الحرف اليدوية أو الصناعة التقليدية المغربية هي جزء من التراث الوطني المغربي مارسها الصانع المغربي عبر قرون من الزمن، إذ تكون بذلك موروثا حضاريا تتعاقبه الأجيال، فلا يكاد بيت مغربي يخلو من شيء يرمز لأصالة المغرب وعمقه المتجلية في منتوجات الصناعة التقليدية، ولعل أن الاتجاه اليوم يسير في منحى رد الاعتبار لهذه الصناعة وإعادة الحيوية والنشاط لها خصوصا على مستوى السوق، «بيان اليوم» اختارت خلال هذا الربورتاج أن تسلط الضوء على حرفة وطنية عريقة لا زالت قائمة إلى حدود الساعة وهي صناعة «القفة»، التي تعتبر من الحرف الأساسية والحيوية خلال القرن الماضي، لكن ومع بداية القرن الحالي بدأت هذه الحرفة في تراجع خصوصا مع انتشار بدائل صناعية بسيطة كالبلاستيك المتوفر بكثرة ومجانا، الشيء الذي أدى إلى خفوت هذه الصناعة في السوق وتراجع إنتاجيتها، لكنها ظلت قائمة تجابه جميع التحديات لتستمر.

حملة الزيرو ميكا والقفة

لعل أبرز ما حرك ولفت الانتباه في هذه الأيام لأهمية حرف الصناعة التقليدية وخصوصا صناعة القفة هي الحملة التي يعرفها المغرب للقضاء على الأكياس البلاستيكية.. لقد تحولت الأكياس البلاستيكية إلى خطر يهدد الصحة العمومية ويشوه البيئة ما جعل المغرب يصطف في خانة الدول الصديقة للبيئة ويعمل بسرعة من أجل التخلص من هذه الصناعة المضرة وذلك من خلال حملة وطنية تحت شعار «زيرو ميكا» للقضاء على جميع الأكياس البلاستيكية والتخلص منها، وتأتي هذه الحملة في سياق احتضان المغرب لقمة المناخ «كوب22» نونبر المقبل، وتأتي كذلك تفعيلا لتوصيات كوب 21 التي تلزم بضرورة القضاء على صناعة البلاستيك باعتباره من أحد أخطر المواد المضرة بالبيئة خصوصا وأن تحليله يحتاج إلى ما يقارب نصف قرن من الزمن، وفي إطار ذلك لجأ مجموعة من المواطنين المغاربة الذين تخلوا عن الأكياس البلاستيكية إلى بديل طبيعي محافظ على البيئة، فعادوا بذلك إلى المنتوج الوطني التقليدي.. القفة التي تصنع من «الدوم» ومن «النخل»، بعد أن كانوا قد تخلوا عنها في فترات سابقة..

مراحل تصنيع القفة

 القفة التقليدية المصنوعة من الدوم والحلفاء والمنتشرة صناعتها في كل ربوع المملكة تختلف صناعتها باختلاف المناطق فمثلا بالجنوب تتم صناعتها بأوراق النخيل أما في الشمال والغرب فهي أكثر لينا إذ تصنع من الحلفاء والدوم بأشكال هندسية متميزة وأحجام مختلفة، كما أنها طبيعية وغير مضرة بالصحة. «بيان اليوم» زارت مجموعة من المناطق المجاور للرباط والتي تعرف مثل هذه الصناعة، وتوقفت على مستوى طريق زعير بمنطقة «عين عودة» حيث يلفت انتباه المسافرين على الطريق الوطنية الرباط – الرماني مجموعة من الأشخاص على جنبات الطريق يعرضون مجموعة من القفف التقليدية إضافة إلى منتوجات تقليدية أخرى كالقبعة المصنوعة كذلك من الدوم والنخيل، وفي ذات الوقت ينهمك هؤلاء بإعداد منتوجات أخرى سواء تحت الطلب أو من أجل عرضها كذلك. وهناك من المسافرين من يروقه المنظر ويتوقف من أجل اقتناء إحداها أو وضع طلبية على المنتوج إلى حين العودة إليه في تاريخ آخر..
الجريدة توقفت عند هؤلاء الحرفيين وتحدثت معهم حول هذه المنتوجات ومراحل صناعتها، فشرحوا لنا جزءا من العملية، فقبل كل شيء يتم التزود بالمواد الأولية من خلال قطع جريد النخل أو الدوم ووضعه تحت أشعة الشمس إلى حين أن يجف جيدا ويلين ليصبح قابلا لمطاوعة اليد. بعدها تبدأ أولى المراحل وهي مرحلة «إعداد الألياف» وهي التي يتم خلالها توضيب ألياف الدوم أو النخيل وتنقيتها من الألياف الصغيرة، ثم تبليلها بالماء لمدة معينة وذلك لتبييضها وتليينها، في بعض الأحيان يتم صباغة الكمية المطلوبة للزركشة، بعد ذلك تأتي المرحلة الثانية وهي التي يتم خلالها إنتاج ما يسمى «الوظيفة» وهي عبارة عن سلسلة عرضها 5 سنتمتر مكونة من 4 إلى 6 ألياف متشابكة، ويتم فتل الشريط من أجل تجميع هذه السلسلة، ثم بعدها المرحلة الثالثة وهي مرحلة التجميع حيث يتم فيها تجميع «لوظيفة» فيما بينها بواسطة الشريط المفتول وإبرة كبيرة تسمى «مخيط» لإعطاء القفة الشكل المطلوب، وفي المرحلة الرابعة والأخيرة التي هي مرحلة التشذيب والتي تقتضي إزالة الألياف الزائدة وتنقية المنتوج لإعطائه الشكل النهائي.. ورغم أن هذه المراحل تبدوا بسيطة إلا أن هؤلاء الحرفيين الذين يتجاوز سنهم 70 سنة، يؤكدون على أن معدل إنتاجهم يتراوح من قفتين إلى ثلاثة في الأسبوع إضافة إلى منتوجات أخرى تأخذ بدورها حيزا من وقتهم، حيث أكدوا أن الإنتاجية ضعيفة من حيث الكم، خصوصا وأن السوق تعرف ركودا في هذا المجال. لكن من ناحية الجودة فهي ممتازة إلى حد كبير خصوصا وأنها مصنوعة من مواد طبيعية وبطريقة حرفية تجعل منها صامدة أمام جميع الاستعمالات ولمدة طويلة، كما أنها بثمن مناسب، حيث يتم تسويقها انطلاقا من مؤشر الحجم والنوع (عادية – مزركشة – كبيرة أو صغيرة..) ويتراوح الثمن على العموم بين 20 درهما إلى حدود 50 درهما.. هي حرفة يزاولها هؤلاء المسنين بعد أن تعبوا من شقاء العمل في الفلاحة طيلة مرحلة نشاطهم، أما اليوم وقد أعيتهم الفلاحة لجئوا لهذه الحرفة من أجل توفير قوتهم اليومي لهم ولعائلاتهم، فلا دخل لهؤلاء يغنيهم عن العمل.. مقابل ذلك فأغلب إنتاجاتهم يتم بيعها عن طريق العرض جانب الطريق الوطنية التي دأبوا على قضاء النهار فيها، أو عن طريق عرضها في السوق الأسبوعي بالمنطقة والذي يصادف الاثنين في عين عودة، من خلال أحد الوسطاء.. أما المتسوقون فيجدون في هذه الحرفة لمسة فنية يجب أن تحظى فعلا باهتمام.
أمل الحرفيين

معظم الحرفيين الذين التقتهم «بيان اليوم» يحملون أملا داخلهم في إحياء هذه الحرفة التقليدية التي عانت طيلة السنوات الأخيرة، إذ بعد قرار منع استعمال الأكياس البلاستيكية تنفس هؤلاء الصعداء واستبشروا خيرا خصوصا مع إقبال مجموعة من المواطنين على اقتناء القفف، حيث عرفت الأسواق التقليدية بداية رواج غير مسبوق مقارنة مع ما سبق، خصوصا بعد إقبال العديد من المشاهير على الترويج للقفة كبديل بيئي للأكياس البلاستيكية.. فيما آخرون متخوفون من إغراق السوق ببدائل أخرى للأكياس البلاستيكية غير القفة.. الأمر الذي قد يبدد أحلام إعادة إحياء هذا المنتوج التقليدي وإعادة الحيوية والرواج له.
فنانون ومشاهير اختاروا القفة بديلا عن الأكياس البلاستيكية
انخرط مجموعة من المشاهير مؤخرا في الحملة الوطنية التي أطلقها الائتلاف المغربي من أجل العدالة المناخية حول قانون منع استعمال الأكياس البلاستيكية، الذي سيدخل حيز التنفيذ في بداية من الشهر الجاري  يوليوز، بحيث ساهم هؤلاء المشاهير من خلال توعيتهم لخطر البلاستيك وضرورة العودة لبديل طبيعي صديق للبيئة خصوصا «القفة»، من بين هؤلاء المشاهير الذين كانوا سباقين للانخراط في الحملة شرفات أفيلال الوزيرة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والبيئة المكلفة بالماء، حيث نشرت صورة لها وهي تحمل قفة للتبضع كبديل عن الأكياس البلاستيكية، مسجلة بذلك انخراطها في الحملة الوطنية «زيروا ميكا» الصورة لقت إعجابا وتفاعلا كبيرا من قبل أصدقاء ومتتبعي الوزيرة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، بدورها الفنانة المغربية نورة الصقلي خلقت تفاعلا مع معجبيها بصورتها على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى كل من الفنانة لطيفة أحرار، وادريس اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فيما بدأ مجموعة من المواطنين والفاعلين الجمعويين في السير على هذه الخطى حيث بدأت تلاحظ مظاهر التسوق بالقفة في الأسواق مقابل الاستغناء عن الأكياس البلاستيكية.

إنجاز: محمد توفيق أمزيان