كل النساء جميلات وكل جمال يمتلك أدواته وطرقه للتعبير عن نفسه. بعض النساء يتلخص جمالهن في محاولة تهذيب إنسان الكهف داخل رجل لا يجد في المرأة سوى جسد جذاب.
كنت منشغلة بلعبة الحية والدرج أنا وصديقتي في منزلها قبل أربعين عاما عندما استمعت لجزء من حوار دار بين والدتها وجدتها، كانت الأم تتحدث عن ابنة عمها الطالبة الجامعية الجميلة التي تدرس في كلية الطب وعن عيونها التي ذبلت بسبب مذاكرة دروسها ليل نهار، تنبهت الجدة فجأة إلى موضوع العيون، فقالت من دون تردد “لماذا تتعب عيونها الجميلة على شيء فارغ، يكفيها جمالها لتحصل على زوج ثري، شهادة الثانوية تكفي وتزيد!”
هذه الجدة الطريفة كانت تعبّر عن توجه عام لدى مجتمعاتنا الشرقية غارق في الماضي، لا يرى في المرأة سوى وجه جميل يمنحها تذكرة دخول مستعجلة إلى نادي الزوجات السعيدات، أما السعادة من وجهة نظره فهي زوج ثري يعمل كصانع دمى سعيدة يكمل بها ديكور منزله العامر، دمية جميلة بعيون واسعة وشعر فاحم طويل وابتسامة بغمازات تقرأ وتكتب حروف اسمها بنصف مهارة، تطبخ وتنظف وتربي الأولاد والبنات، وربما تكون صالحة للظهور معه في مجتمعات مخملية لا ترى في الدمية سوى ما يراه فيها صاحبها.
خرج عن هذا الإطار التقليدي عدد قليل من المثقفين على اختلاف تخصصاتهم بعضهم كتّاب ومنهم من يشتغل في الحقل الأدبي بالتأكيد؛ ومن كان منهم منصفا للمرأة حتى إذا كان هذا الإنصاف بحدود ضيقة، فقد كان يكف قلمه عن امتهانها أو الحط من قدرها بمناسبة أو بغير مناسبة وهذا أضعف الإيمان، في حين كانت الزوجة في مدونات بعض الرجال موضوع سخرية ومادة طيّعة في أوراقهم اللدنة يشكلونها بحسب أمزجتهم، يسخرون من غيرتها المفتعلة وشكوكها غير المبررة وخوفها من الخيانة، فإذا ما لمحت أقلامهم ظلا لامرأة ناجحة شرعوا بافتعال التبريرات وألقوا باللوم على ملامح جمالها الجسدي الذي عبّد لها، ربما، طريق النجاح، فالنجاح من وجهة نظرهم لا يسمحُ له بالمرور في دربها إلا بشهادة ممهورة بأنامل رجل ما، يقبع في الظل.
كل عقود التحرر التي تبعت ذلك، لم تشفع للمرأة نجاحها بل وتفوقها، في بعض الأحيان، على صديقها الرجل في مجالات معينة، على الرغم من أن الحديث عن حرية المرأة “الجميلة أو المتواضعة الجمال” بات أمر منفرا مضحكا لا يستحق التوقف عنده طويلا، بعد أن صار واقعا وأي إشارة إليه هي بمثابة تمييز وربما تنمر على حق مكتسب لا ينبغي الخوض في تفاصيله مجددا.
أما رجل الظل فقد خرج إلى الضوء وصار أساسا في نجاح أي امرأة، نجاحها في الدراسة أو العمل أو حتى في إدارة منزلها الصغير وتنشئة أبنائها، الظل الذي تحول بفعل الزمن إلى ضوء هو؛ أب حنون، أخ محب، زوج متفهم، صديق مخلص وزميل عمل لا يجد بداً من لعب هذا الدور النبيل في حياتها من دون أن يطيل النظر كثيرا إلى ملامحها الجميلة؛ دور لا يتطلب منه سوى أن يراها كائنا يشبهه كثيرا يمتلك قدراته الذهنية ذاتها، يسير إلى جانبه في درب الحياة الطويل وليس عكس الاتجاه، ذابت الفوارق أو كادت، من دون أي نوايا مبيتة لتفوق أحدهم على الآخر أو محاولة إثبات المرأة لذاتها في معركة تجد نفسها مضطرة إلى دخولها.
لكن بعض الأقلام لا تجد حرجا في العودة إلى الماضي، كي تتخلص من فخ المرأة الجميلة الناجحة؛ هذه التشكيلة البشرية التي لم تزل تثير شكوك بعض المثقفين فيسرعون لطمأنتها بنظرية (رجل الظل)، متناسين بأن لا تعارض بين النجاح والجمال، ببساطة، لأن كل النساء جميلات وكل جمال يمتلك أدواته وطرقه للتعبير عن نفسه. بعض النساء يتلخص جمالهن في محاولة تهذيب إنسان الكهف في داخل رجل لا يجد في المرأة سوى جسد جذاب وملامح فاتنة!
نهى الصراف كاتبة عراقية