في دورة موضوعاتية تنصت لنبض الزمان العالمي الراهن

مبعوث بيان اليوم إلى تطوان:> سعيد الحبشي
الفنان والأسلوب

في إطار الدورة الثانية والعشرين من مهرجان تطوان الدولي  لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط، تميز يوم الأحد الماضي، بعقد ملتقى بالمعهد  الوطني للفنون الجميلة بتطوان، ضم نقادا وسينمائيين،  ومهتمين بالفن السابع، لمناقشة  تجربة المخرج المغربي داوود اولاد السيد، بتزامن مع عرض شريطيه «باي باي سويرتي» و»في انتظار  بازوليني» سيناريو أحمد البوعناني ويوسف  فاضل بالنسبة للأول، وسيناريو وحوار يوسف فاضل بالنسبة للثاني، مع تشخيص الراحل  محمد مجد في الفيلم الأول، والراحل محمد بسطاوي في الفيلمين معا.
وقد أجمع المتدخلون ، أن هذا الأخير قدم إنجازا فيلميا وإبداعيا كبيرا،  وأمن للسينما المغربية حيوية بالغة وللنقد السينمائي مجالا خصبا للمساءلة.
 وأشاروا إلى أن اولاد السيد من الشغوفين، من الناحية التقنية والأسلوبية،  باللقطة الثابتة التي تتضمن كل الحركات، وبالمشهد الطويل.
 وفي مداخلة لداوود أولاد السيد، أكد أن السينما هي المخرج وليس السيناريو،  معربا عن اعتقاده أن الفيلم يتم إنجازه وفق رؤية واضحة وليس طبقا لمواصفات تضعها  لجنة ما، وجمهور وميزانية محددين.
 وشدد على أن الإخلاص للذات والصدق في التعامل هو الأساس في الإبداع السينمائي  عموما، معربا عن رفضه إنجاز أفلام مشابهة لأفلام مخرجين عالميين وتستقي منها  بهاراتها.
  وقال المخرج المغربي إنه يؤمن بأن الأسلوب هو الفنان نفسه، وبالتحكم في  القواعد أولا وبالإبداع ثانيا، وبأن الحداثة في اعتقاده أن يتم نسيان كل شيء ماعدا  الإخلاص للذات.
 وعن علاقة داوود اولاد السيد بالمبدعين البوعناني ويوسف فاضل، قال إن ما  يجمع بينهم هو امتلاك المتخيل ذاته ومحبة الأشخاص والأماكن والأشياء ذاتها، مشيرا  إلى أن فيلم «طرفاية…باب البحر»  الذي أخرجه هو فيلم البوعناني، إذ دخل  عالمه بعدما كان المبدع الراحل هو من يدخل عالمه الخاص، وكذا القول بالنسبة لفيلم  «عود الريح».
ثلاث نوافذ وعملية شنق

 أما بخصوص الشريط الأول من أفلام المسابقة الرسمية فهو من كوسوفو للمخرج  عيسى كوسجا، تحت عنوان «ثلاث نوافذ وعملية شنق» وتدور أحداثه داخل قرية بسيطة وصغيرة، تبدو هادئة وسكانها يعيشون على إيقاع حياة رتيبة وعادية عقب التدخل الصربي في كوسوفو خلال سنوات ال 2000 ، إلى أن تقرر معلمة الأطفال، لوش المتمردة، كشف المستور وإثارة الجرح الذي اعتقد أهل القرية أنه دفن في أعماقهم، حيث أجرت لوش حوارا مع صحفية أجنبية صرحت فيه أنها تعرضت، هي وثلاث نساء أخريات، للاغتصاب من طرف الجنود الصرب.
وبمجرد  نشر المادة الصحفية، انفجر اللغم وحول حياة المعلمة بل وحياة القرية  بأكملها إلى جحيم بين من يعرف الحقيقة ويحاول طمسها وبين رجال القرية الذين صار كل منهم يشك في أن تكون زوجاتهم من بين النساء الأربعة المغتصبات، الجيد في الفيلم، أنه يطرح القضية من زاوية تكاد تشبه نظرة النفاق في العديد من المجتمعات، حيث يتم التعامل مع النساء ضحايا الاغتصاب باعتبارهن جالبات للعار،  فيصير اغتصابا مزدوجا للجسد وللحقوق، ما سيدفع إحدى النساء الثلاث اللواتي بقين في السر ولم تفصح المعلمة لوش عن أسمائهن إلى أن تشنق نفسها، مع توالي أحداث الفيلم، وحتى المعلمة لم تكن لتصرح بتعرضهن للجريمة نظرا للقيود الاجتماعية المحيطة بالموضوع، لولا أنها كانت يائسة من عودة زوجها الذي اعتقلته الشرطة يومان قبل اجتياح الجنود الصرب للقرية، لكنه سيعود في الأخير وتبادره بالحقيقة كاملة بعد أن يطفىء ضوء الغرفة ويجلس بعيدا عنها ……ينتهي الفيلم ويبقى السؤال معلقا.
وتميز الفيلم، ومدته 80 دقيقة في فضاء القرية ومحيطها،  بسرد شاعري مرهف لا يلغي لحظات من السخرية من داخل التراجيديا عبر ثلاثة مسنين يتسامرون تحت ظل شجرة  كبيرة، مركزا  على العادات والتقاليد البالية داخل إطار طبيعي أخضر أعطته الكاميرا ما يستحق وربما أكثر.
  الفيلم عبارة عن خطوط متشابكة بين الحب والعنف في مواجهة قيم اجتماعية متحجرة بأحكام جاهزة تتكسر عليها كل شيء مهما تكن قيمته وأبعاده.
 وتجدر الاشارة في هذا الصدد أن المخرج عيسى كوسجا، مزداد سنة 1947، حاصل على دبلوم من المدرسة  العليا للفن الدرامي وعلى دبلوم الإخراج السينمائي من أكاديمية بلغراد، وقد بدأ  مساره الفني مخرجا مسرحيا ومخرج أفلام قصيرة ووثائقية في الثمانينات.  و حاز عيسى كوسجا جائزة خاصة للجنة التحكيم في الدورة الحادية عشرة لمهرجان  الفيلم بسراييفو عن فيلمه التخييلي «كوكومي» (2005) ، وحاز جائزة أفضل فيلم وأفضل  مخرج بمهرجان الفيلم 2006 الألباني بتيرانا.
مهرجان ينصت لنبض زمانه

هذا ويؤكد المنظمون لمهرجان تطوان أن النسخة 22، ستكون محملة بالأسئلة الصعبة عن واقع الإنسان حيث تنعدم الإنسانية وتنعدم شروط الحياة وأهمها العيش والشعور بالأمان، وهذا يتم عبر عرض سلسلة من الأفلام تندرج في هذا الإطار، ما يجعل من الدورة التي تجري أطوارها منذ السبت الماضي، والى حدود اليوم الثاني من شهر أبريل القادم، دورة موضوعاتية صرفة، من مهرجان  ينصت لنبض زمانه، وهذا ما ستزيد التأكيد عليه، الندوة المركزية التي ستنعقد يوم غد الأربعاء وستكون تحت عنوان « عندما تحكي السينما مآسي المتوسط».
 إنه اختيار له ما يبرره على أكثر من صعيد، في ما يشهده عالم اليوم من رجات قوية تكاد تعصف بالإنسانية، من حروب واعتداءات وأطماع وعالم يعيش حالة انفصام بين شماله المتخم بتناقضاته النوعية،  وجنوبه الذي يلهث خلف محاولة عيش على الضفة الأخرى من البحر شمالا وقد كانت أجواء الهجرة الجماعية هي مادة فيلم الافتتاح الذي عرض السبت الماضي تحت اسم «المتوسط» للمخرج الايطالي الأمريكي جوناس كاربينيارو، شريط يندرج خارج المسابقة الرسمية، ويحكي عن الهجرات الجماعية التي لم تقف دونها الأسلاك الشائكة ولا أمواج البحر العاتية، أو مخاطر الطريق وفراق الأوطان ومتاهات الصحراء الوعرة، هذه الهجرات التي صارت مصدرا لقلق مزمن ولأزمات وصراعات في دول الاستقبال، حين يكتشف المهاجر أن الإحساس بالغبن والظلم سيلازمانه أينما حل، ولو في الشمال الغني، حينها تصبح قيم الشمال الاجتماعية العادلة وخطابه الديمقراطي، موضع سؤال مركزي كبير، تتناسل منه العديد من الأسئلة المفصلية على رأسها هل يتوجب على المهاجر بعد كل هذه المعاناة، الرجوع إلى الأوطان أو التشبث بالبقاء مهما كان الثمن.

Related posts

Top