حقوق الأطفال في زمن الجائحة

الحجر الصحي يرفع منسوب القلق والتوتر بداخل المنازل

“حقوق الأطفال في زمن الجائحة” هو عنوان التقرير التركيبي التفاعلي الذي أصدرته حركة الطفولة الشعبية كامتداد لمبادراتها التي دأبت عنها بنشرها لوثائق ترصد من خلالها صيرورة وتحولات حقل من حقول اشتغالها. أو نتائج وخلاصات نشاط من أنشطتها إن على المستوى الوطني أو الجهوي أو الفرعي..
يغطي التقرير الفترة ما بين شهر مارس 2020 إلى مارس 2021. ويهدف بالأساس إلى إبراز بعض أوجه معاناة فئة هشة باغثها كما باغث الجميع وباء تنتشر عدواه بسرعة وحجر صحي قاسي وتدابير وإجراءات منهكة… ومدى تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على حقوق الطفل. فبين عشية وضحاها ضاقت حرية الحركة لتصبح مساحتها أقل من مساحة البيت.. وارتفعت نسبة الكثافة السكانية بهذه المساحة التي تعددت استعمالاتها: سكنا ومدرسة ومكتبا وفضاء تنشيط وعيادة… وارتفعت فيها درجة التوتر والقلق والاصطدامات وحالات العنف… وتم الالتجاء إلى التعليم عن بعد في ظل إكراهات بنيوية وبيداغوجية…
وذكر التقرير بأبرز حقوق الطفل الواردة في المواثيق والاتفاقيات الدولية وفي الدستور والتشريعات الوطنية. وقدم معطيات إحصائية في مجالات متعددة حول أوضاع الطفولة بالمغرب.

السكن خط الدفاع الأول ضد جائحة كورونا

أدت التدابير المفروضة على الحركة خارج البيت والاكتظاظ داخله أو العزلة عن محيطه ، إلى مخاطر من بينها العنف الجسدي والنفسي والجنسي ضد الأطفال، بما في ذلك العنف القائم على النوع الاجتماعي. بالإضافة إلى انعكاسات أخرى حيث أبرز التقرير بحثا أجرته المندوبية السامية للتخطيط كشف أن القلق يشكل أهم أثر نفسي للحجر الصحي لدى الأسر بنسبة لـ 49% منهم، حيث تصل هذه النسبة إلى 54 % لدى الأسر المقيمة في أحياء الصفيح مقابل 41 % لدى الأسر التي تقيم في مساكن عصرية، ويتبعه الخوف لدى 41% من الأسر ولا سيما في صفوف الأسر التي تسيرها نساء (47 بالمائة) مقابل 40% من الأسر التي على رأسها رجل، والأسر الفقيرة (43 بالمائة) مقابل 33% من الأسر الغنية.

الحماية الاجتماعية للأطفال: مطمح الرفاهية وواقع الفقر

أبرز التقرير أن للإجراءات التي اتخذتها السلطات العمومية لحماية الأسر من التداعيات الاقتصادية كانت ذات أثر إيجابي. لقد وجد آلاف الأشخاص أنفسهم في وضعية عطالة وانقطاع موارد الرزق. خاصة المياومين والمتواجدين بالاقتصاد غير المهيكل.. وفي حماية الأسر حماية للأطفال.. فقد اتخذت السلطات مبادرات تمثلت في تقديم تعويضات شهرية لمئات الآلاف من الأشخاص..
ومباشرة بعد إعلان حالة الطوارئ الصحية، أعلنت وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأُسْرَة أنها أعدت “خطة عمل لحماية الأطفال في وضعية هشة من عدوى “كوفيد 19”.
إذ أنها قامت في مرحلة أولى بتعبئة 74 وحدة لحماية الطفولة، و4 مراكز للمواكبة لحماية الطفولة، مع إحداث 74 فريقا للمساعدة الاجتماعية للطفولة. مما مكن من إشراك أزيد من 300 عامل اجتماعي متخصص في مجال الطفولة عبر مجموع الترابي الوطني…
وأنه تم تتبع أوضاع 474 طفل وطفلة تم انتشالهم من الشارع خلال فترة الحجر الصحي إلى غاية منتصف ماي. بالإضافة إلى تتبع 3852 طفل مهمل أو في وضعية صعبة يقيمون حاليا بـ 75 مؤسسة للرعاية الاجتماعية.

الصحة: مجهودات جبارة لحماية الحق في الحياة

بلغ عدد الإصابات بفيروس كورونا في صفوف الأطفال إلى منتصف مارس حوالي 37 ألف وهو ما يمثل 7.4 بالمائة من مجموع الإصابات التي عرفها المغرب إلى تاريخه. لكن انتشار جائحة “كورونا” خلفت خوفا وقلقا في نفوس عدد من الأسر المغربية، نتج عنه تخلف عدد من الحوامل والمصابين بأمراض مزمنة وأمهات الرضع والأطفال عن زيارة المؤسسات الصحية، الخاصة والعمومية منها لأجل مباشرة التلقيحات أو تتبع الحالة الصحية.
وقد أدت سنة الجائحة إلى تفاقم تبعات الحجر الصحي عند المصابين بالتوحد والذين يعانون من فرط الحركة، وساهم إغلاق المؤسسات التعليمية والجمعيات والفضاءات الخاصة بهذه الفئة، في رفع منسوب الضغط والقلق عليها وعلى الأسر داخل المنازل….

التعليم عن بعد: عدم تكافؤ الفرص

إن التحول المفاجئ الذي داهم العملية التعليمية والمتمثل في بروز الجائحة بانتشارها السريع ومخاطرها المتزايدة . أثر بشكل مباشر على حق الأطفال في التعليم. في أن تستمر المدرسة بإيقاعها المألوف الحضوري التفاعلي.. وفرضت حالة الطوارئ والتدابير الاحترازية على التلاميذ أن يعيشوا قسرا، هم وعائلاتهم زمن حجر صحي أربك وزارة التربية الوطنية وزج بها في حيرة تلخصت أساسا في أي السبل يجب ضمان الحق في التعليم يواصل معه المتمدرسون تحصيلهم؟ وأي كلفة يتطلبها ذلك؟
أبرز الإكراهات التي واجهت التلاميذ في عملية التعليم عن بعد هو الجانب التكنولوجي الذي يعد الانترنيت أحد أبرز وجوهه. وهو ما عاق عملية التفاعل المباشر بين المدرسين والتلاميذ خاصة عبر وسائط التواصل الاجتماعي.

الحق في الترفيه وتقاعس الوزارة

لم تجد الحاجة للعب أريحيتها في المساحات الضيقة للسكن خاصة وأن معدل عدد أفراد الأسرة الواحدة يفوق أربعة ولاستضافة البيت مهام جديدة من بينها التعليم والعمل عن بعد. ووضع الإقامة الإجبارية هاته وتداعياتها النفسية والاجتماعية أفقد كذلك للعطلة طعمها لدى الأطفال بل تضاعفت المعاناة لديهم بحلول العطلة الصيفية وإلغاء المخيمات التي كان يستفيد منها عشرات الآلاف منهم.
تسبب إغلاق فضاءات التقليدية للتنشيط التربوي إلى حرمان الأطفال من اللعب الجماعي والترفيه الرحب. فقد العديد من الأطفال أنشطتهم التربوية بفضاءات اعتادوها ومع منشطين استأنسوا بهم .
فقد أوقفت وزارة الشباب والرياضة والثقافة الدراسة جميع الأنشطة الثقافية والتربوية والرياضية والتعليمية التي تحتضنها جميع المؤسسات التابعة لها أو الخاضعة لوصايتها ابتداء من 14 مارس 2020.
لكن الملاحظ أن وزارة الشباب والرياضة لم تبدع أنشطة أو تتخذ مبادرات ناجعة من أجل القيام بتنشيط تربوي عن بعد من خلال وضع منصات الكترونية تتنوع محتوياتها على الأقل بالنسبة للأطفال الذين لهم إمكانيات التواصل معها..
من أبرز المبادرات الايجابية التي اتخذتها وزارة الشباب والرياضة هي اتخاذها كافة الإجراءات الوقائية اللازمة من أجل حماية نزلاء مراكز حماية الطفولة بمختلف عمالات وأقاليم المملكة، بتنسيق وثيق مع السلطات القضائية وبتعاون تام مع مصالح وزارة الصحة والسلطات المحلية…

الجمعيات التربوية ودورها في تدبير أزمة جائحة كورونا

يعتبر التقرير أن الأزمة الصحية وتأثيراتها المختلفة على حياتنا أبانت عن قيم أساسية في مجتمعنا، وإلى الحاجة للتضامن والمساعدة المتبادلة وخدمة المصلحة العامة، وهي القيم التي ما فتات جمعيات ومنظمات المجتمع المدني تدعمها وتنشرها على الدوام.
وعلى الرغم من توقف الدعم والتمويل، ظهرت خلال أزمة كورونا العديد من المبادرات الجمعوية المواطنة. فبينما اختار عدد من الجمعيات مواصلة أنشطتها الأساسية في هذا المجال قدر الإمكان. متشبثة بقيم التطوع والتضامن الذي يدخل في صميم الدور الجوهري لعملها الذي يتأسس على قيم العمل معًا، بهدف توطيد و تعزيز التماسك الاجتماعي بين المواطنات والمواطنين حيث اجتهدت في إيجاد الحلول للتخفيف من مخاطر العزلة التي يواجهها الأطفال وبالتالي الحفاظ على مكانتها بروح من التضامن، وعدم فك الارتباط بروادها، معتمدة في ذلك على أنشطة بديلة ومواصلة العمل عن بعد، حتى تظل قادرة على الالتزام بأنشطتها الأساسية خلال هذه الأزمة وضمان استمرار تنفيذها.
مساهمات أكاديمية

خصص التقرير محوره الخامس إلى مساهمات أكاديمية لعدد من الأساتذة شملت المجالات موضوع التقرير:
• انعكاسات كورونا على صحة الأطفال
عبدالرحمن بن المامون .. طبيب. خبير في الصحة العامة
• الآثار النفسية والاجتماعية لجائحة كوفيد وتحدي التعليم الرقمي
رقية أشمال: أستاذة باحثة في القانون العام بكلية علوم التربية الرباط
• الحماية الاجتماعية للأطفال: المفهوم والغايات
أحمد مفيد: أستاذ باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية
• حياة الأطفال في وضعية إعاقة خلال الجائحة
عبد المجيد مكني .. فاعل جمعوي
• أوضاع أطفال الشوارع في زمن جائحة كورونا
مومن محمد: أستاذ باحث في علم الاجتماع بالمعهد الملكي لتكوين الأطر – الرباط –

قضايا الطفل أمام البرلمان

وقدم المحور السادس من التقرير قضايا الأطفال أمام المؤسسة التشريعية:
لم تكن هناك قضايا كثيرة أثيرت أمام البرلمان وخاصة مجلس النواب في الفترة مارس 2020 ومارس 2021. على مستوى التشريع يعد قانون الحماية الاجتماعية المصادق عليه بتاريخ 15 مارس 2021أحد أبرز النصوص التي أنتجتها المؤسسة التشريعية وتعني أيضا الطفل كمستفيد من التغطية نفسها أو التعويضات العائلية للمتمدرسين.
أما مدونة الطفل التي أعلن عنها وزير العدل بتاريخ 21دجنبر 2020 فلازالت مجرد مسودة أولية ولم يكشف بعد عن مضمونها. والمدونة كما هو معلوم هي من توصيات لجنة حقوق الطفل عقب مناقشتها للتقرير الدوري للمغرب حول مدى إعماله لاتفاقية حقوق الطفل.
وفي نفس الفترة التي يشملها تقرير حركتنا هناك ثلاثة مقترحات قوانين تم تقديمها وبعضها تمت مناقشته لكن لم تتم المصادقة بعد. وتهم تعديل القانون المتعلق بكفالة الأطفال المهملين. ومنع تزويج الطفلات أقل من 18 سنة. وحماية الطفلات والأطفال من جرائم الاعتداءات الجنسية. وموضوع التأمين بدور الحضانة. والمادة 6 من مدونة التغطية الصحية الأساسية.
وعلى صعيد الأسئلة الشفوية والكتابية باعتبارهما أحد وسائل مراقبة العمل الحكومي فتركزت بالأساس على الاعتداءات الجنسية والعنف الذي يتعرض له الأطفال. وقضايا الأطفال في وضعية إعاقة. والمخيمات الموسمية التي تم إلغاؤها الصيف الماضي بسبب الجائحة. والتعليم عن بعد الذي تم اعتماده لفترة أثناء الحجر الصحي والتدابير الاحترازية. والتنشيط ووضعية مؤسسات دور الشباب. وظاهرة التسول والتشرد التي يعرفها آلاف الأطفال. والألعاب الالكترونية وتأثيرها على الأطفال. والطفل والصحة. والطفل والإعلام.

Related posts

Top