ما لمسته في مناقشات بعض الساسة والمسؤولين حاليا، لا سامحهم الله، أنهم يعتمدون في تبريراتهم ومحاولات الإقناع أو الرد على كل من يعارضونهم في قضايا ما، على ما يعتبرونه (عصاتين) يدعون من خلالهما أنهم الحماة الجدد للملكية والإسلام. ويسعون جاهدين لإقصاء (المغربي الآخر) المواطن الحقيقي الذي همه الوحيد تحقيق المصلحة العامة واستمرار أمن واستقرار هذا البلد الأمين.
العصا الأولى: يدعون قربهم للملك وحبهم له وأنهم من أشد الناس حرصا وحراسة على الملكية. بل إنهم يستعملون ما يعرف لدى المغاربة بقصة التلميذ الذي يحفظ عن ظهر قلب موضوع إنشائي واحد عن (وصف الحديقة). وعند الامتحان طلب منه الأستاذ تحرير إنشاء يصف فيه طائرة، فكتب التلميذ (طارت فطارت وحطت بالحديقة)، وأضاف إنشاء الحديقة.
القصد هنا أن كل من تحدث عن فساد لمسؤول أو طالب بالتغيير الحكومي، يدعون أنه طالب ويطالب بتغيير النظام.. وأنه خائن وانفصالي وتتهاطل عليه كل صفات الجرم واللاوطنية. وتبدأ بعدها لغة التهديد والوعيد وعبارات الحب والغرام والثناء على النظام لقمع المتحدث والمطالب بالإنصاف.
تطالب بفصل السلط فتهاجم بأنك تريد إنهاء نظام الملكية. مع العلم أن المطالب لا يعلو سقف مطالبه تغيير أو معاقبة مسؤوليين حكوميين، والإنصاف من سلوكيات قائد أو عامل أو وال أو قاض أو منتخب..
العصا الثانية: يعتبرون أنفسهم رواد الإسلام وفقهاءه الذين لا يمكن أن يخطئوا أبدا.. هم المسلمون ومن يعارضونهم هم الكفرة والفاسدون. مع أن ما نعيشه اليوم من فساد وتسيب إداري ومالي يؤكد أننا نعيش مأساة أفشل حكومة.
بهاتين الهراوتين ينشط رواد العهد الجديد الماسكين بزمام التدبير الحكومي (السلطة التنفيذية) وباقي السلط. ينهجون أساليب التأويل والتحريف لقمع وتخويف وإبعاد كل من يسعى لإصلاح ما، ويجلدون من خالفهم الرأي أو كشف فسادا أو تجاوزا ما.
هؤلاء يتحدثون كثيرا عن الاستقرار الأمني الذي يميز المغرب. وكأنهم من صنعوه.. علما أن الشعب المغربي الطيب والخلوق هو من صنع ويصنع الأمن والاستقرار. وأن الملكية هي الغطاء، والملك هو من يسهر على دوام الأمن والأمان، باعتماد الأجهزة الأمنية والاستخباراتية والوقائية. وطبعا فتلك الأجهزة لا علاقة لها بالساسة المسؤوليين الحكوميين الحاليين.
الاستقرار الملكي هو الذي يجلب السياح والاستثمار الخارجي. ويشجع المغاربة على الاستثمار بالمغرب. لكن مصاريف الاستقرار ثقيلة وباهضة بسبب قصور أداء الحكومة والبرلمان بغرفتيه. وسياسة الابتزاز التي يخضع إليها بعض المستثمرين.
المغرب لا يغلي بالعنف ولكنه يغلي بالاحتجاجات.. بالوقفات والمسيرات والاعتصامات لضحايا القهر والفقر والبطالة والعبث بالوظيفة العمومية ومدونة الشغل وقصور أداء الحكومة وعجزها عن تسوية عدة ملفات بعدة قطاعات حيوية. كل هذا هو نتاج لبرامج ومخططات حكومية فاشلة. تبديد المال العام وهدر كل الأزمنة (الزمن المدرسي والجامعي، زمن الطفولة وزمن الشباب وزمن الأسرة وزمن الشغل).
حكومتنا تستحق التتويج والصدارة في تكوين أجيال من المحتجين. وخلق فضاءات للإبداع في كل أصناف الاحتجاج،حكومة تركت موارد وكنوز المغرب الطبيعية في يدي المفسدين والمبذرين والمبددين. أول بلد في العالم على مستوى تصدير الفوسفاط، ولم يوفق منذ أزيد من نصف قرن في تصنيع الفوسفاط واستخراج مشتقاته أبرزها اليورانيوم. ريادة في الثروات السمكية على امتداد بحرين (الأطلسي والأبيض المتوسط)، لكن الثروة السمكية لا يعرف عنها الشعب شيئا. ريادة في الفلاحة لكن واقع الحال يبكي. بعد أن حرم الفلاحون من نعمة تخزين البذور. حيث أريد لكل المحاصيل الزراعية والسقوية من حبوب وقطاني وفواكه وخضر أن تكون مدة حياة بذورها لا تتجاوز السنة. بعد تلقيحها بمواد كيماوية. ليبقى الفلاح تحت رحمة قوى اقتصادية وصناعية عظمى يشتري منها سنويا البذور. كما يشتري باقي الأدوية والأسمدة.. إضافة إلى انتشار الوسطاء بين الفلاح المنتج والمستهلك. وترسيخ الفقر الفلاحي .
أنتم الملكيون.. وأنتم المسلمون.. وأنتم المثقفون والكفاءات.. بشهاداتكم وتأكيداتكم التي لا تنتهي في مناسبات رسمية وغير رسمية.. وحتى من غير مناسبات تخرجون إلى الشعب عبر مواقع التواصل، بتدوينات وتصريحات تزيده نزيفا وألما. لكن واقع الحال يغرد خارج أسرابكم. ويبرز مدى رغبتكم في الامتلاك والتملك. ويفرز لديكم غرائز لا تمت بالملكية والإسلام في شيء.
واقع الحال يوضح بجلاء أن الغموض والضبابية والاضطهاد خيمت على الحياة المغربية، وأن المغاربة يعيشون احتقانات مجانية بسبب سوء التدبير والتسيير المالي والإداري.
وإن كان بينكم من لا يسرقون المال ولا يبحثون عن مصالح أو خدمات شخصية.. إلا أن هؤلاء هم كذلك.. مذنبون بصمتهم إلى حد التواطؤ على التسيب الإداري والبهتان السياسي. مذنبون بتقلدهم مناصب تتطلب كفاءات وطاقات ومهارات لا تتوفر فيهم. مذنبون بسلكهم أساليب غض الطرف (التمياك)، وعدم تدخلهم لوقف مهازل البرامج والمخططات الواهية التي يغرف أصحابها من أموال الشعب، بدون أدنى نتائج إيجابية.
بقلم: بوشعيب حمراوي