يشكل المعرض الدولي للكتاب فرصة ثمينة لفئات واسعة من المواطنين من أجل النهل من معين الثقافة بروافدها المتعددة والاطلاع على ما جد في مجال النشر، في جو بهيج يحتفي بالثقافة والمثقفين. كما أضحى المعرض في السنوات الأخيرة منتدى مهما أيضا للتفكير والنقاش في مختلف قضايا وهموم المجتمع، بحيث تتخذ منه عدة مؤسسات حكومية وغير حكومية جسرا للتواصل مع المواطنين من أجل استعراض المشاريع والمنجزات في مختلف المجالات، وذلك في سياق جعل الثقافة إطارا ورافدا في ذات الآن للعملية التنموية في شموليتها.
لكن شريحة واسعة من المواطنين ما تزال تجد نفسها “مقصية” من هذه التظاهرة الثقافية والفكرية الهامة.. إنها فئة الأشخاص المعاقين أو ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين يجدون أنفسهم “مقاطعين” لمعرض الكتب رغم أنفهم ورغم أن كثيرا منهم يعتبر من المقبلين بنهم على القراءة وعلى متابعة كل ما يستجد على الساحة الفكرية والثقافية.
وطرح عدد من ذوي الإعاقة، مجددا، بمناسبة الدورة الحالية، هذا الإشكال عندما أطلقوا على مواقع التواصل الاجتماعي تدوينات بمثابة “رسالة إلى من يهمهم الأمر” من أجل وضع حد لسنوات من الإقصاء لهاته الفئة من حقها المشروع في الولوج إلى الثقافة والفكر.
وكتب الناشط والحقوقي عدنان الجزولي، الذي سبق أن تم تكريمه من قبل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، خلال فعاليات المعرض في دورة سابقة، في تدوينة على حائطه الفيسبوكي منذ أيام، أنه يعيش منذ سنوات “عزوفا اضطراريا” عن المعرض رغم رغبته الكبيرة في زيارته، وذلك بسبب صعوبة الولوج إليه والتجول في ممراته بالنسبة إلى شخص في وضعية إعاقة. فبعد أن كان لا يفوت أي دورة من دورات المعرض خلال سنوات الشباب، أصبح الجزولي يجد صعوبة في مجرد التفكير في زيارته، خاصة أنه سيكون مضطرا أيضا لاستعمال القطار من أجل التنقل من مكان إقامته بالرباط إلى مدينة الدار البيضاء حيث يقام المعرض كل سنة. وقد عاش الجزولي بالفعل هذه المهمة التي يسميها بـ “المستحيلة” من أجل حضور حفل تكريمه في المعرض قبل ثلاث سنوات، حيث لاحظ بأن “ممر الدخول إلى المعرض مرهق.. أما السير في ممراته بهدوء والتوقف عند مختلف دور النشر وتكرار العملية فيعد عملا بطوليا يقارب المستحيل بالنسبة لمن يسير بعكاكيز”، ذلك أن إدارة المعرض والوزارة المشرفة عليه، يواصل الجزولي في تدوينته، “تعتبر جميع المغربيات والمغاربة في كامل قواهم ولا فرق بينهم.. ومن ثمة لم يتبادر إلى ذهن القائمين على المعرض توفير كراسي متحركة مع مرافق كما هو الحال في المطار مثلا”..
واعتبر الناشط الحقوقي غياب الاهتمام على هذا المستوى بمثابة “انتهاك للحق المشروع في الولوج إلى الثقافة بالنسبة للأشخاص من ذوي الإعاقة”.. علما، كما يقول، بأن الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي انخرط فيها المغرب بل ونشرها في الجريدة الرسمية منذ 2011، تنص على تحقيق ما يضمن الولوج إلى كل ما هو ثقافي أو ترفيهي، وتحمل الدولة مسؤولية ذلك.
وأضاف أن توفير ولوجيات في المعرض يعتبر “بسيطا وغير مكلف” ويحتاج فقط إلى نوع من تظافر الجهود بين الجهات المعنية والسلطات المنتخبة وكذا المجتمع المدني.
وحظيت تدوينة الجزولي بتضامن واسع من قبل رواد المواقع الاجتماعية الذين قاموا بإعادة نشرها “214 مشاركة”، وتأييدها من خلال تعليقاتهم التي فتحت النقاش مجددا حول الغياب الكبير للولوجيات في الفضاء العمومي، وذلك على الرغم من وجود قانون خاص بهذا الموضوع هو القانون رقم 03.10 المتعلق بالولوجيات والذي يفترض أن تسري مقتضياته على “البنايات المفتوحة للعموم والسكن الجماعي والفضاءات الخارجية، وعلى وسائل النقل والاتصال العمومية”، لكنه ما يزال بمثابة حبر على ورق رغم إقراره منذ 15 سنة.
واعتبر أحد المعلقين أن التدوينة تطرح “مطلبا مشروعا وحاجة ملحة لإحداث ولوجيات تتأقلم مع متطلبات كل الفئات وتسهل ارتياد ذوي الاحتياجات الخاصة لكل المرافق.. كلها”. فيما رأى معلق آخر أنها بمثابة “توصية لكل المؤسسات الفاعلة في بلادنا من أجل تجويد بنياتها المادية والمعنوية”. وذهب ثالث إلى أن هذا الوضع يجسد انتهاكا لحقوق “مواطنين يؤدون الضرائب”، لمجرد أنهم يعانون من الإعاقة.
وعلقت إحدى المواطنات بسرد معاناة زوجها المعاق ومعاناتها أيضا كمرافقة له، مشيرة إلى أن “كل المرافق العامة هي بدون ولوجيات وإن وجدت فهي غير صالحة وغير عملية”. وأضافت “ذهبت السنة الماضية “إلى المعرض” مع زوجي وهو معاق جسديا.. وكم كان مرهقا لي دفع الكرسي المتحرك داخل ممرات لم تعدّ أصلا لذوي الإعاقات.. وفي كل مرة نرغب في زيارة دار نشر أو نشاط مقام هناك.. علي حمل الكرسي بمشقة الأنفس.. بدوري لم أذهب هذا العام”.
ناشطة أخرى من الأشخاص المعاقين حركيا، هي المغربية المقيمة في فرنسا مريم أبوري، أكدت أنها في إطار عملها الجمعوي ضمن “الهيئة المغربية لتنمية المعاق” سبق أن وجهت رسالة إلى إدارة المعرض لتوفير كراسي متحركة عند مدخل الفضاء، وكذا بالسماح للسيارات الخاصة والأجرة التي تقل أشخاصا في وضعية إعاقة بالوصول قريبا من مدخل الأروقة عوض البوابة الرئيسية التي تفصلها مسافة طويلة عن الأروقة”.. لكن “لا حياة لمن تنادي”، كما تقول.
الزائر لمعرض الكتاب في دورته الأخيرة لابد أنه لاحظ لا محالة بعض المجهودات، وإن كانت ضئيلة، قامت بها بعض المؤسسات العارضة حيث فتحت عتبات أروقتها للزوار من ذوي الاحتياجات الخاصة لتسهيل الولوجية، منها رواق وزارة الثقافة والاتصال، رواق المجلس الوطني لحقوق الإنسان وعدد من الأروقة ذات المساحة الكبيرة نسبيا.. إلا أن المشكل سيظل قائما انطلاقا من الباب الرئيسي للمعرض إلى أجواء الفضاء العام مرورا بالفضاء الخارجي ومسالك وممرات المعرض..
وينص قانون الولوجيات على تسهيل ولوج الشخص المعاق إلى مختلف البنايات والفضاءات، عبر ممرات موازية لممرات الراجلين، مع تخصيص نسبة لسياراتهم ودراجاتهم في المواقف العمومية للسيارات أو المرائب التابعة للبنايات المفتوحة للعموم، وإحداث داخل البنايات المفتوحة للعموم ممرات خاصة “تستجيب لوضعية الأشخاص المعاقين من ذوي الحركية المحدودة لتمكينهم من الحركة بكل حرية وسهولة”.
وأوجب القانون كذلك مراعاة وضعية هذه الفئة، خاصة من ذوي الكراسي المتحركة ومستعملي العكاكيز، في مختلف المحطات، بوضع صفوف للصعود بحواجز للحماية، مع إلزامية توفير مقاعد خاصة بنسب متفاوتة داخل وسائل النقل الحضرية الرابطة بين المدن، وكذلك الشأن بالنسبة إلى القطارات.
ولا يقتصر الأمر على قانون الولوجيات، حيث ينص القانون الإطار رقم 97.13 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها، والذي دخل حيز التنفيذ في سنة 2016، بدوره، على “تيسير إدماجهم الاجتماعي ومشاركتهم في جميع مناحي الحياة بكيفية طبيعية على قدم المساواة مع غيرهم من الأشخاص دون تمييز”. كما ينص على ضرورة سهر السلطات المعنية على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لجعل المنشآت العمرانية والمعمارية ووسائل النقل والاتصال مزودة بالولوجيات الضرورية الخاصة بالأشخاص في وضعية إعاقة”، وكذا “تزويد الفضاءات والبنايات المفتوحة في وجه العموم بالولوجيات”. بل إن نفس القانون ينص كذلك، في باب حقوق “الأولوية وتكافؤ الفرص”، على استفادة الأشخاص في وضعية إعاقة من “حق الأولوية في ولوج مكاتب وشبابيك الإدارات والمرافق التي تستقبل العموم”.
فأين نحن من تطبيق هذه المقتضيات الصريحة في واقع حياتنا اليومية؟