جميل أن تقرأ مجموعة قصصية بلغة شعرية فيها تجربة إنسانية عميقة؛ تلك هي “رمانة مغمضة” للقاص المغربي عبد السلام عبلة؛ وهي قصص تحت المسمى التجنيسي على ظهر الغلاف. ومن خلال تتبع القصص الثلاث عشرة المشكلة للمجموعة القصصية، نجدها تسبح في عوالم متخيلة، تمزج بين الواقعي والمتخيل؛ وبينهما قبسات من وحي الفكر والتجربة؛ إذ إننا ونحن نقرأ السطور، تقفز أمام أعيننا مجموعة من الأفكار الإلماعية التي تنور القصص ببريقها وتنير للقارئ الطريق للوصول إلى عتماتها؛ حيث في عمق العتمة تنقشع إضاءات تشد الانتباه وتبعث على مزيد من القراءات. وعند إعادة القراءة لهذه القصص، تجد نفسك متورطا في سيلٍ هائلٍ من التأملات؛ وعدد كبير من الانزياحات، وخاصة عندما يتناول القاص مواضيع كونية في علاقة تماس مع مصير الإنسان ومآله؛ مواضيع تبعث على تمزيق جيوب الذاكرة لمعرفة ما تخبئه الحياة. والقاص لا يقدم منجزه القصصي دفعة واحدة وإنما يقدمه بجرعات متفاوتة؛ منها ما يخص الواقع المعيش إذ أنه يقدمه بشكل محاكاتي مغلف بقناع أدبي؛ ومنها ما يقدمه في شكل صيحات مدوية وكأنه يقدم للقارئ عِبرا يواجه بها الحياة وهمومها؛ يقدمها مرة للرجل ومرة للمرأة وكأنه إنسان خبير بتفاوت الجنسين؛ فمرة يتحدث عن الرجل. (الرجلكان هناك؛ يفكريحاول أن يمزق كل جيوب الذاكرةآمن أن الحزن غيمة لا تشتووالمرأة جنس لا تكسر خلفه القلل)1ومرة يتحدث عن المرأة. (إن الحزن والمرأة رمانة واحدة؛لابد من فرقعتها في الوقت المناسب؛خارج مَدَر حديقة الحي المكلومة؛بعيدا عن خناجر يافعة؛ تسقي بماء الغد؛نتوءات الزمن المندحر…)2 بوتيرة واحدة يرتب القاص عبد السلام عبلة فضاء قصصه؛ يتحرك بلغته الشعرية الغارقة في الصور والانزياحات، لكي يولد الجملة القصصية التي تستطيع التعبير عما يدور في نفسية القاص الذي يحتفظ لنفسه بشخصياته التي يقدمها في شكل ضمائر أو في صورة رموز تاريخية من قبيل توظيفه لشهرزاد وشهريار، لكن ليس بشكلهما المعهود؛ وإنما بطريقة مُحينة تلائم العصر وهموم الناس الذين تتجاذبهم نوائب الحياة وهمومها. (بين شهريار وشهرزاددقات المطرقة رهيبة؛وعلو السقف يبتلع الأصوات؛محكمة…إنذار يشيع الصمت)3 تلك هي الكتابة القصصية في (رمانة مغمضة) للقاص عبد السلام عبلة؛ تحاور الواقع بلغة أدبية تجاور الشذرة الشعرية؛ فيها عمق فكري وتوظيف محكم للكلمات؛ وتراكيب منحوتة خصيصا لأداء وظيفتها القصصية رغبة في تحقيق المتعة المزدوجة؛ المتعة القرائية والاستمتاع الفكري.
هوامش:
رمانة مغمضة؛ ص211 1- رمانة مغمضة؛ ص232 2- رمانة مغمضة؛ ص303 3-
بقلم: محمد يوب