الكثير من المراقبين للمشهد السياسي الليبي وقفوا حائرين أمام تغريدة غريبة أطلقها المندوب الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر، المعني بإيجاد حل للأوضاع المتأزمة فيها، باعتبارها تغريدة غريبة تأتي خارج سياق المهمة المسندة إليه، وخارج أي تفويض أو تخويل يحمله من رئيسه بان كي مون. فهي في توصيفها الأدق، نوع من التغريد خارج السرب، ولم يجد هؤلاء المراقبون تفسيرا ولا دافعا مفهوما يجعل المندوب الأممي إلى ليبيا، يزج بنفسه وبالمؤسسة التي يمثلها، وبالأمين العام الذي أرسله ممثلا شخصيا له في مثل هكذا قضية شائكة وصعبة، وتثير في وجهه الزوابع، لأنه قول غير مسبوق، لم يجرؤ أحد على قوله حتى وهو يتحدث عن قطعة أرض من ممتلكاته، لا عن وطن مثل ليبيا له أهله وأصحابه الذين توارثوه منذ فجر التاريخ، وهو مجرد ضيف عابر في مهمة عابرة، جاء عرضا لأيام محددة أقصاها عام واحد. وكان نص التغريدة، التي صدحت بها في صفحته بموقع التواصل الاجتماعي تويتر كالآتي “ينبغي أن تقوم ليبيا بإلغاء تجريم الهجرة غير النظامية وإنشاء نظام للجوء في أسرع وقت ممكن”.
تغريدة، لا يمكن لرجل له ثقل دولي، ويحمل تكليفا أمميا بحل إحدى المعضلات السياسية التي أقلقت المجتمع الدولي، أن يكون قد صدح بها من فراغ، أو أن يكون قد غامر بمركزه وعلاقته بالليبيين، وأحرج بها رؤساء له في الهيئة الأممية، بمثل هذا الاستهتار دون تفكير أو تدبير أو تخطيط.
من هنا فإنني لا أشارك الحائرين حيرتهم، ولا أرى في ما قاله لغزا يقتضي شرحا وتفسيرا وتبريرا، وإنما أرى فيه حالة من حالات الكشف والبوح والمصارحة لنوايا المجتمع الدولي الذي اختاره لأداء هذا الدور، وأنه بجملته البليغة القصيرة الموحية، يلقي فيضا من الأنوار على السبب في كل ما شاهدناه من إبطاء ومماطلة وسوء تعامل مع الأزمة الليبية، وإصرار على إطالة عمرها، كل هذه المدة التي تجاوزت خمسة أعوام، وهي مدة لم تأخذها الحرب العالمية الأولى ولا الحرب العالمية الثانية، التي توصلت الجماعة الدولية إلى حل معضلاتها وحسم كل قضاياها الشائكة في أقل من هذه المدة. ولأنه مأذون في قول ما قاله، تجرأ على أن يصدح بتغريدة، ويقول كلمات لم نسمع بأحد قالها في سابق تاريخ الأمم والشعوب منذ أن بدأت هناك أمم وشعوب، وهو رفع الحظر في ليبيا، بالذات، عن الهجرة غير الشرعية، لكي تبقى البلاد مفتوحة لهذه الهجرة، ودون فرز واختيار، وإنما تبقى ليبيا، كما يقترح مبعوث “العناية الأممية” لإنقاذ ليبيا من أزمتها، مفتوحة أمام كل من يهرب من أصقاع العالم ليأتي إليها، بمن في ذلك البشر الهاربون من أحكام قضائية في بلادهم والذين اكتظت بهم سجونها فأرسلتهم إلى هذا المكان الذي يريده المندوب الأممي مكبّا للقمامة البشرية، وملجأ لأصحاب المشكلات والعاهات ومطاريد الجبل والصحراء والبحر.
إنه بالتأكيد قول لم يقل به أحد في العالم، قول جديد وأمر جديد، وتغريدة أراد بها أن يقدم خدمة لبؤساء العالم على حساب الشعب الليبي، الذي يملك قارة قوامها أكثر من مليون ميل، وهو شعب صغير، لن يحتاج بملايينه الستة غير قرية أو حي في مدينة يكفي لإيوائه، فلماذا لا يقبل بمثل هذا الاقتراح ويتشبث بروح الأنانية والاستحواذ والطمع وأرض الله لأهل الله، وهنيئا لك يا فاعل الخير.
ولهذا أقول إن كوبلر لم يتكلم من فراغ، وإن تحويل ليبيا إلى مكبّ لقمامة العالم البشرية لا بد أنه هدف من أهداف المماطلة، وهو مكب يحمل حلولا لمشاكلات بلدان أوروبا، كما أنه لن يحتاج إلى أي إنفاق عليه من خزائنها، لأن تحت هذا المكب أنهار من الذهب الأسود قادرة على سد نفقاته، بل سيكون هناك فائض تنتفع به تلك الدول الراعية للمشروع.
تغريدة كوبلر تصب في هذا الهدف وتمهد لجعل ليبيا موئلا لا فقط للمهاجرين غير الشرعيين، بل أيضا للمتطرفين والتكفيريين، فهـم بعد إنهاكهم وإبادة أغلبهم، سيكون من المفيد إرضاؤهم بمكان يتقاعدون فيه، ويقتصرون فيه على عبادة ربهم بعد ضياع أملهم في إنشاء دولتهم الداعشية.
تغريدة غريبة، تكشف عن نوايا جهنمية، يدخرها المجتمع الدولي لليبيا، ويصنع ممثل هذا المجتمع ربيعا للنفايات البشرية التي يريدون التخلص منها، ولكن المندوب الأممي يعرف القاعدة التي تقول بأن عصفورا واحدا لا يصنع ربيعا وتغريدة واحدة لن تتحول إلى سيمفونية يعزفها العالم الغربي في ليبيا، وأن في هذه البلاد شعبا يجب أن يبادر الآن فورا بطرده والاستغناء عن وساطته بل وساطة أصحاب الأجندات الدولية جميعا.
اطردوا هذا المندوب، وانتزعوا الملف الليبي من هذا المجتمع الدولي الخائن للقضية الليبية، وتولوا أمركم بأنفسكم، أو مع أهل الثقة من أهلكم وجيرانكم في الجامعة العربية.
> بقلم: إبراهيم الفقيه