قالت موضوع “تجريم الجنح البسيطة بين الواقع والخيارات الممكنة”، رئيسة جمعية “حلقة وصل سجن / مجتمع”، بالدار البيضاء، في بحر الأسبوع الماضي، إن 51 في المائة من السجناء داخل المؤسسات السجنية صدرت في حقهم عقوبات حبسية تقل عن سنتين، وأن 30 في المائة منهم محكومين أيضا بأقل من سنة حبسا، وأنها سترفع مذكرة في الموضوع لوزارة العدل والمجلس الوطني للحقوق الإنسان وللجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، بتزامن مع حملتها الترافعية لأجل إلغاء العقوبات القصيرة المدة واستبدالها بالعقوبات البديلة، تحت عنوان “من أجل بدائل للعقوبات القصيرة المدة السالبة للحرية”.
وأضافت رئيسة الجمعية، في مداخلة لها خلال مائدة مستديرة، نظمت بشراكة مع جمعية عدالة ، حول موضوع “تجريم الجنح البسيطة بين الواقع والخيارات الممكنة”، أنه وإسهاما في رسم معالم سياسة عقابية تكفل إيجاد أجوبة ملائمة للحد من ظاهرة الإجرام البسيط والحيلولة دون تكرار حالات العود إليه، وللحد أيضا من ظاهرة الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية التي تنعكس آثارها على حقوق السجناء والسجينات من جهة وعلى برامج الإصلاح وإعادة التأهيل والإدماج ، تأتي هذه المائدة المستديرة من أجل إثارة موضوع الجنوح البسيط في ظل التحولات الحقوقية المتسارعة وكذا التطورات الاقتصادية التي تشهدها بلادنا وذلك من خلال فتح نقاش هادف داخل الجسم الصحافي حول دواعي هذه الحملة المناهضة للسياسة العقابية المعتمدة في الحد من الجنوح البسيط، وكذا المنطلقات والحجج التي ترتكز عليها المرافعة من اجل استبدالها بعقوبات بديلة لسلب الحرية.
وأكدت بالمناسبة، أن هذه المائدة المستديرة تعتزم تشخيص العناصر المركبة لإشكالية الجنوح البسيط والعقوبات القصيرة المدة من خلال عرض خلاصات البحوث ومختلف أشغال الندوات التي نظمتها التنسيقية المشتركة المشرفة على هذه الجملة الهادفة إلى بناء إستراتيجية فعلية لتجسيد مشروع إصلاح منظومتنا الجنائية على أرض الواقع العملي، متوخية المساهمة في إغناء مضمون المادة الإعلامية بخصوصها و كذا تعبئة الجسم الإعلامي لدعم المطلب الرامي إلى تبني العقوبات البديلة لسلب الحرية في مجال الجنوح البسيط.
واستعرضت الجمعية في هذا اللقاء خلاصات الأبحاث من “سلبيات” السياسة العقابية للحد من الجنوح البسيط، وما تخلفه من آثار نفسية ومعنوية على المحكومين بها، خاصة من الجانحين والأحداث ، موضحة أن الحملة انطلقت باللقاء مع عدد من المتدخلين منهم وسائل الإعلام والفرق البرلمانية قبل صدور مشروع قانون العقوبات البديلة للعقوبات السالبة لحرية، لتوضيح الحقيقة أمام جميع المتدخلين والرأي العام لتبني الترافع من أجل إلغاء العقوبات السجنية القصيرة المدة التي لم تعد، في نظرها” تجدي نفعا في إعادة التأهيل والإصلاح، لكونها غير ملائمة أو غير كافية للمؤسسة السجنية لتطبيق برنامجها الإصلاحي أو التهذيبي لصالح المعتقل المدان أو استفادته من استراتيجية إعادة الإدماج التي تنهجها الأخيرة”، مؤكدة بالمناسبة، أن هذه العقوبات “فشلت في التقليص من ظاهرة الجنوح البسيط”.
وأجمع باقي المتدخلين في هذا اللقاء الصحافي، على أن الإجراءات القانونية التي يتبناها المغرب في إقرار المصلحة الفضلى للطفل وحماية الأطفال والأحداث من الجنوح البسيط متقدمة جدا، لكن شريطة تبسيط إجراءات تنزيلها بشكل فعلي على أرض الواقع.
ويبقى تنزيلها بشكل فعلي على أرض الواقع، مشروط في نظر المتدخلين، بالزيادة في الموارد البشرية التي تواكب هؤلاء الأحداث خلال مرحلة التأهيل وإعادة الإدماج، والسعي إلى تبني مطالب ومقترحات جمعيات المجتمع المدني الناشطة في هذا الميدان، وتتويج مجهوداتها بإقرار مبادرة سياسية تمكن من إلغاء هذه العقوبات القصيرة المدة السالبة للحرية واستبدالها بعقوبات بديلة، والإسراع بإخراج مشروع قانون العقوبات البديلة إلى الوجود حتى لا يبقى حبيس التأجيلات والتردد منذ سنوات.
هذا، ويشهد العديد من المهتمين بشأن السياسة العقابية بالمغرب على أن التوجه الردعي لهذه السياسة قد عرف تضخما تفاقم بشكل مضطرد إلى درجة أصبحت معه القوانين السارية كلها تتضمن أحكاما جزائية إلا القليل منها. هذا التوجه يؤكده أيضا اللجوء المبالغ فيه للاعتقال الاحتياطي كآلية أساسية لمواجهة الأفعال الجرمية سواء الخطيرة منها أم البسيطة.
وأكد المتدخلون، أنه نظرا لما تعرفه الأوضاع العامة للمؤسسات العقابية – في ظل استمرار تغييب العمل بالعقوبات البديلة لسلب الحرية وسوء تدبير اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي – من اكتظاظ مهول يشكل ضمنه المعتقلون الاحتياطيون نسبة 45 بالمائة من مجموع الساكنة السجنية، تتأكد اليوم ضرورة إعادة النظر في هذا النهج المرتكز على النزوع المفرط لآلية الاعتقال، وعلى خيارات الردع والتشدد في العقوبات الجزائية. وأنه على عكس التوجهات الحديثة للسياسات العقابية في دول عديدة، نجد أن نظام العقوبات المغربي يتسم بالطابع الغالب لسلب الحرية بمصطلحات مختلفة تحتل حيزاً واسعاً في مسميات رد الفعل القانوني على الجنوح والجريمة.
ومن بين مخلفات هذا النزوع، يضيف المتدخلون، ” تستوقفنا المفارقة الصارخة بين الإفراط في سلب الحرية في الجنوح البسيط وبين محدودية فاعليته في صد هذه الظاهــرة التي أصبحت تشكل حيزا مهما من حصيلة معدلات الاعتقال”، هذا على الرغم من كون العقوبات السجنية القصيرة المدة لم تعد تجدي نفعا في إعادة التأهيل والإصلاح، لكونها غير ملائمة أو غير كافية للمؤسسة السجنية لتطبيق برنامجها الإصلاحي أو التهذيبي لصالح المعتقل المدان أو استفادته من استراتيجية إعادة الإدماج التي تنهجها هذه الأخيرة، بل يمكن الجزم بأنها فشلت في التقليص من ظاهرة الجنوح البسيط.
حسن عربي
تصوير: طه ياسين الشامي