعر العملة، وقيود على الودائع المصرفية، وتضخم وغلاء في الأسعار، إضافة إلى خسارة الآلاف وظائفهم.
تضامن ومواساة
وفور ذيوع خبر الانفجار، توالت ردود الفعل من مختلف أنحاء العالم للتضامن مع لبنان وعرض المساعدات. فقد بعث جلالة الملك محمد السادس برقية تعزية ومواساة إلى رئيـس الجمهـوريـة اللبنـانيـة فخـامـة العماد ميشال.
ومما جاء في برقية جلالة الملك “على إثر الانفجار المفجع الذي وقع في مرفأ بيروت، مخلفا العديد من الضحايا وخسائر مادية جسيمة، أتقدم إلى فخامتكم، ومن خلالكم إلى الأسر المكلومة وإلى الشعب اللبناني الشقيق بأحر التعازي وصادق المواساة، سائلا الله تعالى أن يتغمد الضحايا بواسع رحمته ويلهمكم وذويهم جميل الصبر وحسن العزاء، وأن يمن على المصابين بالشفاء العاجل”.
وأعرب، جلالة الملك ، في هذه البرقية ، باسمه وباسم الشعب المغربي، لرئيـس الجمهـوريـة اللبنـانيـة “عن صادق مشاعر تعاطفنا وتضامننا مع بلدكم في هذا الظرف العصيب، مؤ كدين لكم وقوف المملكة المغربية الدائم مع الشعب اللبناني الشقيق”.
وأضاف جلالة الملك” وإذ أدعو الله تعالى أن يحفظكم ويجنب بلدكم كل مكروه، وأن ينعم عليه بالأمن والطمأنينة والاستقرار، أرجو أن تتفضلوا بقبول فائق عبارات تقديري وتعاطفي”.
ودعا رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب “الدول الصديقة” إلى مساعدة البلاد الرازحة أصلا تحت وطأة أكبر أزمة اقتصادية تواجهها منذ عقود، والتي فاقمتها جائحة “كوفيد-19”. وسارعت دول الخليج العربي إلى تلبية الدعوة.
فقد تعهد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بإرسال مستشفيات ميدانية لمساعدة القطاع الصحي اللبناني. وتمنى الشيخ تميم بن حمد “الشفاء العاجل للمصابين”، فيما أطلق رئيس الوزراء الإماراتي حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تغريدة جاء فيها “تعازينا لأهلنا في لبنان الحبيبة”. وأعلنت الكويت أنها سترسل مساعدة طبية. وأعربت مصر عن “قلق بالغ” إزاء الدمار الناجم عن الانفجار، فيما تقدم الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بالتعازي، مشددا على “أهمية سرعة استجلاء الحقيقة في شأن المسؤولية عن وقوع التفجيرات والمتسببين بها”، وفق ما نقل عنه مسؤول في الأمانة العامة للجامعة.
وأبدى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي استعداد بلاده لتقديم المساعدة، فيما أعلنت إيران أنها “جاهزة تماما لتقديم المساعدة بكل الوسائل اللازمة”.
وجاء في تغريدة أطلقها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن “أفكارنا وصلواتنا مع شعب لبنان الكبير والمقاوم”، داعيا لبنان إلى “البقاء قويا”.
ووجه الرئيس السوري بشار الأسد برقية تعزية لنظيره اللبناني ميشال عون، أكد فيها وقوف سوريا إلى جانب لبنان الشقيق وتضامنها مع شعبه.
كذلك، تلقى الرئيس اللبناني اتصالا من نظيره العراقي برهم صالح أكد فيه التضامن مع لبنان، عارضا تقديم المساعدة.
وبعث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون رسالة تعزية إلى الرئيس اللبناني عبر فيها عن “الحزن والأسى العميق” بعد الانفجارين في بيروت.
ووجه الرئيس التونسي قيس سعيد رسالة إلى نظيره اللبناني عبر فيها عن “دعمه” الشعب اللبناني “الشقيق”.
وأجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتصالا بعون قدم خلاله التعازي، معلنا إرسال مساعدات للبنان.
وكان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أعلن أن بلاده “مستعد ة لتقديم مساعدتها وفق الحاجات التي ستعبر عنها السلطات اللبنانية”.
كما أعرب وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان عن “تضامنه مع اللبنانيين الذين تضرروا بشدة هذا المساء”. وأضاف في تغريدة “أفكاري مع الضحايا. وزارة الداخلية في حالة تعبئة للرد على طلب رئيس الجمهورية إرسال إمدادات إغاثة بسرعة”.
من جهته، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن “روسيا تشارك الشعب اللبناني حزنه”، وفق بيان للكرملين.
وقدم بوتين التعازي بالضحايا، متمنيا للمصابين الشفاء العاجل.
وفي بداية مؤتمره الصحافي اليومي حول فيروس كورونا المستجد، أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعاطف الولايات المتحدة مع لبنان، مكررا “استعداد” بلاده لمساعدته.
وقال ترامب للصحافيين في البيت الأبيض “لدينا علاقة جيدة جدا مع شعب لبنان، وسنكون هناك للمساعدة. يبدو كأنه اعتداء رهيب”.
وعرض وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو تقديم مساعدة أميركية للبنان، كاتبا على تويتر “نحن نراقب الوضع ومستعدون لتقديم مساعدتنا لشعب لبنان للتعافي من هذه المأساة المروعة”.
وعرضت إسرائيل التي لا تزال تقنيا في حالة حرب مع لبنان، تقديم المساعدة. وجاء في بيان مشترك لوزيري الدفاع والخارجية الإسرائيليين غابي أشكينازي وبيني غانتس أن إسرائيل توجهت إلى لبنان “عبر جهات أمنية وسياسية دولية وعرضت مساعدة إنسانية وطبية”.
وعبرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عن “صدمتها” لما حدث في بيروت، واعدة بتقديم “دعم للبنان”.
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن “تعازيه العميقة… عقب الانفجارين المروعين في بيروت” واللذين قال إنهما تسببا أيضا بإصابة بعض من أفراد الأمم المتحدة.
وبدوره، وصف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الصور ومقاطع الفيديو الواردة من بيروت بأنها “صادمة”. وكتب على تويتر “كل أفكاري وصلواتي” مع ضحايا “هذا الحادث المروع”. وأضاف “إن المملكة المتحدة مستعدة لتقديم الدعم بأي طريقة ممكنة، بما في ذلك للمواطنين البريطانيين المتضررين” هناك.
وأكد وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب “تضامن” المملكة المتحدة مع الشعب اللبناني، مضيفا أن بريطانيا “مستعدة لتقديم مساعدتها ودعمها، بما في ذلك للمواطنين البريطانيين المعنيين” هناك.
وقال متحدث باسم الوزارة إن “عددا صغيرا” من موظفي السفارة أصيبوا ويتلقون العلاج الطبي لكن حياتهم ليست في خطر.
وأضاف المتحدث “إنه وضع يتطور سريعا ونحن نتابعه عن كثب. نحن مستعدون لتقديم دعم قنصلي للمواطنين البريطانيين المعنيين”.
وكتب رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو على وسائل التواصل الاجتماعي “نفكر في جميع الذين أصيبوا في هذا الانفجار المأسوي، وكذلك في أولئك الذين يحاولون أن يجدوا أحد أصدقائهم أو فردا من العائلة، أو الذين فقدوا أحد أحبائهم. نحن مستعدون لمساعدتكم”.
مشاهد درامية.. موت ودموع
بدت بيروت، صباح أمس، أشبه بساحة حرب. وأضحى مرفؤها ركاما ونيرانا تأبى أن تنطفئ، ليمتد لهيبها إلى البواخر الراسية التي لازال جوفها يضم ركابا مختنقين، وآخرين في حالة هلع.
عند أحد مداخل المرفأ، وقفت شابة عشرينية تصرخ وتسأل عن شقيقها الموظف داخله، فيما كان عناصر الأمن يحاولون ثنيها عن الدخول. قالت لهم باكية “اسمه جاد وعيناه خضراوا اللون”. لكنها لم تنجح في الدخول.
على بعد أمتار منها، لم تتمالك سيدة أخرى أعصابها. كاد أن يغمى عليها وهي تسأل عن شقيقها أيضا، بينما سيارات الإسعاف تدخل مسرعة ثم تخرج محملة بالضحايا.
داخل حرم المرفأ الذي استحال القسم الأكبر منه دمارا وبدت “مستودعاته” أشبه بعلب ملتوية تقيأت محتوياتها إلى الخارج. فوضى عارمة وألسنة نيران لم تستكن وسحب دخان ازدادت سوادا. وكانت مروحيات الجيش تحاول إطفاء النار. وفي البحر قبالة المرفأ، بواخر تلتهما ألسنة النيران.
وكان مسعفون يبحثون عن ضحايا بمعاونة رجال أمن، فصرخ أحدهم في وجه الصحافيين قائلا، “ماذا تصورون؟ الأشلاء في كل مكان؟”.
وقال عنصر أمني آخر “هناك أشلاء على الأرض وعمليات انتشال الجثث لا تزال مستمرة”.
لكن القوى الأمنية منعت الصحافيين من الاقتراب.
وفي مكان قريب من موقع الانفجار، بقيت حقائب سفر مبعثرة على الأرض. نظارة طبية مرمية هنا وحذاء هناك. قرب الركام، جثة مرمية على الأرض، وقربها حقيبة.
وعلى بعد أمتار عدة، كان رجال أمن يعملون على نقل قتيل من رفاقهم. يبكي أحدهم تأثرا، ويظهر آخر على هاتفه صورة لرفيقه في يوم زواجه.
على بعد عشرات الأمتار، سيارات جديدة مستوردة من الخارج تقف خلف بعضها البعض في صفوف متراصة. لم تسلم أي منها. أجهزة إنذار بعضها لا تتوقف وتمتزج مع صفير سيارات الإسعاف.
وانتشر رجال الإطفاء بالمئات في المكان، وبدوا منهكين. بعضهم يبحث عن زملاء لهم كانوا يعملون على إطفاء حريق اندلع قبل دوي الانفجار، على ما يقول أحدهم.
لم تتوقف سيارات الإسعاف عن نقل الضحايا على مدى ساعات.
بين المصابين عمال سوريون ومصريون كانوا قد وصلوا إلى المرفأ اليوم على متن باخرة أوكرانية تنقل قمحا إلى سوريا. وقال أحدهم، وهو سوري، من دون أن يفصح عن اسمه “منذ ستة أشهر كنا ننتظر لحظة عودتنا إلى سوريا. نحن 13 شابا. أصيب سبعة منا ونجونا نحن الثلاثة”.
وقال عامل مصري، بأسى “كنت أنوي السفر غدا إلى بلدي، لكنني لن أتمكن من ذلك. لا أعرف ماذا أفعل”.
وروى أحد أفراد طاقم الباخرة “ننتظر منذ الظهر هنا. سمعنا أصوات مفرقعات ورأينا دخانا يخرج من مستودع. سألنا أحدهم قال إنه مستودع، وبعدها بدقائق حصل الانفجار”.
على الطرق المؤدية إلى المرفأ، وفي محيطه، زجاج متناثر في كل مكان.
وقالت مكروهيه يرغانيان، وهي معلمة مدرسة متقاعدة تقيم في منطقة المرفأ، لوكالة فرانس برس، “كان الانفجار أشبه بقنبلة ذرية. لم أشهد في حياتي مثل هذا. كل الأبنية من حولنا انهارت. أنا أسيرة وسط الزجاج، والركام في كل مكان”.
***
الجامعة العربية تطلق مناشدة للعالم لمساندة لبنان في نكبته
أطلقت جامعة الدول العربية، مناشدة للدول العربية والمجتمع الدولي والمنظمات الإغاثية العربية والعالمية للإسراع في تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة للبنان.
وأفادت الجامعة في بيان الأربعاء، بأن أمينها العام أحمد أبو الغيط، دعا في مناشدته لتحرك دولي فوري لمساعدة لبنان على مواجهة الكارثة المروعة التي يمر بها، وذلك في ضوء إعلان المجلس الأعلى للدفاع في لبنان مساء أمس “بيروت مدينة منكوبة”، وعلى خلفية الدمار الواسع الذي خلفته انفجارات بيروت.
كما وجه أبو الغيط، القطاعين الاجتماعي والاقتصادي للتصدي لهذه المهمة بالتنسيق مع كافة المنظمات العربية وأيضا الدولية ذات الصلة.
وأعرب عن دعمه الكامل للمناشدة التي أطلقها لبنان للمجتمع الدولي بهدف تأمين المساعدات اللازمة لمواجهة تداعيات التفجيرات الضخمة التي تعرضت لها العاصمة بيروت، مؤكدا “تضامن الجامعة العربية المستمر مع لبنان وشعبه واستعدادها الدائم لدعمه في كل ما من شأنه أن يسهم في استعادة الاستقرار والحفاظ على أمنه وسلمه الأهلي”.
وأشار البيان إلى أن أبو الغيط بعث رسالة مواساة وتأييد وتضامن من الجامعة العربية إلى رئيس الجمهورية اللبنانية، العماد ميشال عون، أكد خلالها وقوف الجامعة مع لبنان، واستعدادها الكامل لتبني مطالب لبنان واحتياجاته العاجلة للمساعدة من كافة دول العالم من أجل تجاوز هذه المحنة غير المسبوقة.
***
نيترات الأمونيوم مصدر كثير من الانفجارات العرضية
مادة نيترات الأمونيوم التي تسببت في انفجار بيروت مساء الثلاثاء هي عبارة عن ملح أبيض عديم الرائحة يستخدم كأساس للعديد من الأسمدة النيتروجينية على شكل حبيبات، وأدت إلى العديد من الحوادث الصناعية منها انفجار مصنع ” اي زد اف” بمدينة تولوز الفرنسية عام 2001.
وتم تخزين حوالي 2750 طنا من نيترات الأمونيوم في مستودع في مرفأ بيروت.
وتعد نيترات الأمونيوم من مكونات الأسمدة التي تسمى الأمونترات، والتي يشتريها المزارعون في أكياس كبيرة أو بالوزن. وهي منتجات غير قابلة للإشتعال ولكنها مؤكسدات، أي أنها تسمح باحتراق مادة أخرى مشتعلة.
وأكدت جيمي اوكسلي، وهي أستاذة الكيمياء بجامعة رود آيلاند التي أجرت دراسات عن اشتعال مادة نيترات الامونيوم “من الصعب جدا إشعالها” كما أنه “ليس من السهل تفجيرها”.
وأوضحت مذكرة فنية لوزارة الزراعة الفرنسية أنه لا يمكن إحداث انفجار إلا عبر التماس مع مادة غير متوافقة أو مصدر شديد للحرارة. وبالتالي يجب أن يخضع التخزين لقواعد من أجل عزل نيترات الأمونيوم عن السوائل القابلة للاشتعال “الوقود والزيوت، وما إلى ذلك”، والسوائل المسببة للتآكل، والمواد الصلبة القابلة للاشتعال أو حتى المواد التي تبعث حرارة عالية.
وشكلت نيترات الأمونيوم مصدرا للعديد من المآسي، عرضية أو جرمية، في العالم.
ووقعت أول الحوادث في مصنع “بي أي أس أف” في أوباو “ألمانيا” وأسفر عن مقتل 561 شخصا في عام 1921. في عام 1947، اهتزت مدينة بريست الفرنسية إثر انفجار سفينة الشحن النرويجية أوشن ليبرتي التي كانت محملة بالمادة. وفي فرنسا كذلك، انفجرت كمية كبيرة تبلغ حوالي 300 طن من نيترات الأمونيوم مكدسة بكميات كبيرة في مستودع مصنع ” اي زد اف” في الضواحي الجنوبية لمدينة تولوز الفرنسية في عام 2001 و سمع دويه على بعد 80 كيلومتر ا وأدى إلى مقتل 30 شخصا وألحق دمارا في المدينة الرابعة لفرنسا.
وفي الولايات المتحدة، أدى انفجار رهيب في مصنع “ويست فيرتلايزر” للأسمدة في بلدة ويست غرب تكساس إلى مقتل 15 شخصا في عام 2013، حيث انفجر مخزون من نيترات الأمونيوم في حادث متعمد. وشكك المحققون في غياب معايير التخزين.
***
بيروت تلبس “ثياب الحداد” غداة الانفجار الضخم
> المصطفى الناصري (و.م.ع)
استفاقت العاصمة اللبنانية، الأربعاء، على وقع الصدمة المهولة غداة الانفجار الضخم الذي هز أمس الثلاثاء مرفأ المدينة وأسفر عن العديد من القتلى والجرحى.
هذا الحادث الأليم، الذي هز كل أنحاء العاصمة وطالت أضراره كل الأحياء وصولا إلى الضواحي وتساقط زجاج عدد كبير من المباني والمحال والسيارات، توشحت معه لبنان برداء ” الحداد”، قبل إعلان حالة الطوارئ ، حيث بدت العاصمة “مدينة مكنوبة” ودخلت في حداد على ضحايا الانفجار.
ووفق آخر حصيلة للحادث، أعلن الصليب الأحمر اللبناني، اليوم ، أن الانفجار الضخم الذي هز مرفأ بيروت وألحق أضرارا كبرى بالأحياء المجاورة في المدينة، أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة أكثر من أربعة آلاف بجروح، مشيرا الى أن فرقه لا تزال تقوم بعمليات البحث والإنقاذ في المناطق المحيطة بموقع الانفجار.
وعمل رجال الإنقاذ بدعم من عناصر الأمن طوال الليل بحثا عن ناجين أو ضحايا عالقين تحت الأنقاض، فيما وصلت المستشفيات إلى أقصى طاقاتها الاستيعابية جراء الأعداد المتزايدة للمصابين.
وفي سياق متصل ، أعلن رئيس الحكومة اللبناني حسان دياب الحداد الوطني على “ضحايا الانفجار”، وتوجه “بنداء عاجل إلى كل الدول الصديقة والشقيقة للوقوف إلى جانب لبنان ومساعدته على لملمة جراحه العميقة”.
وقال دياب ، خلال اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع مساء أمس، إنه “من غير المقبول أن تكون هناك شحنة من نيترات الأمونيوم تقدر ب 2750 طنا موجودة منذ ست سنوات في مستودع، من دون اتخاذ إجراءات وقائية”، مضيفا “لن نرتاح حتى نجد المسؤول عما حصل ومحاسبته”.
من جانبه، دعا الرئيس اللبناني ميشال عون مختلف القوى الأمنية إلى التدخل والعمل على معالجة تداعيات الانفجار الكبير وتسيير دوريات في الأحياء المنكوبة من العاصمة والضواحي لضبط الأمن.
كما شدد على تقديم الإسعافات إلى الجرحى والمصابين، وتأمين الإيواء للعائلات التي تشردت نتيجة الأضرار الهائلة التي لحقت بالممتلكات.
وحول السيناريوهات المحتملة للحادث، ذكرت تقارير إعلامية أن “روايتين تجاذبت حول أسباب حدوث هذا الانفجار الضخم، الأولى تقول إن سببه انفجار نحو 2700 طن من مادة “نيترات الامونيوم” المصادرة منذ 6 سنوات تقريبا من أحد البواخر، وتم الاحتفاظ بها في المرفأ، فيما تتحدث الرواية الثانية عن عمل عسكري إسرائيلي استهدف المرفأ، خصوصا أن عددا من شهود العيان تحدثوا عن وجود طيران إسرائيلي في الأجواء عند وقوع الانفجار”.
وذكرت التقارير أن بيروت “المنكوبة” كادت “أن تتحول إلى “هيروشيما” ثانية بعد حريق تلاه تفجير لمواد كيماوية شديدة الانفجار والاشتعال ساهم بتكوين “الشكل الفطري” للغيمة التي غطت المنطقة، والتي تشبه إلى حد كبير ما يحدث عند حصول انفجار نووي”.
وعلى اثر الحادث المفجع ، توالت ردود الفعل من مختلف أنحاء العالم للتضامن مع لبنان وعرض المساعدات إثر الانفجار، حيث أعربت دول عربية وغربية عن تضامنها المطلق مع البلد لمواجهة تداعيات الانفجار.
يشار إلى الانفجار الهائل الذي هز مرفأ بيروت، أدى إلى دمار جزء كبير من الميناء وتدمير مبان وتهشيم نوافذ وأبواب مع تصاعد سحابة على شكل فطر عملاقة فوق العاصمة.
***
انفجار بيروت محنة جديدة تضاف إلى معاناة اللبنانيين من نكبتهم الاقتصادية
بينما كانوا يتابعون بعجز انهيار الاقتصاد في بلدهم ويعيشون تبعات هذا الوضع الهش الذي أضيف إليه وباء “كوفيد-19″، شهد اللبنانيون الأربعاء كارثة أخرى تمثلت بانفجارين مدمرين أوديا بحياة كثيرين في مرفأ بيروت.
ومنذ أشهر، يلجأ عدد متزايد من اللبنانيين الذين يعانون من جراء الانهيار الاقتصادي، إلى المنظمات الإنسانية التي كانت خدماتها مكرسة بشكل أساسي إلى نحو مليوني لاجئ سوري وفلسطيني يعيشون في لبنان.
لكن المنظمات غير الحكومية تتوقع الأسوأ بعد انفجار مرفأ بيروت الثلاثاء، الذي تسبب بدمار غير مسبوق وتحطم منازل وتشريد الآلاف.
وقال رئيس ومؤسس “مؤسسة عامل الدولية” كامل مهنا “هذا زلزال. أعمل في المجال الإنساني في لبنان منذ 47 عاما ، ولم أر أبدا أمرا كهذا”.
وبعدما بلغت المستشفيات ذروة قدرتها الاستيعابية، تستقبل ثلاثة مراكز من هذه المؤسسة في العاصمة بيروت عشرات الجرحى منذ الثلاثاء لتقطيب جروح ومعالجتهم.
وخلال الأشهر الأخيرة، تفاقمت الأزمة الاقتصادية في لبنان من دون أن تستثني أي طبقة اجتماعية. ويحذ ر خبراء من أن الطبقة الوسطى الدنيا بدأت بالاختفاء، مع خسارة الليرة أكثر من ثمانين في المئة من قيمتها أمام الدولار في السوق السوداء، فيما السعر الرسمي مثبت على 1507 ليرات.
وانعكس تدهور قيمة الليرة على أسعار السلع كافة في بلد يعتمد على الاستيراد لتأمين الجزء الأكبر من احتياجاته. وخسر عشرات الآلاف وظائفهم أو أجزاء من رواتبهم.
وبلغت نسبة تضخم أسعار المواد الغذائية الأساسية 109 في المائة بين شتنبر وماي، بحسب برنامج الأغذية العالمي.
ولا يجد لبنانيون كثر مخرجا سوى اللجوء إلى منظمات إنسانية وإغاثية، اعتادت على تقديم المساعدات إلى اللاجئين الفلسطينيين والسوريين عموما . وإذ بها تستقبل منذ أشهر مدرسين وممرضين وموظفين حكوميين وعمال لبنانيين، تآكلت قدراتهم الشرائية وباتوا عاجزين عن توفير أبسط حاجياتهم.
وبات نصف اللبنانيين تقريبا يعيشون تحت خط الفقر، ولامس معدل البطالة 35 في المئة من القوى العاملة.
وفاقمت إجراءات الإغلاق التي اتخذتها الحكومة لأسابيع عدة للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد من وطأة الأزمة على اللبنانيين.