طالب العديد من الفنانين والمثقفين بوجوب فتح قاعات السينما والمسرح، بعد أن مرت عشرة أشهر تقريبا على قرار إغلاقها من طرف السلطات في إطار التدابير الوقائية من تفشي وباء كوفيد 19.
المطالبة بإعادة فتح تلك الفضاءات الثقافية تنم عن أن تلقي المنتوج الفني ليس عبارة عن ترف أو شيء زائد يمكن الاستغناء عنه بالمرة.
وإذا كان قسم كبير من المطالبين بتنشيط الفضاءات المذكورة هم فنانون، يعرضون منتوجات فنية، وأن الاستمرار في غلق تلك الفضاءات يحرمهم من ترويج منتوجاتهم وبالتالي يحول بينهم وبين الحصول على المصدر الوحيد لعيشهم، أتحدث بالخصوص عن الفنانين المحترفين وليس الموظفين، وإن كان هذا لا يمنع من القول إنه حتى الفنانين الذين لديهم مصادر أخرى للعيش، يشعرون بحاجة ملحة لعرض منتوجهم الفني، اعتبارا لأن علاقتهم بالفن هي علاقة وجودية أكثر منها علاقة ربح مادي إضافي أو خضرة فوق طعام، بتعبيرنا الدارج.
إذا كان الأمر كذلك، فإن هناك قسما آخر من المطالبين بإعادة فتح قاعات المسرح والسينما، يتشكلون من الجمهور، إحساسا منهم بأن المكان الطبيعي لتلقي العمل المسرحي أو الشريط السينمائي هو أمام الركح وأمام الشاشة الكبرى للقاعة، وليس أمام شاشة الهاتف أو اللوح الرقمي.
لنلاحظ أننا لم نعد نتحدث عن أزمة قاعات العرض السينمائي والمسرحي، والإفلاس الذي لحقها، لعدة أسباب، من بينها المنافسة الشديدة التي باتت تشكلها وسائط الاتصال الرقمية نفسها، بل صار هاجس العديد من المهتمين، هو وجوب فتح تلك القاعات، على الرغم من عللها، أو عدم وجودها أصلا.
لا مجال للإنكار أنه تم خلال السنوات الأخيرة القيام بعدة مجهودات للنهوض بالبنيات التحتية المتعلقة، سواء بالمسرح أو بالسينما أو بغيرهما من المجالات، على سبيل المثال المركبات السينمائية ميغاراما، وبعض المسارح الكبرى، كما هو الشأن بالنسبة للمسرح الذي تم إنشاؤه بوجدة، أو ذلك الذي يشهد لمساته الأخيرة بمدينة الدار البيضاء، غير أن أغلب هذه البنايات المشيدة تتموقع بالمدن الكبرى، فماذا عن المدن الأخرى، هناك الكثير من مدننا التي باتت لا تتوفر على أي قاعة سينمائية، على سبيل يل المثال مدينة القنيطرة وغيرها.
إذا ألقينا نظرة على أسماء المطالبين بإعادة فتح قاعات السينما والمسرح، نجد أغلبهم إن لم أقل كلهم يقطنون بالمدن المركزية: الدار البيضاء، الرباط، طنجة.. إلى آخره.
وإذن، ماذا عن المدن التي لا تتوفر فيها قاعات لعرض المنتوج السينمائي والمسرحي، هناك أجيال كبرت وهي لم يسبق لها أن شاهدت فيلما أو مسرحية في القاعات الخاصة بهما، وهذا شيء فظيع، لا محالة أن ذلك سيكون له انعكاس سلبي على تربيتهم، أخذا بعين الاعتبار أن الفن ليس ترفا، بل ضرورة معرفية وتربوية وجمالية.
إن المطالبين بإعادة فتح القاعات السينمائية والمسرحية، يحيلني على رواية رجال في الشمس للكاتب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني، حيث يطرح السائق في ختام الرواية، ذلك السؤال المحير:
لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟
فنانونا وهم يصوغون عريضة المطالبة بفتح قاعات السينما والمسرح، كأنهم يدقون جدران الخزان في الرواية إياها، فمن يصغي إليهم؟
< عبد العالي بركات