تمتاز منطقة سكورة من دون غيرها بتعدد وتنوع ثقافيين قل نظيرهما بمجمل مناطق إقليم ورزازات الشاسع، فرغم انفرادها بالطابع العربي من حيث اللغة، إلا أنها تختزن تراثا شعبيا أصيلا متشعبا وغنيا، متفرع عن أصول اثنوغرافية متعددة تتوزع بين العربي و الامازيغي والإفريقي واليهودي والحساني، تكاد تمظهراتها اليوم تنحصر في الجانب الشفوي المنقول “كالحكايات والروايات والشعر الغنائي والخرافات …”، ما عاد إلا قلة من الرواة يتداولونها وينقلونها للخلف، بالإضافة إلى أن أغلبها لا يردد إلا في المناسبات العامة وخصوصا مناسبة الموسم السنوي لسكورة المسمى “مولاي الطيب “والذي تحتضنه المنطقة في التاسع عشر من ربيع الأول من كل عام احتفاءا بولادة الرسول الكريم محمد (ص).
الاحتفالية الدينية أولا
موسم سكورة السنوي أو “سوق عام” كما يحلو للبعض تسميته هو احتفالية دينية كبرى تقام بتراب قبيلة “الحدادة” التي تشكل أحد قبائل الخامسة بوسط واحة سكورة من الجهة الشرقية، ويبتدئ الاحتفال به في يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول أي يوم ولادة النبي محمد (ص) ويمتد لمدة أسبوع ليختتم في يوم التاسع عشر منه من كل عام، أي انه يتزامن مع أسبوع ولادة النبي صلى الله عليه وسلم. ويبقى تاريخ الظهور الفعلي لهذا الموسم غامضا فالرواية الشفوية تقول بأن الاحتفال بالموسم بدأ منذ عدة عقود لكنها لا تحدد تاريخا محددا لبدايته .
تشرف على تنظيم هذا الموسم عائلة محلية معروفة النسب وأغلب أفرادها فقهاء وأئمة، وتقام الاحتفالية النهائية بأرض عراء وسط الحقول الزراعية ما يسمى “بدار الضمانة” و تكترى هذه الأرض لمجموع التجار والفلاحين و الجزارين الراغبين في عرض منتوجاتهم يوم الموسم بمقابل مادي، و بواسطة هذا المقابل المدفوع سلفا يتم شراء ” ذبيحة ” رسمية تنحر يوم الأول من الموسم، كما تقوم هاته العائلة بتحضير طبق “الكسكس ” لكي يأكله الزوار. ومن التزامات أن تفرش الساحة بالحصائر وتزين بالأعلام الخضراء صبيحة ذاك اليوم، وحوالي الساعة العاشرة يتم إخراج الخروف من أجل ذبحه في ساحة الاحتفال، وهي كلها أمور تحمل دلالات دينية وصوفية بامتياز .
طقس الذبيحة ” أي نحر الخروف ” داخل هذا الموسم و بالإضافة لكونه تماهي أصيل مع عرف ذبح الخروف يوم أسبوع ولادة كل أبناء المسلمين قصد التسمية، فهو عرف يحث المسلمين من أبناء المنطقة على حفظ القرآن و التفقه في أمور الدين، و يضيف آخرون بأن الولي “مولاي الطيب” المسمى الموسم باسمه كان قد أوصى عائلته بالحفاظ على هذه العادة رغبة منه في خلق جهاد روحي لديهم يقوي تربيتهم الدينية .
إن طقوس الاحتفال بهذه الموسم شبيهة بطريقة الاحتفال بالعديد من المواسم الدينية بمناطق المغرب، وتماثل إلى حد كبير طقوس الاحتفال لدى” الزاوية البودشيشية ” بشرق المملكة وخصوصا عندما يتم جر الخروف وسط حشد كبير من الناس يمنة و يسرة إلى مكان الذبح مرفقا بعلم أخضر مكتوب عليه شعار “لا اله إلا الله محمد رسول الله.
فرصة للترويج التجاري و السياحي
ناهيك عن الطقوس الدينية الأصيلة واللصيقة بالموسم، فالحدث يشكل مناسبة يستغلها التجار و المزارعون والجزارين لعرض سلعهم ومنتوجاتهم المحلية، فيما يشبه المعرض المتنقل لمدة أسبوع، بحيث تشكل “اللامات” وهي الاحتفاليات اليومية فرصة تسوق نادرة،يتم استغلالها واستغلال الحشود البشرية الملازمة لها لبيع الخضروات والملابس والعاب الأطفال والشواء والأدوات المحلية والنسيج و الزرابي وغيرها، كما أنه فرصة للترفيه والاطلاع على جوانب عديدة من تراث المنطقة المادي و الشفوي، و ذلك من خلال فن الحلقة الذي ينشط كل احتفاليات الموسم من بداية،هذه الحلقة والمشكلة أساسا من فرق “عيساوة ” المحلية ذات الصيت الكبير بفعل محافظتها على كل الطقوس العيساوية القديمة من مراقصة الأفاعي والثعابين و ممارسة الألعاب الخطرة كثقب الجلد وشرب الماء الساخن و غيره .. و فرق دينية أخرى كـ”الفقراء” التي تؤدي تراتيل دينية متنوعة خلال الموسم وهي خاصيات محلية متجذرة تنضاف إليها العديد من التقاليد والعادات الاجتماعية الراسخة بالوعي الجمعي للساكنة .
من جهة أخرى أضحى موسم سكورة السنوى محجا سنويا للعديد من أبناء المنطقة المهاجرين سواء بالداخل أو بالخارج وللعديد من الزوار و السياح الأجانب، و هذا شيء مفهوم بحكم السمعة المتراكمة على مدى سنوات والتي ما فتىء يحظى بها، غير أن كل هذا لم يشفع للمنطقة لترقى بموسمها هذا لمستوى الحدث الاستثنائي الذي يوازي أو يفوق مستوى المهرجانات الفنية محليا، والأكيد أن مناسبة كهاته وبهذا الزخم يمكن استثمارها لتصبح فرصة للتسويق والاستقطاب السياحيين للمنطقة، خصوصا إذا استحضرنا قيمة الرأسمال اللامادي – الجانب التراثي والفني- الذي تقدمه وما يمكن للزائر اكتشافه بموازاة ذلك من كنوز معمارية و مناظر طبيعية خلابة.
قد يختلف الكثيرون حول شرعية وفائدة موسم “مولاي الطيب” بسكورة لكن المؤكد أن هذا الموسم يساهم بشكل كبير في تحسين الدخل المادي للعديد من الأفراد والأسر من خلال ترويج السلع والمنتجات، كما أنه يساهم في التعريف بهذه المنطقة التي تحتاج لتسويق إعلامي قوي كفيل بجعلها تحضى بنصيبها الحقيقي من التنمية الاقتصادية والاجتماعية.