تتواصل اليوم الخميس ببوزنيقة جلسات الحوار الليبي بين وفدي المجلس الأعلى للدولة وبرلمان طبرق، والتي كانت قد بدأت الأحد الماضي، وأعلن الطرفان الليبيان المشاركان فيها، مساء أول أمس الثلاثاء، عن”تحقيق تفاهمات مهمة”، تتعلق بتحديد معايير مهمة ل”وضع حد للفساد وإهدار المال العام وإنهاء حالة الانقسام المؤسساتي”في البلاد.
لا يتعلق الأمر هنا باختبار قوة الدبلوماسية المغربية في صراع متوهم مع أطراف إقليمية أو دولية أخرى على الساحة الليبية، ولكن الأمر يتعلق بدور إستراتيجي للمملكة تبذله من أجل أن يتفق الليبيون أنفسهم حول حل دائم لإنهاء الأزمة والاقتتال فيما بينهم، ولهذا لا تعرض المملكة على الطرفين المتحاورين وصفات أو سيناريوهات جاهزة ومعدة من لدنها، وإنما هي لا تقدم سوى ما يعرضه الطرفان الليبيان من مقترحات، ويتداولون بشأنها فيما بينهم.
وتسعى الدبلوماسية المغربية لكي توفر الظروف المناسبة ليتفق الليبيون على تثبيت وقف إطلاق النار، ومن أجل فتح مفاوضات جادة لحل كل الخلافات فيما بينهم، ولهذا لم تنجر الرباط إلى أي لعبة محاور على حساب استقلالية القرار الليبي، أو إلى دبلوماسية معاندة وعمياء كما فعل بعض الجيران.
وحتى لما تقرر إضافة جلسات أخرى تعقد اليوم الخميس في بوزنيقة، فذلك من أجل أن يستطيع الطرفان الليبيان تدقيق مختلف التفاصيل والجزئيات فيما بينهم، وإقرار كل نقاط الاتفاق في صياغاتها النهائية.
لقد بقي المغرب دائما ملتزما بالقرار الليبي المستقل، واحترام السيادة الوطنية الليبية، والتقيد بالحياد الدبلوماسي، وبضرورة أن يتولى الليبيون أنفسهم حل مشاكلهم فيما بينهم، ولهذا اصطف دائما في عمق الخيار السياسي الواقعي الذي يقود نحو حل دائم وعادل ونهائي ومتوافق عليه.
اليوم المسؤولية مطروحة على الأطراف والقوى الليبية كي تؤسس امتدادا عمليا وميدانيا لما تحقق من تفاهمات فيما بينها، ولكي تنجح في تقوية حضورها على الأرض في ليبيا لفرض تطبيق وقف إطلاق النار بشكل كامل، ومن ثم تفكيك الميليشيات المسلحة وعصابات المرتزقة، وتنظيف البلاد من السلاح العشوائي المنتشر، وبعد ذلك العمل لاستتباب الأمن والاستقرار في البلاد، ثم الانتقال إلى بناء مقومات الدولة والمؤسسات، وحل كل الخلافات المؤسساتية وغيرها.
لا يمكن للقوى الإقليمية والدولية أن تنوب عن الليبيين في تحقيق كل هذه الرهانات، وهذا ما يسعى المغرب للوصول إليه مع الأطراف الليبية الراغبة في استقرار بلادها ووحدتها.
من المؤكد أن حسابات القوى الإقليمية والدولية، والمصالح الأنانية والريعية لأطراف ولوبيات ليبية مختلفة، وتفاقم المأساة على أرض الواقع، كل هذا بات اليوم يكبل المواقف، ويضيق الاختيارات، ويجعل التحرك إلى الأمام صعبا، وتلفه المخاطر والمثبطات، ولكن يبقى الحل، في نهاية الأمر، هو أن يتأسس التغيير من داخل ليبيا، ومن طرف الليبيين أولا.
وعلى عكس ما يعتقد بعض قصيري النظر وضعاف الذاكرة، فإن المغرب لا يحضر في الموضوع الليبي بخلفية محاصرة طرف إقليمي آخر، أو لجعل الساحة الليبية ميدان تنافس أو صراع مع بلد آخر أو قوة إقليمية أخرى، ولكن المغرب يحضر بدبلوماسية عاقلة ممتلكة لوضوح الأفق وبعد النظر، ويحرص أن يحقق الليبيون فيما بينهم الاتفاق اللازم والكفيل بحل أزمة بلادهم وشعبهم، وأن تستعيد ليبيا استقرارها وأمنها ووحدتها، وينطلق أبناؤها لبناء المستقبل.
أما الحضور في الميدان وصنع موازين القوى الحقيقية على الأرض، وأيضا إعطاء الاتفاقات السياسية والأمنية مضمونا عمليا داخل ليبيا، فكل هذا يبقى شأنا ليبيا داخليا، وعلى الليبيين أن يتحاوروا فيما بينهم ويحرصوا على إنجاح التغيير لمصلحة شعبهم.
المغرب يبقى دائما إلى جانب ليبيا والليبيين من أجل الاستقرار والوحدة والسلام والتقدم.
<محتات الرقاص