يقترن الثالث والعشرون من شهر أبريل باليوم العالمي للكتاب، وهي مناسبة أساسية للوقوف عند أهم المستجدات التي يعرفها ميدان النشر، وكذا التحديات التي يواجهها، فضلا عن مناقشة قيمة ما ينتج من كتب في حد ذاتها، علما بأن التأليف في مختلف المجالات يعرف بدوره تحولات ومنعطفات، ومما لا شك فيه أن الاحتفال بالموعد السنوي المشار إليه، فرصة للإحاطة بمختلف الإشكالات المحيطة بالمنتوج القرائي، المسمى الكتاب، باعتباره علامة على حضارة كل مجتمع.
عن النشر في الخارج
بعض أدبائنا ومفكرينا يضطرون -أو بتعبير أدق- يجبرون أنفسهم في الغالب على طبع إصداراتهم في دور النشر الأجنبية على نفقتهم الخاصة، ومنهم من تعرض إلى ابتزاز، أو انطلت عليه حيلة النشر، ولم يحتج، خشية منه أن يفتضح أمره، ويتم نعته بالغباء، وما أكثر الأغبياء.
لكن ما الذي يحدو بهؤلاء إلى تحمل كل هذه المتاعب، من أجل أن يصدر إنتاجهم الأدبي والفكري خارج المغرب.
حين القيام بمناقشة هذا الموضوع مع البعض ممن مروا بتجربة النشر في دور أجنبية، كان يأتي دائما الجواب، بما معناه أنهم يرغبون في أن يتم التعريف بإنتاجهم على نطاق واسع. علما بأن الكتاب المغربي لا يوزع بشكل جيد خارج الحدود. الواقع أن هذا المنتوج لا يحظى بالتوزيع المنشود حتى داخل الحيز الجغرافي لبلادنا. ولكن التبرير الذي كانوا يقدمونه لم يكن مقنعا. لا بد أن وراء الأكمة ما وراءها.
ما معنى أن ينشر بعضهم كتبهم في دور نشر مصرية مغمورة، ويدعون أن تلك الكتب ستعرف الانتشار على نطاق أوسع.
في وقتنا الراهن، صار هناك تهافت من طرف كتابنا على النشر في دور بعينها، وحين نبحث عن السر في ذلك، نجد أن الأمر يتعلق بالجوائز، نعم الجوائز؛ فهناك إصدارات، حسب اعتقادهم، لا يمكن أن يتم تضمينها في اللائحة الطويلة أو القصيرة للجوائز الكبرى، من قبيل: جائزة البوكر الإماراتية، وجائزة الشيخ زايد الإماراتية، وجائزة كتارا القطرية وما إلى ذلك، إن لم تمر عبر دور نشر بعينها.
وحسب تعبيرنا الدارج المعبر الواضح: “إذا شفت النمل طالع هابط مع الدروج، اعرف باللي العسل في المصرية”.
عن معارض الكتب
ما يزعج في معارض الكتب التي تحتضنها بلادنا، على الرغم من قلتها، ولعل هذا يزعج العارضين أكثر من غيرهم، اكتفاء العديد من الزوار بتقليب صفحات الكتب المعروضة للبيع وتركها بإهمال، ثم مغادرة فضاء العرض دون اقتناء أي كتاب، اللي ما شرى يتنزه. ومن كثرة الأيادي التي قامت بتقليب والعبث بالكتب ذاتها، قد يختلط عليك الأمر وتعتقد أنها كتب مستعملة، ولعل الحل لوضع حد لهذا الأمر، هو تعليب تلك الكتب.
ما يزعج في معارض الكتب، حضور قنوات تلفزية ومحطات إذاعية وطنية، دون أن تقوم بالتسجيل الكامل لفقرات البرنامج الثقافي وبثها مباشرة أو في وقت لاحق على الأقل، كان يمكن استغلال الأنشطة الثقافية التي تحتضنها، والعمل على تكوين مخزون من التسجيلات، أو ما يعرف بالفريكو، لأجل بثها في القناة الثقافية الخاصة التي لا يزال ملفها يراوح مكانه على رفوف الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري.
عن كتب الأطفال
مما لا شك فيه، أن عدد مؤلفي كتب الأطفال ببلادنا على الأقل، يعدون على رؤوس أصابع اليد الواحدة، أقصد بالخصوص الكتاب الحقيقيين، وليس أولئك الذين لا يخجلون من التصريح في أكثر من مناسبة، بأنهم لم يلجأوا إلى الكتابة للأطفال إلا لكونهم يسعون إلى الربح المادي، بعد أن اقتنعوا بأن كتب الأطفال تحظى برواج أكبر من غيرها من الكتب، وبالتالي تذر أرباحا مادية أكثر.
حين القيام بزيارة لمعارض الكتب، قد لا نجازف بالقول إن من يحرك عجلة هذه التظاهرات الثقافية، هم الأطفال تحديدا.
إن العدد الأوفر من العناوين التي يتم اقتناؤها، هي عناوين تتعلق بأدب الطفل بالذات، إلى حد أن أصحاب الأروقة التي تعرض المنشورات الخاصة بالراشدين، يحسدونهم على نعمة الرواج التي تحظى بها أروقتهم. العديد من الزوار الراشدين يعملون بذلك المثل الشعبي المأثور: “اللي ما شرى يتنزه”.
عن المجلات الأدبية
الظاهر أن المجلات الأدبية، سواء كانت متخصصة في جنس إبداعي معين أم شاملة، لا تحظى بالرواج، وهذا ما يفسر عدم استئناف صدور العديد من العناوين.
هذا الوضع، أتاح لمجلات خليجية الفرصة لكي تملأ سوق المجلات ببلادنا، خصوصا ما تعلق منها بما هو أدبي، معتمدة في ذلك على عدة طرق لترويج بضاعتها: خفض ثمن البيع، إرفاقها ببعض المنشورات: رواية أو ديوان شعري أو أي شيء من هذا القبيل. وعلى حد قول الشاعر:
“خلا لك الجو فبيضي واصفري”.
فعندما تقصد كشكا من الأكشاك بحثا عن مجلة أدبية، قد لا تجد أمامك في الغالب غير العناوين الأجنبية ذاتها: مجلة نزوى العمانية، مجلة دبي الإماراتية، مجلة الدوحة القطرية، مجلة العربي الكويتية، وماذا أيضا؟ المجلة العربية السعودية، مجلة الرائد الكويتية، وبعض العناوين المصرية، والمجلة الأدبية الفرنسية.. ويمكن أن نصادف عنوانا مغربيا، غير أنه غالبا ما يكون محتشما، حيث لا مجال للمقارنة بينه وبين المجلات الأجنبية الآنفة الذكر؛ بالنظر لحجم الإمكانيات المتاحة لها.
بعض المستثمرين في النشر الذين لا يقدمون على إنجاز مشروع ما، قبل دراسة السوق دراسة معمقة، حين فكروا في إصدار مجلات شهرية أو أسبوعية، جعلوها مخصصة لشؤون المرأة والطبخ والرياضة وما إلى ذلك، ولم يجازفوا بإصدار عنوان واحد خاص بالأدب.
وحتى عندما حققوا أرباحا من مشاريعهم تلك، تؤهلهم لخوض غمار إصدار مجلة أدبية، لم يفعلوا؛ مما يعطي الانطباع بأن هذا المجال الثقافي مغضوب عليه.
عزمت وزارة الثقافة أخيرا على استئناف إصدار مجموعة من عناوين المجلات التي كانت تشرف عليها، غير أن هذه المجلات لا تزال تشكو من سوء التوزيع.
كما أن مجلة اتحاد كتاب المغرب توقفت منذ عدة سنوات يصفة نهائية، بعد أن كانت تصدر مرة أو مرتين خلال السنة الواحدة.
لولا المساحة التي تخصصها بعض الصحف الورقية والمواقع الالكترونية لفنون الأدب؛ لكان الوضع أشد تأزما، وإن كان العديد من أدبائنا ومفكرينا خلال العقدين الأخيرين، قرروا أن يديروا ظهورهم لها ويتنكروا للدور الذي طالما اضطلعت به في ما يخص إيصال إنتاجهم لقطاع واسع من القراء على مر التاريخ. أداروا ظهورهم لها واتجهوا نحو المجلات الخليجية، على اعتبار أنها تلقي إليهم بفتات دولاراتها البترولية.
> عبد العالي بركات