يظهر الشريكان التاريخيان بالحوض الأبيض المتوسط، المغرب وإسبانيا، عزما راسخا على توطيد روابطهما الاقتصادية، وذلك في ضوء التقارب الأخير على أعلى المستويات في الدولتين.
فبعد تجاوز التقلبات الديبلوماسية الأخيرة، يبدو أن المملكتين عازمتان أكثر من أي وقت مضى، على فتح صفحة جديدة من صفحات تاريخهما المشترك، وذلك في إطار مقاربة تقوم على التكامل وتقارب المصالح.
وتهدف هذه الدينامية الجديدة، التي تم اعتمادها في شهر أبريل الماضي بمناسبة الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، للمغرب، إلى إعطاء زخم جديد للعلاقات الثنائية بين البلدين، ورؤية أكثر اندماجا وحيوية للروابط الاقتصادية.
ورغم كون العلاقات المغربية الإسبانية علاقات متعددة الأبعاد، إلا أنها تميزت دوما بتعاون اقتصادي استثنائي، جعل من المغرب الشريك التجاري الرئيسي لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي، خلف كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة.
فبحجم صادرات تجاوز 70 مليار درهم في سنة 2021، تحتل إسبانيا المرتبة الأولى ضمن قائمة البلدان المتعاملة مع المغرب، مسجلة بذلك معدل زيادة سنوي بنحو 12.4 بالمائة، بحجم تداول إجمالي قدره 153.7 مليار درهم.
إن تطور أرقام التجارة الخارجية مع الجار الإيبيري، والتي تمثل 28.3 بالمائة من مبادلات المغرب مع الاتحاد الأوروبي، لا تعكس مع ذلك اختلالا في الميزان التجاري الذي اتسع بمقدار 10.3 مليار درهم، منتقلا من 2 مليار درهم سنة 2020 إلى 12 مليار درهم سنة 2021.
وعلى هذا الأساس، وانطلاقا من منطق التوازن رابح-رابح، يأتي الإطار الجديد للتعاون الثنائي، والذي يدعو إلى التنمية المشتركة لصالح البلدين، وذلك في وقت يعمل فيه المغرب على التصنيع ونشر نموذج جديد للاستثمار موجه نحو القطاعات الإنتاجية.
والمغرب لا تعوزه المؤهلات في هذا الإطار… فمن خلال السعي للاندماج في سلاسل القيمة العالمية، طور المغرب منصة صناعية هي الأكثر تنافسية في القارة الإفريقية، معززة بمنظومات تكنولوجية ذات معايير دولية، وفاعلين معروفين في الصناعة العالمية.
اجتماع رفيع المستوى بين المغرب واسبانيا
وكان وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، قد أعلن في شهر أكتوبر الماضي، عن عقد لقاء رفيع المستوى بين المغرب وإسبانيا، واصفا اللقاء بـ»اللحظة المهمة في علاقاتنا الثنائية».
اللقاء الذي توقف منذ يونيو 2015، والمزمع عقده ما بين 1 و 2 فبراير المقبل بالرباط، سيتناول النموذج الجديد للتعاون متعدد الأوجه، والذي يسعى البلدان الجاران لإبرامه، فضلا عن الآليات الجديدة للعمل الاقتصادي والاستثمار.
وكان العاهل الإسباني الملك فيليبي السادس، قد أكد يوم الأربعاء الماضي أمام أعضاء السلك الديبلوماسي المعتمد في إسبانيا، أن الاجتماع رفيع المستوى، المندرج في إطار خارطة الطريق التي تم الاتفاق عليها في أبريل الماضي، «سيتيح لنا تعميق علاقاتنا الثنائية الواسعة، من أجل العمل معا على أسس أكثر صلابة».
وبعد إشارته إلى «المرحلة الجديدة» للعلاقات المغربية الإسبانية، أبرز العاهل الإسباني التزام البلدين بإعادة تفعيل مجموعات العمل لإعادة إطلاق التعاون الثنائي متعدد القطاعات، ومعالجة المواضيع ذات الاهتمام المشترك «بروح من الثقة والتشاور».
وكان سانشيز قد شدد عشية تصريح العاهل الإسباني، على أهمية الاجتماع رفيع المستوى من أجل إعطاء دفعة جديدة للتعاون بين البلدين. وفي ذات السياق، صرح وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، بأن هذا اللقاء «سيكون لحظة جد مهمة» في العلاقات بين البلدين.
وفي انتظار مخرجات هذا اللقاء، يبدو أن كل المؤشرات إيجابية من أجل تجديد العلاقات الديبلوماسية بين المغرب وإسبانيا، البلدان اللذان لا غنى لأحدهما عن الآخر.
وإذا كانت الأزمة الصحية قد أظهرت أهمية السيادة، فإن التقلبات الجيوسياسية كشفت من جانبها أهمية عمل متعدد الأطراف، أكثر شمولا واندماجا وتوازنا.
زين العابدين تيموري (و.م.ع)